قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 10 فبراير 2024

ا.د. عبد الكاظم العبودي / جامعة وهران : لنوقف الكارثة الاشعاعية المحتملة في ليبيا

 

ربما تكون مقالتي هذه متأخرة نسبيا مقارنة مع سرعة الاحداث التي نعيشها كعرب، وفي كل الاحوال كلنا في الحالة هم وغم وقلق وترقب، نعيش الاحداث وندعو من الله العلي القدير ان يحفظ ليبيا وأهلها الطيبين الصابرين .

 

مرارة الاحداث تتطلب منا الصبر والنصرة والعمل على فضح المكائد والاخطار التي تحيط بنا من قبل الاعداء والاخوة الالداء ما خفي منها وما أُعلن.

 

لم اكتب لك مبكرا عن الموضوع رغم توقعاتنا لما سيحدث فالدرس العربي المأساوي لم يتم استيعابه بعد،  حاولنا الحصول على معطيات من داخل ليبيا فلم نوفق بسبب ظروف الاتصالات مع ليبيا وغياب المعطيات الاعلامية، وهكذا نعيش مرارة الايام مجددا كحنظلة في الافواه،  نعيش في قلب الحدث والجحيم الليبي ولا نغير شيئا كعرب حكم علينا بالتفرج،  ولكن الواجب يدعونا ان نقف الى بعضنا البعض وقت الشدة مهما اختلفت الرؤى في تقدير مسار الاحداث الليبية ومسبباتها.

 

اطلب من الله ان يحفظكم وينصر ليبيا الصابرة المحتسبة الى الله ويجنبها من كل فجيعة وكارثة  عند فقد الغالي والنفيس.

 

منذ اللحظات الأولى لعمليات القصف الجوي والصاروخي الغربي والعربي على المنشئات الليبية تذكرت العراق ليلة 17 جانفي1991 وحجم الأخطار التي ورثها عن تركة  أعتدة اليورانيوم المنضب وما تتركه من كوارث وأخطار إشعاعية آنية ومستقبلية، فنبهت عدد من محرري الصحف الجزائرية ومنها صحيفة اليوم الجزائرية الى الاهتمام لما يبيت الآن لليبيا شعبا ووطنا، من اتساع حجم القصف الجوي والصاروخي وخاصة باستعمال مفرط للأعتدة الأمريكية والغربية التي تحمل موادا مشعة كاليورانيوم المنضب، التي تستخدم كأعتدة تستهدف الاستحكامات الخرسانية والدروع وملاجئ الطائرات والأفراد المنتشرة في شتى اطراف ليبيا وغير بعيدة عن تواجد السكان والمناطق الحضرية المأهولة.

 

تتوالى الانباء عن سعة الهجمات الجوية والصاروخية وعن كثافة الاعتدة المستعملة، والعالم صامت صمت القبور عن مخاطر الكثير من تلك الاعتدة غير التقليدية. ويشارك في الجريمة ما تبقى من الإعلام الرسمي الليبي الغبي الذي ينشغل ببرامج الدردشة وبالردود والتعليقات التافهة على الأحداث من داخل الاستوديوهات في طرابلس، متناسيا أهم الموضوعات التي باتت تشغل قطاعا من العلماء والأصدقاء للشعب الليبي وممن اتصلنا بهم وبمبادرة فردية  للتحذير من مغبة اتساع استعمال هذه الاعتدة المحرمة دوليا. خاصة بعد ان علمتنا الخبرة بعد ان سجلنا وتابعنا تأثيراتها عبر عقدين كاملين في العراق، فاضحين للعالم فداحة ضحاياها من بيئة وبشر، سواء في العراق أوغيره من البلدان التي استهدفتها الولايات المتحدة او قوات الناتو.

 

نقلق من جديد من تكرار جرائم القصف بالاعتدة المشعة على مدن ليبيا، والتي سبق ان تركت اثارها المماثلة في العراق من إحداث كارثة نووية بشعة، لازالت مستمرة وستبقى الى 24 الف سنة قادمة، عمرها بعمر التدفق الاشعاعي لليورانيوم، أي نصف عمره الإشعاعي، لقد دفعنا وسندفع من خلالها ملايين الشهداء والضحايا من أبناء العراق والمنطقة المجاورة له ممن مسهم الاشعاع النووي، وحصيلتها المزيد من مرضى  السرطان والولادات المشوهة والتشوهات الخلقية لمواليد بشرية وحيوانية وانسال نباتية وانتشارالتلويث البيئي واسع النطاق الذي تجاوز حدود مناطق الاشعاع وساحات العمليات الحربية والمنشئات المستهدفة الى محيط بعيد لا يخطر على بال اكثر الناس تخصصا.

 

ان شيئا مما حدث في العراق وصربيا وجنوب لبنان وسيناء يتكرر اليوم بدم بارد من خلال اعادة تكرار سيناريو جريمة استخدام اعتدة اليورانيوم المنضب المستمرة الآن في قتلها لشعبنا العربي، واخيرا وصلت الكارثة الى تخوم مدن وصحارى ليبيا الصابرة.

 

لابد من توسيع دائرة التحذير وفضح جريمة التلويث الاشعاعي في المدن الليبية وأطرافها، وتبصير الناس بضرورة الابتعاد عن الدروع والدبابات المحترقة او المقصوفة وعدم الدخول بها الى الملاجئ والمخازن المقصوفة بأعتدة اليورانيوم المنضب. لقد سبق لنا ان كرسنا لهذا الموضوع كتابا كاملا صدر عام 1993 عن دار الغرب بالجزائر بعنوان" بشر نعم  فئران مخبرية لا... جرائم اليورانيوم المنضب "، وهو كتاب علمي مكرس بكل تفاصيله عن كشف جريمة القتل المتعمد بالاشعاع النووي وتحدثنا باسهاب عن تفاصيل ظهور أمراضه الغريبة عند كثير من العراقيين تصاعدت أرقامها حال توقف العمليات الحربية، ولوحظت بعض مظاهرها الغريبة حتى خلال ايام العدوان والحرب مباشرة سواء عند ضحايا من العراقيين او في صفوف عدد من افراد القوات الامريكية الغازية.

 

حينها انشغل الاعلام الغربي وترسانته بالعراق، ولكنه نقل  الى العالم صورة أخرى بعيدة عن واقع العراقيين ونكبتهم. فيها تحدثت التقارير الإعلامية عن تدهور الأوضاع الإنسانية في العراق عامة، وتحدثت تقارير الخبراء والبعثات الإنسانية وقتها وبإسهاب عن نقص الدواء والغذاء وحجم الدمار الناتج عن الحرب، وعن احتمالات حدوث مجاعة مرتقبة في العراق، ولكنها تناست حتى الإشارة بأي شئ أو دلالة  او كلمة عن المأساة الحقيقية الخفية الاخرى الناجمة عن انتشار واسع للمواد المشعة وظهور بعض أمراضها المباشرة وسكتت عن القادم الكامن منها، وبذلك ساهمت تلك الاوساط وعن علم ودراية وقصد وتكتم وبتواطؤ مفضوح مع منظمات دولية هامة في اخفاء الجريمة النووية. نجح البنتاغون في تجنيد عدد كبير من الخبراء والاعلاميين وحتى الاطباء من اجل فبركة الاخبار والتقليل من الاخطار المحتملة من جرعات الاشعاع المنخفض، بل ذهب البعض الى نفيها تماما.

 

هؤلاء الخبراء والاعلاميين المرتزقة عملوا من خلال العديد من المنظمات العالمية، منظمة الصحة الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنهم وصلوا العراق كاعضاء في بعثات صحية و " انسانية" وصلت الى العراق في الأيام والاسابيع الاولى بعد وقف العمليات الحربية في ربيع 1991 ومنهم من جاؤوا من جامعات غربية مرموقة مثل جامعة هارفارد الأمريكية، التي وظفت ترسانة من خيرة علمائها وخبرائها في مسح الحالة الصحية والبيئية للعراق في بعثتين كبيرتين وصلت على الفور لتقييم ما قيل عنه حينها وضع تقييم شامل للمساعدات" الانسانية" التي يحتاجها العراق، لكنها للأسف تواطئت مع البنتاغون وسكتت حتى عن الاشارة عن مستويات التلويث الاشعاعي واسع النطاق في العراق، رغم ان البعثتين ضمتا فيزيائيين وعلماء بيئة وأطباء، وكذلك فعلت بعثات الامم المتحدة وفرق التفتيش التي زارت العراق مرارا، كلها سكتت وخلفها أيضا سكتت لجان حقوق الانسان ومنظمات حماة البيئة، وأطباء بلا حدود.

 

وقتها أنشغلت الماكنة الاعلامية العالم باوضاع العراق والحرب الاهلية وأخبار انتفاضات "الشمال الكردي" و"الجنوب الشيعي"، ونقلت باعجاب وفخر تفاصيل تطبيق نظرية " الصدمة والترويع" المطبقة بالتوازي مع تنفيذ الضربات الجوية والصاروخية الجراحية في العراق ونقل خبراء الاعلام اعجابهم بمزايا عمليات "الحرب النظيفة" التي وصفت بـ "العمليات العسكرية الجراحية"، وتوقفت كثيرا عند تصوير هزيمة الآلة العسكرية الصدامية بعد غزو الكويت وعن مستقبل للعالم آمن بعد تدمير العراق.

 

وبطبيعة الحال حملت التعليقات والمنابر الإعلامية الامريكية وتوابعها العربية نظام العراق السياسي كل الجرائم المترتبة عن العدوان والحرب ونتائجها، دون ان نسمع منها شيئا عن جريمة استخدام أعتدة اليورانيوم المنضب في قصف العراق من شماله الى جنوبه، والتي بلغت كمياتها في الضربات الجوية الاولى مئات والوف الاطنان من المواد المشعة والكيميائية.

 

هنا  لا بد من تحذير كل الليبيين من الاحتراس واليقظة لأجل كشف أبعاد مثل هذه الجريمة النكراء مبكرا، ودعوة الرأي العام العالمي ومنظمات البيئة والصحة وحقوق الإنسان والإعلام غير المتحيز الى كشف الجوانب المستترة والخفية لما ستتركه عمليات القصف الجوي والصاروخي وما ستتركه من كميات ضخمة من اليورانيوم المنضب تتساقط بتزايد ويوميا على الاراضي الليبية وتتناسى أثرها على صحة وبيئة الليبيين وأجيالهم القادمة من اخطار لا يستهان بها.

 

ما قمنا به حينها مع مجموعة خيرة من أبناء وعلماء عراقيين وغربيين، وحتى امريكيين هو الكشف العلمي والاعلامي للرأي العام المحلي والعربي والعالمي عن فداحة جريمة استخدام أعتدة اليورانيوم المنضب من تلويث قاتل ومتعمد للبيئة وللبشر في العراق ومحيطه.

 

ان إنتشار دقائق اليورانيوم المنضب وتبعاته في الإجواء والأتربة والمياه، وعبرالمدن والطرق والمعدات العسكرية والمدنية التي تستهدفها الآلة العسكرية الأمريكية وقوات الناتو يجب التركيز عليها الآن اعلاميا وقبل فوات الاوان، حفاظا على حق الحياة لليبيين وحماية الارض والبشر والأجيال من الاخطار المحتملة للتلويث الاشعاعي. وعلى الاعلام الوطني الليبي والعربي والعالمي، اينما كان موقعه وإمكانياته ومواقفه من الازمة الليبية ان يبدأ بالتعريف الجاد بابعاد هذه الجريمة النووية النكراء التي ستتكشف أبعادها المستقبلية واخطارها على الاجيال التالية .

 

صحيح ان الشعب الليبي لم يتسع له الوقت في هذه الساعة العصيبة لكي يضمد جراحه بسبب ظروف المحنة، لكننا مطالبون بنصرته والوقوف معه من خلال الفطنة العلمية وبالتفكير الاستراتيجي والاعلام المسؤول لكشف أبعاد الجريمة الاشعاعية قبل فوات الاوان واستفحالها، وللتقليل من أعداد الضحايا المحتمل تعرضهم للإشعاع المؤين، بفعل تشتت بقايا وشظايا القذائف المشعة وانتشارها الواسع وتؤكد وصولها الى أيدي المدنيين الذين شاهدناهم فوق الدبابات المقصوفة والمحترقة، وربما سيتم نقل الكثير من المعدات العسكرية الملوثة الى البيوت او المخازن من غير احتراس للمخاطر، وخاصة إن ما تبقى من معدات محطمة لأرتال القوات الليبية المقصوفة عند أطراف بنغازي ومناطق الهلال النفطي الساحلي وعلى مفترقات الطرق العامة التي تسلكها يوميا العربات العسكرية والمدنية وعند الموانئ والمطارات ومواقع الملاجئ العسكرية أو المدنية التي تذكرنا بكارثة وأهوال ما حدث للقوات العراقية المنسحبة من الكويت باتجاه البصرة غداة بدء عمليات العدوان الثلاثيني على العراق في جانفي 1991 وما تلاها لاحقا من عمليات قصف خلال سنوات الحصار على العراق ( 1991 ـ  2003 ) وخلال عمليات فرض الحظر الجوي على شمال وجنوب العراق، واخيرا عمليات الغزو الامريكي للعراق 2003 وما تبعه من قصف للمدن ومواقع تواجد المقاومة العراقية التي كانت محصلتها الاشعاعية كارثية تقدر بمايقارب ما بين 200 الى 400 الف طن من المواد المشعة والكيمياوية، وهو ما يعادل عشرات القنابل النووية من حجم قنبلة هيروشيما التي اسقطت على اليابان 1945.ان كارثة الفلوجة المسجلة بتصاعد ارقام الاصابات السرطانية والتشوهات الخلقية ومعدلات الاجهاض الناجمة عن القصف الامريكي للفلوجة بأعتدة محرمة دوليا كالفوسفور الابيض واليورانيوم المنضب.

 

وبالوقت الذي ينشغل به العالم واعلامه بتطورات الكارثة النووية في فوكوشيما اليابانية التي اعقبت الزلزال والتسونامي وما نجم عنهما من خراب المفاعلات النووية، فان مستويات الاشعاع في كثير من مناطق ليبيا المقصوفة ستتجاوز مستويات الاشعاع المسجل في محيط مفاعلات فوكوشيما من بر وبحر وجو.

 

واذا كان العالم يتحدث على مدار الساعة والدقيقة عن الاخطار الاشعاعية لمفاعل فوكوشيما واليابان وما سيصل منها من اشعاعات الى بقية القارات لكني لم اسمع كلمة واحدة عن اخطار الاشعاع المحتملة عن القصف الغربي باعتدة اليورانيوم المنضب على ليبيا واستعمال أعتدة وصواريخ مكثفة خارقة تحمل مكوناتها ورؤوسها كميات معتبرة من نفايات اليورانيوم المنضب بقصد تدمير المنشئات والاهداف الليبية المستهدفة.

 

لابد من تنشيط حالة اعلامية للوعي بالاخطار اولا، ثم دعوة  ومبادرة مهما كانت امكانياتنا لتسليط الاضواء على المخاطر المحتملة على الشعب الليبي، ويمكن ان نفعل شيئا من خلال مواقع الانترنيت وما سينشره لاحقا موقع صرخة الصحراء واعتبار هذه المقالة كمادة إعلامية أولية، او مجرد صرخة ونداء الى كل من يهمهم الامر من اعلاميين واطباء وبيئيين وغيرهم لتفعيل موقفهم قبل فوات الاوان.

 

ان غياب الاعلام الحر وغباء الاعلام الليبي المحلي يساهم في التعمية والتضليل والتجاهل، فعلينا ان نبدأ ولو بخطوة واحدة لتأدية واجبنا الوطني والقومي والانساني لانقاذ ابناء شعبنا العربي في ليبيا.

 

اضع نفسي وخبرتي في خدمة شعب ليبيا ومستقبله للحفاظ على بيئة وصحة أهلنا في ليبيا، ولنصرة أهلنا الصابرين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق