قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023

إعدامات غير معلنة في سجن الناصرية العراقي

 إعدامات غير معلنة في سجن الناصرية العراقي

العربي الجديد


خلال احتجاج لذوي ضحايا على عدم إعدام سجناء متهمين بالإرهاب بسجن الناصرية، 2021 (فرانس برس)


أفادت مصادر أمنية من داخل سجن الناصرية جنوبيّ العراق، المعروف أيضاً باسم سجن "الحوت"، بتنفيذ أحكام إعدام بحق مدانين دون إعلان ذلك خلال الشهرين الماضيين، في خطوة تشي بوجود نهج جديد في التعامل مع ملف المحكومين بالإعدام، دون إحداث أي ضجة شعبية أو إعلامية.

وأدين أغلب المعدومين خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006_2014) وفترة الحرب على تنظيم "داعش" (2014_2017).

ويعتبر ملف السجناء العراقيين، خصوصاً المحكومين بالإعدام، والذين يتجاوز عددهم 17 ألف شخص، من أبرز القضايا التي شكّلت جدلاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً واسعاً في البلاد خلال السنوات الماضية، إذ أدين معظمهم وفقاً لمعلومات "المخبر السري"، والاعترافات تحت الإكراه والتعذيب، بحسب منظمات حقوقية وإنسانية عراقية وأجنبية.

ووعدت القوى العربية السُّنية جمهورها، خلال الانتخابات الأخيرة، بالمضي في إقرار قانون العفو العام، الذي يتضمن توفير ظروف قانونية لإعادة محاكمة السجناء، لضمان العدالة القضائية.

ووفقاً لما أفادت ثلاثة مصادر أمنية من داخل سجن الناصرية ووزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد"، فإن إدارة السجن نفذت خلال الفترة الماضية أحكام إعدام بحق عدد من المدانين بتهم "الإرهاب".

وقال أحد المصادر إنه "جرى تنفيذ الأحكام ببعضهم، رغم إصابتهم بأمراض مزمنة، وآخرون يعانون من أمراض كلوية وتنفسية وجلدية"، مبيناً أن "الأحكام نُفذت دون إعلانها، وأُبلِغ ذووهم بتسلّم الجثث من دائرة الطب العدلي في الناصرية".

تاريخ من الانتهاكات والتعذيب

وفي مارس/ آذار الماضي، توفي ثلاثة سجناء في سجن الناصرية في جنوب البلاد لأسباب ما زالت مجهولة، في حادثة كانت الخامسة من نوعها في أقلّ من شهر واحد، وانتحر قبلها سجين، في حين وصلت شكاوى غير قليلة إلى منظمات محلية ودولية من سجناء، تشير إلى وجود انتهاكات وتعذيب وتجويع وابتزاز وغيرها الكثير من الشواهد الصارخة ضد معايير حقوق الإنسان، دون إجراءات حقيقية من قبل السلطات، حتى إن اللجان التي عادة ما تعلن عنها وزارة العدل العراقية، تختفي بعد مدة ولا يُعرف مصيرها.

ويقع سجن "الحوت" في مدينة الناصرية، ضمن محافظة ذي قار جنوبيّ العراق، ويضمّ نحو 40 ألف معتقل، وهو أكبر السجون العراقية بعد إغلاق سجن "أبو غريب"، ويلقبه مراقبون بالسجن العراقي "صاحب الصيت السيئ".

وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير سابق له "وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد"، مشيرًا إلى أن عدّاد المتوفين لا يتوقف، وأنهم يتوفون بالعشرات في توقيتات متقاربة، وأغلبهم في سجن الناصرية المركزي.

وأكد "احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، من طريق وضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيّأة صحياً لسنوات عدّة بدوافع انتقامية وطائفية، مع انعدام الظروف الصحية في معتقلاتهم".

وفي السياق، أكدت مصادر حقوقية وأخرى من منظمات المجتمع المدني العراقي، أن "بلاغات وإفادات حصلت عليها المنظمات، تكشف حالات الإعدام المفاجئ لعدد من السجناء خلال الأشهر الماضية، وأن ذوي المحكومين بالإعدام تلقوا اتصالات من إدارة السجن، وطالبوا بنقل جثامينهم إلى المقابر، وإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم الكشف عن أية معلومات".

وأوضحت هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الممارسات موجودة منذ عام 2003 ولغاية الآن، لكنها تزيد في فترات بعينها مثل الأزمات والانشغال بالانتخابات أو الحوادث الأمنية، حيث تعتبرها فترة مناسبة لتنفيذ أحكام الإعدام التي تشوبها اتهامات وانتقادات بالنهج الكيدي والطائفي، إذ إن انشغال العراقيين بالأحداث يمنع الكشف عن هذه الممارسات، التي عادة ما تشبه الحفلات، حيث يقاد العشرات إلى الإعدام في توقيتات متقاربة جداً.

ولفتت إلى أن "بعض أحكام الاعدام نُفذت دون حضور محامي المدانين، وترشيح محامٍ منتدب من المحكمة، رغم أن المدانين وكلوا محامين على حسابهم، حتى إن أحكاماً أخرى جرت دون وجود طبيب يثبت حالة الوفاة. فقد ظهرت بعض ملامح التعذيب قبل الإعدام على جثامين بعض المحكومين، وثمة آخرون تبيَّن أنهم بقوا معلقين بحبل المشنقة لفترة طويلة، بحسب شهادات ذوي محكومين".

وكان عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي، قد أثار سابقاً ملف "التعذيب الممنهج" داخل "سجن الحوت" جنوبي العراق، بعدما تحدث عمّا سماه "الإبادة الجماعية" داخل السجن، مؤكداً أن السجناء يفكرون بـ"الانتحار" للتخلص من التعذيب. وأكد رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب أرشد الصالحي، أن "أي رئيس للوزراء لا يستطيع حلّ ملف السجون، على الرغم من أن العراق موقع على الاتفاقيات الدولية، وهو مساءل أمام المجتمع عن الخروقات في سجونه، ونحن خلال زياراتنا للسجون حددنا الكثير من النقاط، لكن عند إثارة ذلك تقف قوى سياسية بوجهنا".

من جهته، قال نائب عراقي رفض الكشف عن اسمه، إن "سجن الحوت متهم بتعذيب السجناء وابتزازهم. هذه المعلومات تصل إلينا من خلال مناشدات ورسائل وطلبات. وبعض أعضاء مجلس النواب يتواصلون مع وزارتي العدل والداخلية من أجل منع هذه الانتهاكات، لكن بصراحة لا يوجد أي تعاون في هذا الشأن".

وبيّن أن "تجميد عمل مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أدى إلى تعاظم وكثرة هذه الحالات، لأن المفوضية كان لديها موظفون يعملون على رصد هذه الحالات".

وأكمل النائب حديثه مع "العربي الجديد"، قائلًا إن "مسؤولين من وزارة العدل يبررون في مجالسهم الخاصة، أن تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين بالجرائم، لا يُعلن أحياناً، تجنباً لأي مشاكل قد تحدث داخل السجن، حتى إن السجين أحياناً يُقاد إلى غرفة الإعدام وهو لا يعلم ماذا سيحدث معه بعد دقائق، لأجل منع أي حالة عصيان، والأمر لا يتعلق بالاحتجاج الإعلامي أو الشعبي على بعض الأحكام، وهذا وفقاً لرأي بعض المسؤولين في وزارة العدل".

السرية هربًا من ضغوط وإحراج المجتمع الدولي

أما العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، فقد أشار إلى أن "السلطات في العراق تتعرض عادة لضغوط وإحراجات عديدة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات في سبيل تخفيف أحكام الإعدام عن متهمين ومدانين في السجون العراقية، وهذا ما يدفعها أحياناً إلى اتباع السرية في تنفيذ أحكام الإعدام"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، بأن "المحاكم العراقية وآليات تنفيذ حكم الإعدام لا تخرق القانون، لكنها تراعي أحياناً مسألة تلافي الضغوط باتجاهات معينة".

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في البلد، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقرب من المائة ألف سجين تتوزع على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.

وتعاني هذه السجون من إهمال كبير، وغياب للدور الرقابي من قبل الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث فيه عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق