في الوقت الذي كانت فيه وكالات الأنباء ومحطات التلفزة تبث وقائع وصور بدء تنفيذ الشق المتعلق برفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، إنفاذاً لمندرجات الاتفاق حول الملف النووي، كانت الصور تتوالى عن أعمال تفجير وقتل وتعذيب وتهجير سكان المقدادية في محافظة ديالى وغيرها من المدن والقرى في المحافظة التي تشكل حدودها المسافة الأقرب إلى بغداد من الحدود الإيرانية. وهذا الذي يجري في ديالى اليوم، ليس الحدث الأول، إذ سبق ذلك عمليات تهجير وإمعان في تغيير التركيب الديموغرافي للمنطقة وعلى وقع أعمال عنف وإرهاب، لم توازها عنفاً وإرهاباً سوى تلك التي تنفذها التنظيمات الارهابية في مناطق أخرى.
وإذ يشتد التركيز على ديالى حالياً كما سابقاً، فلأنها تشكل عمقاً جغرافياً لبغداد التي تتعرض بعض أريافها لمثل ما تتعرض له ديالى. وإذا وضع هذا الذي ترزح تحت وطأته ديالى اليوم في سياق المشروع الذي يستهدف العراق، بوحدة أرضه ونسيجه الاجتماعي، لتبيّن أن ما ينفذ في ديالى من عمليات تطهير و"ترانسفير" بحق ابناء هذه المحافظة التي كانت النموذج الذي يحتذى به بإبراز التنوع الاجتماعي في إطار المكون الوطني، إنما هو استمرار لخطوات تنفيذ المشروع الإيراني الهادف إلى فرض الهيمنة الكاملة على العراق وجعله جرماً يدور في الفلك الإيراني، وبحيث لا تستقيم الأمور لنفاذ هذا المشروع إلا عبر قضم مناطق من العراق، وتنفيذ عمليات استيطانية وخاصة في المناطق المتاخمة للحدود. وقد مهد النظام الإيراني لمشروعه الاستيطاني بضخ وتسريب ما يزيد عن ثلاثة ملايين إيراني منحوا الجنسية العراقية منذ وقع العراق تحت الاحتلال.
هؤلاء الإيرانيون الذين منحوا الجنسية العراقية يراد توطينهم في مناطق ذات أهمية استراتيجية في موقعها الجغرافي بحيث تشكل "دفرسواراً" يمكن عبوره بسهولة إلى العمق الوطني العراقي.
أما الغريب في الأمر، فليس انكشاف هذه الأعمال الخطيرة، بل الأخطر هو السكوت عنها وتجهيل الفاعل وكأن الذي يجري في العراق انما يحصل في بلد آخر أو على كوكب آخر، وأغرب ما في الأمر أيضاً، أن رئيس حكومة ما يسمى بالعملية السياسية، يطلق الأوصاف المبهمة على ما يجري، ورئيس المجلس النيابي، يقول أن الذين ينفذون عمليات القتل والتهجير معروفون ولكن لا يسميهم بالاسم.
فإذا كان من سمي رئيساً للحكومة وهو نظرياً في الموقع التنفيذي الأول في السلطة، وإذا كان من هو مسمى رئيساً للسلطة التشريعية ويمكنه ممارسة التعطيل إذا لم يكن بإمكان سلطته فرض التنفيذ، يعتبران أن ما جرى في المقدادية هي أعمال عنفية بتعبيرات المفردات الدبلوماسية وإرهابية بتعبيرات المفردات السياسية، فلماذا لم يقدما على اتخاذ خطوات ردعية تحول واستمرار هذا المخطط الرهيب الذي يستهدف المواطنين في أمنهم الحياتي والاجتماعي واستطراداً الوطني؟
إن الجواب على هذا التساؤل، ليس معقداً، بل هو بسيط، لأن من يتولى المواقع في السلطة سواء كان بجانبها التنفيذي أو بجانبها التشريعي إنما هو نتاج عملية سياسية أفرزها الاحتلال الأميركي، ومن ثم احتواها النظام الإيراني، وحيث ينفذ بواسطة قواها الأمنية / النظامية / منها والميليشياوية أجندة أهدافه. وعلى هذا الأساس، فإن استمرار إدارة شؤون العراق استناداً إلى إفرازات الاحتلال الأميركي أولاً والاحتلال الإيراني ثانياً، لا يمكن أن يفرز إلا أعمالاً كتلك التي تحصل في ديالى وكما حصلت قبلا في بغداد و البصرة وعلى طول شط العرب وفي غرب العراق "والنخيب" نموذجاً.
من هنا، فإن انقاذ ديالى من براثن "الوحش" الإيراني المتغول لا تكون بتجهيل الفاعل وكما يصرح به رموز السلطة الواجهية في العراق، بل بموقف واضح لا لبس فيه حول طبيعة الدور الإيراني، والذي سعى نظامه لتنفيذ واحدة من جرائمه بحق شعب العراق في لحظة الاستدارة نحو الانخراط في منظومة علاقات دولية وإقليمية ظناً منه أن التغطية الإعلامية لانطلاقة هذه الاستدارة سوف يعمي الأبصار عن الجرائم التي يرتكبها بحق العراق خاصة وحق الأمة العربية خاصة من أقطار الخليج العربي إلى اليمن وسوريا وكل العمق القومي فإذ هول الجرائم اكبر من ان يغطى بالبروبغندا الاعلامية.
وإذا كان إعلان الموقف الواضح وتسمية الأشياء بمسمياتها حيال ما يقوم به النظام الإيراني هو على درجة من الأهمية فإنه من الأهمية بمكان أيضاً إسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال وإعادة إنتاج عملية سياسية جديدة تلغي كل ما أنتجه الاحتلاليين الأميركي والإيراني وخاصة لجهة دورهما في توفير أرضية لبروز ظواهر قوى الترهيب السياسي والتكفير المذهبي، وحماية منفذي عمليات التطهير لمناطق من سكانها الأصليين بهدف توطين من منحوا الجنسية بقرار من المحتل لغاية أحداث التغيير في التركيب الديموغرافي لشعب العراق.
ان جعل الايرانيين قوة وازنة في التكوين المجتمعي العراقي عبر استغلال معطى الظرف الحالي فلأن النظام الإيراني يعرف جيداً أن الوطنية العراقية هي أقوى من كل عوامل التأثير الظرفية المفروضة على شعب العراق حالياً بحكم افرازات الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية التي تتغلل في كل تفاصيل الحياة العراقية.
على هذا الاساس فإن انقاذ ديالى لا بد ان يكون ممره الالزامي اسقاط العملية السياسية لأن أي مشروع سياسي إنقاذي للعراق لا يلحظ إسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال والتي ينفذ النظام الإيراني أجندة أهدافه من خلالها، انما هو مشروع ساقط بالمقاييس الوطنية وعليه فإن عملية التصدي للمشروع الايراني لا يكون الا المشروع الوطني والمحمول على رافعة وطنية متوفرة لها كل وسائط الدعم القومي.
ان ديالى التي تمثل بوابة لنفاذ المشروع الايراني هي في الوقت نفسه "كعب أخيل" هذا المشروع ولهذا فإن اسقاط المشروع الايراني تكون مقدماته برميه بسهم الوطنية العراقية في مقتله وهذا ما يجب ان يحصل.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق