قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 10 فبراير 2024

أ.د. مؤيد المحمودي هل يوجد صراع أمريكي إيراني حقيقي في العراق؟

                                                       






هل يوجد صراع أمريكي إيراني حقيقي في العراق؟

أ.د. مؤيد المحمودي

قام سلاح الجو الأمريكي مؤخرا بضرب أهداف منتخبة على الحدود العراقية السورية تشمل على قواعد ومذاخر للسلاح تابعة للمليشيات المدعومة من إيران. وهي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها تلك المنطقة الحدودية الى مثل هذا القصف الجوي، الا أن الذي يميز الضربة الأخيرة أنها جاءت أثر مقتل ثلاث جنود أمريكان بطائرة مسيرة أطلقتها المليشيات على احدى القواعد العسكرية بمنطقة التنف. وحسب التسريبات الاعلامية الكبيرة التي سبقت عملية القصف، كان المتوقع حصول هجوم مدمر وكارثي يطال الوجود العسكري للفصائل الولائية وربما يمتد ليشمل بعض المواقع الايرانية الحساسة. الا أن خيبة الأمل أصبحت واضحة بعد انتهاء عملية القصف الجوي التي جاءت نتائجها هزيلة بسبب افتقارها الى الجدية والحسم كما تؤكده المؤشرات التالية:

1.أمريكا قصفت مواقع كانت قد قصفتها سابقا

2.لم يكن القصف مفاجئا للحركات الولائية لان أمريكا أعلنت مسبقا عن عزمها القيام بهذا القصف قبل أيام من تنفيذه

3.أعطي الوقت الكافي للمليشيات المستهدفة والمستشارين الايرانيين بشكل خاص لكي ينتقلوا الى مواقع بديلة قبل حدوث القصف

وقد جاءت نتائج هذه الضربة الجوية منسجمة مع ما أعلنته إيران من أن أحدا من جنودها لم يتعرض للقتل، والذي يتفق أيضا مع ما ذكره الجانب الأمريكي من أن القوات الايرانية لم تكن مستهدفة بذلك القصف. وهذه العلاقة المبطنة بين الطرفين سبق وأن أشار اليها الرئيس الأمريكي السابق ترامب عنما تحدث في أحد خطبه مؤخرا عن الرد الإيراني العسكري على واقعة اغتيال سليماني والتي تم فيها اخبار الجانب الأمريكي مسبقا بالرغبة الايرانية في استهداف قاعدة عين الأسد في العراق بعدة صواريخ بعيدة المدى. وعلى ضوء ذلك الإنذار المسبق جاءت نتائج الضربة الايرانية باهتة وغير مؤثرة على الجنود الامريكان في القاعدة.

وهذا التناغم في تجنب الحاق الأذى الشديد بالطرف الأخر والمتفق عليه ضمنا بين الجانبين الأمريكي والايراني لا يأتي من فراغ. بل تعود جذوره الى ما قبل العام 2003 عندما كانت الولايات المتحدة تخطط لتغيير النظام الوطني في العراق، لذا عمدت على رفع مستوى التعاون مع إيران لمساعدتها في هذا المخطط التخريبي. وعلى أثرها قام النظام الايراني بترجمة ذلك الطلب الأمريكي الى واقع ملموس تمثل في نشره للخلايا الطائفية داخل العراق من أجل احداث البلبلة والسعي لتقويض النظام السياسي فيه تحت مبدأ تصدير الثورة. وهو فكر متخلف يهدف الى نشر النزعة الطائفية بين العرب مقابل التخلي عن القومية العربية التي يتبعونها. فضلا عن حثهم على اتباع ولاية الفقيه كوسيلة لتحويل ولائهم نحو إيران بطريقة غير مباشرة. أما الجوانب الخفية التي يضمرها قادة الملالي في إيران من وراء سياسة تصدير الثورة الى العراق والدول العربية الأخرى هي السعي لإحياء أمجاد الامبراطورية الصفوية المبنية أساساً على التفوق العرقي الفارسي على العربي. وعلى العكس ما كانت تتظاهر به السياسة الخارجية الأمريكية من عداء ظاهري لنظام الملالي فأن وجود قيادة دينية في إيران ذات أفكار متطرفة تجاه العرب يعتبر أكثر خدمة للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من نظام علماني ليس له توجهات عدائية ضد العرب كنظام الشاه السابق. وقد كشف حقيقة تلك العلاقة الخفية بين النظامين الأمريكي والايراني، ما حصل في فضيحة إيران جيت أو إيران - كونترا إبان رئاسة رونالد ريجان، والتي تم فيها تقديم الدعم الأمريكي العسكري لإيران عن طريق اسرائيل خلال الحرب ضد العراق، بالرغم من القطيعة الظاهرية للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقد توج هذا التعاون الأمريكي الإيراني بعد غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بإسقاط النظام السياسي العراقي القائم فيه؛ واستبداله بنظامً طائفي موالي بالكامل لإيران. وهذا التواطؤ الأمريكي فتح شهية حكام طهران للتغلغل داخل العراق واستباحة سيادته انطلاقا من أفكارهم المريضة التي سولت لهم بأن العراق جزء من الامتداد التاريخي والجغرافي والمذهبي لإيران، وعليه فهم يعتبرونه إقليمًا إيرانيًّا وليس دولة مستقلة.  وقد أكد حقيقة هذه التهيؤات الايرانية أبي الحسن بني صدر أول رئيس إيراني بعد الثورة الإيرانية الذي قال " إن العراق عبر التاريخ كان جزءاً من فارس، وإن آثار طاق كسري مازالت موجودة قرب بغداد حتى الآن". بل أن رئيس أركان الجيش الإيراني السابق فيروز آبادي ذهب أبعد من ذلك حين ذكر " بأن الخليج والمنطقة كانت دائماً ملكاً لإيران وأن نفط الخليج يقع في مناطق فارسية ". فضلا عن أن استراتيجية التوسع الايرانية تعتبر العراق حائط الصد الذي لعب أدواراً مهمة في السابق للتصدي للتغلغل الإيراني وبالتالي فان اجتياح هذه البوابة يسهل لإيران العبور والسيطرة على باقي دول الخليج ومن ثم بقية العالم العربي، من أجل نشر أفكار الثورة الإيرانية الطائفية.

لذا استغلت إيران هذا التواطؤ الأمريكي شر استغلال بعد العام 2003 فعمدت الى نشر مكاتب للاستخبارات في عدة مناطق من العراق وقامت بتشكيل مليشيات موالية لها كمليشيا الحشد الشعبي، وخلق زعامات ومرجعيات قادت هذه المليشيات لتصفية وإقصاء الوجود القومي العروبي. وذلك عن طريق القتل على الهوية والتغيير الديموغرافي والتهجير القسري بالاعتماد على ذيولها من جيش المهدي وفيلق بدر وقوات المغاوير في وزارة الداخلية الممثلة بعناصر من قوات بدر انطوت في صفوف الشرطة والتي كان يشرف عليها جبر صولاغ. وهكذا نجحت إيران في تحقيق أجندتها التوسعية في العراق والتي عجزت عن انجازها عسكريا في السابق، معتمدة بذلك على مجموعات تلبس العباءة العراقية لكنها تحمل الولاء المطلق لإيران وتعمل بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الأمريكية.

وتأكيدا على وجود هذا الانسجام والتعاون الأمريكي الإيراني في تلك الفترة، كشف نائب الرئيس العراقي سابقا طارق الهاشمي في لقائه على قناة أورينت ما كان يدور خلف الأروقة، بقوله: " في الوقت الذي كنا فيه نشتكي للإدارة الأمريكية، حول ما يفعله السفير الإيراني وفيلق القدس والحرس الثوري وفرق الموت داخل العراق والذي من المفترض أن يزعج الأمريكيين لأن العراق بات يتجه نحو الوقوع في دائرة النفوذ الإيراني، كان السفير الأمريكي يخرج من مكتبي ليتحاور مع السفير الإيراني ". كما تطرق كروكر السفير الأمريكي السابق في العراق الى هذا التنسيق الأمريكي الايراني في العراق قائلا: " كلما كانت تواجهني معضلة لا أجد حلها إلا عندما أجلس مع السفير الإيراني في بغداد ". وهذا ما جعل المستشار السابق للرئيس التركي ياسين اقطاي يسخر من حقيقة العداء بين أمريكا وإيران معقبا: أمريكا لن تقتل الدجاجة (إيران) التي تبيض لها ذهبا لأنها الشماعة التي تستعملها لحلب دول الخليج وباقي الدول العربية.

لذا يتضح من هذه الحقائق المذكورة أعلاه عدم وجود دليل ملموس على حصول صراع حقيقي امريكي ايراني في العراق، بل أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجرد تكامل للمصالح بين هذين البلدين مبني على اعتراف كل طرف بمصالح الطرف الأخر. وهذه العلاقة التعايشية بين الطرفين يبدو أنها تسير وفق القاعدة المعروفة في السياسة " لا توجد عداوات أو صداقات دائمة، بل هناك دائما مصالح ثابتة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق