أنشأ حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق منذ عام 1968 وحتى عام الغزو 2003 وماتلاه، بعد اطلاق المقاومة الباسلة وقيادتها وحتى ايامنا هذه، فضاء للتفكير والسؤال، وأرضية فكرية –سياسية قومية نموذجية يمكن البناء عليها لبناء تصورات قومية مستقبلية، وتقديم نموذج ارشادي في الثورة الدائمة، وفي كيفية صياغة وبناء الحياة العربية وقت السلم،ووقت الحصار والحرب، ووقت التصدي والمنازلة المباشرة الميدانية مع المشروع الاستعماري – الصهيوني – الايراني.
لقد قامت هذه الارضية على الأسس التالية :
- بناء القطر – القاعدة على اسس من التنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، واشاعة العلم، والبناء الشامل، والنهوض بكافة قدرات المجتمع، وتسخير الممكنات والثروات الوطنية لبناء هذه القدرات وتطويرها وتحويلها الى قوة مادية دافعه متحفزة منتجة وقادرة على انجاز المعجزات والطفرات، وشمل ذلك محو الامية، تطويرقطاعات التعليم والبحث العلمي، خلق جيش العلماء في شتى المجالات، الانفتاح على التكنولوجيا المتطورة وتأهيل القدرات الوطنية للتعامل معها وتسخيرها للبناء والتنمية بصورتها الانفجارية.
- تطوير القدرات الدفاعية للقطر- القاعدة وبناء الجيش العقائدي المستند الى المرجعية والمباديء القومية، وتحويل هذه القدرات الى ذراع قوية يمكن أن تصون الوطن وأن تشارك في معارك الامة، وقد تم اختبار هذه القدرات عام 1973 في حرب تشرين دفاعا عن سوريا، وعام 1980- 1988 عندما حققت النصر المؤزر على العدوان الايراني، وعام 1991 عند مواجهة العدوان الثلاثيني، وعام 2003 في المواجهات الاولى، ولاحقا عندما اصبح هذا الجيش عماد المقاومة الباسلة التي واجهت ولاتزال تواجه المشروع الاستعماري – الصهيوني – الايراني.
- بناء الانسان العربي وبروز مثال القيادة الاستشهادية الرمزية التي قدمت نموذجا متعاليا في الفداء، والتحدي، والتضحية، والشجاعة وقيادة المرحلة الصعبة ومواجهة متطلباتها، وقدمت صورة ايجابية متعالية عن الانسان العربي الجديد الذي يواجه الموت دفاعا عن الامة والمباديء.
- الانتقال من الحكم الى المقاومة في عملية نضالية نموذجية اذهلت العالم وقلبت الموازين والمسلمات والاراء المسبقة التي كانت تتوقع استسلام وتراجع هذه القيادة واختيارها الطريق السهل في الهرب ورفع راية الاستسلام ,
واذا اقتصرنا النموذجية على هذه العناصر المنتقاة من التجربة البعثية في العراق، لكي نتحدث عن ارضية استنهاضية، ونموذج ارشادي يمكن أن يوضع امام عقل الانسان العربي في المرحلة العربية الراهنة، من اجل الانطلاق في اشتقاق رؤية جديدة للتغيير، وبرنامج عمل للمستقبل، فان مانتغياه الآن هو ترجمة هذه العناصر التأسيسية بمفردات برنامجية – نضالية، لغايات تجسيدها في العقل والواقع العربي، وخلق الاداة القومية المناسبة القادرة على التجسيد والابتكار الخلاق، وفتح حقول فكرية - معرفية للتداول في امكانية أن يكون هذا النموذج الارشادي حافزا وملهما لاعادة بناء المشروع القومي النهضوي بمنطلقات وأسس جديدة.
واذا لم نكن قد استطعنا في المرحلة السابقة أي " منذ عام 2003 " قراءة هذه التجربة قراءة قومية استنهاضية، من اجل وضع كامل عناصرها امام العقل العربي بصورة حافزة ودافعه على التغيير، الا أننا نجد المجال مفتوحا الآن مع انطلاقة هذا الحراك الشعبي في معظم الاقطار العربية، لاعادة بلورة هذه العناصر وتوظيفها في مرحلتنا وحراكنا الراهن، وتحويلها الى مفردات وطنية وقومية يمكن التقاطها وتوطينها في كافة المجالات، وجعل مفرداتها عناوين لعمل مستقبلي قادم.
واذا كانت جماهيرنا العربية قد هللت لمواقف تركية "أردوغانية" تكتيكية واستقطابية في لحظة معينة، ورفعت اعلام تركيا وصور "اردوغان" في العواصم العربية، فلماذا لانضع امام هذه الجماهير العربية نموذج العراق القومي، وقيادته الاستشهادية الباسلة، وانجازاته على الصعيدين الوطني والقومي، لتكون برنامجا وحافزا على التقدم والتغيير والحرية والنهضة؟؟
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق