قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

مغالطات دولة القانون والانتهاكات المنهجية في المعتقلات الحكومية.. ومظلة حماية القتلة والجلادين وتهديد من يفضح جرائمهم بمواجهة ملفات أقلها يؤدي إلى حكم بالإعدام.!


مغالطات دولة القانون والانتهاكات المنهجية في المعتقلات 

الحكومية.. ومظلة حماية القتلة والجلادين وتهديد من يفضح 

جرائمهم بمواجهة ملفات أقلها يؤدي إلى حكم بالإعدام.!

m5

أن تدافع الحكومات في عالمنا الثالث عن سياساتها ومواقفها، حتى مع يقينها المطلق بخطأ تلك السياسات، فذلك أمر طالما عودنا أنفسنا على التعاطي معه بكثير من قلة الإكتراث، ليس لأننا نرغب في أن نساق إلى حتوفنا كقطيع من الماشية، وإنما لأن الحكومات تشعر بأنها هدية من عالم الغيب لشعوبها، وترى نفسها فوق الشعب حتى إذا كان بغالبيته يناصبها العداء ويتمنى زوالها قبل أن يرتد إليه طرفه، فهي والحال على هذه الصورة ماضية في خياراتها مهما كانت وجهات نظر الشارع، ولهذا لم يستغرب المراقبون أن يلوّح نوري المالكي بعصاه التي يظنها غليظة، بوجه المتحدثين عن تعذيب السجينات، ويهددهم بقوله إنهم مطلوبون للقضاء، وفي لحظة احساس باقتدار مزعوم،
أمر مجلس النواب بوجوب رفع الحصانة عنهم، ومع ذلك فإنه حينما يعود إلى نفسه ربما يكتشف أنه قد خرج على كل ما كان قد أعلنه قبلا عن عدم تدخله في شؤون السلطة التشريعية، وإلا ماذا تعني عبارة يجب رفع الحصانة عنهم؟ هل هي عبارة آمرة لمجلس النواب؟ أم هو طلب ناعم قابل للرد؟ ذلك أمر يمكن أن يجيب عليه رئيس مجلس النواب.
إن أسلوب تخمير الملفات الذي اعتمده نوري المالكي لقمع أي صوت يمكن أن يقف بوجه نزعته الاستبدادية، لا يختلف كثيرا عن أساليب المافيات وعصابات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، ولا يمكن أن ينطبق على سلوك رئيس حكومة حتى لو جاء من تلك الموارد، لأنه ينبغي أن يعدّل من ممارساته خاصة وأنه يتعامل بحكم منصبه مع دول العالم من جهة، ومع شعب عريق في تقاليده الثقافية والمعرفية من جهة أخرى، ولكن ذلك مبلغ المالكي من العلم.
على العموم يمكن أن تدافع السلطة التنفيذية عن الإجراءات التي تقدم عليها كما فعل المالكي، سواء كان دفاعها في جلسة برلمانية للسلطة التشريعية أو أمام السلطة الرابعة وأمام الشارع، فهذا خيارها المتاح حتى إذا انطوى على سلوك يعكس طبيعة النظم الدكتاتورية عبر التاريخ والتي تمارس استبدادا مطلقا وبأدوات ترتدي لبوس الديمقراطية.
كل هذا ممكن في زمن الديمقراطية الأمريكية وبالنكهة الإيرانية في عراق اليوم، ولكن أن يغادر بعض رموز السلطة التشريعية مواقعهم ويمارسون نفاقا سياسيا لتأمين مصالحهم الضيقة فيبررون الجريمة وأخطاء السلطة التنفيذية فتلك مسرحية مأساوية من فصل واحد، إنهم يعرفون أن رغيف الخبر لا يتوفر إلا مع الحكام الطغاة، نعم هي الكارثة بعينها والتي ستقود البلد إلى هوة سحيقة لا قرار لها، لقد كان أمرا مخيبا لآمال أكثر المتفائلين بجدوى المراهنة على خيار المحاصصة الطائفية والعرقية على أنها ضمان لحقوق جميع العراقييين، والتي أوصلت العراق إلى هذه النهاية المفجة، أن يقف عدد من نواب التحالف (الوطني) في دفاع مستميت ويدخلون في مشاجرات مع زملائهم النواب الذين تحدثوا عن ممارسات لا أخلاقية وانتهاكات صارخة ضد معتقلات في سجون الحكومة السرية والعلنية، مما لا يليق بأي بلد حتى لو كان في قمة التخلف، فكيف الأمر مع العراق (الديمقراطي التعددي) الذي جاء به الاحتلال الأمريكي البغيض، لو أن هؤلاء النواب سكتوا على الفضيحة ولم يعلقوا بكلمة على المعلومات المؤكدة التي لا تقبل الدحض، لقلنا عن كل واحد منهم إنه شيطان أخرس، ولكنهم أبوا إلا أن يكونوا شياطين ناطقين بالباطل ويدافعوا عن ولي نعمتهم، وعن ممارسات أجهزة القمع التي تعمل تحت إمرته وفي سجون قريبة جدا من مقر رئاسة الوزراء، لكي يطمئن إلى أن تعليماته بخرق حقوق الإنسان وانتهاك الأعراض تنفذ بحذافيرها.
من المعروف أن إحدى مبررات العدوان على العراق عام 2003، أن حقوق الإنسان كانت تنتهك فيه، ولهذا تم تعيين منسق دولي لقضايا حقوق الإنسان في العراق، كان يحيل كل ما يصل إليه من تقارير مغرضة تعدها ما تسمى بقوى المعارضة التي كانت تتقاضى أجورها من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومن إيران في وقت واحد، إلى وزارة الخارجية لغرض التحقيق فيها، ولكن الاحتلال الأمريكي البريطاني الذي مارس أشنع الجرائم وأكثر الفظاعات وحشية مع العراقيين، لم يحرك في بعثة الأمم المتحدة ساكنا بين عامي 2003 و2005، بما في ذلك ما جرى في مدينة الفلوجة من استخدام للأسلحة المحرمة دوليا، أو من ممارسات تعذيب منهجي وانتهاكات لحقوق الإنسان واغتصاب للنساء والرجال على حد سواء، بأوامر مباشرة من وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد الذي كان قد حصل على موافقات صريحة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني، ومن مفارقات المشهد أن حكومة المالكي التي تقتفي خطوات سلطة الاحتلال بحذافيرها، أن يدافع المالكي عن الجناة بهذه الوقاحة وكأنه مخلد في منصبه وأنه فوق المساءلة والملاحقة، أو كأن هذه الجرائم ستسقط بالتقادم.
هذه الجرائم تعطي الحق للضحايا برفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الوطنية والدولية، لملاحقة الآمرين بالتعذيب والمشرفين عليه وكل من يعلم به وكذلك الجلادين الذين يمارسونه، وربما سار المالكي على خطى سلطة الاحتلال عام 2005، عندما رفع موظف دولي تقريرا للأمم المتحدة أشار فيه إلى وبصورة مخففة إلى وقوع انتهاكات مع المعتقلين من تعذيب واغتصاب وغيرها من الجرائم التي تشكل خرقا فاضحا لشرعة حقوق الإنسان ولاتفاقيات جنيف لعام 1949 والملحقين بها لعام 1977، نعم يبدو أن نوري المالكي اقتبس موقف الولايات المتحدة من ذلك الموظف المسكين الذي خسر وظيفته بسبب تقريره، فاستنسخه في تعامله مع كل من يرفع صوته بالحديث عما تشهده سجون العراق ومعتقلاته السرية والعلنية.
لقد تعاظمت الانتهاكات والفظائع في تلك السجون حتى وصلت مدى لم يكن ممكنا السكوت عليه، فدخلت المنظمات الحقوقية والإنسانية على خط استنكار هذه الجرائم، ولكن حكومة المالكي الممسك بصولجان السلطة وامتيازاتها، وتأتمر بإمرته أجهزة قمع تم تدريبها في إيران، كان يقف بوجه كل من أشار ولو من بعيد لما يجري في سجون يعرف العراقيون أن كل ما يجري فيها هو بأوامر مباشرة من المالكي أو بمعرفة منه لأنها تصدر عن مكتبه، ففقد كثير من كبار المسؤولين في تشكيلة الحكومة أو مجلس النواب مناصبهم لأنهم لم يتمكنوا من السكوت على ما رأوا، ولم يتمكنوا من تحمل المآسي التي تتعرض لها نساء العراق على أيدي قتلة نزعوا أية إنسانية من قلوبهم، فأصبح التعذيب مرادفا ملتصقا بشخصياتهم، ولعل ما شهده سجن الجادرية من جرائم مروعة ومن انتهاكات لحقوق الإنسان، ما يكفي للدلالة على نوعية الحكام الذين يتولون حكم العراق هذه الأيام السود.
إن الأمم المتحدة مطالبة بأن تتدخل لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وخاصة ما تتعرض له النساء من حالات اغتصاب تتنافى مع قيم العراقيين الحقيقيين، فهي مطالبة اليوم وقبل الغد لتعيين منسق عام لشؤون حقوق الإنسان في العراق وتطلق له سلطة مراقبة السجون ودخولها بغتة ومن دون تحضيرات ووقتما يشاء، لأن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت فاقت كل قدرات التحمل، وهي مرشحة للتزايد طالما أن رئيس الحكومة يوفر مظلة الحماية للقتلة والجلادين ويهدد كل من يفضح جرائمهم بمواجهة ملفات أقلها يؤدي إلى حكم بالإعدام كما حصل مع طارق الهاشمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق