معضلة الاستسلام للخراب الفكري والإنساني
والاستسلام ليس مفردة خاصة بالهزائم العسكرية الميدانية بل هي مفردة موجودة في كافة نواحي الحياة المدنية والعسكرية، والعامة والخاصة.
والاستسلام يمكن قبوله من الفاشلين والخانعين والخونة والجبناء والبخلاء والتافهين والساقطين، ولكن لا يمكن قبوله من الناجحين والصامدين والمناضلين والشجعان والكرماء والحكماء وعلية القوم، وإلا سنكون أمام معضلة فكرية وإنسانية وتربوية، وربما، شرعية وإنسانية!
ويختلف المُسْتَسْلِم لغايات شخصية ودنيوية عن المُسْتَسْلِم الشجاع والكريم والقوي لأن الأول استسلم دون اضطرار للاستسلام، بينما الثاني استسلم نتيجة للظروف القاسية المحيطة به، ولم يرفع الراية البيضاء إلا بعد أن أجبر على رفعها!
وتبرز مواقف الرجال الأصلاء في أوقات الأزمات الكبرى، وبالذات تلك المتعلقة بالأوطان، ومستقبل الكيانات الكبرى والتجمعات الإنسانية، وحتى التربوية والشرعية.
ويفترض في الحالة الطبيعية أن يكون موقف الرجال مع العدالة والإنصاف والصواب، ولكن، مع الأسف، نشاهد اليوم الكثير من الحالات السقيمة التي يقف فيها الكثير من الذين يدّعون أنهم من «النخب» العلمية والفكرية مع الباطل ضد الحق، ومع الظالم ضد المظلوم، ومع الخراب ضد البناء!
وهنالك الكثير من المعضلات بمضار الاستسلام وأخطرها استسلام «النخب» المجتمعية والفكرية للواقع وأصبحت، وبلا حياء، لا تمتلك أيّ رأي، وقرار، وتَهْرُب من الواجب الإنساني والأخلاقي بسرعة البرق!
وهكذا فإن «النخب» التي تبيع الحق وتشتري الباطل، وتتاجر بالمبادئ، وتساوم على الثوابت، وتقايض بالقيم هؤلاء آفة خطيرة ومعضلة مهلكة وسرطان قاتل يستحق الاستئصال من الجذور!
ومن طرق علاج آفة الاستسلام الكلمة الطيبة والنصيحة والمحاجة المنطقية وإلا فإن التهديد بكشف حقيقتهم وتعريتهم من الحلول الاضطرارية لتخليص الحاضر والمستقبل من شرورهم!
ومن أخطار الشخصيات «الاستسلامية» عملها الدؤوب لضرب الشخصيات الفاعلة والعاملة، وحرصها على التشكيك في أعمالهم، ولهذا فإن محاربة الشخصيات «الاستسلامية» ضرورة ملحة لاستمرار المسيرة والعمل والحياة لأن الاستسلام وقتل الحقيقة ونصرة الظالمين هو هزيمة قاسية وساحقة للإنسان، ومن يقتل الإنسان ماديا لا يختلف عمن يقتل معنويا!
إن الحكمة المزيفة، والصلاح المغشوش، والتقوى الوهمية لا يُمكنها أن تصمد أمام حركة الحياة وتطورها!
وعليه فإن ولم أر في حياتي أخس من المُسْتَسْلِم المتملق الباهت وقد يكون استسلامه بسبب الخوف على الوظيفة أو المنحة والمكرمة وغيرها من المكاسب المادية!
فكيف ينظر أمثال هؤلاء لأنفسهم؟ وكيف ينظر إليهم الآخرون؟ والسؤال المهم هنا لماذا ينتصر الأشرار في حربهم ضد الأخيار، ولماذا يكون صوت الباطل هو الأعلى؟
ولا ينتصر الشر على الخير، والظلام على النور ولماذا يقومون بتخدير الناس ورميهم في مواجهات ساحقة وحروب طاحنة بسبب لاعب كرة قدم دولي يلعب في هذا النادي أو ذاك؟!
وهؤلاء التافهون أو المغرر بهم، ربما، يدخلون في نقاشات باهتة وساخنة بسبب دوري كرة القدم أو مهرجانات للرقص والغناء!
لقد شغلوا الناس بأخبار سقيمة، وشغلوهم وخوفوهم من قضايا الأمة المصيرية، وأرعبوهم من أزمات وأمراض وأوبئة بعيدة، والغاية هي إشغال الناس بالتوافه، وإسدال الستار على الأمور الكبرى، وأهمها الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته وحاضره ومستقبله!
يفترض بالأنقياء ألا يسمحوا للساقطين والتافهين والنفعيين أن يتسلقوا سُلْم العمل الوطني والإنساني لأنهم «يناضلون» لتأمين منافعهم الشخصية وإن ظهروا بمظهر النقي الورع والحارس للوطن والدين والناس.
المنتصرون على الاستسلام هم الذين يمتلكون الشجاعة الإنسانية والفكرية لقول كلمة بيضاء تنير ميادين الظلم وظلمات الجور!
ورحم الله مصطفى الرافعي حينما قال:
إن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق