قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

"سرقة وعنصرية وتلاعب وتحرش".. 5 عقود من حياة بايدن السياسية المليئة بالإثارة في سطور

 "سرقة وعنصرية وتلاعب وتحرش".. 5 عقود من حياة بايدن السياسية المليئة بالإثارة في سطور

وجهات نظر


أشهر معدودة تفصل الرئيس الأميركي جو بايدن عن نهاية مسيرته السياسية التي امتدت لـ5 عقود، حيث يغادر البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير بعد انتهاء ولايته وانسحابه من السباق الرئاسي لولاية جديدة.

وأنهى بايدن (81 عاما) جهود إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة أمس الأحد، في أعقاب أدائه الكارثي في ​​المناظرة التي جرت يوم 27 يونيو ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، إضافة إلى العديد من التعثرات التي شهدها العالم أجمع على مدار سنوات حكمه.

وفيما يلي نظرة شاملة حول ما يزيد عن 50 عاما من تولي بايدن لمنصبه العام:

كل شيء بدأ في ديلاوير

خاض بايدن تجربته السياسية الأولى في عام 1970، إثر فوزه بمقعد في مجلس مقاطعة نيو كاسل، بعد عامين من تخرجه من كلية الحقوق في سيراكيوز.

وترشح الشاب البالغ من العمر 27 عاما آنذاك لمقعد الدائرة الرابعة في مقاطعة ويلمنغتون بولاية ديلاوير على منصة ليبرالية.

يظهر في الصورة السيناتور الديمقراطي المنتخب جو بايدن، من ديلاوير، بعد أن أدى قسم المواطنة أثناء تسجيل وصوله في مكتب أمين مجلس الشيوخ في عام 1973.

يظهر في الصورة السيناتور الديمقراطي المنتخب جو بايدن، من ديلاوير، بعد أن أدى قسم المواطنة أثناء تسجيل وصوله في مكتب أمين مجلس الشيوخ في عام 1973.

السعي إلى "الشهرة الوطنية" في مجلس الشيوخ

في عام 1972، بينما كان لا يزال في فترته الأولى في مجلس مقاطعة نيو كاسل، أطلق بايدن حملته الأولى لمجلس الشيوخ، متحديا السيناتور جيه كالب بوغز (جمهوري من ديلاوير) الذي قضى فترتين في منصب عضو مجلس الشيوخ.

ونجحت حملته جزئيا من خلال اللعب على فارق السن الذي بلغ 33 عاما، بين بايدن البالغ 29 عاما وبوغز البالغ 62 عاما.

هزم بايدن منافسه الجمهوري بفارق أقل من 3 آلاف صوت وتولى منصبه في عام 1973 كأحد أصغر أعضاء مجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة.

أصبح بايدن أحد أصغر أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في التاريخ.

كان بايدن، الذي تولى لفترة طويلة رئاسة لجنة القضاء في مجلس الشيوخ، قد أوصى بشكل مثير للجدل بأن يرفض مجلس الشيوخ ترشيح الرئيس رونالد ريغان لعضوية المحكمة العليا روبرت بورك في عام 1987.

كما تولى رئاسة جلسات الاستماع في عام 1991 بشأن ترشيح كلارنس توماس، وهو الأمر الذي وضع مساعدته القانونية السابقة، أنيتا هيل، تحت التدقيق الشديد عندما زعمت أن مرشح المحكمة العليا آنذاك تحرش بها جنسيا.

في عام 1994، دفع بايدن بمشروع قانون فيدرالي ضخم للجرائم، والذي زعم المنتقدون خلال حملته الرئاسية لعام 2020 أنه ساهم في السجن الجماعي للأقليات العرقية في العقود الأخيرة.

وعلى مدى 11 عاما، شغل بايدن أيضا منصب رئيس أو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وخلال هذه الفترة دفع باتجاه التدخل العسكري الأمريكي في البلقان، وصوت ضد حرب العراق عام 1991، وصوت لصالح حرب العراق عام 2002.

وفي وقت لاحق، وصف بايدن تصويته لصالح حرب العراق في عام 2002 بأنه "خطأ"، كما عارض الزيادة الناجحة للقوات في عام 2007.

أول محاولة للبيت الأبيض

أطلق بايدن حملته الرئاسية الأولى في يونيو 1987، بعد منتصف ولايته الثالثة في مجلس الشيوخ.

كانت الحملة قصيرة الأجل، حيث انسحب من السباق خلال 3 أشهر، بعد أن تم القبض عليه وهو يسرق خطابا للسياسي البريطاني نيل كينوك خلال مناظرة أولية رئاسية للحزب الديمقراطي في ولاية أيوا، وظهرت مزاعم بالسرقة الأدبية في الماضي.

أطلق بايدن حملته الرئاسية الأولى في يونيو 1987، بعد منتصف ولايته الثالثة في مجلس الشيوخ.

محاولة رئاسية فاشلة ثانية

في يناير 2007، أعلن بايدن في برنامج "Meet the Press" على قناة NBC أنه سيحاول للمرة الثانية الوصول إلى البيت الأبيض.

وقد فشلت حملته الانتخابية، التي ركزت على خطته لتقسيم العراق إلى عدة مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، وخبرته الممتدة لـ 36 عاما في مجلس الشيوخ، في اكتساب الكثير من الزخم.

وتعرض لانتقادات شديدة بعد أيام قليلة من انطلاق حملته عندما أشار إلى المرشح المنافس باراك أوباما باعتباره "أول رجل أمريكي من أصل إفريقي ينتمي إلى التيار الرئيسي، وهو رجل فصيح وذكي ونظيف وذو مظهر لطيف".

وعلى الرغم من الخطأ العنصري الذي ارتكبه بايدن أثناء حملته الانتخابية، اختاره أوباما كمرشح لمنصب نائب الرئيس في أغسطس 2008، وشغل بايدن منصب نائبه طوال فترة رئاسة أوباما التي استمرت فترتين.

ووصف البيت الأبيض بايدن بأنه "الشخص الرئيسي للرئيس في الدبلوماسية" و"المهندس الرائد للرؤية الاستراتيجية الأمريكية لأوروبا موحدة وحرة وتتمتع بالسلام".

وفاجأ أوباما بايدن في الأيام الأخيرة من رئاسته بمنحه وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى وسام مدني في البلاد.

وعلى الرغم من حصوله على المركز الرابع في انتخابات أيوا التمهيدية والمركز الخامس في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير، فقد خرج بايدن منتصرا من بين مجموعة مزدحمة من المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في عام 2020.

شغل بايدن منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما من عام 2009 إلى عام 2017.

وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة له هي تأييد النائب جيمس كليبورن (ديمقراطي من ساوث كارولينا) له، يليه فوز ساحق في الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولينا، حيث فاز في جميع مقاطعات الولاية البالغ عددها 46 مقاطعة وتفوق على صاحب المركز الثاني السناتور بيرني ساندرز (مستقل من فيرمونت) بنحو 20 نقطة مئوية.

وركزت حملته الانتخابية العامة ضد دونالد ترمب على الرسالة التي مفادها أن "روح أمريكا" على المحك، وأنه سيعمل كرئيس جسر بين ترمب وجيل جديد من القيادة.

وهزم ترمب، الذي واصل مزاعمه بوجود تزوير واسع النطاق خلال الانتخابات، من خلال تأمين انتصارات رئيسية في ولايات ويسكونسن وميشيغان وأريزونا ونيفادا وجورجيا.

وعلى الرغم من حصول الديمقراطيين على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب والشيوخ، واجه بايدن صعوبة في تمرير عدة أجزاء من أجندته الطموحة في الكونغرس، مما ترك العديد من مبادراته دون تحقيق.

وباعتباره رئيسا، كان قادرا على توجيه حزمة التحفيز الاقتصادي بقيمة 2 تريليون دولار لمواجهة كوفيد-19 عبر الكونغرس، فضلا عن مشروع قانون البنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار، وقانون خفض التضخم، وقانون التأمين الصحي للأطفال والعلوم.

وتعرضت رئاسته لانتقادات بسبب اتهامات بتورطه في تعاملات تجارية خارجية واسعة النطاق لعائلته بصفته نائبا للرئيس، مما أدى إلى إطلاق الجمهوريين تحقيقا لعزله العام الماضي، فضلا عن اكتشاف وثائق سرية للبيت الأبيض من فترة عمله كنائب للرئيس في مركز بن بايدن للأبحاث ومنزله في ويلمنغتون.

تم تعيين المستشار الخاص روبرت هور للتحقيق في الفضيحة، وقرر في النهاية عدم توجيه اتهامات جنائية ضد بايدن، ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتقاده أن هيئة المحلفين قد تنظر إلى الرئيس على أنه "رجل مسن ضعيف الذاكرة".

ومن أبرز الأحداث خلال رئاسة جو بايدن، الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021، الذي أسفر عن مقتل 13 من أفراد الخدمة الأمريكية وترك الآلاف من الأمريكيين وحلفائهم عالقين في الدولة التي تسيطر عليها طالبان.

وأطلق بايدن حملته لإعادة انتخابه في أبريل 2023، وطلب من الناخبين منحه 4 سنوات أخرى لمساعدته على "إنهاء المهمة".

وسعى أكبر رئيس سنا في التاريخ الأمريكي، إلى ولاية ثانية على الرغم من انخفاض دعمه، حيث أظهرت استطلاعات الرأي مؤخرا أن غالبية الأمريكيين، بما في ذلك الديمقراطيون، لا يريدونه.

ولم تنجح الأشهر الخمسة عشر التي قضاها بايدن في حملته الانتخابية، بتخفيف مخاوف الناخبين بشأن سنه وقدراته العقلية. وكان من الممكن أن يصل بايدن إلى سن السادسة والثمانين قبل نهاية ولايته الثانية إذا تم انتخابه لولاية جديدة.

كما أدى أداءه الكارثي في ​​مناظرته الأولى ضد ترامب في يونيو، حيث بدا غير متماسك، وفي بعض الأحيان مرتبكا تماما، إلى دعوات تطالبه بإنهاء جهود إعادة انتخابه، وهو ما فعله في النهاية.

المصدر

شيطنة الدين والدولة في نظام الملالي

  شيطنة الدين والدولة في نظام الملالي

عوني القلمجي  وجهات نظر

لم تجر رياح الثورة الإيرانية، بما اشتهت سفن الشعب الإيراني، على الرغم من الأعباء الثقيلة التي تحملها، والتضحيات الجسام التي قدمها، على مدى عقود طويلة من حكم شاه إيران.

فبدلا من تحقيق طموحاته المشروعة، في الحرية والاستقلال والتقدم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والعيش الكريم، استولى خميني على الثورة، وتفرد بها وتحكم بقيادتها، ليشرع في تنفيذ برنامجه الإسلامي، وتحديدا المذهب الشيعي الاثني عشري، وفرضه على الشعب الإيراني، كخطوة تمهيدية لتطبيقه لاحقا على الدول الإقليمية، تحت شعار "تصدير الثورة وإقامة الدولة الإسلامية العالمية".

ما يلفت الانتباه، ان خميني، لحماية الدولة الإسلامية العالمية، همش الجيش النظامي، ليكون البديل ما سماه بالحرس الثوري الإيراني. اعتقاد منه بان الجيش النظامي، ومهما بلغ من قوة، لا يمكنه الوقوف في وجه الجيوش الاستعمارية القوية. على عكس المليشيات المسلحة، التي تستطيع مواجهة اية دولة، مهما بلغت من قوة، جراء قدرتها على خوض حروب عصابات طويلة الامد. ليس هذا فحسب، وانما سعى الخميني لتأسيس حرس ثوري إيراني في أي بلد تطوله يداه، كما حدث في العراق بعد هيمنة إيران عليه، لكن تحت مسمى الحشد الشعبي. أي ان تشكيل المليشيات المسلحة في العراق، او الحشد الشعبي، لم يكن وليد الصدفة، او جراء حاجة هذا الحزب او تلك الطائفة، لكسب مزيد من القوة ضد الاخرين، او محاربة داعش تلبية لفتوى الجهاد الكفائي، التي أصدرها المرجع الديني علي السيستاني، بعد احتلال داعش لثلث مساحة العراق، وانما تم تشكيلها وتنظيمها في إيران قبل عقود عدة، وتحديدا يوم السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 1982. كان أبرز هذه المليشيات، فيلق بدر، الجناح العسكري للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية، وحزب الدعوة ومنظمة العمل وحركة المجاهدين. في حين حددت مهمتها بأسقاط نظام حزب البعث واستلام السلطة في العراق. ليتسنى لإيران تحويل العراق الى ولاية من ولايات الجمهورية الإسلامية العالمية، او في الاقل قاعدة متقدمة لتنفيذ مشروع الهلال الشيعي، الذي يصل الى لبنان عبر العراق وسوريا. ومن الجدير بالذكر، ان الخميني أطلق فكرة الدولة الإسلامية العالمية والحرس الثوري، عندما كان لاجئا في النجف الاشرف في العراق سنة 1964.

ولكي يتمكن خميني، او من يخلفه من تنفيذ برنامجه الغريب من نوعه، لقب نفسه بلقب من صنعه، الا وهو الولي الفقيه، ووكيل الامام المهدي المنتظر لحين ظهوره، الامر الذي يمنحه سلطة الهية ودنيوية، تعطيه الحق في حكم البلاد بالطريقة التي يراها هو دون غيره، ومن دون الاعتراض عليه من اية جهة في البلاد. سواء مؤسسة حكومية او سلطة تشريعية او تنفيذية او حتى قضائية. ولتكريس قبضته على النظام، منح لنفسه صلاحيات مطلقة، شرعنها بفقرات من الدستور الإيراني، منها المادة 110، التي حددت هذه الصلاحيات، منها، تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام، إصدار الأمر بالاستفتاء العام، تولي القيادة العامة للقوات المسلحة، إعلان الحرب او السلام، اعلان النفير العام، حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث وحل مشاكل النظام، التي لا يمكن حلها بالطرق المتعارفة، من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام، عزل رئيس الجمهورية.

اما الحديث عن التيار الإصلاحي في إيران، ووقوفه ضد سياسة التطرف والتشدد الخمينية، فهو ليس سوى خدعة كبيرة، لتمرير مشروع الخميني الغريب في جنح الظلام. منها تضليل الشعب الإيراني وتخديره، بانتظار فوز هذا التيار في الانتخابات، وتسلم مقاليد الحكم، والتمتع بحرية القرار، وتحقيق شعاراته التي تعبر عن طموحات الشعب الإيراني. فقد اثبتت الوقائع، بان لا وجود لهذا التيار، الذي فاز أكثر من مره في الانتخابات، في ظل سلطة الولي الفقيه، التي لا تعلو عليها اية سلطة. بدليل ان أي قرار او تشريع او برنامج سياسي او اقتصادي او عسكري، يصدر من أية مؤسسة من مؤسسات النظام، لا يبصر النور قبل اقترانه بموافقة الولي الفقيه.

ان شعار تصدير الثورة الإيرانية، الذي استنزف موارد إيران، على حساب الشعب الإيراني من جهة، ودمر البلدان التي وصل اليها النظام الإيراني، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن من جهة أخرى، ليس من صنع جهات دولية معادية للثورة، كما يدعي اتباع إيران، وانما هو حقيقة جرى الإعلان عنها، من قبل عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين، وفي المقدمة منهم خميني رئيس النظام نفسه. حيث اعتبر شعار تصدير الثورة، منذ اليوم الأول لنجاحها عام 1979، الشعار المركزي للثورة الإيرانية، على امل ان يحظى هذا الشعار، بمساندة الحركات الراديكالية المعارضة في الدول المجاورة، خاصة ذات التوجّه الإسلامي، وبالذات الشيعي منه. بل اعتبر تصدير الثورة وانتشارها في البلدان الأخرى، أحد اهم سبل حمايتها من الداخل. والأكثر من ذلك، أكد خميني، "ان تصدير الثورة واجب شرعي، لتشكيل حكومة إسلامية عالمية، تحت زعامة المهدي الإمام الغائب الثاني عشر". ولم تكن مؤسسات الدولة بعيدة عن ذلك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر مجلس الدفاع الأعلى الإيراني بيانا، يدعو فيه إلى ثورة إسلامية عالمية، تُشكل الأرضية الجيدة لحكومة "المهدي"، ويكون قوامها الحركات الشيعية المعارضة في العراق والسعودية والبحرين ولبنان والخليج.

لم يكتف خميني بذلك، وانما بدا عبر مؤسساته المختلفة، بتهريب مئات الكتب المعنية بهذا الشأن الى العراق، وباقي الدلول العربية. لكن التركيز الأكبر كان على العراق. وقد تضمنت هذه الكتب التبشير بأفكار الثورة الإيرانية وأيديولوجياتها، مما أسهم في تنشيط الحركة الدينية الشيعية في العراق، إضافة إلى عودة الحياة إلى "حوزة النجف" الدينية، التي لا يخفى على أحد علاقاتها الوثيقة مع "حوزة قم" في إيران. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالعراقيون المشبعون بأفكار علماء الدين الإيرانيين، من خلال مؤلفاتهم التي غزت العراق، نشروا هذه الأفكار في الدول العربية والأجنبية التي توجّهوا إليها.

اما على المستوى العلني، فقد أنشأ نظام الملالي، خمس دور نشر كبيرة في كل من "برمنجهام"، وديترويت"، و"جاكارتا" و"سنغافورة"، و"الإمارات. نتج عنها، على سبيل المثال لا الحصر، 40 مجلة دورية في لندن، من بينها 12 مجلة باللغة العربية، وفي "دي ترويت" ثلاث مجلات باللغة العربية، إضافة إلى مجلات بالإنجليزية، وفي باريس مجلة عربية وأخرى فرنسية، وفي إندونيسيا مجلة شهرية وأخرى نصف شهرية باللغة الإندونيسية.

اما تصريحات خميني العلنية في هذا الخصوص فهي كثيرة. فعلى سبيل المثال، قال خميني "الاسلام لا ينحصر في بلد او في بعض البلدان، وليس الاسلام لطائفة واحدة، بل وليس للمسلمين فقط... الاسلام جاء للبشر كافّة. إنّ بعض خطابات الاسلام: "يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا" ولكن هناك خطابات كثيرة تقول: (يا ايها الناس). يريد الاسلام ان يضع البشر تحت ظلّ عدالته.

أيضا قال " إذا عرفوا الاسلام وفهموا الحكومة الاسلامية وشعروا: أنّ الاسلام مفيد للجميع وإذا شعر الناس، أنّ الحكومة الاسلامية في صالح الجميع، فنحن نأمل أن يميلوا كلهم الى الإسلام". " توجيهات خميني الى المسلمين الصفحة 68. ومن التوجيهات نفسها صفحة 178" قال "من ضروريات الاسلام انّ نبي الاسلام هو خاتم الانبياء، وقد بعث لكل البشرية في مشارق الارض ومغاربها، والقرآن الكريم يقول: إنّ الاسلام لكلّ الاقوام، فمن وصل اليه لابدّ أن يؤمن به. وأمّا الروايات الواردة عن الرسول الكريم (ص) فكلها تشير الى أنّ الاسلام للجميع" وهذا يعني إنّ مفهوم تصدير الثورة يعني تصدير مفاهيم وقيم الاسلام؛ استجابة للمسؤولية الشرعية في الدعوة الى الاسلام، وايصال مبادئه الى جميع الناس.

وقال أيضا ان تصدير الثورة، ليس معناه ممارسة القوّة فقط، وانّما ممارسة الارشاد والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فهو تصدير للثورة السياسية والثقافية. وفي الصفحة 53 "الامام القائد في مواجهة الصهيونية" قال أيضا، "اننا لا نريد ان نشهر سيوفنا ونهجم على الآخرين، الا في حالات الدفاع عن النفس، فالدفاع واجب. إنّنا نريد أن نصدّر ثورتنا السياسية والثقافية الى جميع الأقطار الاسلامية، ولو تمّ تصدير هذه الثورة المباركة فإنّها ستحل المشاكل في أية منطقة تصلها" وفي كتابه تصدير الثورة كما يراها خميني في الصفحات 28 و 77 و78 و80 على التوالي، قال في احاديثه مع غير الإيرانيين، التي غلب عليها طابع الدبلوماسية ومبدا التقية، وقال في حديث مع جمع من سفراء البلدان الإسلامية، "عندما نقول: لابد من تصدير ثورتنا يجب أن لا يتبادر الى الاذهان هذا المفهوم الخاطئ، وهو اننا نريد فتح البلدان، اننا نعني بتصدير ثورتنا، "أن تستيقظ الشعوب والبلدان، وإن تنقذ نفسها من المعاناة التي تعيش فيها، وتخرج من هيمنة الآخرين الذين ينهبون ثرواتها وذخائرها، في وقت تعيش هي الفقر والحرمان".

ومن حديث له مع اعضاء المجلس الأعلى للإعلام الاسلامي قال: " عندما نقول، "نريد تصدير ثورتنا، فان هذا لا يعني: اننا نريد تحقيق ذلك بالسيف، بل نتطلّع اليه عن طريق الاعلام والتبليغ. أنّنا نريد من خلال الاعلام الصحيح، أن نحبط الهجوم الواسع الشرس الذي يشنّه الماركسيون وغيرهم ضدّ الاسلام، وأن نعرّف العالم بأنّ الاسلام دين جامع شامل". ومن حديث له مع رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى قال: "إننا عندما نتطلع لان يكون الاسلام في كل مكان ونسعى الى نشره، لانقصد أن ذلك بالحراب والأسنة؛ بل نريد نشر الاسلام عن طريق الدعوة، نريد أن نلفت أنظار العالم إلى النهج الذي يتعامل به الاسلام مع المحرومين والمظلومين، وسبل تخلصهم من معاناتهم" ومن اقواله أيضا "اننا لا نكتفي بتحقيق الاستقلال لبلدنا وحده، بل سنحث شعوب العالم على تحقيق استقلالها. سنعمل على تصدير تجاربنا الى كل مكان في العالم وايضا نحن نتطلع لان نرى الحكومة الاسلامية قائمة في جميع البلدان، وحكومة العدل الاسلامي مستقرة في كل مكان" وقال "ان علماء الاسلام والباحثين والمفكرين الاسلاميين مدعوون لأعداد طروحات وبرامج بناءة، تأخذ بنظر الاعتبار مصالح المحرومين والمستضعفين، لتحل محل النظم الاقتصادية الوضعية السائدة في العالم الاسلامي، وتنقذ المستضعفين والمسلمين من الفقر والحرمان".

وفي لقاء خميني مع وزير الخارجية وجمع من العاملين في وزارة الخارجية قال، " لقد قلنا منذ البداية "اننا نتطلع الى تصدير ثورتنا، ولا نعني بتصدير الثورة تحشيد الجيوش، بل نريد أن نوصل صوتنا إلى أسماع العالم" ثم جاء الختام بتصريح "لأحمد خميني"، الابن الثاني للخميني الذي أكد فيه "إن إيران الإسلامية ستكون المقر الكبير للثورة، ومركزا لجهاد الإفريقيين والشرق أوسطيين ومسلمي سائر أنحاء العالم، علينا أن نسعى كما كنا في السابق، محل اعتماد الأبناء الثوريين للإمام الخميني في شتى أنحاء العالم".

بالمقابل، وعلى الرغم من إعلان إيران في عدة مناسبات، أنها لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلا أن هناك منظمات ثورية إسلامية رسمية، أو شبه رسمية، أو حتى غير رسمية، تزاول اتصالات مع تنظيمات إسلامية معارضة، مما سبب في مراحل عدة توترا في العلاقات مع هذه الدول، وقد استضافت إيران حركات سياسية ودينية معارضة، سعودية وعراقية وبحرينية، ولعل من أبرزها هي الحركات العراقية الشيعية، التي وصلت إلى سدة الحكم بعد الاحتلال. فنظمت المؤتمرات السنوية لها، وسخّرت أجهزة الإعلام، واستغلت دور رجال الدين الشيعة في المنطقة، بما يمنحها أوراقًا إضافية في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى.

لقد نتج عن هذا التوجه الخميني، سياسة داخلية فجة، اعتمدت على دكتاتورية مذهبية وتضييق الحريات وحرمان المواطن من التعبير عن الراي، وكذلك حقه في العيش الكريم. إضافة الى استخدام وسائل القمع والعنف المفرط، ضد المعارضين السياسيين. اما التظاهرات السلمية ضد النظام، فتواجه بأنواع الأسلحة كافة، الى درجة القتل الفردي والجماعي. دون رحمة. في حين احتلت إيران المرتبة الأولى في العالم في تنفيذ احكام الاعدام. حيث جرى اعدام 120 ألف مواطن إيراني، خلال فترة حكم الملالي. في حين قامت السياسة الخارجية على أساس التدخل في شؤون الدول، بغية الهيمنة عليها وفرض السلطة الدينية فيها. من خلال تصدير الثورة، عبر الأحزاب والمليشيات المسلحة الموالية لها.

كان بإمكان الشعب الإيراني ان يعيش بسلام ورفاهية ليندرج بين الشعوب المتقدمة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، لما تمتلكه إيران من ثروات متعددة وهائلة، تكفي لإعاشة اضعاف العدد الحالي لسكان إيران. ومنها ثروات ذات طابع استراتيجي كالنفط والغاز. بالإضافة الى ان إيران تحتل المرتبة الخامسة عشر، في انتاج أكثر من ستين نوعا من المعادن، مما يتيح للبلاد ان تحرز تقدما، اقتصاديا هائلا ووفرة في الايادي العاملة وحاملي الشهادات العليا.

لكن ما حدث عكس ذلك تماما. حيث يعيش الشعب الإيراني حياة صعبة، جراء معاناته في توفير لقمة العيش، بسبب تراجع الأداء الاقتصادي، حتى في أكثر الأوضاع استقرارا في إيران، فعلى سبيل المثال، وفي العقد الأول بعد ثورة 1979، تراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، مع أخذ التضخم بعين الاعتبار. وفي العقد الثاني من الثورة، وتحديدا بعد انتهاء حرب إيران ضد العراق، وتعافي أسواق النفط، لم يطرا أي تغيير حتى عام 2010. وازداد الامر سوءا في العقد الثالث للثورة، الذي كان من المفترض أن تحقق إيران نمواً ضخماً نظراً لدخل النفط الهائل، وتدفق الشباب الذين ينضمون للقوى العاملة والذين يحمل الكثير منهم شهادات متقدمة. حيث اكتفت إيران بتسجيل نمو ثابت في إجمالي الناتج المحلي، الى جانب ارتفاع نسبة البطالة إلى 11.7% بحسب التقارير الرسمية. وفي غضون ذلك، استشرى الفساد والرشوة والمحسوبية، والسرقة وانتشار تجارة المخدرات وبيع الأعضاء البشرية الخ. في حين شهد العقد الرابع من الثورة، تشديد العقوبات الدولية التي أدت إلى حالة من الركود الاقتصادي، وانخفاض إجمالي الناتج المحلي، خاصة بحلول الأعوام الأخيرة. وخير مثال على ذلك، تراجع سعر التومان من 143 تومان للدولار الواحد عام 2001 الى 43 ألف تومان حاليا.

امام هذا الوضع نهضت المعارضة الإيرانية، منذ ثلاثة عقود او يزيد لتأخذ على عاتقها مهمة، اسقاط هذا النظام الديني المذهبي المتطرف برمته وتحطيم كافة اجهزته القمعية وإقامة نظام وطني ديمقراطي مدني. وفي المقابل، ولجعل هذا الهدف المشروع والنبيل ممكنا، قام الشعب الإيراني بمختلف طوائفه ومذاهبه وقومياته وتياراته السياسية والاجتماعية بانتفاضات عملاقة، نجد نموذجا منها، بانتفاضة كانون الثاني يناير 2018 ونوفمبر 2019 “واذار 2022 وسبتمبر ايلول 2023 التي كادت ان تسقط النظام، لولا العنف المفرط الذي استخدمه ملالي طهران والحرس الثوري الإيراني والباسيج ضد المنتفضين. ومن الجدير بالذكر، ان تسمية الباسيج تعني رسميا، "قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين لتقديم الخدمات للشعب الايراني، وهذه القوات الشعبية ذات الطابع شبه عسكري، تتكون من متطوعين من المدنيين ذكورا وإناثا، أُسسها اية الله الخميني في تشرين الثاني نوفمبر 1979، لتتحول لاحقا الى جهاز قمعي، شانه شان الأجهزة القمعية، التي تعمل بأمره الولي الفقيه.

هناك من يعتقد ان لنظام الملالي القدرة على البقاء، لما يمتلكه من وسائل القوة المتمثلة بالأجهزة القمعية. ومنها الحرس الثوري والباسيج، الى جانب أجهزة النظام القمعية متعددة الأسماء. وكذلك امتلاك النظام لوسائل الخداع والتضليل الملتوية، حول معاداة الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الامريكية، المكروهة من قبل شعوب الأرض كافة. لكن الحقيقة غير ذلك تماما. فنظام الملالي يعيش أضعف حالاته. خاصة وأن المعارضة الوطنية الإيرانية المنظمة، بقيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تغلغلت في المجتمع على نطاق واسع. وأصبحت قوة تهدد نظام الملالي بالسقوط في أي وقت، ودون سابق انذار.

قيادة الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، والعمل التنظيمي والسياسي الموسع، في الداخل والخارج ، من قبل المعارضة الوطنية الإيرانية، ومنظمتها المحورية، منظمة مجاهدي خلق، بقيادة السيدة مريم رجوي، لابد لها من قطف ثمرة التحول، بذهاب نظام الولي الفقيه الى مزبلة التاريخ، شانه شان كل الأنظمة العميلة والرجعية والديكتاتورية. وما حدث درس يجنب الشعب الإيراني ما آلت اليه ثورتهم ضد الشاه، والتي التهمها خميني وغصت بها العمائم.

 






الجمعة، 2 أغسطس 2024

ألدوس ليونارد هكسلى

 

ألدوس ليونارد هكسلى

 

خالد الجفري

كاتب وروائي من اصل إنجليزي عاش في أمريكا ولد قي 26يوليو1894م في غوداليمنج بريطانيا اشتهر بكتابات

الصوره من هنا

الروايات والقصص القصيرة وسيتاريوهات الأفلام. وقد فقد والدتهعام
1908   وفي عام 1911، عانى من العمى لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، فلم يكن نتيجةً لذلك مؤهلًا لأداء الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى. بعد شفائه، درس الأدب الإنجليزي في كلية باليول، أكسفورد، حيث تخرج مع مرتبة الشرف من الدرجة الأولى له اهتمامات بالبارا سيكولوجيا والتصوف الفلسفي الذي هيمن على معظم كتاباته، كما كان معادٍ للحروب ومهتمٌ بالقضايا الإنسانية. في آخر آيام حياته اعتُبر في بعض الدوائر الأكاديمية، قائدًا للفكر الإنساني الحديث ومثقف بارع .

أصبح عضوًا نشطًا في جمعية فيدانتا في جنوب كاليفورنيا لفترةٍ طويلة. كتابه, “أبواب الإدراك” يعكس تجربته مع المخدرات، وبعد نشر هذا الكتاب حدث بعض الخلاف بينه وبين سوامي برابهافاناندا، رئيس جمعية فيدانتا بشأن تجربته مخدرات LSD. ظل يشارك في أنشطة ذلك المجتمع من خلال المساهمة بكتابة المقالات لمجلاته وتقديم المحاضرات في المعبد.

جسد تجربته الخاصة في عملية تحسين بصره الضعيف بمساعدة أسلوب بيتس (هو طبٌ بديل يهدف إلى تحسين البصر ابتكره طبيب العيون الأمريكي ويليام بيتس الذي وجد أن استعمال النظارات الطبية لتحسين البصر غير نافع وغير ضروري) في كتاب “فن الرؤية”. ورغم أنّه يصنف نفسه كلا ديني لا أدَري كما عرّفه صديقه جيرالد هيرد إلى مبدأ الأهيمسا (وهو المذهب الهندوسي والبوذي القائل بالامتناع عن إيذاء أي كائن حي). فكان خلال الفترة من 1939 إلى 1963 يشارك بنشاطٍ مع جمعية فيدانتا في جنوب كاليفورنيا، برئاسة سوامي برابهافاناندا.

.   إن إلمامه بالقيم الروحية للفيدانتا ألهمه بكتابة "الفلسفة المعمرة" الذي ناقش فيه تعاليم الصوفيين المشهورين في جميع أنحاء العالم. كما كانت ذكرياته في كلية أوكسيدنتال والتي كان رئيسها صديقه المقرب، بمثابة مصدر إلهامٍ لروايته الساخرة "صيف بعد فصول". في عام 1939، حصلت هذه الرواية على جائزة جيمس تايت بلاك التذكارية للخيال.

أشهر روايته "عالم جديد شجاع" ظهرت في عام 1932 وهي تُعتبر واحدةٌ من أفضل 100 رواية في اللغة الإنجليزية خلال القرن العشرين. هذه الرواية تناقش قضايا مثل التكنولوجيا الإنجابية والتلاعب النفسي.

ولربما ثاني أفضل روايته هي "النهايات والوسائل" والتي نشرت في عام 1937، هذه الرواية تناقش القضايا المتعلقة بالحرب والدين والقومية والأخلاق، وفيها عبّر صراحةً عن جهل الناس في تحقيق الحرية والسلام والعدالة.

في عام 1960، تم تشخيص إصابته بسرطان الحنجرة. وقد توفي في سن التاسعة والستين.

تحميل كتب ومؤلفات ألدوس هكسلي pdf

عالم جديد شجاع

 عالم جديد شجاع

خالد الجفري

الصوره من هنا

اسم رواية للقاص (الدوس هكسلى) نشرت عام 1932م بعد أن اهتزت ثقة العالم بالأسس الرأس ماليه والبرجوازية والليبرالية بعد أن تعرضت أوروبا للحرب العالمية الاولى والكساد العالمي العظيم الذي قاد أوروبا إلى ارتفاع معدلات البطالة وانهيار البنوك والشركات، وتدهور أوضاع الفقراء. بدا جليًا حينذاك أن العالم يسير بأقصى سرعة نحو الهاوية.

حاول الكاتب في روايته التي تعتبر من أفضل 100 رواية مكتوبة بالإنجليزيةليقدم من خلالها رؤية تنبؤية لما يمكن أن تقود إليه توجهات العالم آنذاك، فصوّر عالمًا محكم التنظيم تُحركه التقنية وفق إيقاع رتيب ودقيق يضاد تمامًا سنوات الفوضى التي عاصرها الكاتب، لكنه في الآن ذاته رسم تصور متخيل لما يمكن أن يصير إليه العالم إن امتدت خيوط واقعه نحو المستقبل. 

صوّر هكسلى بروايته، التيتندرج تحت فئة الخيال العلمي الديستوبى، عالمًا مستقبليًا ظاهره اليوتوبيا حيث ينعم الجميع بسعادة لا يكدر من صفوها شيء، ولكن حقيقته، التي يبلورها الخطاب الروائي، تكشف عن ديستوبيا حقيقية يفقد فيها الإنسان حريته ويصير رهنًا للمتع الآنية، ولعبة في يد المتحكمين بالتقنية. يصير أقرب إلى آلة تحقق تمامًا ما بُرمجت عليه ولا يكون بمقدورها أن تتوقف يومًا لتعترض أو تغير مسارها. ومن هنا يقدم هكسلى تحذيرًا مما قد تؤول إليه التطورات التقنية في مجال البيولوجيا تحديدًا من تنميط للبشر يجعل التلاعب بهم وتوجيههم من قبل سادة التكنولوجيا أمرًا يسير المنال.

تبدأ الرواية في عام ٦٣٢ بعد فورد، حيث استبدل بالتقويم الميلادي تقويم فورد الجديد بعد أن تلاشت تمامًا كل صلة بالأديان، فصار «فورد»، الذى يشير إلى هنري فورد مؤسس شركة فورد للسيارات والذى كان له تأثير كبير على الإنتاج الصناعي وأحد القادة في تطوير التكنولوجيا، هو إله هذا العالم الجديد الذى ينشد الجميع مبادئه ويتخذون من T رمزًا له في إشارة إلى الاستعاضة عن رمز الصليب المسيحي بموديل لسيارة هنري فورد، واستبدال التكنولوجيا والصناعة بالقيم الدينية، ومن ثم التحول من الخلق الإلهي إلى الخلق التكنولوجي.

إن كان الجانب الأكبر من شقاء الإنسان ينبع من تطلعاته غير الملباة ورفضه وضعه القائم واشتهائه لما يعجز عن تحقيقه، فإن هذه المعضلة لا مكان لها بالعالم الجديد الشجاع الذى يتخيله هكسلى، فالأفراد في مرحلة التبويض الصناعي يُجرى تكييفهم وهندستهم وراثيًا بما سيلائم حياتهم المختارة من الجهات المهيمنة، فكل فرد يُعد جينيًا بما سيوافق الطبقة التي سينتمى إليها والوظيفة التي سيعمل بها، ويُلقّن عبر منهجية صارمة بالقواعد التي سيتبعها في حياته بما في ذلك مساحات المتعة والترفيه. 

في العالم الجديد الشجاع لا مجال لحيرة الاختيار أو لاضطرابات الإرادة البشرية، إذ لا إرادة ولا تفكير ولا تطلع إلى ما يغاير النظام المعد سلفًا، ومن ثم لا مكان لشقاء الرغبات والتطلعات في هذا العالم المُهندَس بدقة. في «مركز لندن للتفريخ والتكييف» يتم تصنيع البشر وفق خمس طبقات هي ( ألفا وبيتا وجاما ودلتا وإبسيلون)، وجميع الأفراد داخل الطبقة الواحدة متساوون ومن ثم لا مجال لتنافس أو صراع، كما أنه لا مجال لتنافس بين الطبقات لأن لكل طبقة خصائصها الجينية التي تضعها في مكانها المحدد بصرامة، علاوة على البرمجة النفسية التي يتعرض لها الجميع بسنوات العمر الأولى والتي تجعلهم سعداء وقانعين تمامًا بوضعهم.

تُصنّع الطبقات الأدنى مثل (الجاما والدلتا والإبسيلون) وفق عملية يطلق عليها «عملية بوكانوفسكى»، وفيها تُقسّم البويضة البشرية إلى ستة وتسعين جنينًا متطابقًا، أي نسخ النسخة الأصلية إلى عشرات النسخ، ومن ثم يمكن لهم العمل تمامًا مثل الآلة كما يتم تكييفهم لتحمل ظروف العمل المنوط بهم القيام بها، وتتركز معارفهم حول العالم على ما يراد لهم معرفته فقط كي يؤدوا وظائفهم على أكمل وجه. أما الطبقات الأعلى مثل ألفا وبيتا فتتفوق على الطبقات الأخرى في التكوين الجسديوالعقلي وتؤهل لتقلُّد مناصب مرموقة. 

يُصاغ كل جانب من الحياة في العالم الجديد الشجاع بدقة بالغة، فليست الوظائف فقط هي ما تُحدد سلفًا وإنما تُبرمج الرغبات الجنسية في إطار ينأى تمامًا عن الزواج، ويرنو للمتع الآنية واللحظية، ففي هذا العالم من الممنوع إقامة علاقة طويلة الأمد مع شخص واحد، ويتعين أن يكون «الجميع من أجل الجميع» فتُشجع العلاقات الجنسية العابرة ولا يعد الجنس شيئًا يجب إخفاؤه، فالتدريب على ممارسة الجنس يبدأ منذ ألعاب الطفولة الجنسية ولا يعتمد على المشاعر، إذ إن العواطف وهوايتها من الماضي القديم جدًا، ولم يعد ثمة وجود لها في هذا العالم السعيد. 

ليس لدى سكان العالم الجديد ما يدعوهم للسخط، فالحياة مستقرة تمامًا وليس هناك ما يستدعى القلق بشأن شئون المعيشة اليومية، كما أن العلاقات الجنسية المفتوحة تضمن إشباعًا فوريًا بدون حسابات مسبقة، ولم يعد الناس يشيخون أو يمرضون فقد جرى تعزيزهم بما يخلصهم من عيوبهم الجسدية القديمة، وفوق كل ذلك، هناك عقار «السوما»، وهو مخدر مهمته الحفاظ على أعلى مستوى من السعادة وتناسى أى شائبة قد تسبب القلق. ولكن في قلب هذا العالم المهندس بدقة ورفاهية تكمن الأزمة التي تكشف عنها الرواية. 

مظاهر الديستوبيا في العالم الجديدإن كان سُكان العالم الجديد لا يشعرون بأي غصة من كونهم مجرد أدوات يتلاعب بها قادة التكنولوجيا لأنهم لا يعرفون سوى ذلك المصير، فقد مُحى الماضي والتاريخ القديم تمامًا بأساطيره وأديانه ومعتقداته وتقاليده وبات استرجاعه مشروطًا بتذكر كونه محض هراء قديم جدًا نجح العالم الجديد في الخلاص منه، وإن كانت ثمة مجتمعات بدائية لا تعرف «الحضارة» لا تزال مؤمنة به. رغم ذلك، يعزز هكسلى عبر سرده الروائي من مظاهر الديستوبيا المغطاة تحت قناع العالم الجديد الشجاع. 

تتمثل أبرز مظاهر الديستوبيا في ذلك العالم المتخيل بالفقدان التام لحرية الإنسان؛ إذ لا ينعم الإنسان المُصمم ليصير إلى الآلة أقرب بأي فكر عن الحرية، فكل فرد يخضع لمكانة حتمية بالعمل والطبقة الاجتماعية وأسلوب الحياة، ويُبرمج بما يحقق الانضباط في المجتمع سواء بالنمط التعليمي المتبع منذ الطفولة أو بتعزيز فكرة «الجميع من أجل الجميع» والتي تتحقق باحتفالات جماعية منوعة مثل «يوم فورد»، و«يوم التضامن الاجتماعي»، وتضم أغنيات جماعية تعمل على تحقيق اندماج الفرد مع أهداف السلطة وتوجهات الجماعة، كما يتضمن النظام الصارم قواعد تقتضى الإلقاء بالمعارضين، إن وجدوا، فى المنفى. 

جانب آخر من مظاهر الديستوبيا في هذا المجتمع المتخيل يتمثل في تلاشى المشاعر الإنسانية، فالأطفال تبرمج على كراهية الكتب والأزهار منذ طفولتهم، من خلال الربط الشرطي بين الاقتراب منهما والتعرض لصدمة كهربائية صاعقة، ويدربون على رؤية الذين يتعرضون للموت كي يصير الموت بالنسبة إليهم مألوفًا وغير مزعج، كما يلقنون فنون الجنس باعتبارها من ألعاب التسلية غير ذات الصلة بأي مشاعر إنسانية، ويحرمون من كل علاقة حميمية قائمة على المشاعر إذ لا أمومة ولا أبوة ولا زواج ولا حب.

يؤسس هكسلى للتصارع بين عالمين ونمطين مختلفين من الفكر بزرع بذور الصراع والرفض عبر شخصيتي «هلموتز واتسون» و«برنارد ماركس»، والشخصيتان من فصيلة ألفا، فالأول يشعر بأن ثمة حاجة روحية لديه غير متحققة يريد أن يعبر عنها عبر الكتابة، أما الثاني، الذى يُروَّج لحدوث خطأ في هندسته حينما كان جنينًا في الزجاجة أدت إلى اختلاف سماته الفيزيائية والنفسية، فيرفض الحياة الآلية التي يحيا في ظلها سكان العالم الجديد الشجاع ولا يؤمن بالمبدأ السائد «الجميع من أجل الجميع».

يصطدم ماركس، الذى هو بمثابة شخصية ضدية يُعبِّر حتى اسمها الذى يستدعى كارل ماركس عن توجه مضاد للتوحش الرأسماليالاستهلاكي، بالأنماط المحددة ليكشف من خلال ذلك الاصطدام عن مثالب النظام المصمم بدقة وبراعة. يريد كل من ماركس وواتسون ألا يصيرا مجرد أكواد في نظام الجماعة العام وأن يحيا وفقًا لما تمليه عليهما فرديتهما.

يعزز هكسلى عبر منظور «جون البدائي» حقيقة اللاإنسانية التي يحيا في كنفها العالم الجديد، فجون الذى يترنم بعبارات حفظها من أعمال شكسبير على مدار حياته، تفجعه حقيقة برود العالم الجديد الذى يعتبر الأدب من مخلفات العالم القديم ولا داعي لاستدعائها، والذي يؤمن بأن الكتب قد تجعل الناس يتساءلون عن العالم من حولهم وهو ما يخالف الواجبات التي يتعين عليهم القيام بها. 

هنا يحضر الأدب والفن المفعمان بالمشاعر الفياضة مقابل التقنية المحكومة بالقواعد الآلية الصارمة، وتبدو حرارة الحب وحميميتهفي مواجهة العلاقات الجنسية العابرة واللذات الآنية سريعة الانطفاء، كما تأتى الأمومة التي باتت من ألفاظ العالم القديم المشينة في مواجهة العلاقات النفعية والاستهلاكية. يصير ما أطلق عليه «بدائية» في مواجهة ما يسمى «الحضارة»، ويُقيّض للقارئ أن يفكر في المغالطات والتحيزات التي تحملها تلك الثنائية الزائفة. 

لا يزال عمل هكسلى الكلاسيكي صالحًا حتى اليوم لدفع القراء نحو رؤية التهديدات التي يحملها لنا التقدم التقني المتعاظم، فمع شمس كل يوم جديد يجد العالم أمامه مفاجأة جديدة من المفاجآت التقنية، وفى خضم النقاشات المتواترة بشأن التطورات الأخيرة بالذكاء الاصطناعي , والهندسةالبيولوجيةوالسيطرة على حركة سكان العالم وجمع بياناتهم, وصناعة القتل والإبادةالجماعية بالحروب والتجويع و الإفقار للشعوب ونشر الأوبئة والتغيرات المناخية وغيرها التي تهدف إلى تقليل سكان العالم ليسهل التحكم بالبشر والموارد.

لتحميل رواية (عالم جديد شجاع ) من (هنا) او (هنا)