طرحت في الآونة الأخيرة اسئلة متعددة حول حزب البعث العربي الاشتراكي ودوره في الساحة العربية في خطابات ومناسبات مختلفة وعلى ضوء المتغيرات العربية الراهنة، واشتقاقا من بعض تجلياتها، وكانت معظم هذه الكتابات تصب باتجاه نقض وليس نقد اطروحاته ومواقفه السياسية والقومية، اضافة لقصورها في رؤية المسار التاريخي للحزب من خلال شرعيته وقيادته الحزبية القومية، وليس من خلال تعابير واقنعة الانقسامات والانقلابات التي حدثت ضد شرعيته وضد مساراته وسياقاته السياسية والعقائدية. اذ لايزال البعض يطلق اسم البعث على الانقسامات والتمردات التي حدثت فيه ويلصق به انحرافاتها وعثراتها، ويضعها على مستوى واحد مع البعث التاريخي القائم في العديد من الدول العربية والملتزم بمبادئه ومنطلقاته النظرية التكوينية وقيادته الشرعيه التي بدأت بعفلق مؤسس الحزب مرورا بالشهيد المجيد صدام حسين وانتهت بقائد الحزب والمقاومة عزة الدوري.
لقد بدأت بعض الاصوات والكتابات وانطلاقا من هذه النظرة القاصرة في عدم التمييز بين البعث بصورته الحقيقية والتاريخية المرتبطة بمشروع النهضة الذي انطلق منذ عام1947،وتجدد وانبعث عام 1968، والبعث العسكرتاري الانقلابي بصورته الشكلانية المزيفة في بعض الاقطار العربية التي نشأت واستمرت قناعا وليس قناعة وسياسة وممارسات. بدأت هذه الاصوات وانطلقت لتعويم صورة البعث باستخفاف وجهل متعمد وخلطت الحابل بالنابل، واصبح البعث صاحب الرسالة التاريخية النهضوية، والذي يمحو الامية ويؤمم النفط، ويقود اعقد مقاومة في التاريخ العربي الراهن، وينازل الصهاينة والامريكان في الميدان، مثل البعث الذي جعل من فكرته لافتة وشعارا وقناعا لتمرير المشروع النقيض للبعث ومعناه ورسالته.
ان من يوحدون هذه الصور المتناقضة "ويدبلجونها" عن البعث، هم من يشاركون الآن في عملية اجتثاثه وتشويه صورته التاريخية الحقيقية التي لاتزال تقدم نفسها عنوانا لمشروع النهوض القومي العربي والمقاومة ولاتزال ترى معنى رسالتها قائما ومعاصرا لنا وقادرا على توليد رؤية قومية خصبة لللانطلاق نحو المستقبل ومن مواقع المقاومة هذه المرّة وليس من مواقع الحكم ومؤسساته
ومما لاشك فيه أن اغراض التشويه السياسي السائد الآن هذه تريد أن تستكمل المشروع الصهيوامريكي القديم - الحديث الذي اتخذ لنفسه عنوان "اجتثاث البعث في العراق" وبدأ بهدم ضريح مؤسس البعث الاستاذ ميشيل عفلق، وتحول لاحقا الى عمل فاشي مؤسسي ومحاكم تفتيش تطارد الافراد والعوائل البعثية وتشردهم في كل اصقاع الارض بغية اجتثاث الفكرة والمؤسسة أو شرذمتها واقتلاعها بشكل نهائي. ولذلك فاننا نرى أن المحاولة التشويهية والتحريفية الراهنة لصورة وتراث حزب البعث العربي الاشتراكي وتاريخه ومشروعه تأتي في هذا السياق القائم على تغييب وتعويم فكرة ورسالة البعث التكوينية، مقدمة لتغييب معانيه ونضاله الطويل من اجل الامة وتقدمها ومستقبلها، واطفاء لجمراته التي لاتزال تشتعل وتستقطب الاستنهاض والتمرد في العقل والواقع العربي.
اننا لانقف أو لانريد أن نقف ضد من يحاول المقاربة والقراءة النقدية الايجابية والعقلانية للبعث وتجربته ومشروعه " لابل أننا نرى ذلك ضروريا "، ولكننا نؤشر على محاولات وعمليات النقض والتقويض والاجتثاث الجارية الآن، ومانحاوله هنا هو نقد هذا النقد، أو هذا النقض، والنقد المريب بغية تصحيحه، ونسعى الى اعادة الحوارات الدائرة حول تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي، وكل معطيات هذا النقد "المفخخ" والعمومي والتعميمي الموجه له ولمشروعه الى سياقه المعرفي والسياسي الصحيح انطلاقا من تصحيح المنهج الذي يتناوله تاريخيا وراهنا وازالة الالتباس عن فكرة "بعث هنا وبعث هناك " ذلك أن للبعث مسار وسياق ونسق نضالي واحد لم يتبدل منذ عام 1947 والحكم عليه " وعلى عنوانه ومعانيه" يجري من خلال تتبع هذه المسارات النضالية والسياقات القومية واقترابها من والتزامها بالمباديء الكبرى وامتحانه في ميادين الممارسة، ومن خلال الافعال والانجازات التي يحققها على ارض الواقع وعلى عكس ذلك نكون ازاء حالة ترويج شكلانية لبعث مفترض، أو ازاء احلال قناع تتقنع به جهة أو جهات سياسية لمآرب اخرى!
ان تفكيك مقولة "البعث المتعدد" أو المتباعد والمتناقض، هي خطوة منهجية ضرورية لازالة التباس تاريخي وتصحيح لرؤية ومنهح في التناول، فالبعث سياق ورسالة يمكن تبين خطوطها ومعالمها وعنوانها اذا قرأنا جيدا الدلالات واذا ما استنطقنا المعاني والافعال والممارسات، ولايجوز بأي حال أن نضع على سوية واحدة من يجسد البعث بالانجاز والمقاومة، ومن يغيبه بالشعارات والاقنعة أو يدعي الوصل به وهو منقطع وغائب عنه وعن رسالته التاريخية!!
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق