ثم يتساءلون فيما بينهم وهم في حاناتهم: لم نكره حكوماتهم؟!
حظر التحويلات المالية، لن يضر بمن يريد أن يفجر نفسه
صدر تحرك من الإدارة الأمريكية، يصبح واردًا بموجبه، حصول تداعيات قانونية لتقديم المؤسسات المالية على أرضها، خدمات تحويل الأموال إلى الصومال، بدعوى تجفيف مصادر تمويل حركة الشباب المجاهدين، مما أدى لامتناع مؤسسات مالية، تعتبر الطريق الشرعي الوحيد لحركة تلك الأموال، عن تقديمها لتلك الخدمات وحظر تحويل الأموال إلى شتى مناطق الصومال، في خرقٍ سافرٍ لمقتضيات الحرية الاقتصادية لأناس معظمهم مواطنون كاملو المواطنة في الولايات المتحدة، يكسبون مداخيلهم من أعمال شرعية، ويؤدون كافة ما عليهم من ضرائب والتزامات حسب القوانين الوطنية الأمريكية، ويكون المسعى الأمريكي بذلك موجهًا بشكل متعمد وواعٍ لزعزعة الاستقرار الهش، في بلد كالصومال يعتمد بدرجة كبيرة في تأمين القطع الأجنبي من تحويلات أبنائه المهاجرين إلى كافة أنحاء العالم.
إذ أن مجموع التحويلات التي يتم إرسالها، من قبل الصوماليين والصوماليات المغتربين، إلى ذويهم يبلغ ملياري دولار سنويًا، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الصومالي، بأنه أحد أعمدة الاقتصاد، ولا يمكن تعويضه بأي هبات أو مساعدات خارجية.
ويأتي كل ذلك في ظل انتكاس متوقع، لحالة التعافي المحدودة التي بدأت تظهر على البلد، الذي لازال أكثر من مليون ونصف إنسان نازحين داخله، إضافة لاستمرار تفشي سوء التغذية بين قطاعات واسعة، تم تقديرها بثلاثة ملايين ونصف، على رأسهم الأطفال دون سن الخامسة، وخطر موت نحو ربع مليون إنسان تحت وطأة المجاعة، كل ذلك في ظل التضييق على المؤسسات الخيرية والإنسانية العربية، حتى أصبحت ممنوعة من العمل، بضغط من الحكومة الأمريكية.
و تحديًا حقيقيًا مهددًا لمصير الشعب الصومالي المعروف بتكاتفه وطبيعته المتكافلة، وتمسكه بالروابط العائلية والعشائرية، مما حال دون انقراضه، في ظل شبح أمريكي مقيم ومعرقل بطريقة أو بأخرى، ومتسببًا بالشلل لكل مبادرة أو مسعى من قريب أو بعيد لحلحلة الأزمة الداخلية.
وما يثير الذعر حقًا في أوساط الصوماليين داخل البلاد وخارجها، هو احتمال انتشار الحظر خارج حدود الولايات المتحدة، عبر الضغط الأمريكي على الحكومات الحليفة، ليشمل القارة الأوروبية والشرق الأوسط و جنوب شرق آسيا وإفريقيًا، في تكرار لما حصل حين تم تطبيق الحظر على شركة (بركات) للتحويلات المالية سنة ألفين وواحد، بدعوى الحرب على الإرهاب، مما أثر في حياة قريب من عشرة آلاف أسرة صومالية، بين مساهمين وعاملين و مالكي حسابات احتوت على التحويلات المنتظمة من أبنائهم المغتربين.
ولنكون واضحين فإن خطورة الوضع الناتج عن الإجراءات الأمريكية الجديدة، تجعلنا نضع جانبًا كلما ما سبق، من ممارسات أمريكية سابقة، كانت مسؤولة إلى حد كبير في التسبب في موت أكثر من مليون إنسان في الصومال، بشكل مباشر أو كنتيجة مباشرة لحالة عدم الاستقرار المكرسة من قبلها في البلاد منذ سحل جنودها في شوارع مقديشو المتربة منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
و كما هو متوقع فليس ببعيد اعتبار الخسائر التي ستلحق بتلك المؤسسات، التي قامت بتطبيق الحظر، جزءًا من الاستثمار الطويل المدى للإدارات الأمريكية المتعاقبة، في كل ما من شأنه استمرار إراقة دماء البشر في عموم بلاد الصومال.
ويمكن اختصار الوضع في ما قاله مدير في فروع أحدى أكبر شركات التحويلات المالية في الصومال، حين سأله مراسل الـ بي بي سي عن المتأثرين بتلك العقبات التي صنعتها الإدارة الأمريكية في طريق حركة التحويلات إلى الصومال، حين قال : الأزمة ستؤثر على العائلات الفقيرة والعاطلين عن العمل والطلبة ولن تتجاوزهم إلى أي من المستهدفين، فمن يريد أن يفجر نفسه لن يضره حظر التحويلات.
بيني وبينك:
قمت بنقل الخبر لأحد كبار السن من العشيرة يحمل ابن له الجنسية الأمريكية، ودون أن أعطيه أية تفاصيل، طأطأ برأسه ، وسرح ببصره لبرهة ، ثم ضرب الأرض بعصاه و تمتم بصوت مثقل دون أن ينظر إلي : إنها حرب أخرى يا ولدي.
كاتب وشاعر من الصومال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق