كي لا يبقى الحوار الديموقراطي ينتظر على أرصفة الحراك الشعبي العربي..!. كيف ننظر إلى أسس الحوار حول التدخل الأجنبي؟ - تحليل معمق وحلول مطروحة
الديموقراطية السليمة هي الوسيلة التي يتحاور على أساس ثوابتها الأنا والآخر، (الرأي والرأي الآخر)، وقواعده القائمة على أن رأيي صحيح ولكنه يحتمل الخطأ، والرأي الآخر خاطئ ولكنه يحتمل الصواب.
وحيث إنه للوصول إلى الحقيقة أكثر من طريق يبقى التنوع بالآراء مصدر غنى في مرحلة التفتيش عنها. ولهذا، وإذا كان تعدد الآراء، التي مصدرها تعدد في الثوابت الفكرية، مسألة مطلوبة وضرورية للتقارب، فالأحرى أن يكون هذا التعدد أيضاً حاجة ضرورية وشرطاً ملزماً بين أبناء الثابت الفكري الواحد. ولكن ما هو سائد الآن، بالنظر والتحليل، هو أن أسس الحوار الديموقراطي مغيَّبة عن ساحة الحوار بين القوميين حول (الحراك الشعبي العربي)، بحيث ينقسم القوميون إلى فريقين يرى أحدهما الصورة ذات لون أبيض بينما يراها الفريق الآخر ذات لون أسود. وعلى قاعدة إما أبيض أو أسود، يتحول مبدأ الحوار كثابت قيمي، في أحيانٍ كثيرة، إلى ضحية يتعصَّب فيها كل فريق لموقفه فيسود التنافس بين الفريقين، ويصبح بديلاً للتكامل، فتضيع الحقيقة وتصبح هي الضحية.
من المعروف أن المجتمعات إذا حارت في اتخاذ موقف ما، أو كانت بحاجة للتفتيش عن حلول لمشكلة تواجهها، فتتشكل لجان من الخبراء، وتنعقد مؤتمرات وطاولات حوار تُعنى بتشخيص أسباب المشكلة بأقرب ما يمكن من العلمية والموضوعية، من أجل وضع خطة للعلاج تكون مستندة إلى أسبابها. وقلَّما يجد الخبراء خطة متكاملة للعلاج، أي أن المبدأ العلمي يرفض أن تكون هناك خطة مُغلَقة لا تحتاج إلى تعديل، بل تستند بعض بنودها إلى مبدأ (الاحتمال) و(الافتراض). ولهذا السبب يكون مبدأ الاعتراف بالرأي والرأي الآخر بين من كُلِّفوا بدراسة المشكلة، مستنداً إلى مبدأيْ الاحتمال والافتراض. فإذا تبيَّن خطأ (الرأي) يكون (الرأي الآخر) و(الرأي الذي يليه) بديلاً وجاهزاً.
قد يتطلَّب وضع خطة لعلاج مشكلة منفردة جهداً أقل، ويتصاعد حجم الجهد كلما تكاثرت المشاكل، وتتعقد حلول تلك المشاكل إذا تكاثرت التقاطعات فيما بينها. وهذا يصبح أكثر وضوحاً إذا درسنا حالة مريض يعاني أكثر من عِلَّة، وكل علة تحتاج إلى علاج منفصل عن علاج العلة الأخرى. ويتصاعد حجم التعقيد إذا كان الدواء الموصوف لعلة يتفاعل سلباً مع الدواء الموصوف للعلة الأخرى. واستطراداً، إن الموقف الذي يصحُّ في حالة قطرية عربية، قد لا يصح في حالة أخرى.
واستناداً إلى كل ذلك، نرى أن مصطلح (الحراك الشعبي العربي) يعني الوحدة والتنوع في آنٍ معاً.
- الوحدة تعني وحدة التقاطعات بين الأسباب التي أدَّت إلى الحراك.
- والتنوع يعني التعددية بخصوصيات المجتمعات القطرية التي حصل فيها.
فوحدة أسباب الحراك العامة، التي حرَّكت الشارع العربي أينما كان، نابعة من فقدان (العدالة الاجتماعية) و(الديموقراطية السياسية)، لوجود حكم (ديكتاتوري) أساء وظيفته؛ فوحدة الأسباب أدَّت إلى وحدة تعريف الحراك ووصفه بـ(الحراك الشعبي العربي).
ولكن إذا كانت الأسباب واحدة فلا يجوز تغييب حقيقة خصوصيات المجتمعات التي حصل فيها الحراك، وتغييب خصوصية الحلول أيضاً. ولسبب شمول الحراك الشعبي أكثر من قطر عربي، نرى أن خاصيتيْ الوحدة والتنوع في الحراك يدلان بشكل واضح على أنَّ المشكلة مركَّبة. وهذه النتيجة تقتضي النظر إلى كل حراك بمنظاريْ (الوحدة) و(التنوع).
وتزداد المشكلة تعقيداً في تحديد موقف حيال الحراك الشعبي كلما تعددت المناظير التي تشاهد ما يجري على ساحة الوطن العربي. فمن يستخدم المنظار القطري، لا يرى المشهد كما يراه من يستخدم المنظار الديني السياسي. ومن يستخدم هذين المنظارين لا يرى المشهد كما يراه من يستخدم المنظار الأممي. وتختلف رؤية المشهد إذا نظرنا إليه بالمنظار القومي.
وإذا كان اختلاف المناظير الإيديولوجية لمشهد ثنائية الصراع (الديموقراطية – الديكتاتورية)، أي (الشعب – النظام) قد عمَّقت أزمة الحوار الديموقراطي بين شتى الأطياف، فكيف بنا لو دخل على خط مشهد الحراك عوامل خارجية متباينة الأهداف والمآرب؟
لكننا من خلال الرؤية السلبية لشتى المواقف المتعددة، والمتناقضة في معظم الأحيان، بسبب تعدد الرؤى الإيديولوجية بين القطريين والإسلام السياسي والقوميين، نجد زاوية إيجابية مضيئة تجمع بين التيارات القومية وهي اتفاقهم على وحدة تشخيص الأسباب التي أدَّت إلى الحراك الشعبي العربي، واتفاقهم على ضرورة إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. وهذه الأسباب والنتائج لا تخضع للنقاش لأنها تشكل ثوابت بين شتى الرؤى الصادرة عن التيارات القومية. ولكن دخول عامل التدخل الأجنبي على خط الحراك الشعبي العربي هو الذي أضاف دخاناً راح يُعتِّم على المشهد، ويضفي تعقيدات على مواقف القوميين، السبب الذي جعلها تتباين وتتفاوت، ليس حيال الموقف من ثنائية الصراع (الشعب – النظام)، لأن المواقف موحدَّة منه أسباباً ونتائج، بل جعل المواقف تتفاوت حول تشخيص مدى حجم هذا التدخل ووسائله ونتائجه على كل حراك قطري بمعزل عن الحراك القطري الآخر.
ولكي لا نقنع أسرى الاختيار بين اللونين الأسود والأبيض، أي بين من يعتبر الحراك مشبوهاً، على قاعدة التبني لـ(نظرية المؤامرة)، وبين من يعتبر الحراك شعبياً سواءٌ أكان متكامل الشروط الثورية أم كانت تلك الشروط ناقصة. ولكي نوفِّر الكثير من النقاش والجدل، نرى أن الخلاف الأساسي يقع حول حجم التدخل الأجنبي ووسائله ونتائجه. لذلك سنحصر اهتمامنا بهذا الجانب.
ولكن إذا كانت الأسباب واحدة فلا يجوز تغييب حقيقة خصوصيات المجتمعات التي حصل فيها الحراك، وتغييب خصوصية الحلول أيضاً. ولسبب شمول الحراك الشعبي أكثر من قطر عربي، نرى أن خاصيتيْ الوحدة والتنوع في الحراك يدلان بشكل واضح على أنَّ المشكلة مركَّبة. وهذه النتيجة تقتضي النظر إلى كل حراك بمنظاريْ (الوحدة) و(التنوع).
وتزداد المشكلة تعقيداً في تحديد موقف حيال الحراك الشعبي كلما تعددت المناظير التي تشاهد ما يجري على ساحة الوطن العربي. فمن يستخدم المنظار القطري، لا يرى المشهد كما يراه من يستخدم المنظار الديني السياسي. ومن يستخدم هذين المنظارين لا يرى المشهد كما يراه من يستخدم المنظار الأممي. وتختلف رؤية المشهد إذا نظرنا إليه بالمنظار القومي.
وإذا كان اختلاف المناظير الإيديولوجية لمشهد ثنائية الصراع (الديموقراطية – الديكتاتورية)، أي (الشعب – النظام) قد عمَّقت أزمة الحوار الديموقراطي بين شتى الأطياف، فكيف بنا لو دخل على خط مشهد الحراك عوامل خارجية متباينة الأهداف والمآرب؟
لكننا من خلال الرؤية السلبية لشتى المواقف المتعددة، والمتناقضة في معظم الأحيان، بسبب تعدد الرؤى الإيديولوجية بين القطريين والإسلام السياسي والقوميين، نجد زاوية إيجابية مضيئة تجمع بين التيارات القومية وهي اتفاقهم على وحدة تشخيص الأسباب التي أدَّت إلى الحراك الشعبي العربي، واتفاقهم على ضرورة إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. وهذه الأسباب والنتائج لا تخضع للنقاش لأنها تشكل ثوابت بين شتى الرؤى الصادرة عن التيارات القومية. ولكن دخول عامل التدخل الأجنبي على خط الحراك الشعبي العربي هو الذي أضاف دخاناً راح يُعتِّم على المشهد، ويضفي تعقيدات على مواقف القوميين، السبب الذي جعلها تتباين وتتفاوت، ليس حيال الموقف من ثنائية الصراع (الشعب – النظام)، لأن المواقف موحدَّة منه أسباباً ونتائج، بل جعل المواقف تتفاوت حول تشخيص مدى حجم هذا التدخل ووسائله ونتائجه على كل حراك قطري بمعزل عن الحراك القطري الآخر.
ولكي لا نقنع أسرى الاختيار بين اللونين الأسود والأبيض، أي بين من يعتبر الحراك مشبوهاً، على قاعدة التبني لـ(نظرية المؤامرة)، وبين من يعتبر الحراك شعبياً سواءٌ أكان متكامل الشروط الثورية أم كانت تلك الشروط ناقصة. ولكي نوفِّر الكثير من النقاش والجدل، نرى أن الخلاف الأساسي يقع حول حجم التدخل الأجنبي ووسائله ونتائجه. لذلك سنحصر اهتمامنا بهذا الجانب.
خصوصية الحراك الشعبي العربي: تداخل أهداف الداخل مع أهداف الخارج يزيد من تعقيد المشكلة
خلافاً لما عرفته معظم الثورات الشعبية في العالم، بدءاً من الثورة الفرنسية وصولاً إلى الثورة الشيوعية في روسيا، للحراك الشعبي العربي خصوصية تداخل أهداف الداخل مع أهداف الخارج. وهذا التداخل زاد من تعقيد المشكلة وجعل تشخيصها معقداً أيضاً، ووصف علاج لمشكلة صعبة التشخيص أمر غاية في الصعوبة. وهذا الأمر أدى إلى تعتيم شديد على طبيعة فهم هذا التداخل، وهذا ما أدى إلى الاختلاف في الرؤى حول ما سُمِّي بـ(نظرية المؤامرة). وهنا يرتفع السؤال التالي: هل (نظرية المؤامرة) هي نظرية من اختلاق الأنظمة للدفاع عن نفسها، ولاتهام معارضيها بـ(اللا وطنية)؟ أم أنها موجودة فعلاً، كلياً أم جزئياً؟ وإذا كانت موجودة، فما هو حجم هذا الوجود؟ وما هو حجم تأثيرها على الحراك الشعبي؟
ولكي لا تكون أحكامنا نهائية، نرى من المفيد التذكير أن التدخل الخارجي حقيقة واقعة، ولا تخفى على القوى القومية. كما لا تخفى عليها أن القوى الخارجية تتدخل بمسارات هذا الحراك أو ذاك كثيرة، وتُعدُّ بالعشرات، حتى وإن اصطفت تحت خيمة محورين أساسيين شرقي وغربي مع امتداداتهما الإقليمية. وإن كانت مصالح تلك القوى متضاربة ومتناقضة. فإنما يدل هذا على مدى التعقيد الذي وصلت إليه أزمة الحراك الشعبي العربي، وبالتالي تدل على مدى صعوبة اتخاذ أي موقف سياسي تتخذه القوى القومية.
وإننا نرى أنه لا يجوز أن يكون الموقف جامداً تحت حجة أن الثوابت جامدة وغير متغيرة، بل من صفات أي موقف في الوقت الذي يجب أن يحافظ على الثوابت أن لا ينسى أن المتغيرات التي تطفو على سطح الأحداث أو تتفاعل في أعماقها تستدعي تطوير الموقف أو تصعيده تبعاً لتلك المتغيرات.
حيال هذا التعقيد الذي أضفته عوامل التدخل الخارجي، ما هو موقف القوى القومية منها؟ وهنا سنشخِّص الثغرات في واقع الحوار الديموقراطي السائد بين القوميين، ونقترح ما نراه مناسباً لتطويره والانتقال به إلى صيغة إيجابية تتكامل فيه الرؤى على قاعدة التنوع من داخل الوحدة.
أولاً: الواقع الراهن: الملتزمون بالثابت الفكري الواحد يتفقون على تشخيص الأسباب ويختلفون على النتائج
(نعم للديموقراطية)، و(لا للديكتاتورية)، و(لا للتدخل الأجنبي): ثلاثة ثوابت ليست مثار جدل بين الملتزمين بالثابت الفكري الواحد. وإذا كانت الثورات الشعبية في التاريخ شهدت صراعات بين الثابت الأول والثاني، فقد شكَّل التدخل الأجنبي بين الشعوب وأنظمتها السياسية، عاملاً جديداً لا يُستهان بتأثيراته، بل يجب على حركة التحرر العربي أن لا تستهين بتأثيراته البالغة على مسار الحراك الشعبي العربي.
فالتقاطع بين المواقف لا جدال فيه أو حوله بين الملتزمين بالخط الفكري الواحد، فهو تقاطع كامل بين الموقفين في ثنائية (نعم للديموقراطية – لا للديكتاتورية). ويبدأ الافتراق عندما يدخل العامل الثالث على مسار التشخيص والعلاج.
إن رفض التدخل الأجنبي، أيضاً، ثابت لا جدال فيه بين الموقفين، وهو تشخيص يقره (الرأي) و(الرأي الآخر). ولكن الخلاف يبدأ عندما يدخل الحوار مرحلة تحديد العلاج، فتختلف الرؤى وتتباين. ويحل التنافس بين المتحاورين مكان التكامل بالرؤى.
خلافاً لما عرفته معظم الثورات الشعبية في العالم، بدءاً من الثورة الفرنسية وصولاً إلى الثورة الشيوعية في روسيا، للحراك الشعبي العربي خصوصية تداخل أهداف الداخل مع أهداف الخارج. وهذا التداخل زاد من تعقيد المشكلة وجعل تشخيصها معقداً أيضاً، ووصف علاج لمشكلة صعبة التشخيص أمر غاية في الصعوبة. وهذا الأمر أدى إلى تعتيم شديد على طبيعة فهم هذا التداخل، وهذا ما أدى إلى الاختلاف في الرؤى حول ما سُمِّي بـ(نظرية المؤامرة). وهنا يرتفع السؤال التالي: هل (نظرية المؤامرة) هي نظرية من اختلاق الأنظمة للدفاع عن نفسها، ولاتهام معارضيها بـ(اللا وطنية)؟ أم أنها موجودة فعلاً، كلياً أم جزئياً؟ وإذا كانت موجودة، فما هو حجم هذا الوجود؟ وما هو حجم تأثيرها على الحراك الشعبي؟
ولكي لا تكون أحكامنا نهائية، نرى من المفيد التذكير أن التدخل الخارجي حقيقة واقعة، ولا تخفى على القوى القومية. كما لا تخفى عليها أن القوى الخارجية تتدخل بمسارات هذا الحراك أو ذاك كثيرة، وتُعدُّ بالعشرات، حتى وإن اصطفت تحت خيمة محورين أساسيين شرقي وغربي مع امتداداتهما الإقليمية. وإن كانت مصالح تلك القوى متضاربة ومتناقضة. فإنما يدل هذا على مدى التعقيد الذي وصلت إليه أزمة الحراك الشعبي العربي، وبالتالي تدل على مدى صعوبة اتخاذ أي موقف سياسي تتخذه القوى القومية.
وإننا نرى أنه لا يجوز أن يكون الموقف جامداً تحت حجة أن الثوابت جامدة وغير متغيرة، بل من صفات أي موقف في الوقت الذي يجب أن يحافظ على الثوابت أن لا ينسى أن المتغيرات التي تطفو على سطح الأحداث أو تتفاعل في أعماقها تستدعي تطوير الموقف أو تصعيده تبعاً لتلك المتغيرات.
حيال هذا التعقيد الذي أضفته عوامل التدخل الخارجي، ما هو موقف القوى القومية منها؟ وهنا سنشخِّص الثغرات في واقع الحوار الديموقراطي السائد بين القوميين، ونقترح ما نراه مناسباً لتطويره والانتقال به إلى صيغة إيجابية تتكامل فيه الرؤى على قاعدة التنوع من داخل الوحدة.
أولاً: الواقع الراهن: الملتزمون بالثابت الفكري الواحد يتفقون على تشخيص الأسباب ويختلفون على النتائج
(نعم للديموقراطية)، و(لا للديكتاتورية)، و(لا للتدخل الأجنبي): ثلاثة ثوابت ليست مثار جدل بين الملتزمين بالثابت الفكري الواحد. وإذا كانت الثورات الشعبية في التاريخ شهدت صراعات بين الثابت الأول والثاني، فقد شكَّل التدخل الأجنبي بين الشعوب وأنظمتها السياسية، عاملاً جديداً لا يُستهان بتأثيراته، بل يجب على حركة التحرر العربي أن لا تستهين بتأثيراته البالغة على مسار الحراك الشعبي العربي.
فالتقاطع بين المواقف لا جدال فيه أو حوله بين الملتزمين بالخط الفكري الواحد، فهو تقاطع كامل بين الموقفين في ثنائية (نعم للديموقراطية – لا للديكتاتورية). ويبدأ الافتراق عندما يدخل العامل الثالث على مسار التشخيص والعلاج.
إن رفض التدخل الأجنبي، أيضاً، ثابت لا جدال فيه بين الموقفين، وهو تشخيص يقره (الرأي) و(الرأي الآخر). ولكن الخلاف يبدأ عندما يدخل الحوار مرحلة تحديد العلاج، فتختلف الرؤى وتتباين. ويحل التنافس بين المتحاورين مكان التكامل بالرؤى.
ثانياً: رؤية حول أسس الحوار الديموقراطي بين القوميين:
نعم هناك ليست إمكانية الحوار الديموقراطي فحسب، بل هناك ضرورة أيضاً وحاجة. وهنا تبدأ مسؤولية الملتزمين بالخط القومي وليست مسؤولية أحد آخر. فلماذا؟
1- إن الملتزمين بالخط القطري لا ينظرون إلى علاج الأزمات القطرية رزمة واحدة، لأنهم لا يعون مقدار الترابط بين الأجزاء القطرية لأنهم لا ينظرون إلى الواقع العربي نظرة الجسم الواحد، لذلك تستند وصفاتهم لأزماتهم إلى أدوية قد تعالج علة قطرية، ولكنها قد تتفاعل بسلبية مع أدوية يحتاجها علاج أزمة قطر آخر.
2- والملتزمون بالخط الديني السياسي لا يعنيهم ما يجري بأكثر من أن كل تيار منهم يطمح ببناء إمارة دينية على حساب الوحدة القومية، لذلك يهمهم حسم النتائج لمصلحة مشروعهم على ساحة قطرية حتى ولو كانت على حساب مصالح الأقطار الأخرى.
ولأن كل تيار منهما ينطلق من ثوابت قطرية. ولأن التدخل الخارجي يستهدف المشروع التوحيدي القومي، ولن يفقه مخاطر هذا التدخل إلاَّ من يرى وضع الحراك الشعبي بمنظار قومي، تصبح العناية بهذا الجانب من مسؤولية القوى القومية.
3- لذلك، ولما كانت هذه القوى ترى بمنظار نظري سليم مخاطر هذا التدخل، لأصبح من واجبها أن لا تترك أي ثغرة بمتابعته ومراقبته والتحذير من مخاطره، وتتخذ المواقف العملية التي تتناسب مع حجم هذا التدخل، حتى ولو بحده الأدنى.
وإذا كانت نقطة الخلاف بين الموقفين القوميين محدَّدة وواضحة، فمن الخطأ أن يتنافس الملتزمون بالخط الفكري الواحد، بطريقة يعمل كل منهما على تخطئة الآخر. أما البديل، فهي الاعتراف المتبادل بين موقف يرى الخطورة شديدة من جراء التدخل الخارجي وبين من يخفف من وطأته. وعلى هذه القاعدة لا يجوز لأية خطة علاج تتفق عليها القوى القومية، حتى داخل التيار الواحد، أن تغفل الموقف المتشدد من التدخل الخارجي، أو الموقف الذي لا يرى تلك الخطورة. بل ولأن مبدأ (الافتراض) و(الاحتمال) مبدأ علمي فعلى أي موقف يتم اتخاذه حول حراك شعبي عربي هنا أو هناك أن يضع احتمال تصاعد خطورة التدخل الأجنبي أو انخفاض حدتها من أجل تصعيد وتائر الإنذار أم تخفيضها.
ولأن عوامل التدخل الأجنبي، في الصراع بين الشعوب وأنظمتها السياسية، خطيرة؛ خاصة أن بعض نتائجها بدت واضحة في أكثر من ساحة قطرية عربية.
وإذا كنا نستثني من دعوتنا للحوار التيارات القطرية وتيارات الإسلام السياسي وكذلك ما أطلق عليه اسم (المعارضة اللاجئة إلى الخارج) وخاصة منها التي لجأت إلى استخدام السلاح بشتى الذرائع وأشكالها، نرى أن الجدل بين التيارات القومية، قد وصلت إلى داخل التيار الواحد، حول عامل التدخل الأجنبي، ومن المؤسف أنها وصلت إلى حدود تخوين بعضها للبعض الآخر. البعض يتهم الآخر بالانحياز للأنظمة، والآخر يتهم الفريق المقابل بالانحياز للتدخل الأجنبي. وهذه نعتبرها من الكبائر التي ذهبت ضحيتها مبادئ الحوار الديموقراطي. فكان الأحرى بتلك التيارات أو الأفراد أن يكونوا ديموقراطيين في آرائهم أولاً بدلاً من محاربة الديكتاتورية.
نعم هناك ليست إمكانية الحوار الديموقراطي فحسب، بل هناك ضرورة أيضاً وحاجة. وهنا تبدأ مسؤولية الملتزمين بالخط القومي وليست مسؤولية أحد آخر. فلماذا؟
1- إن الملتزمين بالخط القطري لا ينظرون إلى علاج الأزمات القطرية رزمة واحدة، لأنهم لا يعون مقدار الترابط بين الأجزاء القطرية لأنهم لا ينظرون إلى الواقع العربي نظرة الجسم الواحد، لذلك تستند وصفاتهم لأزماتهم إلى أدوية قد تعالج علة قطرية، ولكنها قد تتفاعل بسلبية مع أدوية يحتاجها علاج أزمة قطر آخر.
2- والملتزمون بالخط الديني السياسي لا يعنيهم ما يجري بأكثر من أن كل تيار منهم يطمح ببناء إمارة دينية على حساب الوحدة القومية، لذلك يهمهم حسم النتائج لمصلحة مشروعهم على ساحة قطرية حتى ولو كانت على حساب مصالح الأقطار الأخرى.
ولأن كل تيار منهما ينطلق من ثوابت قطرية. ولأن التدخل الخارجي يستهدف المشروع التوحيدي القومي، ولن يفقه مخاطر هذا التدخل إلاَّ من يرى وضع الحراك الشعبي بمنظار قومي، تصبح العناية بهذا الجانب من مسؤولية القوى القومية.
3- لذلك، ولما كانت هذه القوى ترى بمنظار نظري سليم مخاطر هذا التدخل، لأصبح من واجبها أن لا تترك أي ثغرة بمتابعته ومراقبته والتحذير من مخاطره، وتتخذ المواقف العملية التي تتناسب مع حجم هذا التدخل، حتى ولو بحده الأدنى.
وإذا كانت نقطة الخلاف بين الموقفين القوميين محدَّدة وواضحة، فمن الخطأ أن يتنافس الملتزمون بالخط الفكري الواحد، بطريقة يعمل كل منهما على تخطئة الآخر. أما البديل، فهي الاعتراف المتبادل بين موقف يرى الخطورة شديدة من جراء التدخل الخارجي وبين من يخفف من وطأته. وعلى هذه القاعدة لا يجوز لأية خطة علاج تتفق عليها القوى القومية، حتى داخل التيار الواحد، أن تغفل الموقف المتشدد من التدخل الخارجي، أو الموقف الذي لا يرى تلك الخطورة. بل ولأن مبدأ (الافتراض) و(الاحتمال) مبدأ علمي فعلى أي موقف يتم اتخاذه حول حراك شعبي عربي هنا أو هناك أن يضع احتمال تصاعد خطورة التدخل الأجنبي أو انخفاض حدتها من أجل تصعيد وتائر الإنذار أم تخفيضها.
ولأن عوامل التدخل الأجنبي، في الصراع بين الشعوب وأنظمتها السياسية، خطيرة؛ خاصة أن بعض نتائجها بدت واضحة في أكثر من ساحة قطرية عربية.
وإذا كنا نستثني من دعوتنا للحوار التيارات القطرية وتيارات الإسلام السياسي وكذلك ما أطلق عليه اسم (المعارضة اللاجئة إلى الخارج) وخاصة منها التي لجأت إلى استخدام السلاح بشتى الذرائع وأشكالها، نرى أن الجدل بين التيارات القومية، قد وصلت إلى داخل التيار الواحد، حول عامل التدخل الأجنبي، ومن المؤسف أنها وصلت إلى حدود تخوين بعضها للبعض الآخر. البعض يتهم الآخر بالانحياز للأنظمة، والآخر يتهم الفريق المقابل بالانحياز للتدخل الأجنبي. وهذه نعتبرها من الكبائر التي ذهبت ضحيتها مبادئ الحوار الديموقراطي. فكان الأحرى بتلك التيارات أو الأفراد أن يكونوا ديموقراطيين في آرائهم أولاً بدلاً من محاربة الديكتاتورية.
ولكن أليس هناك من حل؟
بلى، لأنه إذا استعصت الحلول، أو إذا عجزت تلك التيارات عن وضع خطط لعلاج المشكلة، فعلى تلك التيارات أن تعيد تقييم أوضاعها الذاتية لتصبح مؤهلة لقيادة أصعب مرحلة تمر بها الأمة العربية.
ولأن الموقف موحد بين الجميع حول طبيعة الصراع بين الشعوب والأنظمة، أسباباً ونتائجاً وأهدافاً؛ كما هو موحدٌّ حول خطورة التدخل الأجنبي.
ولأن الخلاف جارٍ بينهم حول حجم هذا التدخل ونتائجه.
ولأن حجمه ووسائله تختلف من قطر عربي لآخر.
ولأن التأني بالبحث عن ظاهرة التدخل الأجنبي معقدَّة، بأسبابها وحجمها ونتائجها والموقف منها.
ولأن البحث الأكاديمي عنصر أساسي في تصويب الموقف السياسي.
من أجل كل هذا، وعلى قاعدة التمييز بين استخدام الأنظمة لـ(نظرية المؤامرة)، وبين استخدام (التحذير من مخاطر التدخل الأجنبي) الذي يصدر عن تيارات قومية، نقترح ما يلي:
- إذا كان رفض التدخل الأجنبي ثابتاً أساسياً عاماً لأنه يتناقض مع كل القيم الإنسانية والقانونية والتشريعية، وهو تهمة موجَّهة إلى الأنظمة والمعارضة معاً، واعتبار أنه لا تدخل خارجياً يحمل النوايا الحسنة، نرى أن يلجأ كل تيار إلى تشكيل لجنة من الأكاديميين الملتزمين، من أصحاب الرأي والرأي الآخر، على أن تكون مهمتها جمع الوثائق والأدلة والبراهين ذات العلاقة بالتدخل الأجنبي.
- أن لا يُدرَسَ التدخل الأجنبي رزمة واحدة في كل الأقطار العربية، بل أن تُخصص مقدمات نظرية وتاريخية عامة عن تلك الظاهرة في الأمة العربية، على أن تُؤخَذَ خصوصيات التدخل ووسائله ونتائجه في كل قطر بشكل مستقل.
- والخطوة الثالثة والأخيرة، أن تُحال نتائج البحوث التي تتوصل إليها اللجنة لمناقشتها في مؤتمرات داخلية. ولا ضير قبل عرض النتائج في تلك المؤتمرات من أن تُؤخذ آراء بعض المفكرين غير الملتزمين. وأن تُجرى استفتاءات مع عدد من السياسيين والمفكرين حول تلك النتائج.
وأخيراً، إذا كان هذا المقال لن يلم بكل جوانب الإشكالية فهو يشكل على الأقل خطوة نحو طريق حواري مستقبلي موضوعي.
بلى، لأنه إذا استعصت الحلول، أو إذا عجزت تلك التيارات عن وضع خطط لعلاج المشكلة، فعلى تلك التيارات أن تعيد تقييم أوضاعها الذاتية لتصبح مؤهلة لقيادة أصعب مرحلة تمر بها الأمة العربية.
ولأن الموقف موحد بين الجميع حول طبيعة الصراع بين الشعوب والأنظمة، أسباباً ونتائجاً وأهدافاً؛ كما هو موحدٌّ حول خطورة التدخل الأجنبي.
ولأن الخلاف جارٍ بينهم حول حجم هذا التدخل ونتائجه.
ولأن حجمه ووسائله تختلف من قطر عربي لآخر.
ولأن التأني بالبحث عن ظاهرة التدخل الأجنبي معقدَّة، بأسبابها وحجمها ونتائجها والموقف منها.
ولأن البحث الأكاديمي عنصر أساسي في تصويب الموقف السياسي.
من أجل كل هذا، وعلى قاعدة التمييز بين استخدام الأنظمة لـ(نظرية المؤامرة)، وبين استخدام (التحذير من مخاطر التدخل الأجنبي) الذي يصدر عن تيارات قومية، نقترح ما يلي:
- إذا كان رفض التدخل الأجنبي ثابتاً أساسياً عاماً لأنه يتناقض مع كل القيم الإنسانية والقانونية والتشريعية، وهو تهمة موجَّهة إلى الأنظمة والمعارضة معاً، واعتبار أنه لا تدخل خارجياً يحمل النوايا الحسنة، نرى أن يلجأ كل تيار إلى تشكيل لجنة من الأكاديميين الملتزمين، من أصحاب الرأي والرأي الآخر، على أن تكون مهمتها جمع الوثائق والأدلة والبراهين ذات العلاقة بالتدخل الأجنبي.
- أن لا يُدرَسَ التدخل الأجنبي رزمة واحدة في كل الأقطار العربية، بل أن تُخصص مقدمات نظرية وتاريخية عامة عن تلك الظاهرة في الأمة العربية، على أن تُؤخَذَ خصوصيات التدخل ووسائله ونتائجه في كل قطر بشكل مستقل.
- والخطوة الثالثة والأخيرة، أن تُحال نتائج البحوث التي تتوصل إليها اللجنة لمناقشتها في مؤتمرات داخلية. ولا ضير قبل عرض النتائج في تلك المؤتمرات من أن تُؤخذ آراء بعض المفكرين غير الملتزمين. وأن تُجرى استفتاءات مع عدد من السياسيين والمفكرين حول تلك النتائج.
وأخيراً، إذا كان هذا المقال لن يلم بكل جوانب الإشكالية فهو يشكل على الأقل خطوة نحو طريق حواري مستقبلي موضوعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق