قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

د. أبا الحكم : اتفاقية الدوحة السرية.. ماذا تعني؟!

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اتفاقية الدوحة السرية.. ماذا تعني؟!
شبكة البصرة
د. أبا الحكم
المقدمة:
قلنا في مقال سابق، إن الحركة الـ" جيو- سياسة" في منطقة بلاد الشام، التي تضم عدداً من الملفات المهمة والساخنة، هي : سوريا ولبنان والأردن وفلسطين قلب الحركة، قد بدأت صوب غزة عسكرياً وسبقتها باتجاه سوريا وترافقت معها في لبنان والأردن، وحسب المعطيات، التي تفرزها تلك الملفات، هي "تحريك" حالة شبه راكدة لكي تصب في ملف "إنهاء القضية الفلسطينية".. فماذا جرى وإلى أي مدى وصلت إليه حركة الجيو- سياسة في منطقة بلاد الشام؟ :
إيران طرف أساسي، كما هي تركيا ومصر، في حالة التحريك المحدودة في غزة.. ولولا الصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي لما انصاعت "إسرائيل" لسياسة الأمر الواقع ((ليس لأن إيران تحارب الكيان الصهيوني، إنما باتفاق مع أمريكا لترويض هذا الكيان من أجل القبول بسياسة الأمر الواقع، إدراكاً من أمريكا بأن الزمن يسير ليس لصالح "إسرائيل" أولاً، ولأن مشروع الشرق الأوسط الجديد لإيران زاوية فيه باعتبارها قوة إقليمية في المنطقة وكذلك تركيا)).
حسابات حدود المجازفة، والانتخابات الإسرائيلية، وكلف استمرار الحرب على غزة والعزلة الدولية، وفشل القبة الحديدية وعوامل أخرى، كلها أسهمت في الفشل الإسرائيلي.
قبول المجتمع الدولي، ومعظم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية فلسطين بصفة مراقب، على الرغم من معارضة أمريكا الشديدة ظاهرياً بهذا الاتجاه، لسبب غير معلن يتعلق بالعبْ المالي الثقيل الذي تتحمله أمريكا جراء وقوفها العسكري المكلف خلف الكيان الصهيوني، على الرغم من إعلانها أنها تتكفل حماية الأمن الإسرائيلي، وكأن هذا الأمن مهدد وليس هناك ما يضمنه من سلاح رادع.!!.. إلا أن المهم لدى أمريكا بلوغ مشروع (الشرق الأوسط) الجديد أشواطه المحددة.
حركة الدوحة نحو غزة لدعمها، هي المقدمة، التي أدخلت غزة في دائرة الترويض، حيث قبول حماس حدود دولة فلسطين، ليس من النهر إلى البحر، إنما القبول بحدود نتائج عام 1967، وربما التخلي عن شرط العودة لتتكفل به الأراضي الأردنية.
قبول عضوية فلسطين بصفة مراقب، خطوة على طريق اكتسابها قد تطول تحت ضغط مراحل التحولات التي تجري على صعيد المنطقة برمتها من جهة، والشروط التي قد تفرض أو التي رافقتها أو في ما إذا ستتاح فرص تحوَلْ غزة صوب مصر- راعية الهدنة وشريك أمريكا الإستراتيجي - من جهة أخرى.. فيما يبقى التلويح الإسرائيلي بالوطن البديل وإفراغ الأردن من كيانه وإرغامه على القبول بدولة فلسطين القابلة للحياة والمنزوعة السلاح والقادرة على استيعاب شعار حق العودة الذي ترتعب منه "إسرائيل".!!
تأجيج الوضع في الداخل الأردني وجعل النظام الملكي بين المطرقة والسندان، مطرقة الشعب الأردني ومطلبه المشروع وسندان الحاجة الاقتصادية والمالية - فيما يأتي الدعم النفطي العراقي بمعنى الانفتاح ليشكل مدخلاً إيرانياً صوب الساحة الإيرانية، طالما أن العاهل الأردني قد حذر من توسع " الهلال الشيعي"، فهي خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية وفتح باب التغلغل الصفوي في الجسد الأردني-.
مصر ولعبة الدستور والاستفتاء عليه في ظل إحكام القبضة على السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، تحت دعاوى الحالة (المؤقتة)، ريثما ينتهي الاستفتاء على الدستور بطرق التزوير، كما حصل في العراق بحكم تأثير جهاز الحكومة والأموال التي تدفع بسخاء وصناديق الاقتراع التي جاءت من إيران.. وكل ذلك يحصل لأن مصر باتت شريكاً إستراتيجياً لأمريكا تفوق بشراكتها شراكة نظام حسني مبارك.. كما أن مصر باتت أيضاً شريكا إستراتيجياً مع تركيا، وهذا ما أعلنه "أردوغان" نفسه في القاهرة. كما أن مصر أمست وسيطاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحت إشراف أمريكي، وراعية لاتفاقية "كامب ديفيد"، ومُحيَيدة للجيش المصري باسم الدولة المدنية، ورابطة لسياسات الأخوان المسلمين في الساحات العربية باعتبارها الدولة العربية الكبرى والكتلة السكانية الأقوى، التي تمسك بسياسات الأخوان في تونس وليبيا وتنظيمات الأخوان في مناطق التوتر.
لبنان وضِعَ على نارٍ هادئة على طريق أن يبتلع حزب الله لبنان بقوة السلاح وبدوافع إيرانية، من أجل أخذ حصة إيرانية للوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، حيث الحلم الإمبراطوري الفارسي.
العراق باعتباره الفناء الخلفي لمنطقة الشام التاريخي، يظل مرهوناً لسياسة إيران، وهو تكبيل جيو- إستراتيجي جاء على خلفية إسقاط النظام الوطني وتدمير الدولة وتفكيك جيشها وبالتالي إسقاط حجر الزاوية في التوازن الإستراتيجي للمنطقة بأسرها، حيث تكفلت إيران حالياً بإبقائه ضعيفاً ولا يمثل تهديداً إستراتيجياً جدياً لها وللكيان الصهيوني.
هدوء مريب على جبهة الملف النووي الإيراني.. وصمت مطبق حول تزويد حماس بصواريخ إيرانية ذات مدى يصل إلى "تل أبيب"، الأمر الذي يؤكد الاعتقاد بشراكة إيران في إستراتيجية التحريك صوب إنهاء القضية الفلسطينية.
نعود للحديث عن ملامح حالة ما تزال قائمة، لا تمس الساحة السورية فحسب، وهي جوهرها الإستراتيجي، إنما لها علاقة ترابط مع ملفات الشام التاريخي سالفة الذكر، فما الشروط التي ستفرض على الجهة التي ستتولى الحكم بعد افتراض سقوط الأسد، وكيف ستوزع الغنائم في إطار حركة ألـ(جيو- سياسة)، لأطراف الحركة، ممثلين بالكيان الصهيوني وتركيا ومصر وإيران؟! :

وقع على بنود الاتفاق السري في الدوحة ممثل عن (الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة)، ووزراء خارجية قطر وتركيا والإمارات والسفير الأمريكي "روبرت فورد" :
أولاً- التزام حكومة ما بعد نظام الأسد بتخفيض عدد عناصر الجيش العربي السوري إلى (50) ألف جندي، وتحويله إلى جيش دفاعي (وهو في الأساس جيش دفاعي وليس جيشاً تحريرياً كما شهدت العقود الثلاثة المنصرمة).
ثانياً- التخلص من كافة الأسلحة (الكيميائية والجرثومية) و (الصواريخ) تحت إشراف أمريكا.
ثالثاً- القبول بعدم أحقية سوريا المطالبة بالجولان إلا بالوسائل السياسية (وكأن سوريا لم تستخدم الوساطة التركية من أجل التوصل إلى حلول سلمية مع الكيان الصهيوني).
رابعاً- إلغاء أي مطالبة سورية بلواء (الإسكندرون) والتنازل لتركيا عن بعض القرى الحدودية، وخاصة في كل من (حلب وإدلب) المجاورتين لتركيا.
خامساً- القبول بمعاهدة (سلام) بين سوريا و(إسرائيل) بإشراف أمريكا وقطر.
سادساًإلغاء كافة الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الروسية والصينية في مجال التنقيب عن الثروات الطبيعية، وتوريد السلاح.
سابعاً- طرد كافة عناصر حزب العمال الكردستاني(PKK) من سوريا وتسليم المطلوبين منهم، ووضع هذا الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية.
ثامناً- تحجيم العلاقة مع إيران وروسيا والصين، مع قطع العلاقة مع حركات المقاومة الفلسطينية (وكأن سوريا ما تزال تحتفظ بعلاقاتها مع فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث أغلقت هذه الفصائل مقارها في دمشق وهاجمت النظام وسياساته القمعية، وفي مقدمتها حركة حماس).
تاسعاً- السماح لقطر بمد خط أنابيب الغاز عبر الأراضي السورية نحو تركيا وأوربا.
عاشراًالسماح بمد خط مياه (سد أتاتورك) عبر الأراضي السورية صوب (إسرائيل).
أحد عشر- تتعهد قطر والإمارات بإعادة أعمار سوريا وحصر التعمير والتنقيب بالشركات الأمريكية والقطرية والإماراتية.
فيما جاءت الشروط، أن يكون نظام الحكم في سوريا (إسلامي ليبرالي غير أصولي).. حيث يبدأ بتنفيذ بنود الاتفاق السري هذا فور استلام مقاليد الحكم في سوريا بعد رحيل الأسد.
تحليل بنود الاتفاق السري الموقع عليه في الدوحة :
قد لا يتحاج الأمر إلى كبير عناء للوقوف على الأهداف والمشاريع القديمة الحديثة المراد تنفيذها بعد صفحة ما بعد نظام الأسد.. كما أن البنود واضحة ودالة على معانيها والجهات المستفيدة من ما يجري، ليس في سوريا فحسب إنما في عموم ملفات الشام التاريخي.. مع ذلك يمكن تلمس الأهداف الإستراتيجية التي تختفي خلف هذه البنود، التي لم تكن عربية ولا إقليمية محضة فحسب، إنما دولية أيضاً في أبعادها.. دعونا نُفَصِل الأمر من العام إلى الخاص وكالآتي :
· تنطوي بنود هذه الاتفاقية، التي ستتولى تنفيذها حكومة ما بعد نظام الأسد، على صراع كوني بين أمريكا وروسيا والصين وحرمانهما من مصالحهما المشروعة ونفوذهما غير الإمبريالي في المنطقة، بغض النظر عن الأنظمة السياسية الحاكمة فيها، على خلفية الفيتو الروسي- الصيني، الذي منع الناتو، أداة الحرب العدوانية، من قرار الحرب على الشعوب، وذلك بإلزام حكومة ما بعد الأسد بإلغاء كافة الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الروسية والصينية في مجالات التنقيب عن الثروات الطبيعية (وهنا يتوجب الانتباه إلى حقل الغاز الذي يشكل مثلثاً غزيراً في البحر الأبيض المتوسط ولسوريا حقوق مشروعة في ثرواتها الوطنية.. فيما يأتي منع توريد السلاح وامتداداته ليشمل قاعدة طرطوس البحرية الروسية).!!

· مكافئة تركيا :
بإلغاء أي مطالبة سورية بلواء "الإسكندرون".
والتنازل لها ببعض القرى السورية.
وطرد كافة عناصر حزب العمال الكردستاني من سوريا وتسليم المطلوبين منهم والتعامل معه على أساس حزب إرهابي.
مد خط أنابيب المياه من سد أتاتورك إلى (إسرائيل)... وهذا المشروع الذي كان يسمى بـ(أنابيب المياه مقابل النفط)، هو مشروع قديم رفضته في حينه دول المنطقة وشعبها لما يحمله من بصمات عثمانية خبيثة، إلا أن الخارجية التركية قد وضعته على الرف ريثما تأتي ظروف تسمح بتنفيذه، ولم تتوقف حماسة "احمد داود أوغلو" وزير خارجية تركيا، حين شارك في مؤتمر الدوحة الأخير ووضع بصماته على بنود الاتفاقية السرية، التي من المؤكد أن الشعب العربي السوري سيرفضها جملة وتفصيلاً حتى بعد نظام الأسد، لأنها تمس السيادة السورية.

· مكافئة الكيان الصهيوني :
بتخفيض عدد عناصر الجيش العربي السوري إلى (50) ألف جندي- يذكرنا هذا بالجيش الياباني، الذي تحول إلى شرطة تحرس الداخل الياباني-.
التخلص من كافة الأسلحة الكيميائية والجرثومية والصواريخ، وتحت إشراف أمريكي.وهذه استراتيجية صهيونية- أمريكية تقضي بنزع سلاح الجيوش العربية وتفكيكها، ابتداءً من العراق حتى سوريا.
القبول بعدم أحقية سوريا المطالبة بـ(الجولان) إلا بالوسائل السياسية- في الوقت الذي لم تطلق فيه رصاصة واحدة طيلة أكثر من خمسة وثلاثين عاماً لتحرير الجولان.!!

· مكافئة قطر:
السماح لقطر بمد خط أنابيب الغاز عبر الأراضي السورية نحو تركيا وأوربا.
تتعهد قطر والإمارات بإعادة أعمار سوريا - بعد أن خربوها - وحصر التعمير والتنقيب بالشركات الأمريكية والقطرية والإماراتية.
· لم تظهر مكافئة إيران، بسبب أن خطوات الـ(جيو- سياسة) لم تنتهي بعد.
تقول "كوندا ليسا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، في مقال لها نشرته صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 24/تشرين ثاني-2012 (الحرب الأهلية في سوريا ربما تكون آخر حلقة في عملية تفكيك الشرق الأوسط، وفرصة الإمساك بالمنطقة مجدداً، وإعادة بنائها على أسس جديدة من الحرية والديمقراطية والاستقرار).. والأمر لا يحتاج إلى تعليق.. وما يهم من أمر هو الشعب العربي السوري ومستقبله.!!
2/12/2012
شبكة البصرة
الاثنين 19 محرم 1434 / 3 كانون الاول 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق