هل تنجح روسيا برأب الصدع في العلاقات السعودية – الإيرانية.. وما حقيقة المبادرة ولماذا..!؟ - استقراء
أبدت الدولة الروسية استعدادها للقيام بوساطة بين السعودية وإيران على خلفية رأب الصدع في العلاقات بينهما، بعد أن شهدت توتراً شديداً بينهما في أعقاب حرق السفارة السعودية في طهران كرد فعل ضد الحكم بالإعدام الذي تم تنفيذه بالشيخ نمر النمر.
طبعاً، نحن من مؤيدي حل المشاكل بين الدول بالطرق السلمية والديبلوماسية لاتقاء شر الحروب وويلاتها. ولكن، على أن تكون قواعد الوساطات مبنية على أسس موضوعية تمنع طغيان طرف على الطرف الآخر، أي أن لا تكون الوساطات على قواعد (تقبيل اللحى)، وأن تعترف لصاحب الحق بحقه.
واستناداً إلى ذلك نتوجه إلى الدولة الروسية، لكي تنجح وساطتها الديبلوماسية بين الدولتين، بأن لا تنظر إلى تلك العلاقات من منظار الحدث الأخير، لأنه ليس هو سبب بل هو نتيجة. وهذه النتيجة تعود لمشكلة أعمق بكثير، إذا لم يتم التوصل إلى حلها ستبوء الجهود الديبلوماسية الروسية بالفشل. وتلك المشكلة تتلخَّص بمشروعين استراتيجيين، متصارعين بين إيران والسعودية، وهما:
- الاستراتيجية الإيرانية المنطلقة من قواعد مشروع (ولاية الفقيه) السياسي، الذي مؤداه بناء دولة شيعية عالمية، تأخذ الإسلام لها غطاء. وناهيك عن المخاطر التي يحملها ضد الأمن القومي العربي، فإن لهذا المشروع مخاطر وجودية على المملكة العربية السعودية، سواء على الصعيد المذهبي أم على صعيد أمنها الوطني.
- المشروع السعودي، وإن كان قائماً على أسس المذهب الوهابي، إلاَّ أنه لا ينص على بناء دولة عالمية، ولم يرشح يوماً ما أن يصدِّر نفسه إلى الخارج من أجل بناء تلك الحكومة. ولهذا فلا يشكل المشروع السعودي خطراً على إيران سواء على صعيد أمنها المذهبي أم على صعيد أمنها القومي.
ومن أجل توضيح موقفنا من تلك المبادرة، كنا قد نشرنا مقالين بتاريخين سابقين، نحدد في الأول رؤيتنا للدور الروسي في هذه المرحلة في الصراع الدائر مع أميركا. ونحدد في الثاني رؤيتنا لأسس الحل السليم في رأب الصدع في العلاقة بين الدولتين السعودية والإيرانية. ولذلك سنقوم بنقل مقتطفات من المقالين، نستعين بهما لنستكمل الرسالة التي نوجهها إلى الحكومة الروسية.
- نُشر المقال الأول، في 31/10/2015، وجاء تحت عنوان: (النظام الدولي المتعدد القطبيات ضرورة عالمية وعربية، تلعب فيه روسيا دور الخصم الذي ليس من صداقته بُدُّ، ولكن...).
- ونُشر المقال الثاني، في 14/1/2016، وجاء تحت عنوان: (إلى أصحاب الوساطات لوقف التصعيد بين السعودية وإيران: إطفاء ألسنة اللهب لن يُخمد الحريق، بل إقفال خزان وقود (تصدير الثورة).
ولذلك استنتجنا من وقائع المقال الأول أن الدور الروسي ضروري لبناء نظام عالمي متعدد القطبيات، لأنه سيحمل بعض سبل الخلاص للعالم بشكل عام، وللوطن العربي بشكل خاص. وبه اعتبرنا أن روسيا إذا كانت خصماً لبعض العرب في بعض محطات تدخلها الراهن، فإنها صديق ليس من صداقته بد... ولكن استدردكنا النتائج بكلمة (ولكن...). واستأنفنا (ولكن...) بالسؤال التالي، الذي بالجواب عليه سلباً أم إيجاباً ستنعكس علينا صداقة روسيا كذلك بالسلب أو الإيجاب. وستكون صداقتها مقبولة أو مرفوضة.
وهذا هو نص الجواب المقتطع من المقال المذكور أعلاه:
هل نعتبرها (أي صداقة روسيا) صديقاً من طرف واحد، ومن دون شروط؟
طبعاً، من غير المصلحة العربية أن يعتبر العرب صديقاً كل من لن يكون حريصاً على احترام الثوابت الإنسانية من جهة، واحترام الثوابت القومية العربية من جهة أخرى.
- أما عن الثوابت الإنسانية فعلى روسيا يقع واجب الوقوف إلى جانب الشعوب التي احتُلَّت أرضها، وانتهكت سيادتها، ويأتي في صدارتها القضيتين الفلسطينية والعراقية. القضيتان اللتان تعرضَّتا لاحتلال غاشم. إذ تعرَّضت الأرض الفلسطينية لاحتلال استيطاني من أجله تمَّ ترحيل الفلسطينيين إلى خارج أرضهم من أجل توطين اليهود الذين أتوا بهم من كل أصقاع الأرض. وأما العراق فقد تعرَّض لأبشع غزو في التاريخ قامت به الولايات المتحدة الأميركية بهدف تحويله إلى محمية أميركية ووضعه تحت سلطة انتداب أميركي، ولما عجزت عن البقاء فيه بفعل ضربات المقاومة الوطنية العراقية، التفَّت على البقاء فيه بشكل غير مباشر عبر وسيلتين، وهما: تركيب عملية سياسية أثبتت هشاشتها ولاشرعيتها أولاً. وثانياً، تسليم العراق لإيران الذي حوَّلته إلى محمية إيرانية، أي إلى نوع من الاحتلال الاستيطاني عبر عمليات تهجير سكاني، شبيه بعمليات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهي تعمل الآن على توطين مئات الألوف من الإيرانيين لتغيير هويته العربية.
- وأما عن الثوابت القومية فيأتي تحرير الأراضي العربية المحتلة في المقدمة منها، لأن العدوان والتدخل والنفوذ الأجنبي في شؤون أمتنا وأقطارها، مرفوض ويجب مقاومته مهما طال الزمن وغلت التضحيات، سواءا كان أمريكياً أو روسياً أو ما بينهما من تدخلات إقليمية إيرانية أو تركية أو صهيونية أو غيرها.
وقياساً على هاتين المسلَّمتين، أي الخطين الأحمرين، ولأن روسيا نسجت علاقات مع (إسرائيل) ومع النظام الإيراني، تقع علىها مسؤوليتين إنسانية وقومية معاً، وهما:
- الأولى: أن تلعب دوراً عبر المؤسسات الدولية من أجل تثبيت الحقوق الفلسطينية، والاستجابة إلى حق الفلسطينيين بتقرير المصير.
- الثانية: أن تدفع بالنظام الإيراني كي يترك العراق لأهله والاعتراف بحقه في تقرير مصيره. فالوجود الإيراني في العراق مكمِّل للاحتلال الأميركي. وطالما اعترفت إدارة أوباما بخطأ احتلال العراق. وطالما الاحتلال غير مشروع كما تنص القوانين الدولية على ذلك، يتوجب على روسيا أن تدفع بحليفها الإيراني وتدعوه للانسحاب من العراق.
ولكي تكون روسيا الصديق، بدلاً من الخصم، عليها أن تحرص على إظهار ما يلي:
- العمل على الإقلاع عن ممارسة السكوت عن مخالفة الدول الأخرى للقوانين الدولية، وخاصة حلفاءها. والحرص على أن لا تكون أقطار الوطن العربي مسرحاً للحروب بالوكالة، تدفع مجتمعاتها ثمناً غالياً من أجل مصالح الآخرين.
- العمل على استعادة التوازن في السياسة الدولية. إذ لا يمكننا أن نفهم النظام العالمي المتعدد الأقطاب إذا لم يُسقِط أو يردع أو يحد من تداعيات سياسة القطب الأميركي الواحد. ولذلك وإذا انحصر الدور الروسي في تفاهمات مع أميركا على توزيع الحصص في أرضنا وثرواتنا، دون القيام بالحد من أطماعها فهذا ما نعتبره نوعاً آخر من الاستعمار الذي يتبادل طرفاه، الروسي - الأميركي، وبالتالي الروسي – الإيراني المصالح على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها. وإذا كانت هي هذه الاستراتيجية الروسية الآن، وبعد الآن، فلن يكون دورها بناء نظام متعدد القطبيات بل هي تبني نظاماً دولياً تتكامل فيه الأطماع بين الدول الكبرى ومن يؤازرها ويشاركها من دول الإقليم، وكل أهدافها هي توزيع الحصص فيما بينها.
وإذا كان هذا مفهومنا لدور روسيا في النظام العالمي الجديد، وإذا كانت تلك هي شروطنا في بناء علاقات صداقة سليمة معها، فما هي رؤيتنا التي على روسيا أن تستفيد منها جزئياً أو كلياً من أجل أن تتكلل مهمتها في الوساطة، بين السعودية وإيران، بالنجاح؟
ومن أجل ذلك، سنقتطع من مقالنا الثاني، ما اعتبرناه أسساً ثابتة لا يمكن لأي وسيط بين السعودية وإيران، ان ينجح بوساطته بينهما. فنقول باختصار، كما جاء في عنوان المقال: (إن إطفاء ألسنة اللهب لن يُخمد الحريق، بل إقفال خزان وقود (تصدير الثورة)).
وجاء بالتفصيل ما يلي:
وخلافاً لما حسبت أكثر الأطراف الدولية، نحسب نحن، أن الحل لإطفاء ألسنة النيران المتصاعدة لن يتم باعتذار عن إعدام الشيخ النمر، ولا باعتذار عن الهجوم على السفارة السعودية، بل يتم بإقفال خزان الوقود الذي يغذي النيران. وهذا الخزان مملوء بالوقود الإيراني بشكل أساسي. والوقود الإيراني ماثل في أهداف نظام ولاية الفقيه النظرية، وأهدافه السياسية في التدخل والتوسع على حساب الشعوب والدول الأخرى، والهدف الاستراتيجي من ورائه يتشعب إلى ثابتين، وهما:
- الثابت الأول عقيدي ديني مذهبي، وهو بناء حكومة دينية عالمية يقودها الملالي في طهران تمهِّد، كما يزعمون، لظهور (المهدي المنتظر).
- والثابت الثاني عقيدي قومي فارسي، من أجل استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي قضى عليها الإسلام قبل مئات السنين.
ولذلك، وإذا لم يستند الوسطاء إلى تلك الحقائق، فإن إطفاء ألسنة اللهب يصبح مستحيلاً طالما أن خزان الوقود ممتلئ بوقود استراتيجية تصدير الثورة.
قد يرى البعض أن من حق إيران أن تحمي مصالحها، وهو مبدأ حقوقي مشروع تقوم عليه سيادة الدول. ولكن من يعطي الحق لأي دولة في العالم بأن تحمي مصالحها على حساب مصالح الشعوب والدول الأخرى، يبتعد عن الصواب، وهو سيكون أعمى مصاباً بالعمى الإيديولوجي السياسي، وفي أقل الأحكام سيكون أحولاً لا يفقه من الحقوق الإنسانية شيئاً.
لقد انتهى عصر الإمبراطوريات التي تعيش على آلام وجراح الشعوب الأخرى. وكما خرجت أميركا من نزعتها الإمبراطورية مهزومة على وقع رصاص المقاومة الوطنية العراقية، فعلى إيران أن تُقلع عن حلمها، لأنها لن تصمد أمام إصرار تلك المقاومة على تحرير العراق والمحافظة على مصالحه الوطنية، وحقه بتقرير مصيره من دون أي تدخل خارجي. وإذا كانت المقاومة الوطنية العراقية منفردة قد ألحقت الهزيمة بمن هو أكثر قوة من إيران، فكيف بها إذا اضطرت أن تواجه المقاومة العراقية مدعومة بكل من وعى، وإن كان قد جاء متأخراً، حقيقة مخاطر إخطبوط نظام ولاية الفقيه، سواءٌ أكانت شعوباً أم كانت دولاً. ولذلك نرى أن عودة الوعي الخليجي لمدى مخاطر احتلال العراق على أمنها القومي.
وإن اتخاذها القرار بإرغام إيران على الإقلاع عن أهدافها الخطيرة، وخاصة بمنعها من التدخل السافر في شؤون الوطن العربي.
وإن إعلان المقاومة العراقية بالانضمام إلى التحالف المذكور.
نعتبرها حزمة متكاملة من القرارات لا يعيب المقاومة العراقية بالمشاركة في تنفيذها بكل ثقلها.
وإن غير ذلك أمر مردود على كل ما تروجه أكثر الوسائل الإعلامية المنحازة للنظام الإيراني. وإذا كانت إيران حريصة على حماية أمنها القومي، فإن العرب حريصون أيضاً على أمنهم. أليس الأمن القومي خط أحمر، والمحافظة عليه وحمايته واجب على العرب كلهم أن يلتزموا بتطبيق موجباته، فليس هناك من أولوية تسبقه على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق