شعب تغيرت حياته إلى مستعبد بقوة السلاح والظلم والطغيان والإرهاب المنظم.. وصمود أسطوري للأحوازيين العرب.. من إيران الشاه إلى نظام الملالي
كل من عانى وما زال يعاني من ويلات الاستعمار والاحتلال، يطرح سؤالاً كبيراً: هل هناك ما هو أبشع وأقسى من الاستعمار واحتلال الأرض وطرد الشعب واقتلاعه من أرضه وإلغاء هويته، وبالتالي هل من سبيل للخلاص من كل تلك الشرور سوى المقاومة بكل أشكالها وأنواعها وأصنافها، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة التي تكون صاحبة اليد الطولى في استرداد الأرض لأهلها ودحر المحتل مهما طال الزمان، ومهما كان حجم شلالات دماء الشهداء والتضحيات، ومهام كان حجم التشرد والمنافي والاعتقال والتعذيب والتصفيات.
النظام الإيراني يتباكى على عطشى كربلاء.. ويجفف أنهار الأحواز لقتل شعب بكامله
إن ما قامت وتقوم به "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" التي ورثت كل ما هو بشع وقاس من الشاه وزادت عليه تنكيلاً وظلماً، وهي من كل اسمها الذي تزينه بالإسلام براء ولا يمكن لعاقل تصديقه، لكننا نصدقها فقط عندما تعيد للأحوازيين العرب حقوقهم المشروعة كاملة بما فيها حقهم في إقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم، ولا ننسى طبعاً الجزر الإماراتية الثلاث، المحتلة من قبل ايران، وعندما يتحقق ذلك، نصدقها ونبني معها العلاقات الجيدة والحسنة المستندة إلى حسن الجوار والمصالح المشتركة، وكل ما يؤكد على استقلالية الأحواز وعروبتها.
لكن ما هو أبشع في ويلات المحتل، ما يتعلق بالمياه، وفي حالة إيران والأحواز، ليس هناك أوضح من دليل تجفيف أنهار إمارة الاحواز، وينسى أولئك الملالي "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، بل لأنهم يعون ذلك عمدوا إلى تجفيف المياه والأنهار كي لا يكون هناك أي شيء حي، هذه أبشع طرق ووسائل قتل الحياة التي يمارسها المستعمر.
لا يمكن لأي كان أن يغطي الشمس بغربال، لكنهم يحاولون عبثاً ذلك، ويفشلون، ويثبتون مع كل مطلع شمس انهم في عزلة تامة عن الإنسانية والبشرية والتواصل الحقيقي مع المجتمع الدولي ومع الجيران بشكل خاص، فهم منذ عقود يحاولون إثبات أن الأحواز لهم، الأحواز التي تحتل موقعاً متميزاً وإستراتيجيا في الخارطة السياسية لمنطقة الخليج العربي، وهو ما ساهم في منحها أهمية استثنائية في حسابات الدول المستعمرة والطامعة، لذلك نجد أن الصراع كان محتدماً بين العثمانيين والفرس لغرض بسط النفوذ عليها، ومن أجل تجاوز آثار هذا الصراع، لذلك اتفقوا على تقسيمها طبقاً لاتفاقية أرضروم الأولى، التي تضمنت أن تكون فارسية في الشمال، وعثمانية في الجنوب، واتفاقية أرضروم الثانية بعد أن عجزوا عن تطبيق المعاهدة الأولى نتيجة مقاومة الشعب العربي الأحوازي لها، وهي محل أطماع المحتلين والغزاة نظراً لهذا الموقع الاستراتيجي المهم، بالإضافة إلى اقتصادها المتميز بثرواته الطبيعية والزراعية الكبيرة، فالأحواز بحيرة نفط عائمة، حيث يبلغ احتياطها منه 20% من احتياطي دول الأوبك، وهي ثالث احتياطي في منطقة الخليج العربي بعد السعودية والعراق، والأحواز بلد زراعي يشتهر بزراعة الحبوب والخضراوات والفواكه، فيه غابات النخيل المشهورة بتمورها المتميزة، ويتمتع بتوافر ثروة حيوانية كبيرة، وفيها من الأنهار والمياه العذبة ما يكفي للنبات والزرع والحيوان والبشر والصناعة، ويفيض عن ذلك، ومن هنا كانت محطة طمع وجشع فارسي وإيراني بقصد غير مسبوق، حيث ركزت على إعدام الحياة ومصدرها الأساسي، المتمثل في المياه وتجفيف الأنهار، وليس أدل على ذلك مما قامت به في نهر كارون الشهير.
إن الأحواز تختلف عن إيران، مثل اختلاف ألمانيا عن إسبانيا، هكذا أكد خبراء ومختصون ومؤرخون غربيون، لكنهم يريدون طمسها وقتلها، وتؤلف هذه المنطقة مع بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية اقتصادية شاركت عبر التاريخ في الازدهار السومري والكلداني. ومثلث وحدة شط العرب ووحدة اللغة والعادات والتقاليد والتفكير عند سكانها، وفشلت إيران الشاه وإيران الخميني وإيران الخامنئي، وأي إيران أخرى قد تأتي، أن تحول دون إظهار الروابط الوثيقة القوية المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب، هذه الروابط التي خلقها عندهم النهر العظيم ونهر الزمردي، إلا إذا اخذت بعين الاعتبار سيادة واستقلال الأحواز العربية، فسكانها زادوا على 10 ملايين نسمة غالبيتهم في الشتات، وكثير منهم نالوا الشهادة من أجل حرية واستقلال بلدهم، وما زال النضال والمقاومة مستمرة، وما زالت تلك الجهود التي تفضح ممارسات الملالي تترك أثراً كبيراً في العالم.
لن تنجح سياسات "التفريس" للأحواز، والجهود الخبيثة القاسية التي تهدف إلى طمس معالمها العربية، على الرغم مما قامت به دولة الملالي وقبلها الشاه من إبدال الأسماء العربية بأسماء فارسية، حيث أبدل الفرس تسمية المحمرة إلى خرمشهر، والحويزة إلى دشت ميشان، والفلاحية إلى شادكان، والخفاجية إلى سوسنكرد.
تؤكد كل المواثيق الدولية والأعراف التاريخية ومسيرة كل الشعوب على أنه من حق أي شعب من شعوب الارض أن يعبر عن حقه في الحياة والعيش بكرامة، واختيار حق تقرير مصيره بالشكل الذي يختاره ويقبله ويلبي متطلباته وحقوقه التاريخية والوطنية والقومية، وأن هذه التطلعات للشعوب لا تتنافى وحقيقة الأديان السماوية التي تقر بحقوق الانسان وتدفعه أن يعيش حراً أبياً سيداً، وهذا ما ينطبق على الشعب العربي الاحوازي الذي تغيرت حياته من سيد على نفسه قبل الاحتلال الفارسي، الى مستعبد بقوة السلاح والظلم والطغيان والارهاب المنظم من قبل حكومة ملالي طهران وانظمتها المتعاقبة، ومنذ عام 1925م، وبعد نحو تسعة عقود من الزمن ما زالوا يعانون ويدفعون ثمن حريتهم في ظل تصميم واضح على استمرار النضال من أجل الحرية والهوية والكرامة والحق في الحياة والاستفادة من خيراته وثرواته، وهنا لا بد من التأكيد على أن عرب الاحواز ليسوا مجموعة من القبائل والعشائر أو أقلية قومية مهاجرة، وإنما هو شعب وقومية عربية تمتد جذورهم لأعماق جغرافية وتاريخية لعدة مئات من القرون، وإن عرب الأحواز كشعب وقومية يختلفون عن الشعوب الإيرانية ويتميزون بهويتهم وثقافتهم العربية وهناك فرق شاسع بينهم وبين بقية الشعوب الإيرانية، كما أن أي متتبع لحالة المجتمع العربي في الأحواز يستطيع أن يرى بوضوح ذلك التشابه الكبير بين هذا المجتمع والمجتمعات العربية الأخرى، ولا سيما في العراق والخليج العربي، الذي تربطه بها أواصر قربى وتاريخ وعادات وتقاليد مشتركة بالإضافة الى عامل اللغة والثقافة الواحدة.
نهر كارون
كثيرة هي الأمثلة التي تؤكد على محاولات الفرس اغتيال الحياة والبشر والحجر والزرع والضرع من الاحواز، بحجج ومبررات واهية، وخير مثال على ذلك، تجفيف مياه الأنهار، ومن بينها على سبيل المثال لا للحصر، نهر كارون الشهير، وهو نهر أحوازي بامتياز بمعنى أنه يقع في الأراضي الاحوازية المحتلة من قبل بلاد فارس، وهو من أقدم الأنهر التاريخية التي تأسست على ضفافها أقدم الحضارات التاريخية، وينبع من منطقة الجبل الأصفر.
وفجأة قررت الحكومة الإيرانية الظالمة نقل مياه هذا النهر إلى أصفهان من خلال بناء سدود كثيرة وحفر قنوات لنقل المياه إلى نهر زاينده رود في أصفهان ومحافظات أخرى غير عربية، وبالتالي تجفيف نهر كارون، ما أدى إلى تفاقم الكوارث البيئية وتهديد حياة المواطنين، فقدم آلاف الشباب والشابات يحملون لافتات باللغات العربية والفارسية والإنجليزية تعبر عن امتعاضهم واحتجاجهم على الكوارث البيئية الناتجة عن نقل مياه كارون وتلوث مياه الشرب وانخفاض حاد لمستوى المياه، ما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وشكل آلاف من أهالي مدينة الأحواز سلسلة بشرية على ساحل نهر كارون للاحتجاج على بيع أنصار النظام مياه نهر كارون وتجفيف النهر، وفضح الأحوازيون ممارسات الفرس التي تهدف إلى قتل الحياة، ويعرفون أنه المقتل والضربة القاضية للأحوازيين ونضالاتهم، لكن النضال والصمود الأسطوري والمقاومة بشتى أشكالها التي يقوم بها الأحوازيون تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم سيهزموا الظالم والمحتل والجلاد مهما طال الزمن.
ما يستحق الذكر أن الاحتلال الفارسي عمد إلى تغيير مجرى الانهار من الاحواز الى داخل بلاد فارس، مثل اصفهان وشيراز وتجفيف ما تبقى من المياه وتصحر الاراضي الزراعية وموت الاسماك والحيوانات، وحرمان أكثر من عشرة ملايين نسمة من سكان الاحواز من حياتهم المعتمدة على الزراعة والصيد، وما هذه إلا خطوات خبيثة لمنع كل شيء عن العرب وتهجيرهم من مدنهم وقراهم.
بدايات النكبة الأحوازية
تعود نكبة الشعب العربي الأحوازي إلى الاحتلال الفارسي الذي بدأ في عهد رضا شاه بهلوي في العام 1925، وما زال مستمراً في عهد الملالي، وإن قيام الفرس باحتلال الاحواز لم يكن للسيطرة على النفط والأرض فحسب، بل استهداف وجود الانسان لتذويب هويته العربية ومنعه من استخدام القراءة العربية وارتداء اللباس العربي الشعبي للمنطقة، والأهم المياه، واستخدم كل أساليب القمع، ما أدى لتفشي الفقر والجهل والمرض وانخفاض المستوى المعيشي والثقافي، والاضطرار للهجرة للبحث عن لقمة العيش، وبالرغم من كل هذه الاساليب القمعية لم تثنِ الاحوازي عن التمسك بهويته العربية والدفاع عن ارضه، وها هو منذ ذلك التاريخ مستمر بنضاله بأياد خالية وصدور مكشوفة في مواجهة الترسانة العسكرية الايرانية المعروفة بقدراتها وفتكها وشراستها عالميا، وتعليق شباب الأحواز وإعدامهم علنا بواسطة الرافعات من أجل الخوف والذعر والترهيب، وبالنتيجة كان هناك سيطرة للنفوذ الأجنبي، وتنكيل بالشيخ خزعل الذي كان أمير إمارة الأحواز من (1897 إلى 1925)م، وهو من الشخصيات البارزة في تاريخ العرب الحديث، وقد لعب دورا رئيسيا في أحداث منطقة الخليج العربي والأحواز في الربع الأول من القرن العشرين، أما العوامل الخارجية فقد تضافرت للإطاحة بإمارة الأحواز العربية، وتتمثل في العديد من النقاط، منها على سبيل المثال لا الحصر، الأهمية الاقتصادية للأحواز بعد ظهور النفط بها في عام 1908م، والموقع المتميز للإقليم على رأس الخليج العربي وسيطرته على كل موانئه، وهو كذلك يقع ضمن الجسر الأرضي الذي يوصل آسيا وأفريقيا وأوروبا ببعضها، ويعتبر الطريق الأقصر ويربط البحر المتوسط بالمحيط الهندي، والظروف الدولية والإقليمية التي أوجدتها الحرب الباردة شجعت إيران على ممارساتها ضد الشعب الأحوازي، اذ كانت إيران في عهد رضا شاه كالابن المدلل للغرب، فانتهكت إيران أبسط حقوق الأحوازيين دون رادع، وما زال هذا التنكيل مستمراً بل زاد عما كان عليه. تواصل واستمرار النهب والقمع ومصادرة الأرض والماء:
يتذكر الأحوازيون أنه في عهد محمد رضا شاه صدر (فرمان ملكي) سمي قانون الاصلاح الزراعي، وذلك بحجة كبح اطماع الإقطاعيين وتوزيع الأراضي على الفلاحين، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك، إذ صودرت الأراضي من الاحوازي، وأسس النظام مشاريع استيطانيه للمهاجرين الفرس مثل يزد نو وولي عهد، وولي العصر، ومشروع قصب السكر، ومعمل الصابون والمنطقة الحرة وغيرها من المشاريع التي دمرت الاراضي الزراعية، وأسست هذه المنشآت للفرس، وأصبح الاحوازي مالك الارض فلاحا او عاملا لدى المهاجر الفارسي، وفي عهد النظام الخميني ايضاً شيدت مستوطنات كثيرة في اقليم الأحواز مثل شيرين 1 وشيرين 2 وغيرها. واثناء الحرب الإيرانية العراقية تحققت اهداف المحتل، إذ هرب الكثير من نيران الحرب الى داخل إيران، وقد شجعتهم الحكومة على ذلك، فهيأت لهم بعض من مستلزمات الحياة اليومية، وبعد انتهاء الحرب لم يسمح النظام بعودتهم الى قراهم، خصوصاً القرى الحدودية، إذ ان النظام صادر كل الأراضي الحدودية، علما أن من تمكن من العودة الى الاقليم لم تتوفر له ابسط الخدمات الاساسية، ولم ترفع الأنقاض والألغام، وأسس مستوطنات للمهاجرين الفرس خارج المدن الرئيسية، كما ان النظام استلم مليارات من الدولارات لتنظيف وتطهير المدن والارياف من الالغام وآثار الحرب التي دمرت كل شيء في اقليم الاحواز المحتل، وهذه الحرب كان مخطط لها من قبل بلاد فارس لتوسيع نفوذهم وسيطرتهم.
ويقول الأمين العام لجبهة تحرير الأحواز العربية السابق الأستاذ محمود بشاري الكعبي: أن ماقام به نظام الملالي من تجفيف الأنهار وتدمير الأشجار وهدم المباني التاريخية معروف وموثق، وتحويل نهر الكارون العظيم الى شبه صحراء جافة الآن، لحرماننا من المياه والزرع والرعي، في المنطقة التي كانت ثروة حيوانية وسمكية بالاضافة الى النخيل الشهيرة، وقد تحول نهر الكارون هذا النهر العذب الى مستنقع أوبئة ومكان مؤذ للبشر، حيث قامت السلطات الإيرانية بطريقة خبثة لسحب المياه المالحة من شط العرب الى رأس البيشة لتصل المياه المالحة الى مدينة عبادان القريبة من المحمرة، وبذلك هرب السكان من شدة الملوحة وماتت النخيل وكذلك البساتين والحمضيات والخضراوات الأخرى بفعل هذا الأسلوب الخطير المتعمد من قبل ملالي قم وطهران، وقد وثقنا كل هذا الممارسات القمعية واللا إنسانية، ولكن دائما نجد صرختنا تدوي بدون استجابة.. ونتمنى من الرأي العام العالمي والمنظمات الإنسانية المختصة أن تعيد المياه إلا مجاريها والناس تعود إلى أوطانها.
الرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق