البعث هو الخيار
بسم الله الرحمن الرحيم
البعث هو الخيار
فالح حسن شمخي
إن واقع الحال في العراق جراء الاحتلال الذي شارف على عامه السادس يؤكد حقائق لا تقبل الشك وهي أن الشعب العراقي ورغم انتماءاته العشائرية والطائفية يؤمن إيمانا مطلقا بوحدة العراق وطن للجميع ويمقت الصهيونية والصهاينة ويمقت الشعوبية والصفوية وانه فقد الثقة بالطروحات التي جاءت بها الأحزاب العميلة التي حملتها الدبابات الأمريكية والبريطانية والسبب في ذلك هو قصر النظر الذي ميز هذه الأحزاب بدون استثناء في دراسة ومعرفة القوانين المحركة للواقع الاجتماعي العراقي، القوانين التي شخصها حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته الشرعية وتعامل طوال سنوات قيادته للعراق بموجبها، التشخيص الذي وقف وراء التحام الحزب وقيادته بأبناء العراق من زاخو إلى الفاو، فبعد ثورة 17-30 تموز 1968 "الثورة البيضاء" بدأ الحزب بندواته الجماهيرية تحت شعار "أنت تسأل والحزب يجيب" والتي عقدت في الساحات العامة وعلى الهواء الطلق بلا حماية ولا سلاح،ونزول قيادة وقواعد الحزب إلى الأسواق الشعبية للإشراف على توزيع المواد الغذائية على المواطنين وقيامه بحملات العمل الشعبي لبناء مشاريع سكنية وغيرها لخدمة المواطنين وقد شارك أعضاء التنظيم القومي العرب في هذه الحملات، عبر تلك الممارسات كسب الحزب ثقة الشعب، الأمر الذي لا نراه اليوم عبر مسلسل التسميات التي أنتجها وينتجها الاحتلال من مجلس الديناصورات إلى اللاحكومة المتعاقبة وبالتالي الأحزاب التي دخلت في تشكيلها، فرغم الحمايات الأمريكية والخاصة والتي يدفع لها بالدولار من أموال الشعب، لا يتجرأ أي عضو من أعضاء حكومة العمالة والأحزاب حتى الكردية منها من الخروج إلى الشارع العراقي ولقاء الجماهير.
أن الأحزاب التي ظهرت اليوم والتي تزيد على المئة حزب والتي لا يعرف الشعب العراقي عنها شيئا، ليست هي الأحزاب التي سنتناولها ولىنها دكاكين صغيرة لا تصمد أمام هبوب رياح العراق الشرقية، ما سنتناوله هنا الأحزاب التي حملتها الدبابات الأمريكية والتي كانت قياداتها تعيش في فنادق النجوم الخمسة وعلى حساب عذابات الشعب العراقي العظيم أيام الحصار اللعين وجل قيادات هذه الأحزاب من الديناصورات التي تحجرت عقولها على الحقد والبغضاء وحب الذات، والتي لم تعرف العراق وأبناء العراق النشامى الذي عاش معاناة الحصار والتآمر، فلو عرفوا الشعب العراقي لعرفوا بأنه لا تخفى عليه خافية فهو يفرق بين الحزب الذي حافظ على عزتهم وكرامتهم ووحدتهم وشرفهم وأمنهم وعلى البعوض الذي تسلل في غفلة من الزمن وبمساعدة الأجنبي ليمتص دمائهم ويحطم المنجزات التي تحققت لهم عبر سنين النضال والكفاح فالبعوض لم يكتف بأيام الحصار فجاء وتحت يافطات متعددة ليفكك المعامل والمصانع ليبيعها إلى إيران وغير إيران ويستورد بدلا عنها المخدرات والأمراض وكاتم الصوت لقتل الإنسان العراقي الذي أصبح يشكل هاجس خوف لدى الدوائر الامبريالية والصهيونية والشعوبية، فخارطة الأحزاب التي جاءت من الخارج هي تعبير عن هذه الدوائر فما يسمى بـ"حزب الدعوة" والمجلس والعمل يرتبط بالدوائر المخابراتية الإيرانية وبالدليل الملموس، أما الأحزاب الكردية وارتباطاتها بالمخابرات الصهيونية فلم يعد خافيا، أما البقية الباقية من شيوعيين وعلاويين وإسلاميين ومن لف لفهم فهم موزعين بين المخابرات البريطانية والأمريكية، وأي عاقل، نبيه، فطن يعرف أن تلك الدوائر بمخابراتها لا تريد الخير للعراق والعرب والمسلمين، وبالتالي فلا خير بهذه الأحزاب، ناهيك عن الخلافات التي تدور بينها والتي تصل الى حد التناحر والرابط الوحيد بينها اليوم هو قوات الاحتلال والمخابرات الأجنبية، فما معنى الصراع بين الحزبين الكرديين على مدى سنين قبل الاحتلال؟ وما معنى أن يتوحد الشيوعي الملحد وأحزاب إسلامية متشددة وخونة من سقط المتاع؟ وما معنى أن يتفق الدعوة مع المجلس التابع لإيران والذي يؤمن بولاية الفقيه والذي بايع خامنئي والمدرسي الفارسي الذي يقود حزب العمل ولو دققنا النظر بقادة الأحزاب التي تدعي التشيع سنرى أنها فارسية الأصل والسبب في ذلك هو قضية فقهية يعرفها الشيعة العرب، الأمر الذي أحرج الخميني وقاده للترويج إلى ما يسمى "ولاية الفقيه" المرفوضة أصلاً من جماعة الدعوة وغيرهم من شيعة العراق؟ والسؤال المهم ما الذي يحدث لو سيطر حزب من هذه الأحزاب على السلطة؟ أنهم الآن في عرس (واوية) يوحدهم فيه الاحتلال وليس الديمقراطية التي يتشدقون بها، ودعوتهم بعدم خروج علوج الاحتلال ليس بسبب خوفهم على أبناء العراق بل على أنفسهم والصراعات التي ستنشب بينهم باعتماد دعم الدوائر التي يرتبطون بها ومن ثم انقضاض الشعب العراقي عليهم لسحلهم شر سحلة، وحينها لا تنفعهم الجنسية الغربية التي يحملونها، أتذكر أن جريدة في هولندا من الجرائد الصفراء، التقت إسلامي معارض يتحدث باسم الديمقراطية وسألته عن موقف حزبه من الحزب الشيوعي في حالة استلامهم السلطة، أجاب الرجل الديمقراطي بهدوء، سنعاملهم كما كانت الدولة الإسلامية تعامل الزنادقة، هذا الديمقراطي الإسلامي يجلس اليوم مع الشيوعيين في المجلس العميل في ظل الاحتلال، ماذا لو تركهم الاحتلال؟.
أن لأحزاب العمالة في العراق اليوم حاضر لا يشرف أبناء العراق وماضي لم يكن مشرفا أو محركا لمقارعة الاستعمار القديم وليس لها منهج سياسي يستوعب تطلعات وآمال وأحلام أبناء العراق لذلك عزفت الجماهير عن الانتماء إليها رغم الأساليب الملتوية التي كانت تمارسها في الخداع، وكما قلنا فأن أبناء العراق لا تخفى عليهم خافيه" مفتحين بالتيزاب "لذا كان للبعث العظيم شرف قيادة الجماهير بالعراق أكثر من خمسة وثلاثين عام وسيعيد الكرة إن شاء الله ولأنه انبثق من الأرض العربية "العراقية"، اما مادون ذلك فهو مستورد أو خرج إلى الوجود بطريقة قيصرية أشرفت عليها الدوائر المخابراتية العالمية وبالعودة إلى ماضي هذه الأحزاب نستبعد الأحزاب التي لا تأريخ لها وهي المرتبطة بإيران والتي تدعي التشيع وللأسباب التي ذكرتها أعلاه، أما ما يسمى بالحزب الشيوعي الذي انقلب على مبادئه التي استوردها من الاتحاد السوفيتي من معاداة الامبريالية إلى الارتماء في أحضانها، استعير من رواية شهيد الحج الأكبر "رجال ومدينة" صفحة 197 حول تأريخ هذا الحزب،"حاول شخص أن يعرض علينا منشورا للحزب الشيوعي، وهو يحكي عن الديمقراطية، والطبقة العاملة، حتى صار أحد أبناء عمومتنا يلفظها "قمطراطية" أو "قمطراطيات"، وصار "سعيد" الذي قتل في شمال الوطن فيما بعد، في حركات التمرد، هزءا من الحضور، وهو يجلب صورة ستالين بشاربيه المعقوفتين إلى الأعلى، ومع أن شاربي ستالين أعجبا قسما من الأولاد أو الشباب الحضور، ولكننا لم نجد داخل أنفسنا أي صلة حية وحارة مع ما قرئ علينا، ذلك لأن ما قرئ علينا كان أجنبيا أيضا، بالإضافة إلى أن الدعاية بالغت ضد الشيوعية ومنهجها الإلحادي أيضا".. ويقول في الصفحة 198 من نفس المصدر: "وأن ما نفرنا وأبعدنا عن الحزب الشيوعي هو أن قائده فهد من أصل أجنبي فهو كردي فيلي من أصول فارسية، كان في الاتحاد السوفيتي، وأرسل من هناك رئيسا للحزب الشيوعي العراقي، إذن هو أجنبي مثلما الانكليز المستعمرون أجانب، وأن كارل ماركس، صاحب النظرية الشيوعية يهودي ألماني، وان لينين، مكمل النظرية التي صارت تعرف بــ "الماركسية اللينينية" كان متزوج من يهودية مما يفسر السبب الذي جعل الاتحاد السوفيتي أول دولة في العالم تعترف بالكيان الصهيوني عند قيامه في عام 1948.. وكانت منشورات الحزب الشيوعي العراقي تتحدث عن أمور لاتهمنا ولم تكن من اهتمامات العراقيين، أنهم يتحدثون عن الطبقة العمالية وحقوقها، ولا يأتون بذكر على حقوق الفلاحين، فأين هي المصانع والمعامل آنذاك في العراق لتشكل منها طبقة تأخذ الأسبقية في البناء الأيدلوجي والسياسات المرتبطة به، وكيف يهمل الفلاحون، وتهمل فلسطين، ويهمل الجانب القومي، والقيادة القومية النابعة من روح الأمة؟، وقبل هذا، وفوق هذا، كيف يمكن لعربي أصيل يعتز بتراث أمته الخالد، وبدورها الإيماني العظيم، أن يتجاهل الموقف الإلحادي للماركسية اللينينية؟ كل هذه التساؤلات وغيرها كثير، كانت السبب الأساس لنفورنا وابتعادنا عن الحزب الشيوعي من اول عرض لمن مثله آنذاك".
أما ما يسمى بـ"الحزب الإسلامي العراقي" الذي يرتمي بأحضان الاحتلال الأمريكي اليوم فيحدثنا الشهيد صدام حسين (رضي الله عنه) في روايته رجال ومدينه صفحة 197 قائلاً: "عرض علينا أحدهم فكرة "الإخوان المسلمين"، ويومها كان عمري بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة. ورغم أنني كنت معجبا بدور "الإخوان المسلمين" عندما واجهوا الانكليز في قناة السويس وفق ما كنا نسمع من مثقفي المدينة ومن خالي، فأن أفكار "الإخوان المسلمين" لم تستقطبني، رغم أنني زرتهم في مكتبة أعدت لنشاطهم، فانقطعت عنهم". ويقول في الصفحة 198 من نفس المصدر "أن ما نفرنا من "حزب الإخوان المسلمين" وأبعدنا عنهم هو أن جل ما كنا نسمعه منهم هو أنهم يدعون إلى الإيمان وقراءة القرآن ولا شيء آخر، وأن أحدهم كان يجود أو يرتل آيات القرآن الكريم، وكانوا يفكرون ويتصرفون كأنهم ينوءون تحت إرث ثقيل مع أنه ثمين، ولكنهم لا يستخدمونه لإحياء الإنسان في الحاضر، وإنما ينوحون على الماضي وذكرياته، وفيما كنا نبحث عن الثأر من اليهود لتحرير فلسطين، ونبحث عن الطريق للثأر لأبطال العراق الذين اعدموا بعد فشل ثورة العراق ضد الانكليز عام 1941، ونبحث عن طريق يخلص شعبنا من البؤس الذي كان فيه، ونزرع فيه روح الوثبة باتجاه أهداف تتصل بثورة روحه على الواقع المر، والتطلع إلى المستقبل، بعد تغيير الحاضر ضمن خصوصيات أمتنا، كانوا يتحدثون لنا عن حسن البنا وجماعته في مصر".
أما الخيار الذي قادنا للانتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي فيقول عنه الشهيد في الصفحة 200 من نفس المصدر "اهتديت إلى الطريق الذي منه نرى الأمة، في الوقت الذي ولد من رحم الأمة، وخطته روحها على جدران بغداد، وهل ثمة طريق يرفع الأمة بعد أن تلده لا يبدأ من بغداد، أو يستقر، بعد أن يرتكز على أرضيته الرصينة، فيها، حتى عندما تكون بدايته الأولى خارجها؟ أليست بغداد سرة العراق، وضمير الأمة؟ ألم تبدأ الخليقة بولادة النبوة في العراق، ألم ينتشر إشعاع أي شمعة وقنديل ضوء في أي بقعة في العراق، ليضيئا أرجاء الوطن الكبير كلها، ويتعديا ذلك إلى ساحة الإنسانية؟ أليس في بغداد سر الدنيا والحياة، ومجمع عقل الكون، والحياة موروثة عن قرون وقرون منذ سومر وآكد وبابل واشور؟ أليست بغداد وريثة أول حضارة فتحت للإنسانية شباكا للرؤية، تهتدي إليها وبها حتى العيون العمياء؟وفتحت على عقول الإنسانية منافذ لتعقل، وتشاء، وتؤمن، بعد ان ترى فتجيب؟ نعم في بغداد رأيت الطريق.. جاءني في احد أيام عام 1956 من يعرض علي الانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي" ويقول في الصفحة 2001" إن حزب البعث حزب من الجماهير.. من الناس أبناء العروبة، ومثلما لديه فرع في العراق، لديه فرع في كل قطر عربي، وأن أهدافه هي وحدة العرب من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي في دولة واحدة، تكون القيادة فيها لمن هو أفضل، وفق ما كان عليه العرب قبل أن يجزئهم ويشرذم دولهم الاستعمار الغربي، وأن الحكم الحالي في العراق عميل للأجنبي، وأنه ليس بمقدوره، بعد أن رهن نفسه بإرادة الأجنبي، إلا أن يطاوع الأجنبي على ما يسيء للشعب والوطن ولا يعزهما، هكذا قال ممثل الحزب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق