كلمةٌ هادئةٌ في الحديث عن الرئيس صدام حسين بعد رحيله
هذا مقال هادئ بحق، يستعرض فيه الشيخ الدكتور عبدالرزاق عبدالرحمن السعدي، موقفه من الرئيس الشهيد صدام حسين، بعد رحيله، مؤكداً على الموقف الشرعي والأخلاقي منه، رحمه الله، وهو فوق هذا يذكرنا بطريقة الحديث عن الميت بإسلوب عالي التهذيب.
عبدالرزاق عبدالرحمن السعديفي فجر يوم عيد الأضحى من عام 1428 للهجرة، الموافق:30/12/2006 للميلاد، رحل رئيس العراق صدام حسين إلى الدار الآخرة، عن طريق إعدامه بطريقة ارتضاها فاعلوها، ودُوِّنت في صحائف أعمالهم، بما تُمليه عليهم تربيتُهم وتكوينهم وانتماءاتُهم، لكنَّها هزت مشاعر المسلمين وغير المسلمين، واستاء من ذلك الحدثِ الرجالُ والنساءُ، والعلماءُ والمثقفونَ والبسطاءُ من الناس في مشارق الأرض ومغاربها.
وجاء أوّلُ تصريح رسميٍّ بعد إعدامه مباشرة مقرونا بالفرح والتأييد من ثلاثة دول تآلفت سرّا وتنافرتْ عَلَنا وهي: أمريكا وإسرائيل وإيران، ولا يخفى على كلُّ ذي عقل أسباب ذلك، لكنَّ موقفَ هذه الدول أضافَ للرئيس صدام حسين شهادةً أمام الله تعالى وأمام الناس أن اغتياله كان بقرار ثلاثيّ من هذه الدول، التي نَصَبَتْ له ولشعبه العداء، فلم يكن عميلا لواحدة منها، بل كتبَ الله له الشهادة على أيديهم، كما كَتَبَ الشهادةَ لعمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي، والشهادةَ لعثمان بن عفان على يد عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق الذي أسس أفكار البدع والضلال، والشهادةَ لعلي بن أبي طالب على يد عبدالرحمن بن مُلْجِم الخارجي الذي دفعه الضالون لاقتراف هذه الجريمة، وما أشبه اليوم بالبارحة.
إن الحديث عن الرئيس صدام حسين بعد رحيله ينبغي أن يكون محكوما بالضوابط الأخلاقية والشرعية، لابالعواطف ولابالتوجهات ذات المصالح الخاصة، وهذا ما ينبغي أن يتعامل به كلُّ مؤمن يخشى الله والدارَ الآخرة مع كلِّ موتى المسلمين، وليس مع فرد معين فحسب، وهذه مسألة يجب أن يتنبه إليها الأحياء، فكثيرا مانرى بعضَهم تأخذه العاطفةُ ويتحدثُ عن الأموات بطريقة تخالف النصوص الشرعية، لذلك قرر العلماءُ : أن الغيبة تكون بحق الأحياء والأموات على حدّ سواء، فمتى ماجازتْ بحق الأحياء جازت بحق الأموات، ومتى ما حرمت بحق الأحياء حرمت بحق الأموات، بمعنى أن ذكر الأخطاء لتحذيرمَن يريدُ أن يكرِّرها ويقعَ فيها لابأسَ به، شريطةَ أن لايكونَ ذلك على سبيل السَّبِّ والشتم والطعنِ والتشهير والتشفي.
لأنَّ المقرر في عقيدة المسلمين الصحيحة : أن العصمةَ عن اقتراف الصغائر والكبائر من الذنوب لا تكون إلَّا لأنبياء الله ورُسُله عليهم الصلاة والسلام، وأما ما عداهم فإنهم معرضون للخطأ وغير معصومين مهما كانت درجة عبادتهم وتقواهم، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بني آدمَ خَطَّاءٌ، وخَيرُ الخطَّائِينَ التوَّابونَ)، حديث صحيح.
أما النصوص الشرعية التي نَهَتْ عن ذكر مساوئ الأموات، وأمرتْ بذكرِ محاسنهم، فكثيرة منها:
مارواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبُّوا الأمواتَ فإنهم أفضَوا إلى ما قدَّموا)، وما رواه أبو داود والترمذي عن عبدالله بن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: (اذكُرُوا محاسنَ مَوتاكُمْ وكُفُّوا عن مَسَاوِيهِمْ)، وما رواه أبوداود عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات صاحبُكم فدعوهُ ولا تقعوا فيه)، وما رواه النسائي عن صفية قالت: ذُكرَ عند النبي صلى الله عليه وسلم هالِكٌ – أي ميِّتٌ – بسوءٍ، فقال: (لا تذكروا هالِكَكُمْ إلاَّ بخيرٍ) وأحاديث أخرى رواها آلُ بيتِ رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابُهُ.
أما بخصوص الرئيس صدام حسين رحمه الله تعالى، فهو واحدٌ من المسلمين، وليس معصوما؛ لأنه ليس بنبيّ ولا رسول، فله حسناتُه وسيئآته، فلنأخذْ بالتوجيه النبويّ في الكفّ عن المساوئ، ولنذكر المحاسن، حتى يتحولَ الحديثُ عنه إلى طاعة لله ولرسوله، وبعكسه سيتحول الحديثُ عنه إلى معصية لله ولرسوله، وهذا ما كان عليه في حياته، فإنّ كثيرا من العراقيين يتذكرون أن صدام حسين حين كان يتحدث عن الخمينيّ بعد موته يقول: لا نقول عن الميت إلا رحمه الله، هكذا كان خُلُقه حتى مع عدوّه وهي واحدة من حسناته التي تذكر له.
أما الأمور الأخرى من محاسن الرئيس صدام و التي تدعو كلّ مسلم أن يتقبلها بِنَفَسٍ شرعيّ، بعيدا عن التعصب والأغراض الشخصية فكثيرة منها ما يأتي:
1 – كان الرجلُ يقاوم المحتلَّ، ويتفقدُ المجاهدين المدافعين عن دينهم ووطنهم وأعراضهم، وقُبِضَ عليه أسيرا، وتعامل معه أعداؤه تعاملا غير شرعيّ، مما يمنحه درجةَ المجاهدين، وظهر زيفُ التمثيلية التي صاغها العدوُّ في طريقة القبض عليه، وكان اغتيالُه بقرار من أعدائه، فهو – بناءً على هذه المعطيات – شهيدٌ التَحَقَ بركب الشهداء المشمولين بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (يُغْفَرُ للشهيد كُلُّ ذنبٍ إلاّ الدَّين)
2 – إنَّ آخر كلمةٍ ختم بها صدامُ حياته هي النطق بالشهادتين، ولم ينطق بعدهما بشيء آخر، وبذلك يكون قد ضمن لنفسه الجنة، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (مَنْ كان آخر كلامِهِ منَ الدنيا لاإله إلا الله دخل الجنةَ)، وقد شهد له بذلك المسلمون عامة، وعلماؤهم خاصة، في مقالاتهم وتصريحاتهم وخطبهم وأحاديثهم، والأمة لا تجتمع على ضلال، وبناء على ذلك فإن الحديث عن واحد من أهل الجنة بسوء يُعَدُّ إثما وخطيئة.
3 – لو قدرنا أن أحدا مكابِرا ومعاندا لا يريد أن يؤمن بهاتين الفقرتين المذكورتين من الاستشهادِ، والخاتمةِ بكلمةِ التوحيد، فإنَّ اغتياله بهذه الطريقة يمكنُ أنْ يعدَّ قِصاصا، وبالقصاص تُغفرُ الذنوبُ وتَسقطُ كلُّ الحقوق – إن كانت هناك حقوق – فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ الذين طعنوا بالصحابي {مَاعِز} بعد إقامة الحدّ عليه قائلا لهم: (إنه تاب توبةً لوقُسِّمتْ على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) وفي رواية: (لوقسمت على أهل الأرض لوسعتهم)، وهل بعد هذا من دليل على حرمة الإساءة إلى شخص الرئيس الراحل صدام؟؟؟.
4 – إنّ الله تعالى عادل كريم، وميزانه في خلقه دقيق وقانونه حكيم، فقال سبحانه في محكم التنزيل: (إنَّا نحن نحيي الموتى ونكتبُ ما قدَّموا وآثارهم وكلَّ شيء أحصيناه في إمام مبين) يس:12، وقال سبحانه: (إلّا من تاب وآمن وعمِلَ عملا صالحا فأولئكَ يُبدل الله سيئاتِهم حسناتٍ وكان الله غفورا رحيما) الفرقان:70، فكم هي حسناتُ هذا الرجل في كلِّ المتسويات وإليك طرفا منها:
5 – في الجانب الديني قَرَّرَ الحملةَ الإيمانيةَ التي دخلت كل بيت وكلَّ مؤسسة تعليمية وكلَّ مفاصل الدولة فكانت تجربة إسلامية فريدة شهد لها العالم،في خدمة كتاب الله المجيد وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفَتَحَ الجامعات والكليات الإسلامية التي احتضنت العراقيين بكل مذاهبهم وقومياتهم، واحتضنت أبناء العالم الإسلامي، ومَنَعَ الخمورَ والملاهي والمجاهرةَ بالفسق والفجور، ودَعَمَ العملَ الإسلامي الخالص الذي لاتشوبه شائبة التحزب والبدع والخرافات، والقائمة في ذكر اهتمامه بالدين طويلة.
6 – وفي الجانب الإداري كانت هناك هيبةٌ للدولة واحترامٌ للسلطة، ومهابةٌ للقانون، وانضباطٌ إداريّ مشهود له.
7 – وفي الجانب الصحي كان نظامُه من أفضل أنظمة المنطقة، وهذا ماشهدت به المنظمات الدولية، والعراقيون يعرفون ذلك، وزادتْ معرفتهم به بعد الاحتلال الذي دمر كل شيء.
8 – وفي الجانب العلمي ومحو الأمية لم يشهد بلدٌ مثلما شهده العراق بشهادة كلُّ المنصفين من المنظمات الدولية والإقليمية، فازدهر عصره بالعلماء الذين تلقوا العلم داخل العراق وخارجه.
9 – وفي الجانب العسكري فإنه أقام جيشا قَلَّ نظيره في العالم عقيدة ومهنية، وبتسليح زرع المهابة في قلوب أعداء العراق وفي مقدمتهم إسرائيل، فقد كان موقفه المبدئي من القضية الفلسطينية مشهودا له، في الوقت الذي رُفِعَت فيه فلسطين من قاموس العراق بسبب الاحتلال.
10 – وفي الجانب الأمني كان الفردُ العراقيُّ يجوبُ العراق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لا يخشى إلا الله تعالى، والعراقيون يحنُّونَ إلى تلك الأيام بعد دخول ديمقراطية المحتل.
11 – وفي الجانب المالي الشخصي فإنه غَادَرَ الحياةَ ولا يملك دينارا واحدا في البنوك العراقية، ولا في البنوك الأجنبية، ولو كان عنده شيء من ذلك لَطبَّلَ أعداؤه وزمروا بذلك، مع حرصهم الشديد على اتهامه، لكنهم لم يجدوا شيئا يذكرونه، بل ولا يمتلك بصورة شخصية مترا مربعا من أرض العراق، وما شيده من بناء فهو دور رئاسية للبلاد أنقذ فيها آلاف العوائل العراقية في زمن الحصار الاقتصادي وقلّة فرص العمل.
وفي مسيرته إشراقات تحمل الإنسان الحرّ الشريف على أن يذكره بالرحمة ويدعو له برفيع الجِنَان عند الله الرحمن المنان، فكنْ أيها الشهيد السعيد قريرَ العينِ وأنت في مثواك عند ربك، فقد بدأ فجرُ الحق ينبثق نورُه، ابتداء من خروج المحتلّ البغيض، وقريبا سينهار كيان أذناب المحتل بفضل الله تعالى، ثم بفضل سواعد أبناء العراق المجاهدين المقاومين، وسيتحقق حلمك بتحرير الأرض المقدسة فلسطين : قال تعالى: (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) الرعد:17.
فلك من الله الرحمة والرضوان في يوم يستذكر فيه العالم استشهادك في سبيلِ الله، ونصرةِ الحق، وتطهيرِ العراق من المحتل وأذنابه.
المصدر: منتديات كتاب المقاومة العراقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق