مركز جنيف الدولي للعدالة: معارك الانبار.. سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة ترتكب على اسس طائفية وتكرار للمذابح والتدمير التي لحقت في نينوى وديالى وصلاح الدين - تقارير موثقة مرفق بأفلام من قلب الواقع
تتواصل، في محافظة الأنبار العراقية، المعارك التي تخوضها قوات حكومية عراقية بدعم أميركي وايراني ضد تنظيم الدولة الإسلامية. هذه المعارك هي جزء لعمليات حربية متواصلة منذ سنوات تمثلت بالقصف بالطائرات والصواريخ وبحصار اقتصادي قاسٍ جدّاً، وهي امتداد لعمليات عسكرية كانت تنفذها قوات الإحتلال الامريكي ضد مدن المحافظة التي تميّزت بمقاومتها لهذا الإحتلال.
لقدّ عانى المدنيون في مدن الانبار اسوء معاناة وتمثل جزءاً منها في عدم السماح حتى للفارين منهم الدخول الى بغداد في رحلة البحث عن مكان آمن. ومارست السلطات سياسة طائفية واضحة اكدنا في اكثر من مناسبة انها سياسة تطهير طائفي ممنهجة وموجهة تحديداً ضد سكّان مناطق بعينها تهدف الى تشريدهم قسرياً وحرمانهم من العودة الى مناطق سكناهم بعد مذابح جماعية ترتكبها ضد من لا يتمن من الهروب.
وطيلة الشهور الماضية من عام 2015 كانت المعلومات الموثقة عن مذابح للمدنيين في مدن الأنبار تتوالى وخاصة في مدينتي الرمادي والفلوجة حيث لم يتوقف القصف الجوي الوحشي للاحياء السكنية بهما كما تم الاعلان اكثر من مرة خلال السنة عن عمليات واسعة للسيطرة على المدينتين. كما تعرّضت المستشفيات والمؤسسات الصحية للقصف مرّات عديدة ولم تعد اكثرها قادرة على العمل وتقديم الخدمات الصحية لعشرات الالاف من المواطنين الذين فضلّوا الابقاء في مدنهم، او لم يستطيعوا مغادرتها.
وفي مدينة الرمادي تحديداً، تعاظمت هذه العمليات خلال الفترة الممتدة من 8/12/2015 والاسابيع التالية، مع تزايد عمليات القصف الجوي المصاحب للعمليات العسكرية البرّية والقصف بالصواريخ وشتى أنواع الأسلحة الأخرى. وتشير التقارير الى مشاركة الطائرات الروسية مع الطائرات الامريكية وطائرات بدون طيار الايرانية وباشراف مباشر من القوات الامريكية فضلاً عن عدد كبير من وحدات الجيش التابع للسلطات العراقية ومنها قوات عمليات الانبار، وقوات عمليات بغداد، وقوات التدخل السريع، والفرقة الذهبية، ووحدات مكافحة الارهاب في الجيش والشرطة، والهدف المعلن هو استعادة مدينة الرمادي من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية الذي يملك ما يقرب من 300 عنصراً حسب التقديرات. لكن هذه العمليات استهدفت كل شيء في مدن الانبار، فلم تستثنِ بيتاً او مدرسة او مستشفى او مؤسسة رسمية كما توضح ذلك الصور من المدينة.
وطبقاً لما يصل مركز جنيف الدولي من رسائل واتصالات مباشرة معزّزة بالصور من هناك، فان المدنيين هم الخاسر الاكبر اذ تعرّضوا ويتعرّضون الى مجازر كبيرة، وان من يحاول الهرب منهم يواجه اسوء معاملة من قوات الجيش التي تستخدم الفاظاً نابية وعبارات طائفية ضد هؤلاء المدنيين الذين لا حول ولا قوة لهم، وتتهم الجميع انهم ارهابيون مع ان من الواضح من مظهرهم الخارجي انهم لا ينتمون الى اية جهة من الجهات المصنّفة على انها ارهابية ووجهت اليهم شتى الاهانات متوعدة بقتلهم كما يظهر ذلك الفيديو ادناه وهو احد الأمثلة في حوزة المركز.
وفي 28/12/2015 تقول السلطات انها باتت تسيطر على معظم اجزاء مدينة الرمادي في حين تصدر تصريحات من جهات اخرى تشكك في هذه المزاعم. وتقول السلطات انها رفعت علم الدولة فوق المبنى الحكومي الرئيس في المدينة لكن الصور تؤكد ان هذا المبنى لم يعد له وجود فقد تحول الى ركام جرّاء القصف العنيف حاله حال معظم الابنية الحكومية والسكنية في المدينة.
وقد بات مألوفاً ان تصاحب هذه العمليات عمليات سرقة لموجودات بيوت اهالي المدن التي يدخلها الجيش او الميليشيات، اذ يعتبرون انها غنائم حرب من العدو وهو في نظرهم عدو واحد لا يفرقون بين مدني او غير مدني. ويبين الفيديو ادناه قيام احد افراد الجيش بعمليات سرقة، ورغم القبض عليه من مجموعة اخرى لكن هذا لا ينفي مطلقاً ان الامر بات عاماً ومصاحباً لكل العمليات العسكرية وليس مجرد حالات فردية:
ان ما يجري في الانبار هو تطبيق حرفي لسياسة الارض المحروقة وتأكيد لعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكب على اسس طائفية. انه تكرار للمذابح والتدمير التي لحقت بمناطق اخرى في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والمدن القريبة من بغداد (مدن حزام بغداد) التي يحتفظ مركز جنيف للعدالة بوثائق كثيرة تؤكد حجم التدمير المتعمد وفضاعة الانتهاكات التي ارتكبت ضد المدنيين فضلاً عن عمليات التعذيب والاعتقالات التعسفية وصولاً الى حرق المنازل والاراضي الزراعية وسرقة الممتلكات.
لقد كان بامكان السلطات العراقية ان تسلك طرائق الحل السلمي للاوضاع في هذه المناطق قبل ان تلجأ مباشرة للحل العسكري. فابناء هذه المناطق خرجوا بتظاهرات سلمية منذ كانون الأول/ديسمبر 2012، واضعين لائحة من المطالب الحقيقية المشروعة. لقد جوبهت تلك المطالب بالرفض واتهم كل من شارك في التظاهرات، وهم عدة ملايين، بانهم ارهابيون، وباشرت السلطات في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2013 باستخدام القوة المسلّحة ضدّهم بطريقة بشعة جدّا ادّت الى موجات نزوح جماعي منذ مطلع العام 2014، وصولاً الى دخول (او ادخال) مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الى هذه المناطق.
ومن هنا يرى مركز جنيف الدولي للعدالة ان الأمم المتحدّة تتحمل واجباً اخلاقياً وقانونياً بضرورة انشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في كل هذه الجرائم وتقديم المسؤولين عنها للعدالة مع العمل الفوري والجادّ لإيقاف مسلسل الدمار للعراق الذي تقوده السلطات في بغداد، وتشارك فيه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وقوات الحرس الثوري الإيراني، والتفتيش عن حلول اخرى لأعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد الذي يتحمل الاحتلال الامريكي المسؤولية الأولى عن كل ما جرى ويجري فيه منذ عام 2003.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق