قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 13 ديسمبر 2023

الحروب الدينية في أوروبا

 الحروب الدينية في أوروبا


خالد الجفري

حروب دينيه (هنا)
تمهيد

تعتبر حروب العقائد الدينية من أبشع واعنف الحروب وأكثرها إجراما وقتل وتنكيل وتعذيب وتشريد, حيث إن كل طرف ديني يعتبر نفسه على الحق وغيره على (باطل أو على ظلاله أو كافر أو ملحد). حيث كل طرف يعتبر نفسه يمثل القدرة الإلآهيه ويريد دينه أو مذهبه أن يكون السائد. لذا في الحروب ألدينه يقوم  كل طرف بمحاولة إبادة الآخر في حروب أباده جماعية فيحدث تشريد وتنكيل وتعذيب وفرض أفكار مذهبيه ودينيه بالقوة والإكراه وهذا ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى حيث لم يستطع أي من الإطراف إبادة الأخر أو السيطرة الكاملة لمذهب أو دين واحد على حساب الآخر. بل انتشر القتل والخوف (نهب وانتشار السرقة والرذيلة) والفقر والمرض وساد أوروبا ما يسمى بالعصور المظلمة  ويقدر عدد القتلى ما بين ( 30% إلى 40% ) من سكان أوروبا الوسطى.

تعتبر أوروبا مسيحيه حيث تبنى القيصر قسطنطين مؤسس القسطنطينه  (الديانة المسيحية) وفرض الدين على كل أوربا بالقوة بعد أن كانت أوروبا وثنيه. واصطبحت بذلك ألإمبراطوريه الراعية للمسيحية في كل أوروبا.

انتشر في غرب أوربا المذهب الكاثوليكي وفي شرق أوروبا المذهب الأرثوذكسي وفي شمال أوربا المذهب البروتستانت, البروتستانت يعادون بشده الكاثوليك ويعتبرون الكنسية الكاثولوكيه محرفه خصوصا بعد إن تدخلت الكنيسة في السياسة وأصبحت مؤيده للامبراطوريه الرومانية وأصدرت صكوك الغفران وحلت تنظيم فرسان المعبد وأيدت الكنيسة الكاثوليكية قتل وتعذيب فرسان المعبد فهرب من بقي من الفرسان إلى اسكتلندا واعتنقوا البروتستانت والانجيلكانيه .

يؤمن البروتستانت و الانجليكان بالإسفار القديمة ويرون إن النبي عيسى كان يهوديا ومن ذرية يهوذا (يعقوب عليه السلام) وعليه يجب مساعدة اليهود لإعادة بناء الهيكل وقيام ألدوله اليهودية في فلسطين (ارض الميعاد) تمهيدا لعودة المسيح.

لن ادخل كثيرا في المعتقدات الدينية ولكن انتشار البروتستانت في الدول الاسكندافيه وفي شمال ألمانيا وشمال فرنسا وفي التشيك بما يحملون من أفكار تجاه الكاثوليك والامبراطوريه الرومانية ألمقدسه زاد من التوتر المذهبي والديني ولا يعتقد بان الحروب كانت ناتجة عن التعصب الديني فقط بل إن للعامل الاقتصادي دور كبير حيث كان الفلاحين في شمال ألمانيا بروتستانت فقراء والإقطاع في جنوب ألمانيا كاثوليك ويحضون بدعم الامبراطوريه الرومانية ألمقدسه.

الحرب

أخذت الحرب أشكال متعدد منذ انتشار البروتستانت فعندما تبنت الأسر الحاكمة في اسكتلندا وبريطانيا المذهب قامت حروب للسيطرة على الأراضي أو انتزاع أراضي ولكن الحروب باسم توسع الممالك وخصوصا بين بريطانيا وفرنسا .  

ولكن في القرن الخامس عشر الميلادي بدأت حرب البوهيميين  (حروب الهوسيين (1419–1434) في أراضي التاج البوهيمي )مع الامبراطوريه الرومانية ألمقدسه وكان أساس الحرب ديني حيث رفض البوهيميين سيطرة الدولة الكاثوليكية ( البويهيميين قبائل تسكن غرب التشيك ينتمون إلى الكنيسة البروتستانتية ومن اكبر مدنها براغ العاصمة وبعض المدن الكبرى في غرب التشيك) انتشرت الحرب إلى أن حلت بالبويهيميين الهزيمة في معركة (التل الأبيض) انتشر خلال هذه الحرب نوع من القتل يسمى ( القذف من النافذة) حيث كان يرمى المخالفون من النوافذ.

بدأت ثورة الفرسان عام 1522 وحرب الفلاحين الألمان عام 1524 التي شهدت مقتل 300 ألف فلاح بروتستانتي.

صلح اوغسبورغ  سبتمبر عام1555م

هذا الصلح كان يعتبر صوت العقل إلا إن كل الإطراف خرقته ويمكن أن نحدد أهم بنوده :-

1-- أقرر صلــح أوغســبورغ الحرية الدينيــة للإمارات البروتستانتية، وتعهد الإمبراطور والمنتخبون (الحكام) والأمراء بأن يتركوا الولايات البروتستانتية ّ تؤدي شعائرها الدينية بكل حرية، بألا يتعرضوا لهم بأي أذى.

2-- على الرعايــا الذين يريدون البقاء حيث هــم أن يدينوا بالمذهب الــذي اختاره الحاكم في ولايتــه، وإلا فلهم الحق في مغــادرة الولاية التي يعيشون فيها، ولكل شــخص منهم الحق في أن يأخذ معه أمواله وممتلكاته، دون التعرض له بأي أذى.

3-- أقرر الصلح أن يحتــرم الأمراء البروتســتانت الحرية الدينية للأمراء والمقاطعــات التي ما زالت مخلصة للكاثوليكيــة، وأن تبقى أملاك الكنيسة الكاثوليكية التي أخذها البروتستانت قبل عام 1552م في أيدي من اســتولى عليها من رجال الدين ...أو غيرهم، وأما الأملاك التي فقدتها بعد عام 1552م فيجب ردها إلى الكنيســة.

في سويسرا استمرت الحروب بين البروتستانت والكاثوليك من عام 1528م، إلى عام 1531م. وازدادت ضراوة الحرب مع ظهور الكالفينيه.

مع إن صلح أغسبورغ كان يمثل صوت العقل إلا انه لم يستمر حيث خرق من جميع الإطراف.

جون كالفِن (1509-1564)
الكالفينيه واللوثريه

الكالفينيه  ظهر في القرن السادس عشر ()ما يسمى بالإصلاح الديني داخل الكنيسة البروتستانتية حيث ظهرت
الكالفينيه وهي نسبة إلى المصلح (جونكالفن ) (بروتستانتي) حيث درس أسفار العهد القديم وطلع بأفكار اصطلاحيه جديدة وكان في سويسرا في مدينة جنيف حيث سمى المدينة بمدينة الرب, وعارض بشده الكنيسة الكاثوليكية. وكانت لديه مقدره أقناعيه كبيره استطاع أن يكسب إتباع جدد وتمدد إتباعه في كل أوربا.

 

اللوثريه أيضا في بداية القرن السادس عشر الميلادي (31 اكتوبر 1517  ) ظهر مصلح آخر يدعى (مارتن لوثر)
وهو ألماني بروتستانتي,  أيضا درس أسفار العهد القديم باللغة اليونانية وخرج بأفكار جديدة وعارض ألإمبراطوريه الرومانية ألمقدسه والكنيسة الكاثوليكية . وتبعه الكثيرين وأصبح قوه حاربوا إتباعه وحاربته الممالك الكاثولوكيه والامبراطوريه الرومانية ألمقدسه.


اللوثريه

حروب فرنسا الدينيه

اجتاحت الحروب البروتستانتية والكاثوليكية فرنسا بين عامي 1562 و1598 خلال فترة مدمرة من الفوضى عُرفت باسم "العصر المظلم الصغير"، ولم تنته إلا من خلال المناورات الدبلوماسية الحكيمة للملك هنري الرابع.

كان هنري الرابع، إلى جانب مستشاره الرئيسي ماكسيميليان دي بيتون (المعروف أيضًا باسم: دوق سولي) هو من قام بإصلاح فرنسا من خلال إرساء التسامح الديني في مرسوم (نانت) الشهير عام 1598 (إزالة اللوثرية والكالفانية من قائمة البدع)، مع تضييق الخناق على الفساد. وحظر الربا وإنهاء المضاربة وحظر الإيجارات المرتفعة والاستثمار في التحسينات الداخلية مع التركيز على صناعة المنسوجات والإصلاحات الزراعية.

وهنا

تصوير لمذبحة سان بارتيليمي التي قام بها فرانسوا دوبوا
أدى انفجار النمو الاقتصادي الناتج عن هذه الإصلاحات إلى مضاعفة إيرادات فرنسا في غضون 12 عامًا، وإحياء روح الملك العظيم لويس الحادي عشر ، الذي بناء الأمة، وحول فرنسا من منزل منقسم في الحرب الأهلية إلى دولة موحدة نالت إعجاب جميع شعوب أوروبا (وازدراء الأوليغارشية المالية).

ومن الواضح أن هنري الرابع كان يهدف أيضًا إلى إحياء تقاليد  شارلمان العظيم  الذي كان آخر ملك يوحد أوروبا بأكملها تحت مبدأ مشترك للقانون، عندما قال إن أوروبا يجب أن تصبح "جمهورية مسيحية، مسالمة تمامًا داخل نفسها". 

حروب الثلاثين عام

حدثت هذه الحروب في ألإمبراطورية الرومانية المقدسة المجزأة للغاية والتي كانت آنذاك تحتل معظم ألمانيا والنمسا وجمهورية التشيك وبولندا اليوم.  قسمت الإمبراطورية الرومانية المقدسة تحت مجموعة من السيادات الصغيرة,وخلافا لألمانيا اليوم إنها الأرض التي انفجرت فيها صراع ديني خلال هذه السنوات المظلمة كانت خاضعة لسيطرة أمراء الحرب ذوي العقول الصغيرة الأمراء والدوقات الذين كانت قوتهم متوقفة على عدد المرتزقة الذين يمكنهم استئجارهم والأراضي التي يمكنهم سرقتهافي المجمل، كانت هناك أكثر من 350 دولة وإمارة صغيرة إلى جانب 2000 ولاية قضائية .

إن القول بأن حرب الثلاثين عامًا كانت ذات طبيعة دينية بحتة هو خطأ مبالغ فيه, وكما أوضح المؤرخ بيير بودري ببراعة ، إنه طوال فترة الصراع، غالبًا ما استخدم البوربون الكاثوليك في فرنسا وكلاء بروتستانت في ألمانيا لمحاربة آل هابسبورغ الإسبان (الكاثوليكيين) الذين كانوا منافسين إقليميين على  البلدان المنخفضة  أوفي بولندا.

 

أسباب الحروب الدينية في أوروبا

سنحاول تلخيص أهم الأسباب التي أدت إلى هذه الحروب وهي:-

1— ضعف الإمبراطورية الرومانية ألمقدسه

2— التدخلات الخارجية التي تحاول السيطرة إما على ممرات ألملاحه البحرية , أو النهرية او الاستيلاء على الاراضي.

3--فإن غياب أي قواعد للسيادة الإقليمية رحب بالتعدي المستمر للفصائل على أراضي بعضها البعضدفع أباطرة هابسبورغ النمساويون المجريون باستمرار السياسات التوسعية، وغالبًا ما كانت تُلعب ألعاب البندقية في بحر البلطيق والبحر الأسود، بينما كانت كل من البندقية والهولنديين وغيرهم من المستثمرين يمولون جميع الأطراف المتحاربة طوال سنوات الفوضى.

 

4— الفقر المدقع الذي دفع بالناس إلى العمل كمرتزقة مع الممالك والإمارات والاقتطاعات المتقاتله.

5— طموح وسعي رجال الدين في السيطرة على السلطة والثروة .

6—انتشار التعصب الديني والمغالاة والفجور في العداوة.

7—الاتهامات المتبادلة بين الكنائس المختلفة (التكفير و الإلحاد و التحريف والبدع)   

8—كثرة الفتاوى التي تعطي القدسية للكنائس والرهبان والقساوسة مثل (طاعة الكنيسة من طاعة الله ) (طاعة القساوسة والرهبان من طاعة الله) وبالتالي ( فإن معصيتهم هي معصية لله). وهذا ما جلب العديد من المرتزقة لمحرقة الحروب والموت.

9 -- انتشار الفساد المالي والأخلاقي في كل مجالات الحياة.

10—فساد الكنيسة (بيع الرتب الاجتماعية والوظيفية وبيع صكوك الغفران). لمحاولة الإثراء والصرف على الحروب والمرتزقة.

الصوره من هنا
فإن هذه الحروب كانت صراعا ًبالقتــل والتعذيب والحرمان، واتهامات بالكفر والزندقــة والإلحاد، وأحكاما أدت

إلى هدم جســور الثقة، وســاد الشــك والريبة في علاقات الدول، وبين الأفراد والجماعــات، واختفى الحوار الهــادف والاحترام المتبادل والســلام ّ.

أنتشر الكثير من الدمار والخراب، وســاد والتعصب، وعصفت بأمان الناس، وحل الاضطــراب والفوضى في شــتى الأرجــاء، وانتشــرت الاضطهاد الدينية واضطــرب المناخ الديني، وعجز الكثير عن تأدية شــعائرهم وطقوســهم بسبب ّ إجبار الناس على اعتناق مذاهب تخالف عقيدتهم الدينية، وراح الأمان، وتم صار الآلاف من المضطهديــن والمعذبين فــي الأرض الأوروبيــة من خيرة العقــول، ومن العمــال والحرفييــن المهرة يبحثــون عن ملاذ آمــن، وراحوا يلتمسون أماكن يجدون في رحابها الأمن والأمان والملاذ والتسامح، وذلك مع انتشار ثقافة اضطهاد المخالفين للعقيدة كشكل قبيح من أشكال اللاتسامح. والواقع أن جميع البشــر شــعروا بلهيب نار الفتن الدينية، التي استمرت ســنوات طوال واكتوى الكل بنارها، ولقي مئات الآلاف مــن الناس مصرعهم ّ بسبب الفوضى ، وانتشر الســلب والنهب، والسرقة والفســاد، والتبراء ً، والاضطراب المســتمر، وانتشــرت المذابح، وســالت الدماء أنهارا وضاعت ميزانيات الدول، وســاد عدم الإخلاص والتفريط في مصالح الوطن، وزادت الضرائب ّ ومات النــاس جوعا وانتشرت الأزمات الداخلية، فارتفعت الأســعار، بشكل يفوق طاقة البشر، وانتشر القمع والترويع، والإرهاب والتخويف.

كل ذلك بسبب رجال الدين وبســبب أعمالهمالتي غلب عليها الطابع الدنيوي، فقطً، صاروا ينافســون الملــوك والأمراء في ّشــون الملك والسلطه وترك الدين جانبا حيث راح رجال الكنيســة يبحثون عن الترف والإسراف والانحراف والفســاد؛ وخاصة في القضاء الكنسي، والتي ُشرى بالمال، وساد فيها تعيين الأقارب والمقربين وأصبحت العدالة فيه لصالح المناصــب الدينيــة العليا، وانتشــار ظاهرة الســيمونية، أو بيــع الوظائف الكنســية، وبيع صكوك الغفران وانتشار الجهل والانحطاط الخلقي والإهمال والتسيب، مما أشاع بين الناس الشعور بالسخط على الكنيسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق