هنري كيسنجر .. يقرع طبول الحرب .. ويتوقع حرباً عالمية ثالثة !!
شبكة المنصور
د. أبا الحكم
المقدمة :
حين تهب رياح سيبيريا الباردة صوب المياه الدافئة، لا أحد يستطيع إيقافها، فهي لا تحمل معاول الهدم ولا تَغيرُ بطائرات الإبادة الجماعية، كما فعل الناتو ويريد أن يفعل . رياح سيبيريا الباردة تحمل نكهة تختلف عن سابقاتها من عواصف الثلوج، التي تسد الطرقات وتعطل مشاوير الناس وتمهد لمنزلقات وحوادث، فهي رياح ثلجية باردة لا تستهدف غير وقف الثور الأمريكي الهائج المثخن بالجراح، وهو يزبد ويعربد ويهاجم كل من يعترضه على الطريق .
أمريكا المثخنة بالجراح، بعد أن ضربت أفغانستان وضربت العراق واحتلته ودمرته، لم تعد قادرة على شن حرب إقليمية أخرى ، فإلى متى يستمر هذا الثور الهائج في مستودع الخزف ؟!
متغيرات في الإستراتيجية الأمريكية :
في عهد " رونالد ريغان " كانت الرؤية الإستراتيجية الأمريكية تقوم على مفهومين، الأول ويسمى ( Low Intensity Conflict ) ، النزاع الخفيف . والثاني ( Mid Intensity Conflict ) ، وهو من أشكال التعامل مع النزاع المتوسط . وهذا يعني في إطار تقسيم الحروب في الإستراتيجية الأمريكية، أن حروب ال ( Lic ) مخصصة لمواجهة حروب الجيوش الصغيرة وحروب المليشيات والعصابات . أما حروب أل ( Mic ) فهي مخصصة لحروب واسعة النطاق تشترك فيها قوات وصنوف وأنظمة قتالية عالية المستوى والتدريب والتسليح .
والتصنيف الثاني للإستراتيجية الأمريكية - أوردها هنا لغرض الإطلاع والفائدة – قد قسمت الحروب من حيث القدرة إلى حرب ونصف ( One War & Half ) ، أي أن تكون أمريكا متورطة في حرب أل ( Mic ) ، واحتمال أن تواجه حرب أل ( Lic ) ، في آن واحد . أما التصنيف الثاني من حيث القدرة على خوض الحرب فهو ( Two War & Half ) – طبقت في أواخر عهد ريغان وبداية عهد بوش – واحدة مخصصة لحلف ( وارشو ) والأخرى لدول كبرى، ونصف حرب لحروب عصابات وجيوش صغيرة مثل ( بنما وغريناد ) .. والحروب هذه تقليدية تستند على مدركات وقدرات الردع غير التقليدي .
إن تصنيفات الإستراتيجية الأمريكية للحروب قد تم التعديل عليها، ليس بدواعي الكف عن إشعال الحروب إنما الامتثال لدواعي المحددات من جهة والكوابح الداخلية من جهة ثانية .. فالإدارة الأمريكية بعد أن أفرغت شحنتها العدوانية بضرب أفغانستان واحتلالها وضرب العراق واحتلاله وتدميره وتمزيق شعبه ونهب ثرواته، لم تعد قادرة على تنفيذ إستراتيجيته ( حربان في آن واحد ) و ( حرب وتصف ) ، ولم تبق لديها سوى ( حرب الضرورة ) الواحدة القائمة على نظرية الضربة الاستباقية ، وذلك بسبب الخسائر الجسيمة، التي منيت بها في العراق .. خسائر في الأرواح وخسائر في الأموال وخسائر في المصداقية والهيبة الدولية. لذا أوكلت إلى شركائها في الناتو، فرنسا على رأسهم وبريطاني وإيطاليا وتركيا للقيام بالحرب على ليبيا ، وحاولت أن تطبق النموذج الليبي على سوريا ، بعد أن أشاعت الفوضى في تونس ومصر واليمن والمنطقة العربية .
والرياح التي هبت من سيبيريا ومن عمق الصين، هي رياح ليست عدوانية كما هي رياح الناتو المسمومة، إنما هي لمنع العدوان وإقامة التوازن الدولي - بعد أن اختل بفعل انهيار الإتحاد السوفياتي السابق واختل بفعل احتلال العراق الذي أدى إلى اختلال في التوازن الإقليمي - والشروع في ترتيبات بنيوية لنظام دولي يقوم على القطبية الثلاثية، التي سترسي بدورها دعائم علاقات دولية تتسم بالاستقرار النسبي وتحتكم لقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .
في خضم الواقع المضطرب، الذي يعصف بالعلاقات الدولية، ليس في ركنها الأوربي فحسب، الذي يعاني من الانهيار الاقتصادي المتزامن في كل من اليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وهولندا وحتى بريطانيا .. وفي الجملة الوضع الأوربي يزداد سوءً بفعل الحرب الأمريكية غير المعلنة على القارة لمنع نموها وتطورها وبنائها المستقل في قرارها السياسي والاقتصادي، فأمريكا لا تريد أوربا أن تبتعد عن مظلتها ولا تريد أن تتشكل قطباً دولياً يدخل معها في تنافس قد يقزم دورها على المسرح السياسي الدولي، وهي التي تعيش حلم القرن الأمريكي .. وليس في ركنه الأمريكي اللاتيني الذي يسمونه بالفناء الخلفي للإمبريالية الأمريكية، وهو الركن الذي يقلق الإمبريالية في عقر دارها سياسياً واقتصادياً ، وقد يبدأ انفجار الإمبريالية في فنائها أولاً أو يساعد على تفجيرها .. وليس في ركنه الآسيوي الذي نهض بنموره التي تتبنى التنمية الكبرى ذات القدرة الإنتاجية المصنفة لدولها بالعالم الرابع الصناعي .. وليس في ركنه الأفريقي الذي ينصب عليه التنافس الأمريكي – الفرنسي على وجه الخصوص في شكل صراع على النفوذ والمصالح وكذا بقية الاستعمار القديم للقارة الأفريقية، تتمخض عنه مذابح ومجازر دموية عرقية تعد الوسيلة التي في ظلها يتم إلهاء الشعوب الأفريقية من أجل نهبها والهيمنة عليها تحت ذريعة التدخل الإنساني وحماية المواطنين .. وليس في ركنه الشرق اوسطي حتى وأن باشرت الإمبريالية الأمريكية ومن خلفها الصهيونية العالمية بتفجيره وتفتيته بأنشطة إستخبارية تعمل على أساس نظرية ( الفوضى الخلاقة ) ، إنما على العكس إن بناء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد سيكون كارثة على أمريكا وحلفائها، لأن القوى ( المثوَرة والمسيسة إستخباري ) قد كشفت بالجملة أوراقها وستمهد الإرهاصات التي تعتمل في رحم الشعب العربي لبلورة اتجاهات من شأنها أن تجعل أمريكا وعملائها الصغار من العرب تندم على نظريتها البائسة، التي لن تجلب لها غير عدم الاستقرار وتعريض مصالحها إلى مخاطر من نوع لم تكن في الحسبان، والسبب المؤكد هو أن الصهيونية ، إضافة إلى طبيعة البنية الرأسمالية للامبريالية، هي التي توظف مسارات النهج الأمريكي نحو الهيمنة ولمصلحتها حتى وإن أصاب المصالح الأمريكية التصدع والضمور والانكسار.
ماذا يتوقع " هنري كيسنجر " أن يحدث على المسرح السياسي الدولي ؟!
لقد أدلى "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس" ريتشارد نيكسون" بحديث لصحيفة أل ( ديلي سكيب ) اليومية في نيويورك، كشف فيه تصوراته المحرضة على ما أسماه بالحرب العالمية الثالثة، استناداً إلى ما يجري حالياً من تنافس وتجاذب من جهة وتحريض على توسيع العدوان في المنطقة العربية التي تشهد مخططاً للتفتيت تحت مسميات ( الربيع العربي ) باسم الحرية والديمقراطية وحقوق المدنيين :
-لقد خلقت اضطرابات في تونس انتهت خلالها بإسقاط الحكم العميل فيها وتركتها في حالة اضطراب وصراع وتجاذب .
-خلقت اضطرابات في مصر انتهت بسقوط نظام الحكم العميل فيها وتركتها على مشارف الحرب الأهلية .
-وخلقت واقع التصادم في اليمن وتركته مضطرباً ومتصارعاً وعلى فوهة بركان .
-وخلقت اضطرابات في ليبيا انتهت بحرب الناتو وإنهاء النظام السياسي الوطني وتمزيق الشعب الليبي إلى فئات وقبائل متناحرة .
-وخلقت اضطرابات في سوريا تصاعدت حدتها تمهيداً لتطبيق النموذج الليبي، انتهت بعد الفيتو الروسي والصيني، إلى تصعيد الحرب الأهلية وإيجاد المبررات للتدخل الخارجي والالتفاف على الموقف العام الرافض للتدخل .
-فيما يتوقف ( الربيع العربي ) حافات صحارى الجزيرة العربية ويقف عند أبواب القصور الخليجية بسحنة خجولة ريثما يتم وضع الأمور على نار هادئة !!
يتوقع " هنري كيسنجر " أن ما يجري الآن هو تمهيد لحرب عالمية ثالثة يكون أحد أطرافها الولايات المتحدة من جهة، وروسيا الاتحادية والصين من جهة أخرى .. وإن الولايات المتحدة قد خططت لاحتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية ( النفط والغاز ) .. وإن السيطرة على النفط هي الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهو السبيل للسيطرة على الشعوب .. وإن هدف احتلال تلك الدول قد تحقق أو في سبيله إلى التحقق!!
وأكد العجوز الصهيوني أن روسيا والصين لن تقفا متفرجتين وإن أمريكا تمهد الطريق خصوصاً بعد أن تشن ( إسرائيل ) حرباً جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب حتى يكون نصف ( الشرق الأوسط ) إسرائيلياً .. وأضاف .. إن هذه الحرب ستكون شديدة وقاسية بحيث سيتم من بين ركامها بناء قوة عظمى وحيدة وقوية وصلبة ومنتصرة ، هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم !!
دعونا نحلل ما قاله شيخ الدبلوماسية الأمريكي الصهيوني :
من الملاحظ أن مقال " هنري كيسنجر " جاء بعد أن اتخذت كل من موسكو وبكين قرار الفيتو ، وهو الأمر الذي فاجئ الخصم الأمريكي المسكون بغرور القوة والغطرسة التي جعلته غير قادر على أن يستوعب الموقف الروسي والصيني القائم على معطيات استكمال مقومات القوة . وذلك لأن بقايا المحافظين الجدد التي تعشش في خبايا بعض مراكز الأبحاث القريبة من مصدر القرار في البيت الأبيض ما تزال تفرز سمومها الكارثية على العرب والمسلمين بوجه خاص وعلى العالم بشكل عام، تتسرب في شكل أفكار وسيناريوهات، على الرغم من أن " كيسنجر ) ليس محسوباً على المحافظين الجدد، إنما هو يلتزم خط الواقعية التي تستند على قاعدة التاريخ الأوربي، إلا أن إثارته وتحريضه على إشعال حرب كونية ثالثة ( أخيرة ) لا يحمل شيئاً من الواقعية والمنطق العقلي، وذلك لمسببات ( الردع المتبادل المؤكد ) ، والذي زاد عليه ( الردع الصيني ) .. والمعروف في إطار نظريات الردع ومفهومه يعني تقديم أدلة للخصم لا يمكن أخطاءه ( Unmistakable Evidence ) على توفر القدرة الثأرية ( Retaliatory Capacity ) التي تكفل إلحاق ضرر شديد يفوق في حجمه ومداه أي ميزة يمكن أن يحصل عليها من خلال مبادأته بالضربة الأولى .. وهذا يعني أن الخصمان النوويان يدركان تماماً ، أن التصادم سيفنيهما بالكامل على أساس أن الضربة النووية الأولى التي قد يبادر بها أي طرف ( The First Strike Capability ) تدمر ما يعادل 65% من معادل القوة لدى الخصم، أما الضربة التدميرية الثانية المؤكدة ( The Second Strike Capability ) فأن تأثيرها التدميري سيكون شاملاً، الأمر الذي سيخلق حالة ( لا غالب ولا مغلوب ) تتمثل بالدمار الشامل الذي لن تنجو منه البشرية لملايين السنين !!
فماذا يريد أن يقول " هنري كيسنجر " هذا ؟! فهل أن توقعه المبطن بالدعوة لحرب عالمية ثالثة تأتي من باب جس النبض لمعرفة قدرات الخصم وردود فعله ، أم من باب دخوله عالم ( الزهايمر ) ؟
يقول " هنري " إن أمريكا تركت الصين تضاعف من قدراتها، وتركت روسيا تتعافى من الإرث السوفياتي السابق، مما أعاد الهيبة لتلك القوتين العظميين، لكن هذه الهيبة ستكون سبباً في سرعة زوال كل منهما، ومعهما إيران، التي سيكون سقوطها هدفاً أول ل ( إسرائيل ) !!
فماذا نستنتج من هذه المقولة ؟ فهو يضع محصلة أسماها بالحتمية، الأمر الذي سد الطريق على الصراع في إطاره التكتيكي واختبارات القوة والقدرة على تنفيذ التهديد !!
ويختتم " هنري كيسنجر " مقاله بالقول ( إنها أمريكا التي تمتلك أكبر ترسانة سلاح في العالم لا يعرف عنها الآخرون شيئاً وسوف تقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب ) !!
فهل أن ما قاله من باب الحرب النفسية التي تستهدف مركزي الاستقطاب الدولي موسكو وبكين بعد أن وضعا حداً للثور الأمريكي الهائج العابث بأمن العالم واستقراره .. أم أن الحرب العالمية الثالثة قادمة في صيغة انتحار .. أم أن هذا الرجل قد دخل فعلاً في ردهة الزهايمر ؟!
شبكة المنصور
د. أبا الحكم
المقدمة :
حين تهب رياح سيبيريا الباردة صوب المياه الدافئة، لا أحد يستطيع إيقافها، فهي لا تحمل معاول الهدم ولا تَغيرُ بطائرات الإبادة الجماعية، كما فعل الناتو ويريد أن يفعل . رياح سيبيريا الباردة تحمل نكهة تختلف عن سابقاتها من عواصف الثلوج، التي تسد الطرقات وتعطل مشاوير الناس وتمهد لمنزلقات وحوادث، فهي رياح ثلجية باردة لا تستهدف غير وقف الثور الأمريكي الهائج المثخن بالجراح، وهو يزبد ويعربد ويهاجم كل من يعترضه على الطريق .
أمريكا المثخنة بالجراح، بعد أن ضربت أفغانستان وضربت العراق واحتلته ودمرته، لم تعد قادرة على شن حرب إقليمية أخرى ، فإلى متى يستمر هذا الثور الهائج في مستودع الخزف ؟!
متغيرات في الإستراتيجية الأمريكية :
في عهد " رونالد ريغان " كانت الرؤية الإستراتيجية الأمريكية تقوم على مفهومين، الأول ويسمى ( Low Intensity Conflict ) ، النزاع الخفيف . والثاني ( Mid Intensity Conflict ) ، وهو من أشكال التعامل مع النزاع المتوسط . وهذا يعني في إطار تقسيم الحروب في الإستراتيجية الأمريكية، أن حروب ال ( Lic ) مخصصة لمواجهة حروب الجيوش الصغيرة وحروب المليشيات والعصابات . أما حروب أل ( Mic ) فهي مخصصة لحروب واسعة النطاق تشترك فيها قوات وصنوف وأنظمة قتالية عالية المستوى والتدريب والتسليح .
والتصنيف الثاني للإستراتيجية الأمريكية - أوردها هنا لغرض الإطلاع والفائدة – قد قسمت الحروب من حيث القدرة إلى حرب ونصف ( One War & Half ) ، أي أن تكون أمريكا متورطة في حرب أل ( Mic ) ، واحتمال أن تواجه حرب أل ( Lic ) ، في آن واحد . أما التصنيف الثاني من حيث القدرة على خوض الحرب فهو ( Two War & Half ) – طبقت في أواخر عهد ريغان وبداية عهد بوش – واحدة مخصصة لحلف ( وارشو ) والأخرى لدول كبرى، ونصف حرب لحروب عصابات وجيوش صغيرة مثل ( بنما وغريناد ) .. والحروب هذه تقليدية تستند على مدركات وقدرات الردع غير التقليدي .
إن تصنيفات الإستراتيجية الأمريكية للحروب قد تم التعديل عليها، ليس بدواعي الكف عن إشعال الحروب إنما الامتثال لدواعي المحددات من جهة والكوابح الداخلية من جهة ثانية .. فالإدارة الأمريكية بعد أن أفرغت شحنتها العدوانية بضرب أفغانستان واحتلالها وضرب العراق واحتلاله وتدميره وتمزيق شعبه ونهب ثرواته، لم تعد قادرة على تنفيذ إستراتيجيته ( حربان في آن واحد ) و ( حرب وتصف ) ، ولم تبق لديها سوى ( حرب الضرورة ) الواحدة القائمة على نظرية الضربة الاستباقية ، وذلك بسبب الخسائر الجسيمة، التي منيت بها في العراق .. خسائر في الأرواح وخسائر في الأموال وخسائر في المصداقية والهيبة الدولية. لذا أوكلت إلى شركائها في الناتو، فرنسا على رأسهم وبريطاني وإيطاليا وتركيا للقيام بالحرب على ليبيا ، وحاولت أن تطبق النموذج الليبي على سوريا ، بعد أن أشاعت الفوضى في تونس ومصر واليمن والمنطقة العربية .
والرياح التي هبت من سيبيريا ومن عمق الصين، هي رياح ليست عدوانية كما هي رياح الناتو المسمومة، إنما هي لمنع العدوان وإقامة التوازن الدولي - بعد أن اختل بفعل انهيار الإتحاد السوفياتي السابق واختل بفعل احتلال العراق الذي أدى إلى اختلال في التوازن الإقليمي - والشروع في ترتيبات بنيوية لنظام دولي يقوم على القطبية الثلاثية، التي سترسي بدورها دعائم علاقات دولية تتسم بالاستقرار النسبي وتحتكم لقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .
في خضم الواقع المضطرب، الذي يعصف بالعلاقات الدولية، ليس في ركنها الأوربي فحسب، الذي يعاني من الانهيار الاقتصادي المتزامن في كل من اليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وهولندا وحتى بريطانيا .. وفي الجملة الوضع الأوربي يزداد سوءً بفعل الحرب الأمريكية غير المعلنة على القارة لمنع نموها وتطورها وبنائها المستقل في قرارها السياسي والاقتصادي، فأمريكا لا تريد أوربا أن تبتعد عن مظلتها ولا تريد أن تتشكل قطباً دولياً يدخل معها في تنافس قد يقزم دورها على المسرح السياسي الدولي، وهي التي تعيش حلم القرن الأمريكي .. وليس في ركنه الأمريكي اللاتيني الذي يسمونه بالفناء الخلفي للإمبريالية الأمريكية، وهو الركن الذي يقلق الإمبريالية في عقر دارها سياسياً واقتصادياً ، وقد يبدأ انفجار الإمبريالية في فنائها أولاً أو يساعد على تفجيرها .. وليس في ركنه الآسيوي الذي نهض بنموره التي تتبنى التنمية الكبرى ذات القدرة الإنتاجية المصنفة لدولها بالعالم الرابع الصناعي .. وليس في ركنه الأفريقي الذي ينصب عليه التنافس الأمريكي – الفرنسي على وجه الخصوص في شكل صراع على النفوذ والمصالح وكذا بقية الاستعمار القديم للقارة الأفريقية، تتمخض عنه مذابح ومجازر دموية عرقية تعد الوسيلة التي في ظلها يتم إلهاء الشعوب الأفريقية من أجل نهبها والهيمنة عليها تحت ذريعة التدخل الإنساني وحماية المواطنين .. وليس في ركنه الشرق اوسطي حتى وأن باشرت الإمبريالية الأمريكية ومن خلفها الصهيونية العالمية بتفجيره وتفتيته بأنشطة إستخبارية تعمل على أساس نظرية ( الفوضى الخلاقة ) ، إنما على العكس إن بناء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد سيكون كارثة على أمريكا وحلفائها، لأن القوى ( المثوَرة والمسيسة إستخباري ) قد كشفت بالجملة أوراقها وستمهد الإرهاصات التي تعتمل في رحم الشعب العربي لبلورة اتجاهات من شأنها أن تجعل أمريكا وعملائها الصغار من العرب تندم على نظريتها البائسة، التي لن تجلب لها غير عدم الاستقرار وتعريض مصالحها إلى مخاطر من نوع لم تكن في الحسبان، والسبب المؤكد هو أن الصهيونية ، إضافة إلى طبيعة البنية الرأسمالية للامبريالية، هي التي توظف مسارات النهج الأمريكي نحو الهيمنة ولمصلحتها حتى وإن أصاب المصالح الأمريكية التصدع والضمور والانكسار.
ماذا يتوقع " هنري كيسنجر " أن يحدث على المسرح السياسي الدولي ؟!
لقد أدلى "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس" ريتشارد نيكسون" بحديث لصحيفة أل ( ديلي سكيب ) اليومية في نيويورك، كشف فيه تصوراته المحرضة على ما أسماه بالحرب العالمية الثالثة، استناداً إلى ما يجري حالياً من تنافس وتجاذب من جهة وتحريض على توسيع العدوان في المنطقة العربية التي تشهد مخططاً للتفتيت تحت مسميات ( الربيع العربي ) باسم الحرية والديمقراطية وحقوق المدنيين :
-لقد خلقت اضطرابات في تونس انتهت خلالها بإسقاط الحكم العميل فيها وتركتها في حالة اضطراب وصراع وتجاذب .
-خلقت اضطرابات في مصر انتهت بسقوط نظام الحكم العميل فيها وتركتها على مشارف الحرب الأهلية .
-وخلقت واقع التصادم في اليمن وتركته مضطرباً ومتصارعاً وعلى فوهة بركان .
-وخلقت اضطرابات في ليبيا انتهت بحرب الناتو وإنهاء النظام السياسي الوطني وتمزيق الشعب الليبي إلى فئات وقبائل متناحرة .
-وخلقت اضطرابات في سوريا تصاعدت حدتها تمهيداً لتطبيق النموذج الليبي، انتهت بعد الفيتو الروسي والصيني، إلى تصعيد الحرب الأهلية وإيجاد المبررات للتدخل الخارجي والالتفاف على الموقف العام الرافض للتدخل .
-فيما يتوقف ( الربيع العربي ) حافات صحارى الجزيرة العربية ويقف عند أبواب القصور الخليجية بسحنة خجولة ريثما يتم وضع الأمور على نار هادئة !!
يتوقع " هنري كيسنجر " أن ما يجري الآن هو تمهيد لحرب عالمية ثالثة يكون أحد أطرافها الولايات المتحدة من جهة، وروسيا الاتحادية والصين من جهة أخرى .. وإن الولايات المتحدة قد خططت لاحتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية ( النفط والغاز ) .. وإن السيطرة على النفط هي الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهو السبيل للسيطرة على الشعوب .. وإن هدف احتلال تلك الدول قد تحقق أو في سبيله إلى التحقق!!
وأكد العجوز الصهيوني أن روسيا والصين لن تقفا متفرجتين وإن أمريكا تمهد الطريق خصوصاً بعد أن تشن ( إسرائيل ) حرباً جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب حتى يكون نصف ( الشرق الأوسط ) إسرائيلياً .. وأضاف .. إن هذه الحرب ستكون شديدة وقاسية بحيث سيتم من بين ركامها بناء قوة عظمى وحيدة وقوية وصلبة ومنتصرة ، هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم !!
دعونا نحلل ما قاله شيخ الدبلوماسية الأمريكي الصهيوني :
من الملاحظ أن مقال " هنري كيسنجر " جاء بعد أن اتخذت كل من موسكو وبكين قرار الفيتو ، وهو الأمر الذي فاجئ الخصم الأمريكي المسكون بغرور القوة والغطرسة التي جعلته غير قادر على أن يستوعب الموقف الروسي والصيني القائم على معطيات استكمال مقومات القوة . وذلك لأن بقايا المحافظين الجدد التي تعشش في خبايا بعض مراكز الأبحاث القريبة من مصدر القرار في البيت الأبيض ما تزال تفرز سمومها الكارثية على العرب والمسلمين بوجه خاص وعلى العالم بشكل عام، تتسرب في شكل أفكار وسيناريوهات، على الرغم من أن " كيسنجر ) ليس محسوباً على المحافظين الجدد، إنما هو يلتزم خط الواقعية التي تستند على قاعدة التاريخ الأوربي، إلا أن إثارته وتحريضه على إشعال حرب كونية ثالثة ( أخيرة ) لا يحمل شيئاً من الواقعية والمنطق العقلي، وذلك لمسببات ( الردع المتبادل المؤكد ) ، والذي زاد عليه ( الردع الصيني ) .. والمعروف في إطار نظريات الردع ومفهومه يعني تقديم أدلة للخصم لا يمكن أخطاءه ( Unmistakable Evidence ) على توفر القدرة الثأرية ( Retaliatory Capacity ) التي تكفل إلحاق ضرر شديد يفوق في حجمه ومداه أي ميزة يمكن أن يحصل عليها من خلال مبادأته بالضربة الأولى .. وهذا يعني أن الخصمان النوويان يدركان تماماً ، أن التصادم سيفنيهما بالكامل على أساس أن الضربة النووية الأولى التي قد يبادر بها أي طرف ( The First Strike Capability ) تدمر ما يعادل 65% من معادل القوة لدى الخصم، أما الضربة التدميرية الثانية المؤكدة ( The Second Strike Capability ) فأن تأثيرها التدميري سيكون شاملاً، الأمر الذي سيخلق حالة ( لا غالب ولا مغلوب ) تتمثل بالدمار الشامل الذي لن تنجو منه البشرية لملايين السنين !!
فماذا يريد أن يقول " هنري كيسنجر " هذا ؟! فهل أن توقعه المبطن بالدعوة لحرب عالمية ثالثة تأتي من باب جس النبض لمعرفة قدرات الخصم وردود فعله ، أم من باب دخوله عالم ( الزهايمر ) ؟
يقول " هنري " إن أمريكا تركت الصين تضاعف من قدراتها، وتركت روسيا تتعافى من الإرث السوفياتي السابق، مما أعاد الهيبة لتلك القوتين العظميين، لكن هذه الهيبة ستكون سبباً في سرعة زوال كل منهما، ومعهما إيران، التي سيكون سقوطها هدفاً أول ل ( إسرائيل ) !!
فماذا نستنتج من هذه المقولة ؟ فهو يضع محصلة أسماها بالحتمية، الأمر الذي سد الطريق على الصراع في إطاره التكتيكي واختبارات القوة والقدرة على تنفيذ التهديد !!
ويختتم " هنري كيسنجر " مقاله بالقول ( إنها أمريكا التي تمتلك أكبر ترسانة سلاح في العالم لا يعرف عنها الآخرون شيئاً وسوف تقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب ) !!
فهل أن ما قاله من باب الحرب النفسية التي تستهدف مركزي الاستقطاب الدولي موسكو وبكين بعد أن وضعا حداً للثور الأمريكي الهائج العابث بأمن العالم واستقراره .. أم أن الحرب العالمية الثالثة قادمة في صيغة انتحار .. أم أن هذا الرجل قد دخل فعلاً في ردهة الزهايمر ؟!
المصدر: منتديات كتاب المقاومة العراقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق