قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

توفيق المديني: شبه إجماع لدى تكوينات المجتمع المدني في تونس أن حركة النهضة الإسلامية تستخدم السلفيين لإخماد المعارضين.

توفيق المديني: شبه إجماع لدى تكوينات المجتمع المدني في تونس أن حركة النهضة الإسلامية تستخدم السلفيين لإخماد المعارضين..
وكالة انباء الرابطه

اتحاد الشغل ولعب دور الملجأ للمعارضة في تونس
توفيق المديني
أنهك انخراط تونس في نظام العولمة الليبرالية مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ، قوى الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث كانت مؤسسات القطاع العام هي مركز ثقله ومصدر قوّته، على اعتبار أنّ الدولة كانت تقتطع انخراطات العاملين في تلك المؤسّسات من رواتبهم مباشرةً وتُحوّلها إلى الإتحاد.
وساهم تدجين الإتحاد في عهد الرئيس المخلوع بن علي، بعد إصراره على إبعاد الزعيم النقابي التاريخيّ الحبيب عاشور، في تفكيك الدور الذي لعبته النقابات في عهد بورقيبة بوصفها السلطة الوحيدة المضادّة للدولة، والقوّة المعدّلة للموازين في وجه الحزب الحاكم ذي النفوذ شبه المطلق. وقد شكّل وقوف الإتحاد في صفّ بن علي خلال مراجعة الدستور في 2002 لضمان مزيدٍ من الولايات الرئاسية، خلافاً للتعهدات التي قطعها على نفسه لدى مجيئه إلى الحكم، أحد العناصر الحاسمة في فقدان الإتحاد قوّته السياسية والرمزيّة السابقة وتصدّع نفوذه لدى القواعد التي باتت في قطيعةٍ مع القيادة.
قبل أربع سنوات، وتحديداً في مطلع 2008، كانت محافظة قفصة التي اشتهرت تاريخياً بأعمال استخراج الفوسفات من أرضها وفق الطريقة النموذجية للأنماط الاستعمارية الفرنسية، شهدت كذلك ما بات يعرف بانتفاضة الحوض المنجمي، التي شارك فيها عمّال المناجم وعائلاتهم، والعمال والعاطلون عن العمل وطلاّب المدارس. وكانت العناوين الرئيسة لهذه الانتفاضة الشعبية، تتمثل في الاحتجاج ضد مظاهر الفقر المدقع وارتفاع الأسعار، وانتشار ظاهرة البطالة، وضد الفساد المستشري في نظامٍ سياسي يقوم على التحالفات الزبائنية، والعصبيات القبلية والعائلية.
وفي هذا السياق ، مثلت الانتفاضة العمالية في محافظة قفصة التي تقع في الجنوب التونسي في العام 2008، الهزة الأرضيّة الخفيفة التي كانت تُنذِر بالزلزال الكبيرالقادم، الذي أدّى إلى اندلاع الثورة التونسية في شتاء 2010-2011، التي انطلقت من مسائل اجتماعية، ثم تحولت إلى ثورة سياسية أسقطت الدولة البوليسية ورمزها المطلق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
بيد أن تطور الانتفاضة الشعبية وتحولها من الريف إلى المدينة، وبالتالي تحولها إلى ثورة سياسية مدنية أطاحت بحكم بن علي البوليسي، وجعل مضمونها الحقيقي في الوقت الحاضر هو الحرية والكرامة، يعود لانحياز الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب هذه الثورة- باعتباره القوة الشعبية المنظمة في تونس منذ عهد الاستعمار- التي دمجت منذ ذلك الوقت العمل النقابي بالعمل السياسي الوطني، وتجاوزت بنضالاتها الشعبية الوطنية حدود نضالات الأحزاب السياسية المعارضة، وعملت على لعب دور الحزب المعارض للحزب الدستوري في فترة الاستقلال، خصوصاً لجهة الاضطلاع بمهام تتجاوز ما وراء المطالب النقابية إلى إعادة صهر سوسيولوجي للمجتمع .
فالاتحاد العام التونسي للشغل هو الذي يصنع الرؤساء في تونس، وهو الذي يحسم كفة صراع الأجنحة داخل النظام التونسي لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، وهو الوحيد القادر على التصادم مع الدولة كما حدث في الانتفاضة العمالية في 26 كانون الثاني 1978، وهو الحاضن الاجتماعي لكل أطياف المعارضة التونسية من أقصى اليسار إلى الإسلاميين مرورا بالقوميين. وإذا كانت قيادته في عهد أمينه العام السابق عبد السلام جراد قد انساقت مع بن علي، فإن هياكله وقواعده لم تكن كذلك.
فقد أعلن النقابيون إضراباً عاماً في صفاقس يوم 10 كانون الثاني / يناير 2011. ثم وضع الاتحاد العام التونسي للشغل كل ثقله في هذه الثورة عندما انتقل مركز ثقلها الذي ظل طيلة نحو شهر متمحوراً في منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، ليأخذ بُعداً وطنياً شاملاً. فكان ذلك التزاوج غير المفتعل بين النضال الاجتماعي والنضال الديمقراطي، الذي أسفر عن نجاح الثورة التونسية، باعتبارها ثورة من أجل الحرية، وفي سبيل بناء نظام ديمقراطي جديد للحياة السياسية التونسية.
أخيرا، يعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، منظمة نقابية فريدة من نوعها في العالم العربي منذ تأسيسها عام 1946، إذ لعبت دوراً مركزيّاً في كلّ الأحداث التاريخيّة التي شهدتها تونس مذّاك. فهي من الناحية التنظيمية تمتلك فروعاً في كل محافظات البلاد، ولديها قدرات تعبوية كبيرة، وهذا ما جعلها تلعب دور المحرّك للثورة الجارية، وفق بعض المحلّلين.
ونظراً لهذا الثقل الجماهيري الذي يتمتع به الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس حيث يبلغ عدد منتسبيه خمسمئة ألف عضو، العديد منهم كانوا منتسبين إلى "حزب التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل، فإن هذا الاتحاد أسهم في تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى، وأسهم أيضاً في إسقاط حكومة الغنوشي الثانية، وباتت كلمته مؤثّرة في تسيير دفّة السياسة في البلد.
ومنذ انخراطه في الثورة التونسية، عمل الاتحاد العام التونسي للشغل على محو الحقبة السوداء التي عاشها في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستعادة عافيته، وتوسيع قاعدته بوصفه القوة الوازنة الرئيسة في البلاد التي استقطبت حوله ليس المنظمات الأهلية فحسب، وإنما أيضا غالبية الأحزاب الصغيرة .
وبما أن تونس تعيش حاليا مخاض ثورة ديمقراطية عميقة، وهي بصدد بناء نظامها الديمقراطي الجديد، الذي قوامه بناء دولة الحق والقانون، وإقامة تعددية سياسية حقيقية، وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، فإن المشهد السياسي في تونس اليوم، وفي ظل هيمنة حزب النهضة على الترويكا الحاكمة، أصبح منقوصاً لجهة التوازن السياسي بين سلطة النهضة التي تحكم وقوة منافسة تعترض. غير أن من يملأ هذا النقص في المرحلة الراهنة هو الاتحاد العام التونسي للشغل.. الاقدم في لعبة الحقوق والمطالب. وقد ظهر بصفته رأس الحربة في "إزعاج" حكومة النهضة منذ ولادتها قبل 9 أشهر إلى اليوم، ورفع شعار "لا لتقزيم دور الاتحاد" .
عندما تشكّلت "الترويكا" في كانون الاول 2012 (الرئيس منصف المرزوقي، رئيس الحكومة حمادي الجبالي، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر)، شعرالاتحاد العام التونسي للشغل بأن مهمته تكمن في تأمين المسار الديموقراطي حتى يقطع كل صلة مع الماضي. ففي 25 شباط 2012، نظم الاتحاد العام التونسي للشغل مسيرة ضخمة شُبهت بتظاهرة يناير 2011 إذ فاقت كل التوقعات، ما جعل الحكومة تتهم الاتحاد بأنه متحالف مع الحزب المنحل فتوترت العلاقة الى حدّ كبير. قد احتشد أكثر من عشرة آلاف متظاهر يوم السبت 25 فبراير 2012، أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل في العاصمة التونسية للمطالبة بسقوط الحكومة والتنديد بهجمات استهدفت مقراته. وشارك عدد من الأحزاب في هذه التظاهرة ومنها الحزب الديموقراطي التقدمي وحركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي).
لم يقتصر الصراع الحادّ الذي يخوضه الاتحاد العام التونسي للشغل على الجبهة الاقتصادية والاجتماعية، بل لأنه أصبح طرفاً حقيقياً في الصراع ضد التطرف الأصولي، و لاسيما بعد استفحاله في تونس، وغض حركة النهضة الطرف عنه. فتقدم الاتحاد العام التونسي للشغل بصوغ مشروعه الخاص لدستور تونس الجديد، إلى المجلس التأسيسي لمناقشته.
ومن أبرز النقاط التي نصّ عليها هذا المشروع: تنص مبادرتنا على مراعاة نقاط بارزة أهمها التعريف بمقومات الدولة التونسية: "تونس دولة حرة ذات سيادة دينها الاسلام والعربية لغتها والجمهورية نظامها"، وفي ذلك تشديد على شكل النظام السياسي الذي يريده لتونس. فالاتحاد يريد نظاما جمهورياً لا برلمانياً، لا بل نظاماً مزدوجاً لا يكون فيه لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة صلاحيات مطلقة.
هناك شبه إجماع لدى تكوينات المجتمع المدني في تونس، على أن حركة النهضة الإسلامية تستخدم السلفيين لإخماد المعارضين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي سبيل الاستحواذ على السلطة، بينما لا يزال الإتحاد العام التونسي للشغل يلعب دور الملجأ للمعارضة الديمقراطية التي تستجير به من هيمنة حركة النهضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق