قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 8 فبراير 2024

في انتظار جولة جديدة من العنف في العراق

 في انتظار جولة جديدة من العنف في العراق

فاروق يوسف 
كل محاولات التهدئة في العراق باءت بالفشل. كل الوعود التي قدمها رئيس الحكومة العراقية ذهبت هباء.

فالميليشيات الموالية لإيران لم تتعامل مع تلك الوعود باحترام. فهي ومن ورائها إيران تدركان أن الولايات المتحدة غير راغبة أصلا في إنهاء وجودها العسكري في العراق وأن المفاوضات بين الطرفين العراقي والأميركي لن ينتج عنها ما يمكن أن يحقق انتصارا لإيران من خلال إفراغ الساحة العراقية من أي قوات، يشكل وجودها مصدر تهديد لها أو يحد من تطلعاتها للهيمنة الكاملة على المنطقة. وليس خافياً على رئيس الوزراء نفسه أن الميليشيات لا تأتمر بأوامره بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة. غير أنه لا يملك سوى أن يقول كلاماً هو نفسه غير متأكد من صلابته. فما لم تقم الحكومة العراقية بإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة فإن القوات الأميركية ستظل في قواعدها. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن رئيس الحكومة يدرك جيدا أن إيران إذا أرادت أن تستمر الميليشيات في إزعاج الأميركيين وصولا إلى إجبارهم على الرحيل فإنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث.

والآن بعد أن خرج الإزعاج الإيراني عن قواعد الاشتباك وأدى قصف الميليشيات إلى مقتل ثلاث جنود أميركان وجرح أكثر من ثلاثين آخرين فإن الوضع صار مفتوحاً على كل الاحتمالات.
من المؤكد أن الرئيس الأميركي بغض النظر عن موقفه المهادن مع إيران لن يلجأ إلى تهدئة خواطر مواطنيه بكلام شبيه بكلام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يردده كلما قصفت (إسرائيل) دمشق ومطارها وقواعد حزب الله العسكرية فيها.
جو بايدن ليس بشار الأسد والولايات المتحدة ليست سوريا. ربما سيتأخر الرد الأميركي بسبب لجوء الميليشيات إلى إخلاء معسكراتها ومقراتها وليس مستبعداً أن يكون زعماء الميليشيات قد غادروا إلى إيران خشية أن يستهدفهم الانتقام الأميركي، غير أن ذلك الرد آتٍ لا محالة. هناك انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة ولا يمكن لسيد البيت الأبيض سواء بقي في منصبه أو غادره أن يخيّب آمال مواطنيه.
وهكذا عاد العراق مرة أخرى إلى الوقوف على صفيح ساخن.
لقد قيل الكثير عن الاستقرار النسبي الذي يعيشه العراق غير أن النظام السياسي الذي صار محكوماً بسياسات الأحزاب الموالية لإيران لم يحظ بذلك الاستقرار إلا بسبب سماحه للميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني باحتلال مفاصل مهمة في الدولة الهشّة التي لن تتمكن الحكومة من إدارتها بطريقة سلسة وشفافة، لا لشيء إلا لأن مافيات الفساد قد أحكمت سيطرتها على كل الصفقات التي تؤكد من خلالها الدولة وجودها اقتصاديا.
العراق في حقيقته هو بلد غير مستقر. فهو بلد تحكمه الميليشيات. والميليشيات يمكنها أن تحفظ الأمن والاستقرار وفي إمكانها أيضا أن تنسف ذلك الاستقرار من خلال استفزاز القوات الأميركية التي صار وجودها يشكل عقدة سياسية بعد صدور قرار من مجلس النواب العراقي ينص على وجوب انسحاب القوات الأميركية من قواعدها.
لن تُحرج الولايات المتحدة إذا ما قررت أن تعيد الاعتبار إلى كرامتها المجروحة. فلا النظام السياسي الذي أقامته على أساس طائفي سيكون مانعاً دون القيام بذلك ولا الدولة التي أقامتها مفككة على أنقاض العراق التاريخي ستقف حاجزاً أمامها.
للولايات المتحدة باعتبارها دولة عظمى تقديراتها وحساباتها وهو ما لا يمكن أن تتعامل معه الميليشيات بطريقة مسؤولة. غير أن المؤسف في الموضوع أن إيران قد وجدت في العراقيين ثورها الهائج الذي يمكن أن تضحّي به في صراعٍ تعرف أنه سينتهي بمقتل ذلك الثور.
لقد التزم حزب الله بقواعد الاشتباك مع (إسرائيل) وكانت أوامر إيران ملزمة في ذلك. أما حين تعلّق الأمر بالعراق فإن إيران لم تفرض شروطاً على ميليشياتها تلزمها بقواعد الاشتباك وهو ما يعني أنها ترغب في أن يستمر العراق ملعباً للفوضى.
ذلك ما فكّرت فيه الولايات المتحدة قبل إيران. غير أن ما حدث يدخل القوة العظمى في قفص لا يمكنها الخروج منه إلا عن طريق إشاعة الفوضى من جديد في بلد احتلته من أجل أن (تحرره) وتخلّت عنه لتتخلص من الأخطاء التي ارتكبتها فيه. وهي أخطاء تدفع الآن ثمنها.
لن تتخلى الولايات المتحدة عن حقها في استباحة بلد، كانت قد استباحته في وقت سابق وعرضته في ما بعد في مزاد، فازت فيه غريمتها إيران. وهو ما أبقاه في مكانه، بلداً معروضاً للبيع في سياق مزاج القوى المتنافسة عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق