قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 6 مارس 2012

ناعومي وولف : أفغانستان تعيش تحت ظل عمليات التعذيب في باجرام و إحراق القرآن رمز قوي لهذا التهديد الشامل. .


ناعومي وولف : أفغانستان تعيش تحت ظل عمليات التعذيب في باجرام و إحراق القرآن رمز قوي لهذا التهديد الشامل. .
06/03/2012
أمريكا والنقاط العمياء في التعامل مع الإسلام
المصدرهنا 


ناعومي وولف
 

 
في أعقاب إحراق القرآن الكريم من قِبَل بعض الجنود في قاعدة باجرام الجوية الأمريكية في أفغانستان، استمرت الاحتجاجات في التصاعد، وتزايدت أعداد القتلى. وفي خضم هذه العملية بات من الواضح أن الولايات المتحدة تعاني من ثلاث مناطق عمياء.

الأولى تتمثل في وسائل الإعلام الأمريكية، التي تؤكد تغطيتها ببساطة ــ وتضخم ــ الجهل المذهل الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في المقام الأول. إن الصحافيين المحترفين ملزمون بالإجابة على أسئلة خمسة: من، وماذا، وأين، ولماذا، وكيف. ولكن بعد قراءة التقارير من وكالة أسوشيتد برس، وصحيفة نيويورك تايمز، وصحيفة واشنطن بوست، بين صحف أخرى، بحثت باستفاضة قبل أن أتمكن من تكوين أي صورة لما حدث بالفعل للمصاحف المعنية. والواقع أن الروايات ليست متضاربة فحسب؛ بل إن أياً منها لم يقدم أي فكرة واضحة لمن فعل ماذا، ناهيك عن لماذا أو كيف.

فهل أحرقت المصاحف، كما ذكر أحد التقارير الأمريكية، تحت إشراف مسؤولين عسكريين أمريكيين؟ أم أن بعض الجنود جلبوا المصاحف لإحراقها، كما ذكرت رواية أخرى، كجزء من حمولة من "المواد الأدبية المتطرفة" والاتصالات الشخصية للسجناء، وهل نبه العاملون الأفغان الآخرين في القاعدة إلى طبيعة تلك المواد؟

إن هذه الروايات المبهمة ــ التي لا تشتمل على موضوعات أو تصرفات واضحة (من العجيب أن صحيفة نيويورك تايمز لم تصف عملية الحرق على الإطلاق) ــ تعكس ما يحدث عندما تبدو وكالات الأنباء الكبرى وكأن البنتاجون يملي عليها بساطة ما ينبغي لها أن تنشره.

وتتلخص البقعة العمياء الثانية لدى الولايات المتحدة في تسييس هذه الإهانة الفظيعة. فقد أطلق المرشح الرئاسي الجمهوري نيوت جينجريتش على اعتذار أوباما وصف "الاستسلام"، في حين أبدى منافس جمهوري آخر، ريك سانتوروم، استياءه الشديد إزاء أي اقتراح يحمل الولايات المتحدة أي قدر من "اللوم".
إن هذا الغياب الواضح للمنظور يكشف عن الجهل الثقافي الذي تسبب في تحويل التدخلات الخارجية الأخيرة من قِبَل الولايات المتحدة إلى كوارث سياسية. فأنا أيضاً أنتمي إلى ديانة إبراهيمية، وهي الديانة اليهودية التي تشترك في جذور عميقة مع الإسلام. ففي كل من العقيدتين، تُعامَل النصوص المقدسة وكأنها بشكل أو آخر كائنات حية. واليهود أيضاً يمارسون طقوس "دفن" كتبهم المقدسة عندما تصبح أقدم من أن تستخدم، ويتناولونها أثناء "حياتها" باستخدام مؤشرات مصنوعة من فضة لتجنب تدنيسها بأيديهم البشرية، ويضعونها في أغلفة مخملية، ويقبلونها عندما تسقط على الأرض.

إن حرق الكتب المقدسة لشعب مهزوم يبث رسالة لا لبس فيها: بوسعكم أن تفعلوا أي شيء بهؤلاء الناس.
وعلى حد تعبير هاينريش هاينه، في إشارة إلى إحراق القرآن بواسطة محاكم التفتيش الأسبانية: "حيثما يحرقون الكتب، فإنهم سوف يحرقون في نهاية المطاف البشر أيضا". إن اليهود يدركون هذا المفهوم تمام الإدراك: فمن محاكم التفتيش إلى مذابح القوزاق إلى مذابح "ليلة الكريستال"، دَمَّر المعتدون نسخ من التوراة كتمهيد منطقي ومفهوم لتدمير اليهود.

وتكاد النقطة العمياء الثالثة تكون مؤلمة إلى حد أعجز معه عن تناولها ــ وهو ما قد يفسر في تأويل خيري لماذا امتنعت كل التقارير الإعلامية الأمريكية الرئيسية عن الحديث عنها: ذلك أن عمليات الإحراق لم تنفذ في شارع ما من شوارع كابول، بل في باجرام. وهذا يعني أن المصاحف أحرقت في منشأة تابعة للولايات المتحدة ينطبق عليها التعريف القاموسي لمعسكرات الاعتقال.

في عام 2009، نشرت صحيفة شبيجل على شبكة الإنترنت معرضاً للوحات عن باجرام تحت عنوان "غرفة التعذيب الأمريكية". وتحدثت الصحيفة عن "جوانتانامو المنسية" فذكرت أن 600 شخص كانوا محتجزين في باجرام من دون أي اتهام موجه إليهم. وكل المحتجزين أطلق عليهم وصف "مقاتلين أعداء غير شرعيين"، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بأن تزعم أنهم ليس لديهم الحق في الحصول على الحماية التي تكفلها اتفاقيات جنيف. حتى أن أحد المدعين العسكريين قال بالنص: "مقارنة بمعتقل باجرام يبدو معتقل خليج جوانتانامو وكأنه "فندق لطيف".

والواقع أن خالد شيخ محمد، الذي دأب على وصف الولايات المتحدة بأنها "المهندس الرئيسي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر "، قال لمندوب الصليب الأحمر إنه في باجرام كان معلقاً بالأغلال وأنه تعرض للاعتداء الجنسي: "لقد أرغمت على الاستلقاء على الأرض، ثم أقحم أحدهم أنبوباً في شرجي وصبوا داخله الماء صبا". وشهد سجين آخر، ريموند عازار، بأن عشرة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي خطفوه وأروه صوراً لأفراد أسرته، وقالوا له إنه إن لم "يتعاون" فإنه لن يراهم بعد ذلك أبدا.

وفي عام 2010 قارنت هيئة الإذاعة البريطانية بين شهادات تسعة من السجناء الذين أكدوا أن انتهاكات حقوق الإنسان كانت مستمرة في باجرام. ولقد وصف السجناء بشكل مستقل "سجناً سريا" داخل السجن يطلق عليه مسمى "الثقب الأسود". وحتى ذلك الوقت كان السجناء يتعرضون لدرجات حرارة شديدة الانخفاض، والحرمان من النوم، وغير ذلك من الانتهاكات. ولقد شهد أحدهم بأن أحد الجنود الأمريكيين استخدم بندقية لإسقاط صف كامل من أسنانه، وأنه أرغم على الرقص على أنغام الموسيقى كلما احتاج إلى استخدام المرحاض.

كما أكَّد تحقيق آخر ادعاءات مماثلة في عام 2010، وفي الشهر الفائت ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن عدد نزلاء سجن باجرام بلغ 3000 سجين، في حين توصل تحقيق أفغاني إلى المزيد من الادعاءات حول التعذيب المستمر، بما في ذلك درجات الحرارة شديدة الانخفاض والإذلال الجنسي.

بطبيعة الحال، ما دامت المؤسسة العسكرية الأمريكية قادرة على احتجاز أي شخص في أفغانستان تحت هذه الظروف إلى الأبد، وبدون توجيه أي اتهام له، فإن البلاد بالكامل سوف تعيش تحت ظل عمليات التعذيب في باجرام. وكان إحراق القرآن بمثابة رمز قوي لهذا التهديد الشامل.

لذا، وفي حين يتعين على أوباما أن يستمر في الاعتذار لإحراق القرآن، فينبغي لنا أن نفهم أن غضب الأفغان هو بمثابة رد فعل لجرح أشد عمقاً وإيلاما. وينبغي لأوباما أيضاً أن يعتذر لخطف الأفغان؛ واحتجازهم في باجرام من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة؛ وإجبارهم على الدخول إلى أقفاص يضم كل منها ثلاثين سجينا؛ وحرمانهم من زيارات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر؛ ومصادرة رسائلهم إلى أسرهم؛ وتعذيبهم والاعتداء عليهم جنسيا؛ والإلقاء بظلال الخوف على البلاد.

إن القرآن يُحَرِّم هذا النوع من الظلم والقسوة. وكذلك يُحَرِّمه الإنجيل.

ناعومي وولف ناشطة سياسية وناقدة اجتماعية، وأحدث مؤلفاتها كتاب بعنوان "أعطني حريتي: دليل الثوريين الأمريكيين". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق