| ||
يرعى التمويل الأجنبي آلاف منظمات المجتمع المدني العربية التي ترتبط به عضوياً وفكرياً . . من دون أي وازع أو أي مانع كان . ويراد لهذا التمويل أن يبدو ظاهرة طبيعية ولا غبار عليها أخلاقياً ووطنياً . وبالفعل، فقد مررت منظمات المجتمع المدني لزمن طال، مشروعيّة حصولها على المال الأجنبي، وكذلك مشروعيّة عملها ومجالاته التي يحددها ويرسمها هذا المال وفقاً لأجنداته واستراتيجيات دوله . غطّى الاسم البرّاق والرنّان لجماعات المجتمع المدني وعناوين أنشطتها التي ترتبط بالديمقواطية ومقارعة الديكتاتوريات، والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الفردية، وحرية المرأة، على موضوع تمويلها الذي بقي مستتراً إلى حدّ كبير ولزمن طويل هو عمر هذه المنظمات . ويدل غياب موضوع التمويل عن النظرة العامة وعن النقاش والمساءلة على ما يمكن أن يفعله نفوذ المال ونفوذ من يقف وراءه بالمجتمعات وعياً وكذلك تخريباً، كما يدل على مدى فساد النخب السياسية ونخب الثقافة والفكر وازدواجية ولائها، إن كانت تحتفظ بالفعل بولاء للوطن، وهشاشتها تجاه سيولة المال، ومن هؤلاء طبقة من المتعلمين غربياً لعبوا ويلعبون دوراً كارثياً في قيادة الغرب المستعمر إلى مواقع التمكّن من بلدانهم . تتحلّق شرائح من هذه النخب حول السفارات الأجنبية والمجتمعات الدبلوماسية والهيئات الدولية بدافع من الإغراء المالي الذي يمثله الدعم المرصود في ميزانيات الدول الراعية لمنظمات المجتمع المدني، وهؤلاء جسم واحد مستفيد من السوق المالي الذي يمثله الدعم الأجنبي، بما في ذلك أهل الإعلام والكتابة الصحفية حيث يتم التواطؤ على ستر أمر التمويل . وتكشف برقية سرية للسفارة الأمريكية في القاهرة نشرها موقع “ويكيليكس” مؤخراً، (رقم الوثيقة هو 05 CAIRO6200) عن واقع العلاقة بين منظمات مصرية نافذة (تذكر بالاسم مع قادتها من الشخصيات العامة المعروفة)، والسفارة الأمريكية التي ترفدها بالمال لقاء أنشطة بعينها، وبحسب الوثيقة السرية الأمريكية، فإن تلك المنظمات لا تجد ما يشينها في تعريف نفسها للرأي العام بكونها مرتبطة بالتمويل الأمريكي المباشر والرسمي (لربما يراد أن يكون ذلك ثقافة سائدة مقبولة) . أما جماعات أخرى، مقربة هي أيضاً من السفارة، فإنها تُظهر “التمنع” وأخذ المال الأمريكي نقداً طالبة إعطاءها مساعدات عينية، وذلك خوفاً من “الانتقاد” ومن “الصحافة الصفراء”، كما يذكر التقرير الذي يتفهّم أعذارها وموقفها وينفي عنها صفة الانفصام . استأثرت جمعيات ومنظمات التمويل الأجنبي باسم “المجتمع المدني” بعامة، واحتكرته لنفسها ومجالات نشاطاتها، طامسةً عمل منظمات أهلية ذاتية الموارد، وهي قد غُيّبت وأسقطت خياراً منطقياً ينبع من حقيقتها ومفهومها كمنظمات تطوعية مستقلة وغير ربحية . هذا الخيار هو العمل باستقلالية عن شروط التمويل ومخاطره على الأوطان، والعمل من دون تربّح واسترزاق . ليس هذا مطلقاً هو الخيار، وإنما هو أخذ المال الأجنبي مع ايجاد “خيار” أن يكون من مصدر حكومي أو وكالات غير حكومية، وهذه الأخيرة هي في الحقيقة أذرع لهيئات حكومية ولأجهزة مخابرات . المُضحِك المُبكي في واقع مؤسسات المجتمع المدني، بداية من المغرب وحتى اليمن، مروراً بمصر وتونس وفلسطين والأردن والعراق، أن التنابز والتنافس “الوطني” بينها هو أخذ المال من مصدر رسمي أو حكومي أجنبي، أو أخذه من مصادر لا تُحْسَب على الحكومات مباشرة، مثل “المنحة الوطنية الأمريكية للديمقراطية” و”صندوق المعونة الأمريكية” . الأخذ من هذه المصادر الأخيرة هو “تعفّف” وهو تسجيل لقمّة الوطنية . في السنة الأخيرة في مصر، وهي سنة ثورة الربيع، تقدمت 600 منظمة مصرية بطلب لنيل معونات أمريكية (بحسب شهادة السفيرة الأمريكية أمام الكونغرس)، هذا في ظل انهمار أكبر لأموال موجّهة إلى المجتمع المدني، حيث اقتطع مبلغ 60 مليون دولار من المساعدات للحكومة المصرية لتقديمها إلى هذا القطاع . وبنظرة مقارنة إلى العراق، فإن من المدهش كثيراً أن تخرج إلى الوجود فيه في ظل الاحتلال اثنا عشر ألف منظمة مجتمع مدني، وأن يقوم بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، بصرف مبلغ 780 مليون دولار في أول سنة من حكمه على منظمات المجتمع المدني الوليدة . عطاء الاحتلال الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني في العراق كان الأغزر والأكرم، وليس مهماً إذا قدّم طالبو العون معلومات مزيفة في طلباتهم للسلطات المحتلة، أو أخذوا المال كاملاً في ما بعد إلى جيوبهم الخاصة، المهم أنهم أخذوا المال المخصّص وأسسوا منظماتهم، وفي هذا مغزىً وأي مغزى . . إنه المجتمع المدني المُشترى بالمال . |
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
السبت، 14 يناير 2012
المجتمع المدني المُشترى بالمال
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق