قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 21 أكتوبر 2012

سمير كرم: لماذا تبدو مصر اليوم متعثرة الخطوات بهذه الصورة غير المسبوقة تحت حكم محمد مرسي؟

سمير كرم: لماذا تبدو مصر اليوم متعثرة الخطوات بهذه الصورة غير المسبوقة تحت حكم محمد مرسي؟

خوف السادات يلاحق مصر
*سمير كرم
وكالة انباء الرابطه
تبدو مصر في الفترة الراهنة متعثرة الخطوات بشكل لم يسبق له مثيل.
لم تبد مصر متعثرة الخطوات هكذا منذ اكثر من ستين عاماً. لم تتعثر خطواتها وهي تواجه ازمة العدوان الثلاثي ـ او ما سمي بحرب السويس ـ في العام 1956، بعد ان اممت قناة السويس. لم تبد مصر في مثل هذه الحالة حتى عندما فاجأتها ضربة الهزيمة العسكرية في حزيران/يونيو من العام 1967. بل ان مصر لم تتعثر، كما خطواتها اليوم، عندما فقدت زعيمها العظيم جمال عبد الناصر في اكثر لحظات حاجتها اليه في العام 1970.
فلماذا تبدو مصر اليوم متعثرة الخطوات بهذه الصورة غير المسبوقة تحت حكم محمد مرسي؟
يحتاج هذا السؤال الى إجابة تعتمد على التاريخ اكثر مما تعتمد على التفسيرات النفسية. ولقد ارتبطت مصر بالتاريخ، بل لعلنا نقول كما ارتبط التاريخ بمصر الى حد لا يمكن معه التفريق بينهما حتى في هذه اللحظات الحرجة. ويبدو ان تعثر مصر بدأ مع رئاسة الدكتور محمد مرسي اكثر منه مع ثورة «25 يناير» 2011. هذه الثورة التي بدا ان غياب القيادة فيها سهل اضطرابها، كما سهل سرقتها من قوة لم تدخل مضمارها الا بعد ان كانت الثورة قد تأكدت وبرهنت انها ستنجح في الإطاحة بنظام حسني مبارك وفريق رجال الاعمال الذي شاركه الحكم وشاركه النهب من ثروات مصر.
الملاحظ الآن بعد اكثر من مئة يوم على حكم محمد مرسي انه كلما تعثر الرئيس مرسي في متابعة الثورة ظهرت التفسيرات التي يغلب عليها القول انه يتابع خطى نظام مبارك الذي اطاحت به الثورة، وأظهرت تطورات الفترة القصيرة من وقتها ان هذا هو المكسب الوحيد اليقيني الذي نجحت الثورة المصرية في تحقيقه حتى الآن وكل ما عدا ذلك يفتقر الى صفة المكسب ويفتقر اكثر الى صفة اليقين. حتى في التطورات الاخيرة التي شهدت مرسي يصدر قراراً بعزل النائب العام المصري من منصبه وتعيينه سفيراً لدى الفاتيكان، ظهر التفسير الوحيد لهذه الغلطة القانونية ليقول إن مرسي يريد ان يحكم مصر بالأسلوب نفسه الذي كانت تحكم به في عهد مبارك، التغاضي عن القواعد الدستورية وإغفال القانون وحدوده ومنطقه. ولقد اضطر مرسي للتراجع بعد نحو 24 ساعة امام اعتراضات رجال القضاء المصري بالآلاف، ليبدو تعثره مستمراً كما بدا منذ ان اعاد مجلس الشعب ثم اضطر للرجوع عن ذلك وترك مجلس الشعب لمصيره المحتوم. ولكن خلفيات التعثر الرئاسي في مصر تعود الى وقت ابعد من ذلك حتى.
حدث هذا بوجه خاص عندما اكد رئيس مصر للولايات المتحدة التزام مصر بمعاهدة السلام مع اسرائيل، وعندما تراجع مرسي في سيناء عن مواصلة الدفاع عن حق مصر في السيادة الكاملة على شبه الجزيرة. وحدث هذا ايضا عندما اختار مرسي استخدام التبريرات السلطوية على طريقة النظام السابق للرد على الاعتراضات على الجمعية التأسيسية للدستور في تأليفها وفي طريقة تناولها لموضوعات الدستور.
كثيرة هي الأمثلة عن المواقف التي اتهم فيها مرسي بأنه حذا حذو سلفه مبارك وكأن الثورة لم تكن. ولكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي ان مرسي انما يحذو حذو الرئيس انور السادات في سياساته منذ ان اتم خطوة «العبور» العظيمة في تشرين الاول/ اكتوبر 1973. كانت كل خطوات السادات بعد العبور تتم تحت وطأة خوف من إسرائيل استمر طوال عهده ولا يزال مستمراً حتى عهد مرسي، اي بعد ثورة «25 يناير» 2011.
لقد عبرت القوات المسلحة المصرية بجهد عسكري وإنساني خارق قناة السويس وخط بارليف الحصين، ولكن السادات تصرف بعد ذلك تصرف من استولى عليه الخوف من هذه النتيجة. خاف فاختلف مع الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس اركان حرب القوات المسلحة آنذاك. كان الفريق الشاذلي، يرى ان القوات المسلحة المصرية قادرة على الاستمرار في هجومها الى ما بعد خط الممرات في وسط سيناء على اقل تقدير، وقياس مدى قدرة مصر بعد ذلك على مواصلة معركة تحرير سيناء من الاحتلال الاسرائيلي. أوقفت القوات المصرية زحفها عند الكيلو العاشر من قناة السويس وضحى السادات وقتها بالفريق الشاذلي وحوّله الى ديبلوماسي. عينه في البداية سفيراً لدى بريطانيا، وآثر بعد ذلك ان يخفض مرتبته فعينه سفيراً لدى البرتغال. وخاف السادات ايضاً من ضرب القوات الاسرائيلية التي عبرت قناة السويس الى الجانب الغربي، لأنه خشي ان يؤدي هذا الى خسارة ما حققه، أي العبور. ونتيجة لخوف السادات، احتفظت اسرائيل بقوتها التي عبرت القناة الى غربها واستطاعت ايضاً محاصرة الجيش الثالث المصري.
وذهب السادات خائفاً الى وزير الخارجية الاميركي آنذاك هنري كيسنجر وذكّره بأنه لم يقبل في السابق التوسط بين مصر واسرائيل، وكان يصف الموقف بينهما بأنه «بارد» كما كان قبل «عبور اكتوبر». قال السادات لكيسنجر إن الموقف قد اصبح «ساخناً» ويلائم اسرائيل، وبخاصة ان «حرب اكتوبر» كانت قد حققت «توازناً» بين قوات الاحتلال وقوات التحرير. الطرفان حققا عبوراً. الطرفان حققا نصراً مبدئياً. الطرفان يريدان إنهاء الحرب عند هذه الحدود. ولم يكن ذلك الا بمثابة حسابات الخوف من جانب السادات. وقبل كيسنجر ان يتوسط لدى حكام اسرائيل من اجل إنقاذ السادات من حرصه على ما تحقق، وهو الخوف قبل كل شيء . كان كيسنجر قد وصل الى نقطة الاقتناع بإمكان استثمار خوف السادات لتحقيق نتيجة تاريخية لإسرائيل وحليفتها الاستراتيجية اميركا. وكان كيسنجر يريد ان ينقذ إدارة رئيسه ريتشارد نيكسون من محنة «ووترغيت» التي لاحت في الأفق وقتها، تهدده بأقصى عقوبة، وهي التنحي. وكان كيسنجر في الوقت نفسه مدركاً اهتمام اسرائيل بعرض السادات السلام.
خائفاً ذهب السادات الى تل ابيب وألقى خطاباً في «الكنيست» تعهد فيه، قبل ان ينال اي موافقة او شروطاً من اسرائيل، بأن تكون «حرب اكتوبر» آخر الحروب اذا قبلت اسرائيل الانسحاب من سيناء (ومن غرب القناة). ولعل من الضروري ان نلاحظ عند هذه النقطة من التطورات ان كيسنجر لم يصاحب السادات في هذه الزيارة لإسرائيل. وكان من الطبيعي ان يصحبه لتأكيد الدور الاميركي كحد ادنى ولتغطية حالة السادات الذي بدا وحيداً مزعزع القوى، ولكن كيسنجر اراد ان يتحمل السادات وحده مسؤولية ما هو مقدم عليه. لم يكن يحكمه الخوف الذي كان يحكم السادات.
ونعرف ان اسرائيل قبلت هذا العرض الذي لم يكن ليراود احلام قادتها ابداً. وحاولت ان تظهر قدراً من العرقلة في طابا ظلت قائمة لسنوات حتى صدر حكم محكمة العدل الدولية لصالح مصر. واضطرت اسرائيل لأن تسلم طابا الى مصر مبارك، وكان السادات قد توفي قبل ذلك بشهور. وبين طابا المشكلة وطابا الحل جرت محادثات «كامب ديفيد» التي تركت اثرها على المنطقة كلها بل وعلى العالم، وهناك وقع السادات على معاهدة السلام مع اسرائيل. وتحت وطأة الخوف ايضا اجبر السادات في الشهور الاخيرة من حياته على ان يتغاضى عن قيام اسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي في العام نفسه الذي اغتيل فيه. وكان هذا اول عمل عسكري اسرائيلي يتجاوز موقف مصر ولا يعبأ به، لأن الخوف مما يمكن ان تفعله اسرائيل كان لا يزال ممسكاً بتلابيب السادات.
ورث مبارك كل مخاوف السادات واضطر أن يتغاضى ويغض الطرف عن اعتداءات اسرائيل على «منظمة التحرير» وعلى لبنان الى حد احتلال العاصمة العربية بيروت في حرب العام 1982، وأعقب ذلك طرد المنظمة الفلسطينية من لبنان بعيداً الى تونس. ولم يجد مبارك، الخائف، في ذلك اي مبرر لإقلاق السلام الاسرائيلي مع مصر. واستمرت حالة الخوف ذاتها بعد ذلك عندما قررت اسرائيل ان الظرف ملائم لانتهاز فرصة السلام مع مصر لكي تعتدي على منظمة التحرير الفلسطينية في منفاها البعيد في تونس، ضاربة عرض الحائط بسيادة تونس التي لم يسبق ان اصطدمت بإسرائيل في الحرب او في السلم. وتكررت مشاهد خوف حكام مصر من اعتداءات اسرائيل على الاراضي العربية وعلى الشعب العربي في لبنان في العامين 1993 و1996، وفي الجنوب اللبناني حيث ذاقت هزيمة اجبرتها على الانسحاب امام مقاومة لبنانية، وفي لبنان مرة اخرى في العام 2006 انتهت بهزيمة اسرائيلية على ايدي «المقاومة اللبنانية» ذاتها.
هذا كله تاريخ معروف ولكنه لم يكتب في اي وقت تحت عنوان خوف حكام مصر بعد عبد الناصر من اسرائيل عسكرياً ومن اميركا سياسياً. لكننا مجبرون على ان نجيب عن السؤال الاساسي الذي يفرض نفسه: لماذا كان السادات يخاف وبعده مبارك وبعده مرسي؟
كان السادات يخاف على الانتصار الذي حققه في «حرب اكتوبر» 1973 ان يضيع بضربات حربية اسرائيلية بتأييد من اميركا. وبالمثل كان مبارك يخاف على رئاسته وعلى علاقاته المتبادلة النفعية مع القوات المسلحة وعلى العلاقات الوطيدة مع اميركا. ويتضح الآن ان الرئيس مرسي يخاف ايضاً على هذا كله. يخاف بالاضافة الى هذا كله، وربما قبل هذا كله، على السلطة التي تحققت للاخوان المسلمين وله شخصياً، وعلى علاقات الاخوان مع القوات المسلحة المصرية. يخاف لأنه علم ان الولايات المتحدة لن تسمح بحرب اسرائيلية - مصرية، وهي اذا سمحت بذلك لن تطيق اوجاعاً اسرائيلية تنجم عنها. هذا هو معنى الضمان الاميركي لاسرائيل في معاهدة «كامب ديفيد».
لكن هذا السؤال يتفرع عنه سؤال اساسي آخر: لماذا لم تخف مصر عبد الناصر من اسرائيل حتى ومصر مهزومة وأرضها محتلة؟ لماذا شن عبد الناصر حرب الاستنزاف فلم يخف من اسرائيل بعد شهور معدودة من هزيمة 1967؟ لم تخف مصر تحت قيادة عبد الناصر عندما كانت لإسرائيل الغلبة والقوة لضرب اي هدف عسكري او مدني في مصر طولاً وعرضاً؟ لأنه كان يعلم ان لا حرب ضد عدو للوطن بدون خسائر وبدون آلام. ولأنه كان يعرف ان مصر من الرسوخ في حياة الأمة العربية والعالم بحيث لا تهزها ولا تقلص ثقتها اية خسائر في مواجهة مع اسرائيل. كانت اسرائيل قد حققت بالفعل اقصى ما كان بإمكانها في حرب 1967 ولا يمكنها ان تفعل اكثر الا ان تقرر الدخول في عمق مصر لتواجه جماهيرها تحت قيادته. لكن احداً ممن حكموا مصر بعدها لم يكن لديه هذا الحجم من الثقة بجماهير مصر وبمصر التاريخية والجغرافية.
الخوف بعد ـ «ثورة يناير» ـ لم يعد يلائم مصر. ولكن حاكمها ورث خوف السادات ومبارك ولا يستطيع التخلص منه. ولا يستطيع ان يجد علاجاً لتعثره المزمن.
متى نتخلص من هذا الخوف اذا لم نتخلص منه بعد الثورة؟

*كاتب سياسي ـ مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق