من دفع يسترد ممن قبض
توجان فيصل - كاتبة أردنية
في لقاء للملك عبد الله مع مجلس الوزراء ومديري المؤسسات المعنية بالاستثمار, قال : "عندما أطلب من أصدقائنا في الخليج القدوم الى الأردن، يأتون لأنهم يريدون دعم الاردن ومساعدة الشعب الاردني، لكن اليوم يتساءل بعضهم : لماذا استثمر في الاردن وأصبح متهما بالفساد".
بداية ,الأردن ليس فقيرا وشعبه ليس جمعا مساكين , ولا يقبل "منّة" من جاءوا لأن ثرواتنا تقدم لهم بسعر التراب .
ونورد مثالين لمستثمرَين خليجيين على سبيل العينة . شركة " دبي كابيتال " اشترت شركة توليد الكهرباء الأردنية بـ 40 مليون دينار عام 2005, وشركة توزيع الكهرباء بـ 16 مليون دينار.. وأعادت بيع شركة التوليد بـ 145 مليون دينار لشركة اكوا باور السعودية , وباعت شركة التوزيع ,بعد ان حققت أرباح توزيع المعلن منها عشرون مليون دينار, بـ 49 مليون دينار للضمان الاجتماعي الذي يقول انه سيحقق ربحا سنويا بحوالي عشرة ملايين دينار , أي أن شركة التوزيع بيعت لدبي كابيتال بأقل كثيرا من أرباحها في سنتين .
شركة "أكوا باور"السعودية أعلنت انها هدفت لشراء " حصة مسيطرة " ,تحديدا 51% من الشركة المركزية لتوليد الكهرباء في الأردن, والتي تزوده بحوالي 60% من احتياجاته الحالية من الكهرباء .. وبيع "الحصة المسيطرة " يتضمن بيع جزء هام من السيادة , بخاصة لكون الكهرباء سلعة استراتيجية ومكون رئيس للتنمية إذ تتحكم أسعار الكهرباء بشكل رئيس في القطاع الصناعي, يليه القطاع الزراعي.. والتلويح بزيادة أسعارالكهرباء بدأ بذرائع لا يتسع هذا الحيز لتفنيدها .
وهنا يستوقفنا أن ذات شركة " الأردن دبي كابيتال " ( التي تمثلها عائلة الرفاعي التي تتوارث الحكم منذ ثلاثة أجيال) اشترت " رخصة " بنك الإنماء الصناعي الأردني بثلاثين مليون دينار اقترضتها من بنكين محليين , وحولته لبنك إسلامي لتشرع بعملية بيعه " لجهة خليجية " .. ما يعني ضربة أخرى لحاضر ومستقبل الصناعة الأردنية تضاف لخسارة أرباح بنك أمكن تمويله داخليا .. وهذا غير بيع غابات "دبين" وأراض غيرها بأسعار زهيدة لدبي كابيتال ما أثار احتجاجات بيئية إضافة للاحتجاجات على الفساد . أي أن "دبي كابيتال " التي توالت خسائرها في العالم كله , حققت أرباحا هائلة في الأردن وحده ,ليس بالاستثمار المنتج , بل باقتسام "الكومشن" الذي يفوق أسعارالبيع .
والمثال الثاني بيع ميناء العقبة وشاطئها السياحي بمساحة 3200 دونم لشركة "المعبر" الإماراتية , مقابل 500 مليون دولار (350 مليون دينار )اي بمعدل 112 ألف دينار للدونم, في حين أن أرضا خاصة في ذات الموقع كانت بيعت بسعر مليون دينار للدونم . والـ 350 مليون تتضمن كافة الرسوم والنفقات مضافا إليها تعهد الحكومة الأردنية بإزالة كل ما على الأرض من ميناء ومرافق ومساكن ,على حسابنا ,وفي حال عدم الإزالة بانتهاء السنوات الخمس التي يتوالى فيها تسليم الأرض المباعة , تدفع خزينة الأردن غرامات وأجور إشغال وغيره .
ومع ان بيع الميناء ( وغيره ) تم بزعم تسديد جزء من مديونيتنا لنادي باريس, فاللافت ان الحكومة اقترضت 125 مليون دينار لأغراض تلك الإزالة , وبفائدة 7,75 % , أي ان سعر البيع نزل قبل فوائد القرض وقبل الغرامات إلى 225 مليون دينار.. فيما مديونيتنا التي كانت عند البيع بحدود ثمانية مليارات دولار أصبحت الآن تفوق الثمانية عشر مليارا !!
وهنا ايضا زُعم ان مهلة الخمس سنوات أتت من باب "الرأفة" بالأردنيين المساكين , وسنتبين مدى الرأفة في العام 2013, حين يستحق استكمال التسليم والإزالة لم تكتمل , فكم سندفع ؟؟
السؤال الأدق هو : هل سندفع ؟ بل وهل سنسلّم ميناءنا البحري الوحيد وفوقه غرامات وفوائد قروض ؟ في حين أن جارتنا إسرائيل شنت عام 1949 حرب إبادة جماعية لـ 350 جنديا وضابطا مصريا لتحتل أم الرشراش المصرية ( التي أصبحت إيلات المجاورة للعقبة ) لتؤمن منفذا لها على البحر الأحمر, رغم احتلالها لنصف الشاطىء الشرقي للمتوسط ؟ الملك الراحل أعطى السعودية مساحة شاسعة من صحرائنا الشرقية الغنية بالمعادن ( وحتما بالنفط ) مقابل بضعة كيلومترات توسعة لشاطىء العقبة , فهل نسلمها الآن بأقل من سعر التراب , إن لم يكن بالمجان أو ما دونه ؟
الإجابة أتت من الحراك الشعبي وتقول : "لم نبع ولم نفوّض أحدا بالبيع ..من دفع يسترد ممن قبض " . ولا يمننّ أحد علينا ولا يزعم الرأفة بنا ..فشعبنا الذي ساهم في بناء وتطوير كل دول الخليح قادر على تطوير أرضه وموارده .. حتما ,لسنا حالة تستدعي " قتل الرأفة " ذاك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق