امتلك البعث ومنذ أمد طويل رؤية وقراءة تاريخية واستشرافية ايجابية لدول الجوار الجغرافي المحاذية للوطن العربي، وعدّها من الدول التي يجب على العرب تعميق العلاقات معها واستثمار كل ماهو مشترك معها للنهوض بهذه العلاقات وتحويلها الى علاقات استراتيجية،تراعي مصالح الوطن العربي ومصالح هذه الدول ذاتها، انطلاقا من نظرة تاريخية تميز بين العدو والصديق وبين التناقض الرئيسي والثانوي، وانطلاقا من كل المباديء والمواثيق التي يجب أن تحكم العلاقات بين الدول وخصوصا تلك الدول التي ترتبط معها الأمة العربية بالدين والكثير من القواسم التاريخية والجغرافية المشتركة.
وكان البعث يقيس مواقف هذه الدول بمقاييس قومية تاريخية رفيعة وتوافقية، تتأسس على مدى قرب هذه الدول أوبعدها عن العرب وقضاياهم الكبرى وعدم انخراطها في مشاريع تسيء للعلاقات التاريخية بين العرب وبينهم، وتضر بالمصالح المشتركة، وتؤسس لعلاقات عدائية تكون آثارها وبيلة على الجميع. ولذلك لم يبادر العرب في أي لحظة من تاريخهم الى تأجيج العداء أو الاعتداء على هذه الدول، وانما كانت الانتهاكات، والمبادرات العدائية تأتي من طرف هذه الدول مدفوعة بعقد تاريخية، أو مطامع ومطامح، أو مشاريع بغيضة لاستثمار واستغلال الضعف والفراغ السياسي في الوطن العربي.
ولعل ايران وفي عهودها المختلفة القديمة الشاهنشاهية والحديثة الخمينية والخامئنية كانت تقدم المثال الواضح على دولة الجوار التي لديها رؤى نقيضة وعدائية في معظم الاحيان حول العرب " ولديها كما يلاحظ الآن مطامع في استعمارهم واذلالهم " اذ كانت ترى فيهم العدو التاريخي الذي قوّض حضارتهم، والأمة التي يجب استرداد مجدهم منها، وحكم ذلك عقلهم وأجج احقادهم وكراهيتهم للعرب طوال الفترات السابقة، وكان ذلك نذيرا باحتقانات وانفجارات وتعبئه ايرانية شعبية دائمة انتظارا للحظة الحاسمة لكي يأخذوا بهذا الثأر ويستعيدوا مجدهم التاريخي السليب، وتجسد ذلك بكل المعاني عندما قاد الخميني حملة عدائية عسكرية صفراء بعد أن مهد لذلك بأفكار عدائية وافتراسية عام 1980 لاحتلال العراق تمهيدا لاخضاع بقية الدول العربية وتصدير الثورة اليها تحت غطاء الشعارات الاسلامية " لاحدود بين الدول الاسلامية " وتحرير فلسطين.
وعلينا أن نشير هنا الى أن البعث كان من بين الحركات السياسية الاولى التي قدمت قراءة عميقة حول ثورة الشعب الايراني في مقالات ظهرت في جريدة الحزب الداخلية " الثورة العربية"، ابدى فيها الحزب تفهما ومؤازرة لها، انطلاقا كما قلنا من فهمه التاريخي لطبيعة العلاقة التي يجب أن تنشأ بين العرب وايران، كما أن علينا أن نشير الى الرسائل التي كان يبعث بها الشهيد المجيد صدام حسين أثناء الحرب الايرانية – العراقية الى الشعوب الايرانية داعيا الى السلام ووقف الحرب، ومذكرا بالعلاقات التاريخية والحضارية التي يجب أن تقوم بين الأمة العربية وايران، الا أن كل ذلك لم يجد الاصداء المناسبة لدى قيادات متخلفة ومعقدة وحاقدة، آتية من القرون الوسطى وزاد ذلك من الأشكلة وتعقيد الامور واستمرار الحرب التدميرية ثمانية أعوام.
الآن يتبدى المشروع الايراني في أبشع وأقذر صوره " وكما افترضته وتوقعته قراءة البعث المبكرة " بعد أن شاركت ايران " عدوة الشيطان الأكبر!! " في احتلال العراق عام 2003 وقامت بالجانب الأخطر من الاحتلال وهو " التطييف وانتزاع الهوية العربية، وتغيير هوية المجتمع " وتحويل الصراع مع الاحتلال الى انقسامات وتشطير وتشتتيت للمجتمع العراقي، والتعاون مع الاحتلال الامريكي في العملية السياسية الطائفية المفبركة لكي يأخذ دوره ومحله في ادامة تقسيم العراق والسيطرة عليه، واعادته الى ماقبل التاريخ بعد الانسحاب، واحلال حكومات طائفية تأتمر بالامر الايراني، وتعادي العروبة، وتواصل دورها في الانتهاكات المختلفة، واللعب على الذقون، والاستعداد لمدّ النفوذ الى الخليج العربي، وتقاسم النفوذ مع الاستعمار واشاعة جو من الكراهية الدائمة بين العرب والشعب الايراني.
وعندما يشير البعث الى كل ذلك، وعندما يشخص الدور الايراني بهذا الوضوح في المرحلة الراهنة، فانه لايريد كما تردد بعض الابواق وتتوقع، أن يقدم التناقض الثانوي على الرئيسي أو أن ينسى ويهمش تناقضه الرئيس مع الاستعمار والصهيونية، ولا يريد أن يفتعل عداء متجددا مع ايران، وانما هو يشير اشارة واضحة الى دور استعماري ايراني متجدد ضار بالامة العربية، والى مشروع ايراني عدائي تجاه الامة العربية يتقاسم الدور الاستعماري التدميري مع الاستعمار والصهيونية، وقد يظهر هذا الدور ويتعاظم ويصبح اكثر انكشافا ووضوحا في مراحل لاحقة عندما تكبر أنيابه ومخالبه النووية ويتحول الى قوة اقليمية معترف بها في لعبة الامم، وعندما يجلس مع الامريكان كما جلس في السابق أثناء احتلال العراق ليقول هذا لنا وهذا لكم من لحم العرب، وهذه قوانين ومخرجات اللعبة الجديدة بين الشيطان الاكبر والأقذر وكلا سوف تعلمون!!
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق