ينظر البعث (كما نجتهد ونرى) الى ماحدث في بعض اقطار الوطن العربي منذ نهايات عام 2010 وحتى المرحلة الراهنة من خلال منطلقين مفتاحيين ومستويين من النظر : أولهما : بداهة وشرعية وضرورة الثورة والتغيير في وطن عربي قاده حكامه الى مرحلة مزرية من الاستنقاع والانحطاط وسوء الحال والفشل، مع وجود المبررات الموضوعية الكافية للثورة، وايمان البعث بدور الجماهير العربية وقدراتها في تغيير اللواقع العربي.
وثانيهما : الخشية والحذر مما يمكن أن يلابس هذه الثورات من محاولات حرف وتحريف واجهاض، واستدخالات خارجية قد تأخذ هذه الثورات بعيدا عن غاياتها المفترضة أو تجعلها ثورة مضادة ضد الثورة الحقيقية المطلوبة.
ولذا فان قراءة البعث لهذه الاحداث والثورات نحت منحى تدرجيا واوليا وابتعدت عن الاحكام القاطعة، وخصوصا لأن عنصر المفاجأة فيها لم يتح للنظر والتحليل الموضوعي القدره على اصدار الاحكام الحاسمة والناجزة، كما أن نوعية وزخم هذه الثورات ودخول عناصر ومدخلات مختلفة في اطلاقها واستمرارها جعلها عصية على الاندراج في نمط وتنميط واحد واحادي، ذلك أنها اخذت ابعادا وأشكالا ومضامين وعناوين وسياقات مختلفة جعلت عملية ادراجها في اطار واحد ورؤية واحدة عملية معقدة وعصية، على الرغم من وجود قواسم مشتركة فيها، وأصالة انبثاقها من رحم الجماهير، وانتقالها الجوّال من قطر عربي لآخر وندائها الموحد : الشعب يريد اسقاط هذه الانظمة العميلة، والتأثيرات التي حملتها على مجمل اقطار الامة العربية.
ولم يشأ البعث أن يربط الثورات العربية بفكرة المؤامرة استعجالا واعتباطا ودون تمحيص العناصر والمعطيات والمفردات الكثيرة التي يمكن أن تجعل من ثورة شعبية في قطر ما تنبثق خدمة لأهداف ومآرب خارجية، أو تكون جزءا من مؤامرة أو شكلا من اشكالها، الا في حالة اطلاق بعض الايحاءات والتعبيرات والعناوين المفصحة عن ذلك والتي توحي وتذكر بالتعابير والادعاءات التي مهدت الطريق لاحتلال العراق، ووضعت لأهدافها المشبوهة عناوين براقة مثل ازاحة الاستبداد، والسعي الى الديموقراطية، والمظلومية وغيرها من الافتراءات. وكانت تلك الخشية المنهجية احد مقاييس الحكم على الثورات العربية الطالعة، واذا ماكانت تنتمي لمؤامرة خارجية، أم أنها ثورة شعب عربي دخل عليها الدخلاء والعملاء المرتبطين بالمشاريع الاستعمارية ليجعلوا منها مؤامرة على اوطانهم أو توظيفها لمثل هذه الاغراض.
ولم يشأ البعث ايضا أن يتهم حركة الجماهير العربية الطبيعية والمفترضة دائما في الثورة على الاستبداد، ونزوعها للتغيير، ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة، الذي وضعها فيه حكامها بأنها مؤامرة خالصة، أو هي مؤامرة منذ لحظة انبثاقها، مادامت لم تعلن عن كامل مشروعها ولم تقدم أية ضمانات بأن لاتتحول الى مؤامرة أو ثورة مضادة. وانما وضع معايير للحكم على مسارات هذه الثورات ووضوح ونقاء اهدافها وعدم جنوحها أو قابليتها للارتداد والردة، وحصانتها من عدم الانخطاف والانسياق وراء دعوات تحويلها من ثورة جذرية تخدم فكرة التغيير والتقدم في الوطن العربي الى ثورات ناقصة ومغدورة وردات فعل شعبية سرعان ماتتلاشى وتعيد الامور الى سابق عهدها.
كان لدى البعث " كما نفترض" حسّ التأصيل الفكري الثوري لا حسّ الاتهام العشوائي والاعتباطي، واطلاق الاحكام العابرة والمتعجلة، والتأصيل الفكري "كما نقدر" يتطلب هدوءا في التفكير وعقلانية في التحليل، وهذه لدى البعث منهجية في توليد الافكار وتقدير المواقف، ولم تكن ترددا وقصورا أو انسياقا اعمى وراء الاحداث دون التمعن وتبيان المصلحة القومية فيها، وحرصا على صيانة وتحصين الجماهير العربية وحراكها من العشوائية والشعبوية أو الانفلات في اتجاهات مضادة ومغايرة للمصالح القومية الكبرى أو ضدا لها حتى ولو كان ذلك بنوايا بريئة وطيبة!!
ولقد تميز البعث في ادراكاته السياسية القومية، "باعتبار الثورات العربية ثورات لم تكتمل أو هي في طور الاكتمال" عن الكثير من مناهج النظر التي سارعت الى جعل الثورات ثورات خالصة ومكتملة ولا تشوبها أية شائبة، أو تعجلت في جعل الثورات مؤامرات أو جزءا من مؤامرات على الوطن العربي، مع أن البعث سعى ويسعى دائما الى أن يتحقق الاكتمال في هذه الثورات وفي مجمل العمل الشعبي العربي بحيث يكون ذلك نزوعا قوميا لاشتقاق أفق جديد نحو الحرية والوحدة والتقدم والتغيير!!
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق