قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 26 مارس 2016

عاجل: ارتفاع حصيلة قتلى وجرحى تفجير بابل إلى (125) شخصًا بينهم مسؤولون حكوميون بينهم بينهم مدير ناحية الاسكندرية أحمد الخفاجي وقياديون في الميليشيات الطائفية.!

عاجل: ارتفاع حصيلة قتلى وجرحى تفجير بابل إلى (125) شخصًا بينهم مسؤولون حكوميون بينهم بينهم مدير ناحية الاسكندرية أحمد الخفاجي وقياديون في الميليشيات الطائفية.!

كتب بواسطة: مصادر حكومية وطبية.  المرابط العراقي

IRAQ92
أعلنت مصادر حكومية وأخرى طبيّة؛ ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى الذين سقطوا جرّاء انفجار وقع مساء اليوم الجمعة شمالي محافظة بابل؛ إلى (125) شخصًا، بينهم مسؤولون محليون وقياديون في الميليشيات.

ونقلت الأنباء الصحفية عن تلك المصادر قولها؛ إن الانفجار الذي ضرب منطقة الحصوة بناحية الاسكندرية شمالي المحافظة؛ خلّف (45) قتيلاً بينهم مدير ناحية الاسكندرية أحمد الخفاجي، وعدد كبير من أفراد القوّات الحكومية والميليشيات، مضيفة أن أكثر من (80) شخصًا أصيبوا بجروح متفاوتة ـ بعضها خطيرة ـ لافتة إلى أن القيادي في مليليشيا "العصائب" حسون حسين، من بين أولئك المصابين.
وكانت الأنباء الصحفية قد أفادت في وقت سابق من هذا المساء بمقتل وجرح عشرين شخصًا في الانفجار الذي قالت إنه استهدف ملعبًا شعبيًا لكرة القدم في الناحية.
كما أفادت مصادر صحفية بأن الانفجار الذي لم تعرف طبيعته؛ طال تجمعًا لميليشيا "الحشد الشعبي" هناك، مبينة إن العشرات منهم سقطوا بين قتيل وجريح.

تظاهرات حاشدة في محافظات عدة للمطالبة بتنفيذ الاصلاحات.. والقوات الحكومية تقطع الطرق والجسور المؤدية للمنطقة الخضراء وتغلق وسط بغداد بالكامل.! - تقرير

تظاهرات حاشدة في محافظات عدة للمطالبة بتنفيذ الاصلاحات.. والقوات الحكومية تقطع الطرق والجسور المؤدية للمنطقة الخضراء وتغلق وسط بغداد بالكامل.! - تقرير

كتب بواسطة: مصدر بوزارة الداخلية .   المرابط العراقي
upre00020
شهدت محافظات البصرة وميسان وذي قار وواسط وكربلاء وبابل والقادسية ،اليوم الجمعة، تظاهرات للمطالبة بتنفيذ إصلاحات سياسية وإدارية، وتنفيذ الوعود التي قطعها العبادي .

مصادر صحفية قالت إن " المتظاهرين في محافظات" البصرة وميسان وذي قار وواسط وكربلاء وبابل والقادسية" رفعوا لافتات طالبوا فيها بإجراء إصلاحات شاملة في الجوانب السياسية والإدارية ".
واضافت المصادر أن "المتظاهرين طالبوا أيضا بمحاسبة المسؤولين المتورطين بقضايا فساد مالي وإداري واستغلال المال العام".
القوات الحكومية تقطع الطرق والجسور المؤدية للمنطقة الخضراء وتغلق وسط بغداد بالكامل
قطعت القوات الأمنية الحكومية ، صباح اليوم الجمعة، الجسور المؤدية للمنطقة للخضراء، كما قطعت أغلب الطرق الحيوية المؤدية الى وسط بغداد، فيما انتشرت تلك القوات بشكل كثيف في معظم مناطق العاصمة.
وذكر مصدر بوزارة الداخلية الحالية في تصريح نشر قبل قليل ان القوات الأمنية قطعت جسري الجمهورية والسنك المؤديان الى المنطقة الخضراء وسط بغداد، فضلا عن قطع ساحة كهرمانة .. مشيرا الى ان القطع شمل أيضاً ساحة الأندلس وجسر ملعب الشعب الى جانب مدخل القناة لمدينة الصدر من جهتي ساحة المعارض وساحة مظفر، مع أحد جوانب شارع القناة وشارع وزارة الداخلية.
واوضح المصدر ان القطع شمل كذلك ساحة الوثبة وسريع محمد القاسم من جهة واحدة، وشوارع السعدون وأبو نواس والخيام والنضال وساحة الطيران من جهة الرصافة .. مبينا أن قطوعات أخرى حصلت في جانب الكرخ، حيث قطعت شوارع مطار المثنى والزيتون وشارع الزوراء والعلاوي والصالحية وشارع حيفا، اضافة الى شارع ٦.
ولفت المصدر الانتباه الى أن العديد من المناطق أغلقت بحواجز كونكرتية، وان انتشارا أمنيا كثيفا رافق تلك الاجراءات، تحسباً لأي طارئ أمني.

فلوجة الصمود المحاصرة.. بين فتك الجوع وبطش القصف العدواني الانتقامي الصفهيوني والدولي .. ودموع التماسيح الحكومية..!؟ - تقرير

فلوجة الصمود المحاصرة.. بين فتك الجوع وبطش القصف العدواني الانتقامي الصفهيوني والدولي .. ودموع التماسيح الحكومية..!؟ - تقرير

كتب بواسطة: يقين نت .
falooja0084
الفلوجة احدى مدن محافظة الانبار تعاني كغيرها من مناطق المحافظة من حرب تصفية الحساب التي تشن على الشعب العراقي، الا ان طرق الموت الحكومي ركزت على هذه المدينة العريقة باهلها وارثها من خلال سياسة التجويع والحصار المفروض عليها من قبل القوات الحكومية وميليشياتها الطائفية فضلا عن القصف العشوائي المتواصل عليها.


مدينة المساجد الفلوجة وماتتعرض له من حرب ابادة جماعية اليوم، يعيد للاذهان صمودها البطولي عبر سنوات الاحتلال المتعاقبة بوجهه وتعرضها لهجمات عدة اتت على الاخضر واليابس في هذه المدينة الصامدة الا ان اهلها بقوا شامخين.
اكثر من مئة وخمسين الف عائلة محاصرة داخل الفلوجة تعاني ويلات الجوع والقصف والحرمان جراء هذا الحصار المفروض منذ اشهر عدة من قبل القوات الحكومية، مايبين سادية هؤلاء وحربهم على الشعب العراقي وافتقارهم لابسط قيم الانسانية التي تحرم تجويع المدنيين العزل وقصفهم واستهدافهم في اي معارك حسب الاعراف والقيم الانسانية.
حصار الفلوجة هذا دفع بناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر وغيرها من الوسائل" لاطلاق حملة تحمل عنوان "الفلوجة تقتل جوعا" لعلها توصل صوت اهل الفلوجة الذين باتوا بين مطرقة القصف الانتقامي المتواصل والحصار المفروض، وسندان من يمنعهم من مغادرة منازلهم واتخاذهم كدروع بشرية.
الوسم الذي اطلق الغرض منه بحسب احد مطلقيه هو لايصال صرخة الألم والجوع من أهالي الفلوجة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية والإنسانية، ليلتفتوا إلى ما يحدث في الفلوجة، ولتكريس الجهود لإنقاذها، بعد أن استنفدت كل ما لديها، فحتى النباتات مثل الخباز والحشائش نفدت، ما دفع الأهالي إلى تناول أوراق الأشجار، مبينا ان العشرات من أهالي الفلوجة يفضّلون الموت على استمرار معاناتهم التي تمثلت في انعدام الغذاء والدواء وكل سبل الحياة.
بينما تطرق وسم اخر وبتريدة اخرى الى كون الفلوجة اليوم تدفع ثمن وقوفها أمام الاحتلال الأميركي في حربي الفلوجة الاولى والثانية، ومعاقبة أهلها بعد أن عجزت القوات الحكومية وميليشياتها عن اقتحامها، فقامت بقصفها عشوائيا وفرض الحصار عليها من كل الجهات.
مطلقوا وسم الفلوجة تسائلوا عن اسباب صمت المجتمع الدولي واين هو حقوق الإنسان الذي يسمع في الدول التي تسمى راعية له،وهي تخض الطرف عن آلاف الأطفال الذين بلا دواء ولا غذاء في الفلوجة، والذي ادى الى تسجيل عدد من حالات الانتحار في صفوف المحاصرين من اهالي الفلوجة، والتي كان اخرها انتشال جثة امرأة انتحرت مع طفليها الذين تتراوح اعمارهم من 4الى 6 سنوات بعد القاء نفسها وطفليها من فوق جسر المدينة في نهر الفرات بسبب الجوع الناتج من الحصار المفروض على المدينة، من قبل القوات الحكومية والمليشيات.
انتحار المرأة الفلوجية واطفالها لم تكن الوحيدة اذ قام رجل من أهالي ناحية الصقلاوية شمال الفلوجة بالانتحار هو وعائلته بعدما تناولوا مادة سم الفئران، وذلك بسبب الجوع ومنعهم من مغادرة المدينة، فضلا عن تسجيل حالات عدة بمحافظات اخرى جراء مايتعرضون له.
حالات الانتحار هذه رافقتها حالات وفاة بحسب ناشطين طالت العديد من كبار السن والنساء والاطفال بسبب نقص الأدوية، ونقص الحليب الجاف ونقص التغذية من الأم لعدم توفر الحليب لديها لسوء تغذيتها، وقد سجّل في هذا الشهر وحده 13 وفاة بسبب الجوع.
الموت الذي يحصد ارواح الابرياء في الفلوجة كان بوسيلة اخرى تنفذها القوات الحكومية وميليشياتها لاشباع رغباتها الدموية المتعطشة لمزيد من دماء الابرياء،من خلال القصف العشوائي الانتقامي اليومي المتمثل بااطلاق وابل من حمم صواريخ مروحياتها الحربية والمروحية فضلا عن قذائف الهاون وراجمات الصواريخ على منازل المدنيين وممتلكاتهم في المدينة،والذي خلف بحسب مصدر طبي في مستشفى المدينة باخر احصائية له عن مقتل 3443 مدني بينهم 321 امرأة و 514 طفل، فضلا عن 5736 جريحا بينهم 762 امرأة و 908 اطفال.
اهالي الفلوجة اكدوا في مناشدة للمجتمع الدولي سابقة لهم إن المدينة أصبحت خالية تماماً من الغذاء والدواء، مستصرخين ضمائرهم لإنقاذ عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يحاصرون داخليا وخارجيا ماينذر بكارثة انسانية تفوق ماتعرضت له مضايا السورية في احال استمرار هذا الحصار والقصف الانتقامي على المدينة.
الاعتراف الحكومي بحجم الكارثة على الرغم من يتباكى بدموع التماسيح على المدن العراقية هو من تسبب بهذه المعاناة لاوالتي رصدنا جزءا منها في تقريرنا، اذ اقر المتحدث باسم مايعرف بلجنة التسيق العليا "خالد المفرجي "بان معاناة أهالي نينوى والفلوجة والحويجة والشرقاط تزداد يوماً بعد يوم، حيث الملايين من الأبرياء المحاصرين، مبينا أن هذه المعاناة ازدادت في الأشهر الأخيرة مع انعدام شبه تام للمواد الغذائية والأدوية، وكذلك ازدادت نسبة الوفيات بين الأطفال وكبار السن، وفي الآونة الاخيرة لجأ عدد منهم الى التفكير بالانتحار للتخلص من الجوع، وحدثت بالفعل حالات انتحار في نينوى والفلوجة، داعيا الى تدخل المنظمات الدولية لإنقاذ ملايين البشر من الموت المحقق وذلك بإدخال الغذاء والدواء لهم، معترفا بتقصير حكومة العبادي داعيا اياها الى غسل عار جسر بزييز وسيطرة الرزازة والسماح للمواطنين الفارين من الموت بالدخول بلا شروط الى عاصمتهم او المدن الاخرى.
مجلس محافظة الانبار الحالي هو الاخر اقر بان عددا من سكان مدينة الفلوجة انتحروا بسبب نفاذ الغذاء والدواء، فضلا عن أن بعض المدنيين من كبار السن والأطفال والنساء، تعرضوا لحالات إغماء، قسم منهم فارق الحياة بسبب الجوع جراء انعدام متطلبات الحياة فيها، مبيناً أن الوضع الإنساني في المدينة متردٍّ جداً، والحياة فيها أصبحت صعبة للغاية.
نائب رئيس المجلس الحالي المذكور انفا هو الاخر والمدعو "فالح العيساوي" اقر هو الاخر بأن الوضع الإنساني في مدينة الفلوجة سيئ للغاية بسبب محاصرتها منذ اشهر عدة ماينذر بكارثة انسانية.
المجلس ذاته اقر وعلى لسان رئيس لجنة ماتعرف بالامنية فيه " راجح بركات العيساوي" الذي بين ان اهالي مدينة الفلوجة يعيشون اوضاعاً انسانية صعبة وقاسية بسبب انعدام وصول المواد الغذائية والانسانية الى المدينة منذ اكثر من عامين، لافتاً الى ان "هناك اكثر من 10 آلاف عائلة لا تستطيع مغادرة المدينة بسبب محاصرتها، مقرا بان تردي الاوضاع وفقدان مقومات الحياة في المدينة، اسفر عن انتحار امرأة قبل ثلاثة ايام بعد ان عجزت عن توفير الطعام لابنائها، فضلاً عن اقدام عائلة اخرى على الانتحار بتناول السم.
اعترافات بالفشل وحجم الكارثة لازالت تكشف من خلال اقرار النائب في البرلمان الحالي عن محافظة الانبار"عادل خميس المحلاوي" بان وضع مدينة الفلوجة "اسوء" من وضع مدينة مضايا السورية المحاصرة، حيث مات عشرات الاطفال والنساء وكبار السن بسبب نفاذ الطعام والدواء وتفشي الأمراض والأوبئة، ما ينذر بموت جماعي بالأهالي هناك ان لم يكن هناك تحركا سريعا لإنقاذهم وإيجاد آلية مناسبة تضمن وصول مساعدات لهم، معترفا بان هناك تكتم إعلامي يمنع وصول المأساة التي يندى لها جبين الانسانية الى الرأي العام العالمي.
انتقادات لهذا الحصار الخانق والموت جوعا كانت حاضرة، اذ انتقد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحصار المفروض على المدنيين في الفلوجة، مؤكدا أن حصار المدنيين العزل وقتلهم جوعاً ومرضاً، بحجة الإرهاب، هو الإرهاب بعينه.
الانتقادات هذه رافقتها تقارير لمنظمات حقوقية من داخل الفلوجة وخارجها تؤكد ازدياد معاناة اهلها جراء الحصار المفروض عليها والقصف المتواصل من قبل القوات الحكومية وميليشياتها ماينذر بكارثة انسانية تلوح بوادرها في الافق.

التحالف الايراني - الأمريكي الدموي التدميري على العراق وشعبه.. ! - المقاومة الوطنية العراقية (معركة الحسم ضد الفرسنة) - الحلقة الخامسة

التحالف الايراني - الأمريكي الدموي التدميري على العراق وشعبه.. ! - المقاومة الوطنية العراقية (معركة الحسم ضد الفرسنة) - الحلقة الخامسة

كتب بواسطة: حسن خليل غريب.     المرابط العراقي
iran0j
ثانياً: المرحلة الثانية:

الحراك الشعبي على أسس مطلبية
(أوائل العام 2013 إلى أوائل العام 2014):
أولاً: مشهد الواقع العراقي في ظل المتغير الذي فرضه الحراك السلمي:

1- الانطلاقة السلمية للحراك الشعبي وفشل حكومة الاحتلال بوضع حد لها:
مستفيدة مما حصل من انتفاضات شعبية في العام 2012 عمَّت معظم المحافظات بدءاً من البصرة جنوباً إلى الموصل شمالاً، وإن كانت شعاراتها مطلبية احتجاجاً على قصور حكومة المالكي في شتى المجالات الاقتصادية والأمنية، فلا شك بأن قيادة المقاومة قد وضعت خطتها التي تتناسب مع المتغيرات الجديدة، لذا اتخذت قراراً بالبدء في تحريك الشارع العراقي في محافظات الأنبار.
بدأت تلك الخطوة برفع سلسلة من المطالب، مستفيدة من التقصير الفاحش لحكومات (العملية السياسية) في شتى الحقول. ذلك التقصير الذي لم يقع عبئه على منطقة دون أخرى، بل طالت كل المحافظات العراقية. ولم ينل من شرائح شعبية ذات مكون ديني معين، بل طالت كل العراقيين على شتى مكوناتهم الدينية والمذهبية. ومن أجل إنجاحها نصبت قيادة الحراك الشعبي خيماً في ساحات الاعتصامات في محافظات الأنبار. ولقد جمعت تلك الساحات عشرات الآلاف من العراقيين في تلك المحافظات. وعلى الرغم من أن حكومة المالكي راهنت على إحباطها بشتى وسائل الخداع إلاَّ أنها استمرت ولم تتراجع طوال أشهر، لم تكن حكومة المالكي تحسب أنها ستستمر.
لقد استخفت حكومة العملية السياسية للاحتلال بتلك الخطوة، واعتبرها المالكي فقاعات لن تدوم كثيراً. وعدم اكتراثه بها كان مسنوداً إلى وعود شركائه في الحكم بأنهم سيقومون بإنهائها. لذا اكتفى بحصار ساحات الاعتصام.
في ذلك الوقت استخدمت حكومة المالكي كل وسائل الوعود والخداع، ووصل الأمر ببعض حلفائه من السياسيين من أبناء الأنبار، وبعض زعماء (الصحوات) من حلفائه، ليلعبوا دوراً تخريبياً حينما انضموا للمعتصمين، فكانوا أشبه بحصان طروادة. ولكن سرعان ما كانت قيادة الانتفاضة تكشف أمر هؤلاء، فيتم إبعادهم عن دائرة القرار.
وإذ شعرت حكومة المالكي بالإفلاس من اختراق جدار ساحات الاعتصام، بادرت بتاريخ 23 نيسان 2013، لاستخدام القوة، فكانت البداية في ارتكابه مجزرة مدينة الحويجة ظناً منه، أنه إذا ضرب الضعيف ضربة ستهتز لها قلوب الأقوياء. ولكن لم تنل تلك التجربة حظاً، بل ازدادت النقمة، وظلت مراكز الاعتصام الأخرى صامدة. وهذا ما أخذ يزيد من مآزقه.
لم تتخذ قيادة المقاومة قرار الاعتصام السلمي من دون ضمان حماية المعتصمين إذا ما تعرضوا للقوة، بل وعدت المعتصمين باستخدام القوة للدفاع عنهم في الوقت المناسب. ولذلك فقد تصدى المعتصمون بالسلاح ضد القوات الحكومية.
بعد أشهر عديدة من التجربة التي خاضها المعتصمون باستخدام وسيلة الحراك السلمي، وبعد فشل حكومة المالكي باستخدام وسائل الوعد والوعيد، أثبت الحراك السلمي أنه مستمر. كما أثبتت التجربة صلابة الجماهير في المحافظات التي سلكت طريقه. مما أكسب المقاومة ورقة إيجابية لصالحها، وهي التفاف عشرات الألوف من الشعب العراقي حول شعارات المقاومة وأهدافها. وفي الوقت ذاته تراجع رصيد الحكومة على أكثر من جبهة، ومن اهمها:
- بداية التصدع الذي أخذ يصيب جدران العلاقات بين أطراف العملية السياسية.
- بداية الخوف الذي انتاب التحالف الأميركي – الإيراني، من استمرار الحراك الشعبي المناهض لحكومة المالكي، لأن في إضعافها تهديد لكل العملية السياسية، خاصة أنها تمثل الأمل الوحيد لديهما في استمرار الهيمنة على العراق.
أما بالنسبة للتصدع الذي بدأ يصيب جدران العلاقات بين أطراف العملية السياسية، فبعد أن أُبعِد طارق الهاشمي رئيس الحزب الإسلامي العراقي، بعد خلافه الحاد مع المالكي، استقوى معارضو رئاسة المالكي بإخفاقاته في حل مشاكل محافظات الأنبار، وفتحوا أبواب نقدهم ضده، ليس بسسب تغييبه لشريحة واسعة من العراقيين، وليس دفاعاً عن مصالح شعبية، بل استغلوا الفرصة من أجل إضعاف أوراق خصمهم في داخل العملية السياسية، وتقوية أوراقهم، وكانت جلَّ أهدافهم هي الحلول مكانه في رئاسة الحكومة. وهذا ما كان ينطبق على كل من (القائمة العراقية) التي يرأسها أياد علاوي. وينطبق أيضاً على مواقف (التيار الصدري).
لكل ذلك اندلعت النار في هشيم العملية السياسية، وهذا ما دفع كلاً من الإدارة الأميركية والنظام الإيراني إلى دعوة المالكي لزيارة كل من واشنطن وطهران من أجل التدوال لإيجاد حلول للأزمة وإيقاف حالة الانحدار التي تواجهها العملية السياسية. ولهذا ازداد نشاطهما في شهر آب من العام 2013.
2- التدخل الأميركي – الإيراني على خط الأزمة:
كان المشهد العراقي في تلك الفترة يظهر من خلال عدسة كاميرا غول رأسمالي شديد العطش لامتصاص دم العراق، حتى بعد هزيمته الشنيعة. وغول غيبي يجهد النفس لبناء دولة، يزعم أولو الأمر فيه أنها إسلامية، يتسابقون على امتصاص دم شعوبها تحت ذريعة تطبيق (الوعود الإلهية). ولكن مشهد الشد والجذب بين المشروعين، الرأسمالي الأميركي والإيراني الإسلامي السياسي، يُحاك بأصابع ديبلوماسية تمنع الاحتكام للسلاح بينهما. فالطرف الأميركي مُنهك وضعيف وعليل وسقيم، والطرف الإيراني منتفخ الأوداج حالماً بأنه يمتلك (القوة الإلهية) و(الوعد الإلهي)، وهو ليس بقوي إلاَّ بمقدار ما لحق الضعف بالجسد الأميركي. فلا هذا يجرؤ على استخدام السلاح بوجه شريكه لشدة ضعفه الداخلي والدولي، ولا ذاك له المقدرة على خوض معركة بالسلاح لغياب عامل التوازن بالقوى بينهما.
وبمثل ذلك المشهد ظلَّ العراق ضحية الإثنين معاً، يجمعهما هدف المحافظة على استمرار (العملية السياسية) التي هي عملية من صنعهما لتدرأ عنهما الاتهام بـ(جريمة الاحتلال)، ولأن من يتولون شأن العملية السياسية، من خونة وفاسدين، غارقون بالأخطاء والخطايا حتى آذانهم، تفتق عقلا الشريكين الأميركي والإيراني على إعادة تجميل وجه (العملية السياسية). وقد تأكد وجود هذه الخطة من خلال بعض الوقائع ومن أهمها التالية:
- نتائج زيارة المالكي رئيس حكومة الاحتلالين إلى أميركا.
- مشروع الاتفاق الأميركي – الإيراني حول ملف إيران النووي.
أما بالنسبة لزيارة المالكي، وعلى الرغم من كل التقارير التي أشارت إلى برودة الاستقبال الأميركي له، فقد حملت عدداً من النتائج الإيجابية لصالح حكومة المالكي والتي تلخَّصت بضرورة إعادة تجميل أداء الحكومة على أكثر من صعيد:
- ترقيع داخلي مطلبي، وترقيع العلاقات بين أطراف العملية السياسية.
- إعادة العلاقات المتوترة بين حكومة المالكي وبعض الأنظمة العربية.
- رفع درجة الحرارة في علاقة حكومة الاحتلال مع بعض دول الإقليم.
وفور عودة المالكي من أميركا، في أيلول من العام 2013، ظهر أن الخطة المتفق عليها بينه وبين أوباما، أخذت طريقها نحو التطبيق. وإن كنا سنستعرضها، إلاَّ أننا نؤكد فشل هذه الخطة، لأن الفجوات على كل تلك الصعد أصبحت كبيرة وواسعة ولا يتسع الوقت لردمها، هذا إذا تغيَّرت نفوس اللصوص، وهي لن تتغير، وانتقلوا من ضفة عقيدة الفساد والخيانة إلى ضفة الشرفاء.
وبعد عودة المالكي من واشنطن بدأت حملة تضليل إعلامي واسعة تبشر بإصلاحات تصب في مصلحة الشعب العراقي، ومنها الكهرباء ورواتب المتقاعدين وتخفيض رواتب النواب وإعادة النظر برواتبهم التقاعدية، وفتح صفحات الحوار مع قادة الانتفاضات, و...، و...، ورافق ذلك، البدء بإعادة النظر في علاقات أطراف العملية السياسية لرأب الصدع بين القادة الطائفيين استجابة لإلحاح بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، ويأتي على رأسها رفع الغبن عن الطائفة السنية، ظناً منهم:
- أن استبعاد بعض زعمائهم، كما حصل مع طارق الهاشمي، كان السبب الذي فجَّر الانتفاضة في المحافظات الستة، هذا في الوقت الذي كانت تدل فيه كل الوقائع أن حالة الغليان التي كانت تشمل العراق بكل محافظاته وطوائفه هي ثورة وطنية ضد الاحتلال وكل إفرازاته ونتائجه.
- أو كأنهم بذلك يريدون استرضاء السعودية لأسباب مذهبية، بينما تجاهلوا سبب الخوف السعودي الأساسي. ومردُّ هذا الخوف يعود إلى خشية النظام السعودي وخوفه من الدور الإيراني وخطورته على الوضع الأمني في دول الخليج ودويلاته.
وأما عن إعادة إصلاح ما انفتق من علاقات مع بعض الأنظمة العربية، فقد أعلنت أوساط المالكي عن زيارة مرتقبة للسعودية. فهل ينجح الجراح الأميركي بتهدئة مخاوف السعودية من الخطر الإيراني؟
وعن إعادة إصلاح العلاقات العراقية – التركية، فقد أكدته التقارير بعد أن برز إلى العلن من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك بأنه قد آن الأوان لإعادة تلك العلاقات من المستوى المتوتر إلى سابق عهدها من الهدوء والتفاهم. وإن حصل ذلك فإن المخاوف التركية سوف لن تزول لأن مخاطر الحالة الانفصالية الكردية ستبقى هاجسهم الأساسي.
3- العراق هو الملف الأهم لأميركا وإيران:
إن إقفال أكثر من ملف خلافي بين النظام الإيراني وإدارة أوباما يشكل نتيجة أساسية لحاجتهما بإبقاء الإمساك بالملف العراقي، الذي تشكل خسارته نكسة كبرى لكل منهما، ولهذا مهما تكاثرت ملفات الخلاف بينهما فسيبقى الملف العراقي الأكثر أهمية لهما، وسيبقى الإمساك به أولوية لهما معاً.
4- المساومات الأميركية – الإيرانية تثير قلق دول الخليج العربي ودويلاته:
وإن كانت المساومات والتفاهمات بين الأميركيين والإيرانيين لم تنقطع منذ ما قبل احتلال العراق، فإن المخاوف السعودية من نتائجها كان يشكل المشهد اللافت في تلك المرحلة.
إن عودة الأميركيين إلى العراق من بوابة المساومة مع النظام الإيراني، زرع القلق والخوف الشديديْن من جديد في نفوس المسؤولين في النظام السعودي. النظام الذي كان يحسب أن ضمان أمنه من الخطر الإيراني قد يتم عبر العوامل التالية:
- الوجود الأميركي المباشر في العراق، وهو ما يشكل رادعاً لأي نفوذ إيراني. ولكن بعد الهزيمة الأميركية ورهن استمرار مصالح الأميركيين بالنفوذ الإيراني، أعاد المخاوف السعودية إلى الواجهة.
- ضمان الحصة السعودية في العراق عبر استراتيجية التقسيم الطائفي، تلك الاستراتيجية التي وإن أعادت (السنة) إلى العراق عبر استراتيجية الأقاليم فإن ذلك سيبرر للوجود الإيراني البقاء عبر (الإقليم الشيعي). وإعادة تجريب حل المحاصصة بين الطوائف لهو تجربة عبثية لن تصل بالأمن القومي العربي إلى شاطئ الأمان، ويأتي (أمن دول الخليج وإماراته) في المقدمة، وذلك أن مشاركة (الحزب الإسلامي العراقي) بالعملية السياسية كان يقوم على قاعدة الاعتراف بالوجود الإيراني وليس العكس.
- وفي مرحلة ما يسمى بـ(الربيع العربي)، حسب النظام السعودي أن طرد النفوذ الإيراني من الساحة السورية قد يخفف الخطر الإيراني، متناسياً أن الخطر لن يزول إلاَّ عبر إقفال البوابة الشرقية نهائياً، وطرد الإيرانيين من العراق. لأنهم بإقفالها يمنعون الخطر المحدق بهم في وجه التدخل الإيراني، وهذا لن يتحقق إلاَّ بتقديم كل العون للمقاومة العراقية وحسب استراتيجيتها الوطنية في التحرير.
ولأن أي عامل من تلك العوامل، التي كان يحسب النظام السعودي أنه يضمن أمن المملكة، يحمل مخاطر جديدة ولن يلغي المخاطر الرئيسية، ظلَّ الخوف السعودي قائماً، ولم تبدده التطمينات الأميركية التي حملها أوباما في زيارته للسعودية. وأما السبب فلأن أميركا أنجزت العديد من التفاهمات وراء الكواليس مع النظام الإيراني، ضاربة عرض الحائط مصالح السعودية ودول الخليج وإماراته.
عندما تواطأ على احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، راهن النظام السعودي على أن أمنه سيكون مضموناً من قبل قوات الاحتلال الأميركي، وهذا الاحتلال الأميركي قد اندحر مهزوماً من العراق. وقد راهن أيضاً على أن تكون له حصة بالمكون السني المتعاون مع الاحتلال، ولكن المكون السني لم يستطع حماية نفسه، بل جرى اجتثاثه بملاحقة زعيمه طارق الهاشمي، وما بقاياه التي صمدت فإنما تحولت إلى أدوات بيد النظام الإيراني.
وبناء على ذلك كانت المراهنة على أن النظام السعودي لن يجد ما يطمئنه إلاَّ بطرد الإيرانيين من العراق نهائياً، وعدم ثقتهم بالأميركيين قد يرغمهم على التعاون مع أي جهة تعمل على تحرير العراق من الوجود الإيراني، ولو كان هذا التعاون مع المقاومة العراقية.
ثانياً: قوى الصراع المتقابلة وثنائية (المقاومة – العملية السياسية):
1- حكومة المالكي ووظيفة المؤسسات العسكرية والأمنية حماية حكومة (العملية السياسية):
تتألف المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من جيش حكومي وشرطة حكومية تنتسب الأكثرية فيها إلى تلك المؤسسات بسبب ضرورة العيش. أما الأجهزة الأمنية، من مخابرات ذات وظيفة داخلية أو خارجية، فقد تم تشكيلها على عقيدة الاحتلال وعملائه وهدفها الوحيد ضمان أمن العملية السياسية التي بنيت بالكامل على أسس الولاء للاحتلال. وقد اختصرها بجهازين تم انتخاب المنتسبين إليهما بمواصفات لا تمت إلى الشرعية الأخلاقية والوطنية بأية صلة، يتم تكليفهما بمهمات أطلق عليها الاحتلال اسم (المهمات القذرة). فكانت قوات (سوات)، والشرطة الاتحادية من أهم تلك المؤسسات. وهي القوات المرتبطة مباشرة بنوري المالكي، كونه القائد العام للقوات المسلحة وفقاً للدستور المسخ.
لقد سُلِّطت الأضواء على قوات سوات بعد الكشف عن تكليفها بقمع اعتصام (الحويجة)، بتاريخ 23/4/2013. فما هي قوات سوات؟
أ- قوات (سوات)، قوات المهمات القذرة، وعقيدتها أميركية إيرانية:
بعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد في 9»4»2003، أنشأت قوة عسكرية خاصة بها، بدأت بأقل من ألفي عنصر موالين للمحتل وتساعده في عمليات القمع داخل المناطق الساخنة. وكان زيها ولثامها الأسود وتدريبها وتسليحها لتأدية تلك المهمات الشنيعة بحق أبناء بلدهم من العراقيين. ونظراً لذلك كان الأمريكان يسمونها أيضاً بـ(القوات القذرة). وتضاعف عددها إلى خمسة عشر ألف عنصر، معظمهم يتم اختيارهم من مناطق محددة في الجنوب والوسط ومن طائفة معينة، وينتشرون في بضع محافظات بغداد، البصرة، نينوى، كركوك، بابل وغيرها.ولا توجد أي جهة رسمية أمنية أو عسكرية تستطيع محاسبة أو مراقبة جنود وضباط قوات سوات.
ب- الشرطة الاتحادية خليط من الميليشيات التي تخدم أحزابها الطائفية
تم تأسيس الشرطة الاتحادية، في العام 2004، من قوتين منفصلتين. الأولى هي قوات مغاوير الشرطة تابعة لمكتب المستشار الأمني لوزير الداخلية. والأخرى تسمى قوات حفظ النظام تابعة لمديرية العمليات. وبعد فترة ارتبطت هاتان القوتان تحت قيادة واحدة هي قيادة القوات الخاصة. ثم تغير اسمها لاحقاً إلى قيادة الشرطة الوطنية. الواقع أن الشرطة الاتحادية تمثل ثقلاً آخر من بين قوى وزارة الداخلية. فهي القوة الضاربة التي تشارك قوات سوات في العمليات التي يستوجب حضورها معهم. فالتدريب والتجهيز والتسليح يجعلها قوة إسناد كبيرة إلى قوات سوات. فضلاً عن العقلية والعقيدة الميليشاوية التي يشتركون فيها في الخدمة والولاء لأحزاب السلطة الحاكمة من حزب الدعوة ومنظمة بدر والمجلس الأعلى وغيرهم.
2- المقاومة العراقية بين العسكرة والحراك السلمي
عادة ما يكون الحراك الشعبي السلمي وسيلة رئيسية في مواجهة الأنظمة التي تتجاهل مصالح المواطنين، ونادراً ما يكون الصدام المسلح من الوسائل المشروعة في المواجهة بين النظام والشعب، لأن الأجهزة الأمنية للنظام هي من أبناء هذا الشعب، ويُعتبر الصدام المسلح معها بمثابة الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما تصح عليه تسمية (الحرب الأهلية). ولكون النظام السياسي قد انقلب على وظيفته الأساسية، وهي المحافظة على مصالح المواطنين، فلن يهتم بالتضحية بأرواح أفراد الأجهزة الأمنية، كما أرواح المواطنين، لذا تصب الحرب الأهلية غالباً لمصلحة النخب التي يمثلها النظام.
ولذا يشكل الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي الوسيلة الأساسية لأنه سيأتي يوم تنتفض فيه المؤسسات الأمنية ضد أوامر النظام السياسي، عندما يصر النظام على استخدام وسيلة السلاح في قمع أي حراك سلمي، فمع استمرار الصراع ستنحاز قواعد المؤسسة الأمنية للشعب، لأن تلك القاعدة هي أساساً من رحم الشعب وهي من الطبقات المتضررة من عسف النظام وتجاهله لمصالح المواطنين.
فهل تصح هذه المعادلة على ما جري في العراق بعد إطلاق الحراك الشعبي السلمي؟
ليست المواجهة في العراق في هذه المرحلة شبيهة بما يجري بين شعب وحكم وطني ولكنه ديكتاتوري فاسد، أي حراك شعبي يطالب بإصلاحات مطلبية فحسب، بل هي أيضاً، قبل أي شيء آخر، مواجهة بين شعب وحكم وريث للاحتلال والاحتلال هو من صنعه، فإسقاطه إذن هو إسقاط للاحتلال. والمواجهة ليست ضد مؤسسات عسكرية وأمنية تلعب دوراً فنياً تحركه أهداف المحافظة على أمن الوطن والمواطن، بل بُنيت هذه المؤسسات من أجل حماية الحكومة المنصَّبَة من قبل الاحتلال، وبالتالي يشكِّل بقاؤها حماية للاحتلال ومصالح الاحتلال. لذا تُعتبر المواجهة معها إذا أصرَّت على مواجهة الحراك الشعبي السلمي بقوة السلاح، شبيهة بالمواجهة مع قوات الاحتلال.
ولما استأنفت المقاومة العراقية نشاطها، في 25 كانون الأول من العام 2012، إنما كانت وسائلها تعتمد على الحراك الشعبي السلمي، مضافاً إليه إعلاناً للمقاومة المسلحة تتعهد فيه أنها لن تلجأ إلى السلاح إلاَّ إذا لجأت حكومة المالكي إلى قمع الحراك بالقوة، فكان إعلانها واضحاً أنها لن تكتفي بالمطالبة السلمية بل ستلجأ للسلاح. وعلَّلت إعلانها بأنها ترفض أن تتحول الثورة المشروعة إلى حرب أهلية يقاتل العراقي أخاه العراقي. والتزمت المقاومة بتعهدها، على الرغم من تهديدات المالكي، واستمرت المقاومة بتعهدها إلى أن أطلقت تلك الحكومة صفارة الإنذار في فجر يوم 23 نيسان من العام 2003، بارتكابها مجزرة في بلدة الحويجة. لقد كانت فظاعة الجريمة تدل على أن المالكي يريد بها أن يزرع الرعب في نفوس المعتصمين في المحافظات الستة. لذلك أعلنت معظم الفصائل والقوى والعشائر أنها ستحول دون تكرار المجزرة في مدن أخرى، لذا شهرت السلاح لحماية الشعب، ولكن على أن لا تكون العسكرة حلاً وحيداً، بل راحت تستخدم السلاح أينما اقتضى الأمر ذلك.
وعلى الرغم من ذلك، أعلنت المقاومة أنه لا يجوز إراقة الدم العراقي، وان المجابهة يجب أن تقتصر فقط على الأفراد العسكريين الذين:
- ارتكبوا جرائم القتل بحق المواطنين العراقيين، أو ممن ينفذون الأوامر بالقتل.
- الذين يصرون على قمع المواطنين أو تهديد أمن المقاومين.
لذا كانت مجزرة الحويجة حداً عملياً فاصلاً بين عسكرة الثورة وسلميتها، خاصة أن جلاوزة المالكي أعلنوا أن مجزرة الحويجة ستكون البداية لعمليات أخرى لإنهاء ساحات الاعتصام.
وإذا علمنا أن حكومة المالكي تكلف قوات سوات للقيام بالمجازر، وقوات سوات ذات عقيدة ميليشاوية أميركية وإيرانية، لأصبح من الواضح أنها ستكون المُستَهدَف الأول لسلاح المقاومة.
ثالثاً: المشهد الأمني – السياسي: والتأسيس لمرحلة الثورة المسلحة
1- حكومة المالكي تطبق عقيدة الاحتلال في مواجهة الحراك الشعبي:
أ- مداهمات واعتقال وإغتيال تتماثل مع عقيدة الاحتلال:
كانت حكومة المالكي عاجزة عن معالجة الوضع الخدماتي للعراقيين لأنها بالأساس وكيلة حصرية للاحتلال المركَّب، أميركياً وإيرانياً. ومن كانت وظيفته الإذعان لأوامر أسياده وتنفيذ أجنداتهم، سيقوم بتطبيق عقائدهم الموضوعة لخدمة مصالحهم.
فعلى الصعيد الخدماتي أكدت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والإنسانية مدى تغلغل الفساد والجريمة المنظمة في عراق ما تحت الاحتلال أصالة وما تحت حكم عملائه وكالة. وأصبح غني عن البرهان أن المطالبة بالإصلاح ليست أكثر من محاولات عبثية. واجهها المالكي بسياسة الخداع والوعود الكاذبة. ثم استكملها بسياسة الإرهاب والترويع، كعقيدة (ديموقراطية) للرأسمالية الأميركية، وملأت الفراغ الأمني الداخلي بمؤسسات أمنية لها العقيدة نفسها القائمة على أسلوب (الإرهاب والترويع)، وهكذا وُلِدت (قوات سوات) على مقاييس تلك العقيدة، ولإضفاء شرعية (حكومية) على أعمالها، تم تشكيل قوات (الشرطة الفيدرالية) لمشاركة (قوات سوات) في عملياتها.
لم يكن أمن المواطن هو الذي برَّر إنشاء مؤسسات أمنية بعيدة عن أطر الرقابة والمساءلة، بل كانت وظيفتها المحافظة على أمن (العملية السياسية)، ولهذا تكاثرت عمليات المداهمات والاعتقالات والتهجير والاغتيالات، واشتدَّت وتيرتها بعد أن صمدت ظاهرة الحراك السلمي.
ب- التفجيرات النقالة لتعميق الشرخ الاجتماعي بين مكونات الشعب العراقي:
في ظل التجهيل الإعلامي لمصدرها، والمستفيد منها، تكاثرت التفجيرات المتنقلة بين مختلف المناطق المتمايزة طائفياً، بحيث يطال أذاها كل أطياف العراقيين، بما يؤكد بأن تلك التفجيرات تحمل (صواعق التقسيم والتفتيت والفيدرالية).
ومن كان يوجه الاتهام للمقاومة فيكفي التأكيد على أنه ليس من عقيدة المقاومة أن تعمل على تعميق الشروخ الطائفية ولا الإثنية لأنها قاتلت الاحتلال، وتقاتل الآن عملاءه، لهدف واحد ثابت هو استعادة وحدة العراق. وليس من المنطقي أن من كانت عقيدته الوحدة يعمل من أجل التفتيت.
ولهذا أشار بيان قيادة قطر العراق، في 20/5/2013، إلى خطورة تلك الظاهرة، وقال إن (استمرار التفجيرات الإجرامية وتعبيرها الصارخ (لدليل على) إيغال حكومة المالكي العميلة وميليشياتها الإرهابية في سفك دماء أبناء شعبنا وفي مناطق محددة هنا وهناك في بغداد والمحافظات الأخرى وعلى النحو الذي يسعى إلى تأجيج الفتنة الطائفية البغيضة والاقتتال الطائفي المقيت).
ج- عمليات التطهير الطائفي والاغتيال تجري على قدم وساق:
إلى جانب قوات الشرطة الحكومية كانت تتحرك مجاميع ميليشاوية من القوات الأمنية والمخابراتية الخاصة لتعميق الشرخ الطائفي بحيث ترغم عائلات من طيف محدد للهجرة خارج مناطقهم، ظناً من حكومة المالكي أنها تضمن الأمن في تلك المناطق وتضمن إذعان سكانها للوضع الشاذ القائم. وهي غالباً ما تستخدم أسلوب الاغتيال والملاحقات والتشدد بالمراقبة.
د- شعار إقليم الوسط من بعض المحسوبين على الثورة دعوة مشبوهة:
عمل من أجل إقرار إقليم الوسط ثلاث قوى، وهي: حكومة الاحتلال، وبعض الأنظمة العربية، وبعض القوى المشاركة في العملية السياسية. فكان من أهم أهداف حكومات (العملية السياسية) أن تسكتمل نظام الأقاليم الذي أكد عليه دستور الاحتلال. وكذلك راهنت بعض الأنظمة العربية، كضمان لأمنها في مواجهة الخطر الإيراني، على تأسيس إقليم (سني) لإحداث التوازن الطائفي في العراق، متناسية أن مواجهة الخطر الإيراني لن يكون بأقل من إقفال (البوابة الشرقية) في وجه الزحف الإيراني، ولن تكون هذه البوابة قادرة على صدِّ الخطر الإيراني إذا لم يكن العراق موحداً. وهذا الأمر يحتاج إلى مساندة مشروع المقاومة العراقية القائم على أهداف (وحدة العراق وعروبته). وتبيَّن أن بعض القوى السياسية التي شاركت في الاعتصامات كانت تعمل من أجل حرفها باتجاه المطالبة بتأسيس (الإقليم السني)، وقد تم إقصاؤهم عنها بعد انكشاف أمرهم.
ولهذا كله، حذَّر حزب البعث العربي الاشتراكي، في أواسط أيار 2013، من خطورة الدعوة للإقليم (السني)، على لسان الناطق باسمه قائلاً: (إن الدعوة للأقاليم والترويج لها هي مشروع أمريكي ـ صهيوني ـ صفوي لتقسيم العراق... ودعاة الأقاليم اليوم في العراق هم ممن استقبل قوات الاحتلال... وتعاونوا معها وروّجوا لمشاريعها.. وهم يعلمون أنه خدمة للقوى الكبرى وإيران وهم يساهمون بشكل واضح لإثارة الطائفية في العراق... لذا ندعو العراقيين جميعاً للوقوف ضد هذه الدعوات التي تخدم الأجنبي وتعرّض العراق للفتنة وتسعى إلى تشرذمه وتفتيته من خلال زرع الفتنة والعداء..).
وكذلك حذَّرت هيئة علماء المسلمين في العراق، بتاريخ 3/5/2013، من الدعوة لقيام إقليم آخر في العراق، لأن (الأقلمة أو الفدرلة، وحقيقتها التفريط بالقضية العراقية).
وكذلك فعل جيش الطريقة النقشبندية، في بيانه بتاريخ 6/5/2013: لأن هذه الدعوة (تمثل الخطوة الأولى لتقسيم العراق الذي هو من أهم أهداف الاحتلال).
رابعاً: الإدارة الأميركية والنظام الإيراني يدخلان على خط الأزمة لحماية حكومة المالكي:
لما عجزت حكومة المالكي عن معالجة ظاهرة الحراك الشعبي العراقي،
ولما انكشف دور بعض المتسللين إلى صفوف الحراك وأُبطل دورهم،
ولأن استمرار الحراك يشكل خطورة على العملية السياسية برمتها، وكذلك على المصالح الأميركية الإيرانية،
كان لا بد من تدخل أميركي – إيراني. وكان من أهم مظاهر ه ما يلي:
غني عن البيان أن الاحتلال الأميركي لم يكن لينجح من دون المرور بـ(البوابة الإيرانية)، والآن لن تبقى البوابة الإيرانية مشرَّعة من دون التنسيق وتوفيق المصالح مع أميركا.
وغني عن البيان أن نيران الثورة العراقية التي أخذت تشب في هشيم (العملية السياسية) زرعت القلق في نفوس الإدارتين الأميركية والإيرانية، الأمر الذي يبرهن على أن الإدارتين وإن افترقتا بالمواقف في ساحات عربية أخرى، فإنهما متفقتان تماماً بالمواقف ضد الثورة العراقية. ولهذا كان التنسيق الأميركي – الإيراني مستمراً من أجل حماية حكومة المالكي.
خامساً: المقاومة العراقية في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الأميركي والإيراني:
مع الأخذ بعين الاعتبار كل الوقائع، التي حصلت في العام 2013، كانت المقاومة العراقية تدرك حجم مسؤوليتها التاريخية. تلك المسؤولية التي وضعت على عاتقها مواجهة شرسة مع أطراف رئيسية ثلاث، وهي: النظام الإيراني. والولايات المتحدة الأميركية. وكل التجمعات العراقية العاملة في خدمة مشاريع الاحتلال من ميليشيات وأحزاب ميليشاوية، وأجهزة أمنية وعسكرية عامة وخاصة.
1- مواجهة التدخل الأميركي المرحلية يمر عبر اجتثاث التدخل الإيراني:
يقع على عاتق المقاومة العراقية عبء المواجهات الثلاث، منفردة أو مجتمعة، في ظل غياب الدعم العربي الشعبي والرسمي. ذلك الغياب ظاهر في واقعين رئيسيين، وهما:
أ- المستوى الرسمي العربي، وبالأخص منه دول الخليج العربي: على الرغم من إدراك بعض العرب حجم الخطورة التي يشكلها استمرار الوجود الإيراني على كتف دول الخليج العربي، إذ تبقى البوابة الشرقية مشرَّعة أمام الغزو الإيراني للتدخل في كل شاردة وواردة في شؤون تلك الدول. وأما على المستوى العام، فإن الدور الإيراني يتسلل إلى أكثر من دولة عربية ويبني له مراكز نفوذ وهيمنة على قراراتها السيادية وبناها الاجتماعية والثقافية والأمنية.
ب- مستوى القوى والحركات والأحزاب العربية: كثيرون من القوى والأحزاب والحركات السياسية مالئوا النظام الإيراني، لسبب أو لآخر، على حساب دوره الخطير في تفتيت دول الوطن العربي. بعضهم ارتبط معه لمصلحة سياسية أو مادية، وبعضهم كان يداهنه لأسباب أمنية، وأما البعض الآخر فكال تقديمات النظام للمقاومة اللبنانية في مواجهة العدو الصهيوني بمكيال وطني، ولكنه سكت عن جرائمه باحتلال العراق. وهذا الطرف أو ذاك تمسك بمواقفه الإيجابية من النظام الإيراني. وقليلون هم الذين يعلمون مدى خطورة المشروع الإيراني على وجود الأمة العربية. وأكثر تلك المواقف انعكست على تقييماتهم لما يجري في العراق غير مصدقين أن إيران تمثل الوجه الحالي للاحتلال، والحضن الأساسي لـ(العملية السياسية) بما تمثله من خطورة على وحدة العراق.
وإذا كنا قد فقدنا الأمل من تغيير قناعات الكثيرين، تبقى المراهنة على الأقلية الواعية ودعوتهم للعمل على مقاومة تأثير النظام الإيراني في شؤون الوطن العربي، كما عليهم أن يساعدوا في طرد إيران من العراق أولاً، لأن طرده من بوابات أخرى غير العراق لن يؤدي إلى نتائج ذات قيمة وتأثير طالما ظل هذا الوجود قوياً في العراق، فخاصرة الوطن العربي الرخوة هي البوابة الشرقية التي إذا ما أٌقفلت سيدب الضعف في كل مفاصل التأثير الإيراني في العراق وفي غير العراق.
2- من نتائج الحراك الشعبي: المقاومة العراقية تكتسب عوامل قوة جديدة:
لم تكن الصورة سوداء في وجه المقاومة على الرغم من الحجم الكبير للتحالف الذي يواجهها، وأما السبب فلأن هذا التحالف كان أكبر منذ بداية الاحتلال حتى تاريخ هزيمة الاحتلال الأميركي. فعقيدة المقاومة والتحرير والثأر للكرامة الوطنية واستعادة السيادة على القرار الوطني والأرض والثروات لم تتغير عند المقاومة بل زاد منسوبها بعد إنجاز الحلقات الأهم منها.

وإذا علمنا أن المقاومة العراقية كانت كالأيتام على موائد اللئام من أنظمة أجنبية وإقليمية وعربية، وما كان أكثرهم، ولكنها استمرت معتمدة عل
- العامل العربي ظهر في مدى الخوف الذي بدأت معالمه تنتشر وتتسع من خطورة المد الإيراني والعنجهية الإيرانية التي راحت تتصرف وكأنها مالكة لقرار المنطقة، إقليمياً وعربياً.
- وأما العامل الداخلي العراقي فيتمثل بمظهرين، وهما:
- تآكل العملية السياسية من داخلها، فالأطراف المشاركة فيها كانت تتشظى كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقه. وستبلغ حدودها القصوى في المراحل القادمة.
- التفاف شعبي واسع ظهر زخمه الكبير في المحافظات الستة من جهة، ومعالم الاحتقان في المحافظات الأخرى التي تتنامى وتنتظر الانفجار الكبير من جهة أخرى إمكانياتها الذاتية، وإيمانها بالنصر. ولم يتغير شيء من العوائق التي كانت تواجهها حينذاك، ولكنها في هذه المرحلة حازت على عاملين إيجابيين كانا شبه غائبين في السنوات العشر التي مرت من عمر الاحتلال، أحدهما عربي والثاني داخلي عراقي:

ويكفي من أجل إثبات مدى تلاحم الشعب العراقي مع المقاومة أن نعيد قول ما يقوله المالكي وزمرته الحاكمة: إن الشعارات التي يرفعها المعتصمون هي (شعارات بعثية).
كانت هذه صورة المرحلة التي سبقت مرحلة إعلان الثورة الشعبية المسلحة. والتي ابتدأت انطلاقتها في الثالث والعشرين من كانون الأول من العام 2013.

قراءة: عزيز العصا : أحمد عبد الرحمن في كتابه "عرفات: حياته كما أرادها": يُبحر في تفاصيل حياة قائده.. حتى يعزف اللحن الحزين على وفاته

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أحمد عبد الرحمن في كتابه "عرفات: حياته كما أرادها":
يُبحر في تفاصيل حياة قائده.. حتى يعزف اللحن الحزين على وفاته
شبكة البصرة
قراءة: عزيز العصا
"أحمد عبد الرحمن"؛ القائد الفلسطيني المقدسي المولود في بيت سوريك عام (1943)، من أكثر من التصق برمز الثورة الفلسطينية المعاصرة "ياسر عرفات". منذ التحاقه بحركة فتح في العام (1967) وحتى وفاة "عرفات" في نوفمبر/2004، وهو ملازم له. وهو الإعلامي الذي خبرته إذاعة "صوت العاصفة" في القاهرة عام 1969، ثم تدرج في مناصب حساسة، وذات صبغة قيادية متميزة، حتى انتهى به الأمر وزيرًا ومستشارًا سياسيًا للرئيس المرحوم "ياسر عرفات"، وأمينًا عامًا لمجلس الوزراء لمدة سبع سنوات.
أي أن "أحمد عبد الرحمن" لم يبتعد للحظة عن "ياسر عرفات"، ولم يكن في يوم من الأيام على محيط الدائرة المحيطة به؛ بل كان يقف، على أقدام صلبة، في مركز تلك الدائرة، خلف قائده. لذا؛ فهو صاحب قلم "عرفاتي": مراقبًا حذقًا، وموثِّقًا للأحداث والوقائع، ومحذرًا، وناصحًا، ومستشارًا أمينًا. ولعل في هذا كله تفسير للنتيجة التي تقول بأن "أحمد عبد الرحمن"، وبالرغم مما يمتلك من الوثائق والمراجع وأرشيف الملاحظات اليومية، اقتصرت مؤلفاته –حتى اللحظة- على سيرة "ياسر عرفات" ومسيرته، ودوره في الثورة الفلسطينية المعاصرة؛ فقد صدر له كتابان، هما: الرئيس- سنوات مع ياسر عرفات، وكتاب "عشت فيزمن عرفات" وقد فاز بجائزة الدولة لعام 2015. وها نحن الآن، مع كتابه الأخير، بعنوان: عرفات –حياته كما أرادها-.
صدر هذا الكتاب، للتو، في طبعته الأولى عن "دار الحرية للثقافة الوطنية-رام الله" في العام (2016)، والذي يهديه إلى روح الشهيدين الخالدين: القائد العام ياسر عرفات والشاعر العاممحمود درويش. يقع الكتاب في (530) صفحة من القطع الكبير، يتوزع عليها (38) فصلًا؛ لكل فصل عنوانه المستقل، الذي يشير إلى حدث هام. إلا أنها تشكل، في مجموعها، سيرة قائد وثورة على مدى (40) عامًا، بما حملته من أوجاع الصراع مع الأعداء والأصدقاء، ولعل ذروتها في الصراع مع الأشقاء. فالفصل الأول يحمل عنوان: "زمن السلاح"، والفصل الأخير، يحمل عنوان: "في اليوبيل الذهبي لحركة فتح.. فتح ثورة حتى النصر"، وبين هاتين المحطتين تتفاعل الأحداث والقضايا؛ فتتأزم أحيانًا لحد "فقدان الأمل"، وتنفرج أحيانًا لحد رؤية الدولة والحرية والتحرر تأتي طائعة ملك اليمين.
بعد قراءة، متأنية، وإعادة القراءة على مدى نحو أسبوعين من الزمن، وجدت أن هذا الكتاب يتكئ على مجموعة مرتكزات، منها:

أولًا: ياسر عرفات: الجذور التاريخية.. والقائد الصلب
تعود الجذور التاريخية لشخصية "ياسر عرفات" إلى طفولته المبكرة ومرحلتي صباه وشبابه التي شهدت النكبة، ساعة بساعة ويوماً بيوم، فقد عاش الدمار والموت والمجازر والتشريدالقسري لشعبه، وغياب القيادة والوحدة والقوة الذاتية، أمام عدو أعد عدته للحرب والعدوانمنذ زمن بعيد، ومارس عشرات المذابح بحق شعبه، حتى أن بيغن يتحدث عن واحدة منها، وهي مذبحة دير ياسين، فيقول: "كانت قواتنا تتقدم في البلدة كما السكين في الزبدة". أما شعبه فقد تم تجريده من السلاح، ونفي قيادته ومنعها من اتخاذ القرارات الوطنية، وإن اتخذ القرارفإنه يخضع للوصاية الرسمية.
عاش ياسر عرفات مهزلة الحرب ومأساتها التي أعلنتها سبع دول عربية، بعد إعلان قيامإسرائيل في 15 أيار 1948، حيث أضاعت هذه الحرب (الوهمية) ما تبقى من فلسطين، وقررت الوصاية الرسمية ضم الضفة الغربية للأردن، ووضع قطاع غزة بإمرة حاكمعسكري مصري، ولم يمض وقت طويل حتى شُطبت فلسطين من خريطة الشرق الأوسطومن الأمم المتحدة وأصبحت قضية لاجئين، وأنشأت لهم الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيلاللاجئين الفلسطينييفبادر على الفور إلى الالتحاق شاباً يافعاً بالجهاد المقدس، الذي تم تجريده من سلاحه لاحقًا، ثم تلقى التدريب مع طلاب الجامعات المصرية، وحمل رتبة ضابط احتياط في الجيش المصري.
أدرك "ياسر عرفات"، مبكرًا، ضرورة حمل الشباب الفلسطيني للسلاح دفاعًا عن فلسطين؛ فقام بتدريب الطلبة الفلسطينيين (في مصر) على حمل السلاح واستخدامه، ومنذ العام (1953)، حيث انتخب رئيسًا لرابطة الطلبة الفلسطينيين، فأعلنها إطارًا سياسيا-نقابيًا، التف حولها طلبة فلسطين[1]، واتّخذ لنفسه نمطًا خاصًا تميز فيه بلباسه العسكري وباالكوفية والعقال[2] ويحمل المسدس والرشاش بعد الانطلاقة في العام 1965، علمًا بأنه وهو طالب كان يتردد على مقر المفتي (الحاج أمين الحسيني) وحكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي.
في العام (1959) تصدر مجلة "فلسطيننا نداء الحياة"، التي دعت الفلسطينيين إلى الانخراط في الكفاح لتحرير فلسطين، مما يؤكد على أن النواة الصلبة لحركة فتح قد بدأت العمل الواسع في أوساط الشعب الفلسطيني. وفي العام (1961) انفرط عقد الجمهورية العربية المتحدة (مصر-سوريا)، مما وضع الشباب الفلسطيني أمام ضرورة تشكيل الإطار الفلسطيني الذي يتولى قيادة الكفاح لتحرير وطنهم، فأخذت الكوادر من الأحزاب الأخرى بالتوجه للانخراط في صفوف حركة فتح. وفي العام (1962) يكون ياسر عرفات ضيف الشرف في احتفالات استقلال الجزائر، ويتم تكريمه من قبل القيادة الجزائرية بمنحه مكتبًا لحركة فتح، وسرعان ما يدخل الجزائر مئات الشباب الفلسطيني للتدريب العسكري، ثم الصين وكوبا وفييتنام التي تحذو حذو الجزائر في منح الفرص لتدريب دفعات من الشباب.
هكذا؛ أخذت شخصية ياسر عرفات القيادية تتخذ مكانتها، وفق قناعات راسخة، ذات عمق استراتيجي، يتمثل في العديد من الشعارات والآراء والتصريحات والمواقف، التي حملته ليحتل مكانة خاصة في حياة شعبه الفلسطيني، ويحظى على احترام قادة العالم. وقد رصد "أحمد عبد الرحمن" في كتابه هذا، العديد من تلك القناعات التي كانت تسيّر "ياسر عرفات" وتشكل الهادي والدليل له عبر تلك الأنفاق المظلمة التي تجاوزها نفق وراء نفق، منها:
1) شعار "التحرير طريق الوحدة"؛ وهو الشعار الذي أطلقه "ياسر عرفات"، للرد على دعاة "الوحدة" ثم الشروع في التحرير. ولأن هذه الوحدة لن تتحقق، فإنه كان يرى بأن المعركة ضد العدو القومي تقضي على التناقضات الثانوية بين الأقطار والقوى العربية. كما طرح "نظرية التكامل بين النضال القومي للوحدة والنضال الفلسطيني للتحرير"، واعتبر حركة فتح رأس الرمح العربي في معركة التحرير.
2) كان "ياسر عرفات"، يقول: "نحن حركة تحرر وطني، ليست تابعة ولا خاضعة لأحد، وإن قوتنا تكمن في عدالة قضيتنا وفي قرارنا المستقل".
3) لقد كون "ياسر عرفات" جماعته السياسية على غرار فكرته؛ الاستحواذ المطلق لفلسطين، كما أن الأصالة الوطنية لياسر عرفات ميزت حركة فتح عن غيرها من القوى والتنظيمات، وهي سر قوة فتح وانضواء الشباب الفلسطيني تحت لوائها.
4) فتح، كما أرادها "ياسر عرفات"، ليس فيها طقوس جاهزة للانتماء إليها، وأبوابها مفتوحة لكل فلسطيني أو عربي مستعد للعمل من أجل تحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني.
5) في الأول من كانون الثاني من العام (1965) أطلقت الرصاصة الأولى، فكانت الانطلاقة الأولى. وبعد النكسة في العام 1967، لم تعد هناك جيوش عربية على جبهات القتال، والقيادة العربية التي حظرت نشاط "ياسر عرفات"، مزقت خططها الورقية دبابات العدو، وفي 27/08/1967 كانت الانطلاقة الثانية لفتح من داخل فلسطين.
6) تتسارع الأحداث، فيصبح "ياسر عرفات" رئيسًا لـ "م. ت. ف"، وينشئ شبكة ضخمة من العلاقات مع الزعماء العرب والعالميين، حتى يحقق ما أطلق عليه "أحمد عبد الرحمن" "موسوعة ياسر عرفات في الدبلوماسية الناجحة".
7) تتسارع الأحداث مرّة أخرى، وتحدث انشقاقات ومؤامرات كبيرة وكثيرة، ومحاولات استئصال للقرار الوطني الفلسطيني، فيصمد أبو عمار ومن معه في مواجهة ذلك، حتى تمكن من أن يغرس في نفوس أبناء شعبه قناعات لا تمحوها الآلات الإعلامية الضخمة للأعداء وللمتآمرين. فعند انعقاد المجلس الوطني في عمان، في العام 1984، هناك من راهن على عدم اكتمال النصاب، ففوجئ "ياسر عرفات" بورقة موقعة من أعضاء المجلس المنتمين للجبهتين الشعبية والديمقراطية، تفيد بجهوزيتهم للمخاطرة بأوضاعهم التنظيمية ودخول القاعة لإكمال النصاب؛ حفاظًا على الشرعية.
8) "ياسر عرفات" مسكون بالحيوية، ولأن "الأفعال صوتها أقوى"، فقد رد على العديد من المؤامرات ومحاولات اغتيال الشرعية بإيلاء العمل الجماهيري في الضفة وغزة الأولوية، وفق برنامج عمل شامل لتعزيز الصمود الوطني على أرض فلسطين، في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والزراعية والإسكان والصحة، وقام بجولات لتأمين الدعم المالي لتلك المشاريع، وأعطى الأولية للتعليم، فأنشئت الجامعات في الضفة وغزة والقدس.
9) تميز "ياسر عرفات" بعقله البراغماتي؛ فهو لا يغلق الأبواب أمام اجتهادات قد تجد مخرجًا من المأزق، إنه يقبل بالتغيير، ولكن دون أن يتغير، ويقبل بالتكيف مع واقع سلبي دون أن يتكيف.

ثانيًا: سيرة ياسر عرفات تعني سيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة
إذا اعتمدنا أن الثورة الفلسطينية المعاصرة قد بدأت في العام (1965)، فإنه علينا أن نعي بأن ياسر عرفات في تلك اللحظة كان مهندسها وحادي مسارها ومسيرتها. وعليه؛ فإن السرد التاريخي والسّيري الذي قام به "أحمد عبد الرحمن" للثورة ولقائدها، لا يمكن فصله بأي حال. وهذا ما لمحته بين سطور هذا الكتاب؛ فسيرة "ياسر عرفات" تعني سيرة مقدمات الثورة الفلسطينية المعاصرة، والظروف التي أوصلت الوضع إلى الرصاصة الأولى، أضف إلى ذلك أربعة عقود من الزمن (1965-2004) وهو يلبس الكاكي ويعتمر كوفية تلك الثورة ورمزها الذي حفر في صخور التاريخ ما يستحيل محوه أو المساس به. كما أن سيرة هذه الثورة تعني سيرة "ياسر عرفات"؛ إذ لا يمكن للباحث في شأن هذه الثورة الخروج، قيد أنملة، دون ذكر "ياسر عرفات"، كما أنه لا يمكن الحديث عن "دقيقة" واحدة من حياته خارج نطاق الثورة وهمومها وشئونها وشجونها.
فقد كان "ياسر عرفات" يمسك بالأوراق كافة، أي يدير دفتها مهما صغرت أو كبرت. ويفسّر "أحمد عبد الرحمن" هذه الظاهرة (العرفاتية)، عبر المفاهيم والرؤى التي يطول الحديث فيها، منها:
- يمكن فهم ذلك في الظروف التاريخية التي عاشها، وفي الصراعات التي خاضها، لإنقاذقضيته من الضياع، إذ لم يكن يعمل من أجل مجد شخصي، بل من أجل رفعة شأن وطنهفلسطين، وإذا بدا أنه مطلق الحرية في كل قراراته، وأن قراراته تميل إلى الشخصنةوالفردية، فإنه كان ينظر للأمر من زاوية مختلفة تماماً؛ إن قراراته تخدم وطنه وشعبه وليس له فيها أدنى مصلحة شخصية، والأخطاء التي يرتكبها من يضع فيهم ثقته، كان يعملالمستحيل لمعالجتها دون ضجة ودون تشهير بأحد".
- قدم "ياسر عرفات" مبادرات سياسية جّرت عليه الكثير من النقمة والتشكيك, من أقرب المقربين إليه في منظمة التحرير, وفي حركة فتح ذاتها, واتهم بالإنفراد والدكتاتورية, وحتى بالخروج على الثوابت الوطنية, وهو يخوض هذا الصراع المميت, حتى لا تسقط القضية الفلسطينية في أيدي الأوصياء, الذين لم يترددوا في ظل الكيانية القائمة على سايكس/بيكو, أن يعقدوا الصلح الواقعي مع "إسرائيل" لضمان بقائهم (في كراسي الحكم)، وكان "ياسر عرفات" يردد: "ثمن الكلمات دم فلسطيني، فارحموا شعبكم وقضيتكم".
- لم يكن "ياسر عرفات" يهتم بالكلمات الجارحة من رفاق الخندق وإخوة السلاح بمعناها المباشر على شخصه ومركزه القيادي، وكان يرد على الغاضبين من رجاله بالقول: ليس المهمالكرامة الشخصية، بل المهم كرامة الوطن وقضيته، ويصدر تعليماته بالاسراع في إجراءحوار الوحدة والمصالحة، ولم يترك فرصة إلا وأجرى لقاء أو اتصالاً أو تهنئة أو تعزية،حتى يذوب الجليد وتصفو القلوب.
- هناك مبدآن تبناهما ياسر عرفات في العلاقة الداخلية، بين أبناء الشعب الفلسطيني، وهما: 1) رفض الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات في الساحة الفلسطينية. 2) حرية كل كادر قياديأو قاعدي عسكري أو سياسي في تغيير موقعه التنظيمي، وإذا كان الخلاف يتناول كوادر عدةولها قواعد على الأرض، فلا يجب الدخول في صراع مع الفصيل الأساسي، بل الساحة تتسعللجميع، ويمكن أن يعملوا ويناضلوا في الساحة، ولكن تحت مسمى جديد.
حين طُرح فصل المنشقين ومن وقف إلى جانبهم من الفصائل، رفض أبو عمار ذلك، واعتبر هذه الدعوة سابقة خطيرة، على قاعدة أن المعارضة حق للجميع، وأن الساحة "تتسع للجميع ولن نغلق أبوابنا في وجه أحد".
في نهاية هذا المحور/المرتكز، المتعلق بالحضور الطاغي لـ "ياسر عرفات"، يصح القول: إذا كان وراء كل إيطالي يقف قداسة البابا، فإن وراء كل فلسطيني يقف قداسة "ياسر عرفات".

ثالثًا: ياسر عرفات والنظام الرسمي العربي
يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن "ياسر عرفات" لم يكن يومًا مع الصدام في الساحة العربية، وكان يسعى جاهدًا لعدم انجرار أي نظام عربي وراء المحاولات الخارجية للقضاء على الثورة الفلسطينية، علمًا بأنه كان يردد: "إن المقاومة الفلسطينية ليست ورقة في جيب كبير أو صغير في هذه المنطقة"، وكان يدرك أن الكيانات السياسية العربية هي نتاج اتفاقية سايكس/بيكو، من أجل تفتيت المنطقة. مما دفعه إلى ملء الفراغ في جبهات الأردن وسوريا ولبنان بالرجال المدربين والرصاص والسلاح الذي جمعه من ساحات القتال في الجولان. وانبثق عن ذلك علاقة متذبذبة مع النظام الرسمي العربي، يمكن إيجازها فيما يأتي:
1) على الجبهة المصرية: بارك جمال عبد الناصر فعل "ياسر عرفات" هذا وقدم له، في العام (1968)،) موجة من موجات "صوت العرب" باسم "صوت العاصفة".
2) على الجبهة الأردنية، تعزز المقاومة، مما يثير حفيظة "إسرائيل"، فتقرر الهجوم عليها، وهي تحمل فكرة روجها وزير دفاعها (دايان)، بالقول: "هذه فتح كالبيضة سأكسرها بأصابعي"، فكانت معركة الكرامة التي قلبت الموازين، عندما التحم الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية لإيقاع خسائر فادحة في العدو المعتدي، مما رفع أسهم المقاومة وقائدها"ياسر عرفات"، وتضاعفت أعداد الفدائيين الذين امتد وجودهم على الجبهتين الأردنية والسورية، وفي تلك المعركة قال "ياسر عرفات": كفى تقهقرًا وتراجعًا وانسحابات بلا قتال، والأمة تريد وقفة عز وصمود".
3) تبع تلك الإنجازات التئام جميع الفصائل المقاتلة في منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت قد تأسست بقرار رسمي عربي في العام 1964، وانتخب "ياسر عرفات" رئيسًا للجنتها التنفيذية، فيستخدم شرعيته الثورية لتتبوأ الشرعية الرسمية التي يعترف بها النظام الرسمي العربي.
4) على الجبهة اللبنانية، كانت الثورة قد سيطرت على جبال العرقوب التي جعلت الثورة قريبة من "البطن الطري لإسرائيل" (ص: 37). في العام (1969)، وبفضل زعامة جمال عبد الناصر، أبرم "ياسر عرفات" اتفاقًا مع قائد الجيش اللبناني, والذي شرّع وجود المقاومة في لبنان, وحق الإشراف الفلسطيني على المخيمات في لبنان[3].
5) في حزيران من العام (1974) يعقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يصادق على برنامج جديد لـ "م. ت. ف" أطلق عليه "النقاط العشر" التي كتبها د. جورج حبش بخط يده، والتي تعني "إقامة السلطة الوطنية في أية أرض فلسطينية يجري تحريرها أو ينسحب الجيش الاسرائيلي منها"، ثم تلا ذلك انعقاد القمة العربية في الجزائر في أكتوبر من نفس العام، التي قررت أن "م. ت. ف. هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني"، وفي قمّة الرباط أصر "ياسر عرفات" على إضافة "الوحيد"، وأصبح القرار كما أن المنظمة هي "الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني".
6) أتبع "ياسر عرفات" ذلك القرار بجولات مكوكية شملت جميع دول العالم المستعدة لاستقباله، وهو يتبنى "الواقعية السياسية"، ثم خطابه الشهير في الأمم المتحدة في (13/11/1974)، وقد اختتمه بالقول: الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين"[4]، والذي أصبحت بعده "م. ت. ف" عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، ثم أتبع ذلك بقرار يعتبر "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية"، وكانت النتيجة كما قالها "ياسر عرفات": عدد الدول التي تعترف بـ "م. ت. ف" أكبر بكثير من عدد الدول التي تعترف بإسرائيل.
7) في العام 1982 ونتيجة لغياب مصر، وعدم قدرة دول الخليج لاستخدام سلاح النفط خوفا من التهديد الإيراني، وغرق العراق في الحرب مع إيران. كل ذلك جعل المقاومة مكشوفة تماما في بيروت، فأسماها أبو عمار "حرب العظم الفلسطيني".
8) يذكر "أحمد عبد الرحمن" أن هناك سوريا وليبيا إلى جانب "إسرائيل" تتفقان مع الانشقاق (الذي منيت به حركة فتح في العام 1983). وبعد مغادرة طرابلس، إثر معارك مع المنشقين، يتوجه "ياسر عرفات" إلى مصر التي أعدت له استقبالًا رسميًا وشعبيًا في مدينة الإسماعيلية. وفي هذا الصدد يقول "ياسر عرفات": أسقطنا المؤامرة لسرقة القرار الوطني الفلسطيني المستقل بصمودنا في وجه الحصار الذي فرضه علينا حافظ الأسد".
9) بعد قطيعة منذ العام 1970، أخذ الملك حسين يتطلع إلى لعب دور في مجال التسوية، فوافق على انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان في العام 1984. وهنا عادت "م. ت. ف"، وعاد الأردن حاضنة للعمل الوطني الفلسطيني.
10) لدى اطلاع "ياسر عرفات" على تقرير عن لقاء وزير عربي مع مسؤول أمريكي، بعيد اندلاع الانتفاضة، وما ورد في التقرير من أقاويل بأن المنظمة شئ والانتفاضة شئ آخر، قال: "هذه الشرذمة وعقلية ملوك الطوائف هي وبال على أمتنا العربية".
11) كان "ياسر عرفات" يردد: إن الأرض العربية تضيق بنا وبقضيتنا، ولم يبق أمامنا إلا أن نبحث عن مركبة فضائية تحملنا إلى أحد الكواكب؛ لنقيم قيادتنا عليها للعمل من أجل استعادة وطننا فلسطين من المريخ.
12) بشأن دخول العراق إلى الكويت ونتائجه على الشعب الفلسطين، يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن "أكثرية القيادة الفلسطينية كانت تقف مع العراق ووتدين تحالف حفر الباطن"، و"ياسر عرفات" ليس مع الأكثرية وليس مع الأقلية، وهو ليس مع تحالف حفر الباطن ولا مع دخول الكويت، وإنما قدم عدة مبادرات لحل الأزمة، من بينها انسحاب الجيش العراقي من الكويت.
13) يفيد "أحمد عبد الرحمن" بأنه بعد غارة حمام الشط في عام 1985، طلب الرئيس التونسي بورقيبة من و"ياسر عرفات" إخراج جميع القوات الفلسطينية من تونس، وأما القوات في ليبيا والجزائر والسودان، فقد انتقلت إلى معسكرات في قلب الصحراء، وأن طائرة "ياسر عرفات" سقطت في الصحراء الليبية وهو يبحث عن قواته في الصحراء البعيدة ألف كم عن طرابلس الغرب.

رابعًا: الساحتان اللبنانية والسورية تتحولان إلى "جمر ونار" خلال الفترة (1973-1982)
يدور الزمن، وتحرم الثورة من ممارسة فعلها من الجبهتين الشرقية والشمالية، مما يريح "إسرائيل" ويزيح ثقلًا عن صدرها. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أنه منذ العام (1973)، الذي شهد "جريمة الفردان" التي أودت بالشهداء: كمال عدوان، وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، التي نجا منها "ياسر عرفات" بأعجوبة (ص: 76)، فاشتعلت الساحة اللبنانية تحت أقدام الثورة الفلسطيني حتى العام (1983)، والتي يمكن إيجازها بالنقاط التالية:
1) نشأ في العام (1976) حلف بين حزب الكتائب اللبناني و"إسرائيل"، ضد أبو عمار وثورته، فاصطف معه الحركة الوطنية اللبنانيةوعندما رجحت كفة الصراع الداخلي لصالح الثورة الفلسطينية، كان للنظام السوري الدور الموجع بتدخله ضد الثورة. ففي 12/08/1976م نفذ حزب الكتائب مجزرة مخيم تل الزعتر التي راح ضحيتها (3000) فلسطيني، التي يرى"أحمد عبد الرحمن" أن "حافظ الأسد" يتحمل مسؤوليتها؛ عندما منع قوات الثورة من الوصول إلى المخيم لإنقاذه، ومجزرة جسر الباشا.
2) أطلقت الصحافة الأجنبية على حافظ الأسد لقب "أسد الهلال الخصيب"، عندما اتّبع سياسة تجميع الأوراق لتقوية نظامه، إلا أن الثورة خرجت عن طوعه، ووجهت عملية عسكرية قادتها دلال المغربي في آذار/1978، هزت أركان "إسرائيل". وعلى إثر هذه العملية، وبعد ثلاثة أيام منها، شنت إسرائيل عملية الليطاني، التي استمرت أسبوعًا، نجم عنها تشكيل "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة سعد حداد.
3) وفي 6/6/1982 اجتاحت اسرائيل لبنان وحاصرت الثورة 88 يوما، نجم عنها مغادرة الثورة الساحة اللبنانية إلى تونس (حيث كان "ياسر عرفات" آخر المغادرين في 30/08/1982)[5]، ثم اقترفت "إسرائيل" مجزرة "صبرا وشاتيلا" في أيلول/1982. في حين أن حافظ الأسد أبرم مع "إسرائيل" اتفاقية وقف إطلاق النار في 11/6/1982؛ أي قبل أقل من أسبوع من بدء المعارك[6]. ثم جريمة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد التي يقف وراءها بشار الأسد هذه المرّة. ولا بد من الإشارة إلى أن الشيخ سعد الدين العلمي أصدر فتوى شرعية ضد حافظ الأسد الذي "استباح الدم الفلسطيني".
4) من الجدير ذكره أن سوريا كانت قد سحبت قواتها في شباط/1982 من الجنوب اللبناني (صيدا والدامور والمشرف)، وقدمت الأركان السورية تفسيرًا لذلك يقول: لا نريد للجيش السوري أن يقوم بدور الشرطة، وأنها (الأركان) تعمل على تجميع الجيش تحسبًا لعدوان "إسرائيلي" محتمل.
5) يرى "أحمد عبد الرحمن" أن القيادة السورية بإستراتيجيتها الضيقة، وجدت في ترسيخ"م. ت. ف" لوجودها في لبنان خطرًا على الحكم في دمشق. كما يشير، على لسان مسئول إيراني كبير، إلى أن فشل محاولة أبو عمار لوقف الحرب العراقية، كان بسبب قرار استئناف القتال من مكتب الخميني, ويقول هذا المسئول: إن الرئيس الأسد كتب إلى الخميني شارحًا له أسباب عدم استمرار سوريا في القتال ضد "إسرائيل" في عام 1982.
6) في 4/9/1982؛ أي بعد مغادرة الثورة لبنان، تمكن مقاتلو فتح من أسر ثمانية جنود "إسرائيليين"، احتفظوا بستة منهم وسلموا اثنين إلى القيدة العامة. وتم في 23/11/1983 عملية تبادل تحرر على إثرها خمسة آلاف فلسطيني ولبناني ممن تم أسرهم في حرب 1982، وهذه العملية.
7) تبع ذلك "معركة طرابلس"، التي يرى "أحمد عبد الرحمن" أنها جمعت كل أعداء الاستقلالية الفلسطينية في جبهة واحدة هدفها القضاء على الثورة: الحصار البحري الإسرائيلي لطرابلس، وتحريك "حافظ الأسد" لجيش التحرير الفلسطيني لضرب الشرعية والقضاء عليها. ويتبع نظام الأسد ذلك بفرض الإقامة الجبرية على "محمد زهدي النشاشيبي"؛ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ لإعاقة اجتماع اللجنة في تونس.
8) في العام 1985؛ بعد ثلاث سنوات من مجزرة صبرا وشاتيلا، بدأت، بفعل "دمى الأسد اللبنانية"[7] حرب المخيمات في بيروت للقضاء على وجود ما أسموه "زمرة عرفات".

خامسًا: ياسر عرفات: يقاتل بشرسة.. ويفاوض بهدوء في آنٍ
أصدرت حركة فتح بقيادة "ياسر عرفات" في العام 1968 وثيقة سياسية تقول "بإقامة السلطة السياسية في الضفة والقطاع". وكان "ياسر عرفات" يطور الوعي الوطني باتجاه الوقعية السياسية، وهو يقول: من كان طرفًا في الحرب، فلا بد أن يكون طرفًا في السلام"، فيروي"أحمد عبد الرحمن"، في كتابه هذا، أنه في العام (1973)، وأثناء انعقاد مهرجان الشباب العالمي في وارسو، لم يغب عن ياسر عرفات وجود وفد إسرائيلي من حزب راكاح الشيوعي الإسرائيلي، فيطلب من أصدقائه الألمان عقد لقاء سري معه، وينعقد اللقاء الذي وجه ياسرعرفات من خلاله رسالة للإسرائيليين بأنه مستعد لتحقيق السلام العادل. وهنا لم يكن إلىجانب أبو عمار في هذا اللقاء السري جدا إلا شخص واحد هو "أحمد عبد الرحمن".
كان "ياسر عرفات" يقول: إن الصراع على أرض فلسطين هو صراع تاريخي وحضاري، ولا يوجد في هذا الصراع صدقات من القوي للضعيف؛ فالقوي يأخذ كل شئ، والضعيف يخسر كل شئ". كما كان يقول: "إن من ينتظر حلَا ناجزًا لقضيتنا وبمعجزة فلن يراه أبدًا". وعلى ذلك المبدأ كان يدير دفة الصراع، وهو متيقظ لما يدور حوله.
بعد إخراج الثورة من لبنان في العام 1982، بدأ أبو عمار يفصح عن رؤيته السياسية؛ لإدراكه لضرورة تعزيز موقع "م. ت. ف" فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، كما أنه اتّبع سياسة (اللعم) بسبب رفض "إسرائيل الاعتراف بالفلسطينيين ومراهنتها على حل عربي للقضية الفلسطينية.
في 8/12/1987، وبمقدمات غير مرئية، اندلعت الانتفاضة الجماهيرية في الأرضي الفلسطينية المحتلة، فتبوأت الذروة بين حركات الكفاح والاستقلال الوطني، وشكلت تحديًا هز أركان المثلث الإمبريالي الاستعماري الذي أضلاعه: أوروبا الغربية وأمريكا وإسرائيل. كما جاءت لكي تعوض غياب الخيار العسكري. وكان الرد عليها بمضاعفة القوات الصهيونية المحتلة العاملة في الضفة والقطاع بعشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الانتفاضة، وأدخل أنواعًا جديدة من الأسلحة؛ كطائرات الهليوكبتر التي تطلق القنابل الغازية السامة على المتظاهرين، والنتيجة أن الانتفاضة حسمت المعركة لصالح الشعب الفلسطيني ووضعت العدو أمام طريق مسدود، وأمام مأزق لا خروج منه بغير التقهقر والانسحاب من الضفة والقطاع، إلا أن العدو قام في 16/04/1988م بارتكاب جريمته النكراء باغتيال أبو جهاد؛ المسؤول عن الأرض المحتلة، والهدف إحباط الانتفاضة، ولكن دون جدوى؛ فازدادت الانتفاضة اشتعالًا.
بقيت تجربة الشعب الفلسطيني مع قرار التقسيم في العام 1947 ماثلة أمام "ياسر عرفات"، ويشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن حركتنا الوطنية لم تتمكن في اللحظة المناسبة من اتخاذ القرار الذي تفرضه الضرورة الوطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل موازين القوى السائدة في ذلك الوقت. ولكن المستجدات تتمثل في أن الانتفاضة الفلسطينية (الأولى) والثورة الفلسطينية و"م. ت. ف"، وما بينها من ترابط عضوي، فرضت قضية فلسطين على جدول أعمال الكبار وعلى جدول أعمال القوى الدولية المختلفة، فحركت القيادة القوى العربية والدولية كافة في دعم الانتفاضة التي أصبحت الحدث الأبرز في حينه، التي كانت تحمل توقيع: منظمة التحرير الفلسطينية/القيادة الوطنية الموحدة/دولة فلسطين [8].
في 15/11/1988م، وفي غمرة أحداث الانتفاضة المتصاعدة، أعلن "ياسر عرفات" قيام دولة فلسطين، وهي "دولة محبة للسلام ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي". وفي نيسان/1989 انتخبه المجلس المركزي رئيسًا لدولة فلسطين، وأخذ يتصرف كرئيس لدولة فلسطين، كما لو أن الدولة أقيمت فعلا على أرض فلسطين، وعندما قررت الجعية العامة للأمم المتحدة الاستماع إلى "ياسر عرفات" في جنيف بتاريخ (14/12/1988)، لقي الخطاب ترحيبًا من جميع دول العالم ما عدا أمريكا وإسرائيل، وأتبع الخطاب بنص قرأه على العلن في القاعة الكبرى في عصبة الأمم، نجم عنه انفتاح أمريكا على العلاقة معه، وما تلاه من مراثونات طويلة ومعقدة حتى توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، وما نجم عنها من اعتراف متبادل بين "م. ت. ف"، وإسرائيل[9].
وأورد "أحمد عبد الرحمن" بأن كثيرًا من السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب، وحتى الخبراء في شئون الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يعتقدون بأن"ياسر عرفات" لم يقرأ اتفاق أوسلو؛ لأن الاتفاق لم يلب الحد الأدنى من مطالبه، علما بأنه دافع عن ذلك الاتفاق، بالقول: إنها الخطوة الأولى الضرورية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة".

سادسًا: ياسر عرفات والدولة: يشرع ببنائها.. ويواجه مؤامرات قتلها جنينًا
عندما عاد "ياسر عرفات" إلى غزة حرك ماكينة الرئاسة، وقام في لمح البصر وأيام معدودة برفع العلم الفلسطيني فوق المباني الحكومية، وأصدر جواز السفر الفلسطيني الذي كان يمهره بيده، وخطط لإصدار الجنيه الفلسطيني، ليمحو عن ذاكرة العالم الأكاذيب الصهيونية الإسرائيلية التي تنفي وجود الشعب الفلسطيني، وأصبح "ياسر عرفات" هو نفسه قائد السلطة.
يستعرض "أحمد عبد الرحمن" في كتابه هذا، مجموعة من القضايا الاستراتيجية والمصيرية التي مرت بها القضية الفلسطينية، بقيادة "ياسر عرفات"، منذ عودته إلى الوطن (في العام 1994) بعيد اتفاقية أوسلو وحتى انتفاضة الأقصى في العام 2000، والتي يمكن تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
بدأت الأحداث تتسارع منذ اغتيال رابين (شريك ياسر عرفات في عملية السلام) في أواخر العام 1995، كان صعود الليكود، وصعود العمليات العسكرية الفلسطينية الموجعة لاسرائيل، واغتيال يحيى عيّاش، وانتفاضة النفق في العام 1996، التي شكلت بداية رحلة العد التنازلي لعهد حكومة الليكود برئاسة نتنياهو، ثم قمة واشنطن فاتفاقية الخليل في كانون الثاني/1997. ثم اتفاقية "واي ريفر" حيث يوافق نتنياهو على الانسحاب من 13% من الأراضي الفلسطينية، ثم يحضر الرئيس الأمريكي كلينتون لزيارة ياسر عرفات في وطنه فلسطين.
يسقط نتنياهو ويفوز باراك عن حزب العمل في العام 1999، الذي استحوذ على عقل الرئيس الأمريكي "كلينتون"، الذي كان عرفات يرى فيه شخصية منغلقة تمامًا ويتصرف في السياسة كما لو كان في ساحة حرب. وأعلن في شباط من العام 2000 أن هناك مفاوضات تجري بين إسرائيل وحافظ الأسد، ولخص أحد المسئولين الاسرائيليين تلك المفاوضات، بالقول: نريد سلاما كاملا يسمح لنا بالتسوق يوميا من سوق الحميدية بدمشق، والسماح بهجرة يهود سوريا إلى إسرائيل، وطرد المنظمات التخريبية الفلسطينية من سوريا، وسحب الجيش السوري من لبنان".
تأتي قمة كامب ديفيد في العام 2000، التي أبلى فيها "ياسر عرفات" بلاء حسنًا، وهو يدافع عن توابت الشعب الفلسطيني وحقه في العيش الكريم على أرضه. تلك القمة التي انتهت بأن كلينتون حمل ياسر عرفات مسؤولية فشلها، وأشاد بشجاعة باراك، وقدم له "عربون وفاء" بالتعهد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. مما يجعل باراك يطلق يده في قتل المتظاهرين في ذكرى النكبة (أيار/2000)، يلي ذلك خروج جيش الاحتلال الاسرائيلي من لبنان، في أواخر أيار من العام 2000.

سابعًا: ياسر عرفات و"انتفاضة الأقصى": عَ القدس رايحين شهداء بالملايين
أعد باراك/رئيس وزراء إسرائيل وشارون/الليكودي المعارض سيناريو دقيق يُسمح فيه لشارون، بحماية أكثر من ألفي رجل أمن اسرائيلي، بزيارة المسجد الأقصى (يطلقون عليه جبل الهيكل)، فكان ذلك في 28/09/2000م. وفي الموعد المحدد تمت الزيارة، التي صاحبها قيام الأمن المرافق بالاعتداء على المصلين داخل المسجد؛ فسقط ثمانية شهداء و(145) جريحًا. ثم امتدت الأحداث لتلهب الضفة وغزة. وأخذ باراك يقود عملية إغراق المنطقة في حمام الدم ويقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، ثم يسلم الراية لشارون في 06/02/2001م.
لقد كانت انتفاضة عارمة للشعب الفلسطيني في وجه الغطرسة الاسرائيلية، فتم عسكرتها، عندما "هزت العمليات الفدائية داخل "إسرائيل" المجتمع الإسرائيلي من جذوره، وأيقظته من طمأنينته الكاذبة، وشارك رجال الأمن الفلسطينيين في تلك الانتفاضة، فتم تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية؛ لإزالة أي معلم من معالم الاستقلالية الوطنية. وحينها قال شارون للرئيس الأمريكي الجديد (بوش): عرفات هو محرك الإرهاب، وبعد أحداث 11/أيلول/2001 اتصل شارون مع بوش، وقال له: عندكم بن لادن وعندنا بن لادن، ولا فرق بين الإثنين، والحرب ضد الإرهاب واحدة هنا وفي أمريكا"، في حين أن "ياسر عرفات" سارع للتبرع بالدم للأمريكان. ثم شرع شارون باغتيال القادة الفلسطينيين، بدءًا بـ "أبو علي مصطفى" في آب/2001.
وجّه شارون قواته لضرب المقاطعة بالصواريخ، فتلقى "ياسر عرفات" عدة نصائح تدعوه لمغادرة المقاطعة حرصًا على حياته، فأصر على عدم الاستجابة لذلك؛ باعتباره واحدًا من أبناء الشعب الفلسطيني الذي عليه التضحية. ثم تجتاح القوات الاسرائيلية الضفة الغربية، وصاحب ذلك اغتيالات ومجازر، كمجزرة جنين التي قال فيها شمعون بيريس: ارتكب الجيش المجزرة في جنين. ويرى "أحمد عبد الرحمن" أن "ياسر عرفات" المحاصر بالدبابات في المقاطعة كان هو المنتصر سياسيًا، وشارون المنتصر عسكريًا هو المهزوم سياسيًا.
تتجدد الولاية لشارون في العام 2003، فيستمر في غطرسته العسكرية، فيبادر الرئيس الأمريكي بوش لطرح "تغيير عميق" في بنية النظام الرئاسي لأبي عمار، فاستجاب "ياسر عرفات" لذلك وأعطى صلاحيات لرئيس الوزراء. وليس ببعيد عما يجري حول "ياسر عرفات"، تشن أمريكا وحلفاؤها الحرب على العراق في آذار/2003، فيقول فيها: هذه عاصفة هوجاء، يجب علينا أن نخفف من وقعها على شعبنا وقضيتنا"[10]. وبعد تلك الحرب التي دمرت العراق، يشتعل فتيل الاستيطان ويبدأ شارون بسلسلة أخرى من الاغتيالات، بدءًا بالشهيد "إسماعيل أبو شنب"، ثم محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين. وعندما تشتد الأزمة والحصار على "ياسر عرفات" تلتف الجماهير الفلسطينية حوله، كالسوار حول المعصم، مما يصدم بوش، فيتوجه إلى رئيس الوزراء "أبو علاء" ناصحًا بالابتعاد عن "دسائس عرفات".

ثامنًا: ياسر عرفات: العام 2004 رحلة وداع موجع تصل بين زمنين يفصل بينهما 2000 عام
في أواخر أيلول/2003، يصاب "ياسر عرفات" بمرض غير معروف، إلا أنه يتحامل على نفسه، ويشكل حكومة برئاسة "أبو علاء"، وكانت آخر عبارة قالها "ياسر عرفات" في العام 2003: "نحن وإياهم والزمن طويل، وكل عام وأنتم بخير، ويا جبل ما يهزك ريح".
من أكثر الصور وجعًا، ما يقوله "أحمد عبد الرحمن" بأن التاريخ قد يسجل أن آلام "ياسر عرفات" في العام 2004 تمتد في التاريخ والتراث إلى الفلسطيني القديم "عيسى بن مريم"؛ الذي عُذب وصُلِب في زمن السلام الروماني، وفي زمن السلام الأمريكي يعيد التاريخ نفسه. إن أحفاد الفريسيين في فلسطين، ووريث قيصر روما في واشنطن يقررون أن يلقى ياسر عرفات نفس المصير ونفس الآلام إذا لم يتراجع عن رسالته، في حرية قومه من عبودية الفريسيين الجدد. إلا أنه في الأسبوع الأول من ذلك العام 2004، وفي عيد الشجرة، حفر وزرع شجرة زيتون وسط الدمار الذي أحدثته قذائف شارون الموجهة نحو مقر إقامته.
تشتد المعارك على الشعب الفلسطيني، ويشهد ذلك العام سقوط مئات الشهداء، في الضفة وغزة، وتشتد العمليات الموجعة لشارون وحكومته، وبعد خمسة أشهر (في تموز/2004) تعتبر محكمة العدل الدولية جدار الفصل العنصري الذي أنشأه شارون، والمستعمرات التي أقامتها "إسرائيل" بعد العام 1967 غير شرعية. وشهد شهر آذار اغتيال الشيخ أحمد ياسين في 22/3/2004، ففتح له "ياسر عرفات" بيت عزاء في المقاطعة، تبعه في 28/3/2004 تشكيل وفد فلسطيني إلى القمة العربية في تونس، ضم ممثلين عن حماس والجهاد الإسلامي[11]، ويلي ذلك اغتيال قائد حماس "عبد العزيز الرنتيسي" في 17/04/2004، ويستمر قتل أبناء الشعب الفلسطيني، من مختلف الأعمار والشرائح المجتمعية. ثم يطرح شارون للفلسطينيين ثلاث كنتونات مقطعة، بدون القدس: شمال، ووسط وجنوب.

مرض غريب ومفاجئ.. إلى باريس ومنها يعود شهيدًا.. شهيدًا.. شهيدًا
طوال العام 2004 استوقف مرافقيه التهاب الأذن، فلفت ذلك نظرهم إلى ما قام به ضابط الموساد عند تسميم خالد مشعل من خلال أذنه، كما بدأ يظهر على وجه "ياسر عرفات" وحول الأنف، التهاب كان يسبب له حمرة ظاهرة للعيان،، وفي يوم الثلاثاء (12/10/2004) يدخل ياسر عرفات مرحلة متقدمة في مرضه، ولم يوقع سوى معاملة أو معاملتين، وبدأت تظهر علامات الإعياء الشديد وعدم التوازن، وصار يتناول الشوربة بصعوبة بمساعدة مرافقيه، وفي 14/10/2004، بدأ بالتقيؤ وآلام المعدة، وفي 17/10 يعقد اجتماعا للقيادة وهو في حالة إعياء، وفي 20/10 يصعد إلى مكتب "أحمد عبد الرحمن" ويطلب منه كتابة رسالة إلى الرئيس التونسي؛ بمناسبة الانتخابات الرئاسية، وفي 24/10 عقد اجتماعًا للقيادة ومجلس الأمن القومي، حيث لاحظ الحضور عدم قدرته تحريك جسده. في 25/10 لا يقوى على النهوض من السرير. وجاء أبو مازن لزيارته، وكانت حالته صعبة للغاية، إلا أنه أخذ يتكلم ويتصرف مع أبو مازن كأنه في كامل صحته وعافيته. في الأيام 26/10 حتى صباح الجمعة (29/10) أخذ يشتد عليه المرض ويضعف صوته.
صباح الجمعة (29/10/2004) وصلت المروحية الأردنية، وحملت "ياسر عرفات" إلى باريس، حيث همس لـ "فريح أبو مدين": معقول أن يكونوا قد وصلوا إلي"؟ ويقصد بها أن يكون الإسرائيليون قد دسوا له السم. وفي 31/10 يهاتف سلام فياض/وزير المالية ليطلب منه صرف رواتب الموظفين ورجال الأمن. ويتسارع وضعه الصحي نحو الأسوأ حتى 8/11 حيث يدخل إليه أبو علاء في العناية المركزة، وقال فيما بعد: كدت أسقط على الأرض من هول الصدمة، وفي الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم 11/11/2004 فارق "ياسر عرفات" الحياة.
تم قتل "ياسر عرفات" واغتياله بوسيلة غامضة، لا زالت غير معروفة حتى الآن، والاتهامات لا توجه لغير "إسرائيل" وأجهزتها الأمنية؛ لأنها هي الجهة الوحيدة في العالم التي لها مصلحة استراتيجية في التخلص من "ياسر عرفات".

أقل الكلمات لأشجع قائد،
لا أعتقد أن فلسطينيًا عاقلًا بالغًا ولا أي مراقب للأحداث في فلسطين إبّان حقبة "ياسر عرفات" يمكنه نسيان ذلك المشهد، الذي أصبح تقليديًا خلال انتفاضة الأقصى وحتى الرمق الأخير من حياة ياسر عرفات؛ والمتمثل في أن هناك شخصًا ملتصقًا به: يعدل ويصوّب ويعيد قطار الحديث إلى السكة كلما كاد أن يخرج عنها. إنه "أحمد عبد الرحمن" مؤلف هذا الكتاب، الذي لا يمكنك ترك شاردة ولا واردة فيه إلا وتقرأها، وذلك لما تمتع به من أسلوب سرد يجعلك تمسك بخيط الرواية العرفاتية، وتتعلق به حتى ينقذك من بحر الأسئلة التي تغرقك حتى أذنيك، إن كنت معنيًا بالتعرف على ما كان يجري في ذلك الحصن المنيع الذي يربض فيه ياسر عرفات بأسراره وهمومه، التي لن يتم التعرف عليها بسهولة ويسر.
إن "أحمد عبد الرحمن" في كتابه هذا "عرفات – حياته كما أرادها-"، لم يقرأ عن "ياسر عرفات" ليكتب لنا بحثًا، مستندًا إلى مراجع ومصادر، ومتبعًا أصول البحث العلمي، بل هو يقرأ "ياسر عرفات" نفسه، كما رآه، وسمعه، وكما تهامسا بصوت مرتفع في خلوات وهما يتداولان الحديث والآراء بشأن قضايا بدرجة عالية من التعقيد، بخاصة تلك النصوص المتعلقة بالحوار مع الأمريكان الذين كانوا يسعون لجني المكاسب لإسرائيل، وجعل الفلسطينيين وقضيتهم وتشردهم الوقود اللازم لضمان ماكينة أمن إسرائيل واستقرارها في حالة دوران دائم. كما يمكننا القول بأنه لم يكتب عن "ياسر عرفات"، كما سمع عنه، وإنما يكتب "ياسر عرفات" بنكهته الطبيعية، وبلا صبغات.
لم أقصد من ذلك الوصف ترويجًا للكتاب، فحاشى لله أن تكون هذه رغبتي، وإنما أردت توجيه الباحثين في الشأن "العرفاتي" إلى الغوص في هذا الكتاب لكي ينهلوا منه ما لا يمكنهم إيجاده في المراجع والمصادر الأخرى. فكل من تعامل مع "ياسر عرفات" يرصده من زاوية تختلف عن غيره. ولعل ما يدفعني لهذا القول، أنني حظيت بقراءة (معمقة) لكتاب "عشت في زمن عرفات" لأحمد عبد الرحمن، وقراءة (معمقة) لمذكرات المرحوم "شفيق الحوت"، كما أنني بصدد قراءة (معمقة) لقائد فلسطيني آخر كان ممن التصقوا بـ "ياسر عرفات" ردحًا طويلًا من الزمن أيضًا. ففي كل ذلك تجد النكهات تختلف باختلاف الكاتب، وإن كان الكل يجمع على أن "ياسر عرفات هو ذلك القائد الذي يشكل الضلع الثالث والأكثر صلابة في مثلث فلسطين القيادي، إلى جانب الحاج أمين الحسيني، وأحمد الشقيري.
أما المحاور التي قمت بتحليل هذا الكتاب وفقًا لها، فإنها لا تعدو اجتهادًا مني، وجدتها الزوايا الأكثر وميضًا في حياة ياسر عرفات. إذ يتضح من تلك المحاور مدى الأبعاد المتعددة التي كانت تشكل شخصية "ياسر عرفات"؛ بما فيه من صلابة القائد ودقة تصويبه نحو الهدف، رغم كثافة الضباب العالية والغبار الكثيف، التي تثيرها قوى الشر من الأعداء والأشقاء، التي تعمي البصر، فيتغلب عليها "ياسر عرفات" ببصيرته المتيقظة، التي يقودها الإيمان بالله وحده، ووضوح الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه، مهما غلت التضحيات؛ وهو العيش الحر والكريم على أرض الآباء والأجداد.
رحم الله "ياسر عرفات" رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. وإنا إلى وطننا وأقصانا وقيامتنا عائدون بحول الله، وبفعل الوقود الفكري والقيمي والعقائدي الذي تركه فينا "ياسر عرفات".
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 25 شباط، 2016
aziz.alassa@yahoo.com

[1] استطاع ياسر عرفات أن يؤمن دعوة للرابطة، للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي في وارسو في العام 1954، كانت نتيجتها خروج ياسر عرفات بحصيلة من العلاقات والأسماء التي فتحت أمامه الساحة الدولية، وهو يردد: إن حصر قضيتنا في الإطار المحلي الضيق، إنما يفقده دعمًا وتضامنًا دوليًا نحن في أمس الحاجة إليه (ص: 17-18).
[2] رمز لفلسطين، ورمز للمقاوم الفلسطيني منذ ثورة 1936 (ص: 16). وهنا بدأت رمزية "ياسر عرفات"، التي صاحبته إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
[3] بدأ ياسر عرفات بإعادة تأطير المجتمع الفلسطيني, في النقابات والاتحادات والجمعيات, وأسر الشهداء والهلال الأحمر والمستشفيات والعيادات الطبية ولجان المخيمات واللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية في الأردن, واللجنة العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان, وإعادة إحياء مكاتب منظمة التحرير في الخارج, وبالنسبة لفتح بدأ يعين المعتمدين في العواصم العربية، وكانوا بمثابة موفدين شخصيين له لدى الدول, ينقلون كل صغيرة وكبيرة تهم قضية فلسطين للمسئولين في هذه الدول (ص: 37).
[4] انظر (ص: 72).
[5] انظر: ص: 84.
[6] خصص الكاتب لهذه الحرب خمسة فصول (7-11) (ص: 91-156).
[7] يقصد بها القوى والأحزاب والشخصيات المرتبطبة بالنظام السوري الذي كان يقوده "حافظ الأسد" (ص: 251).
[8] قام المؤلف بتخصيص الفصل السابع عشر من كتابه لعرض عدد من بيانات الانتفاضة، كما صدرت في حينه. كما خصص الفصل الثامن عشر لإعلان الاستقلال.
[9] خصص الكاتب الفصل "الثاني والعشرون" للمراسلت المتبادلة بين عرفات ورابين وبنود اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي (ص: 287-310).
[10] وهنا يستذكر "ياسر عرفات" قول أحد الصحفيين: "إن حل قضية بغداد يبدأ في رام الله، وحل قضية رام الله يبدأ في بغداد" (ص: 400).
[11] قال "ياسر عرفات" يومها: شركاؤنا في الدم شركاؤنا في القرار (ص: 414).
شبكة البصرة