قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 30 مارس 2012

ليبيا .. من الجماهيرية العظمى الى الفيديراليات الصغرى


ليبيا .. من الجماهيرية العظمى الى الفيديراليات الصغرى

ليبيا .. من الجماهيرية العظمى الى الفيديراليات الصغرى
كاتب ليبي
عرف عن الشهيد معمر القذافي ارتباطه الوثيق بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وولعه الشديد بالوحدة العربية، حتى أطلق عليه الزعيم جمال عبد الناصر "لقب أمين القومية العربية والوحدة العربية " وذلك بسبب مبادراته الوحدوية وانشغاله بالهموم القومية، لقد كان القذافي من المتحمسين للوحدة الاندماجية بين الدول العربية المجاورة، ويسجل له التاريخ عشرات المبادرات الوحدوية منها على سبيل المثال : (1) ميثاق طرابلس الوحدوي بين مصر –السودان – ليبيا (2) اتحاد الجمهوريات العربية بين ليبيا-مصر-سوريا والتي اعتبرها النواه الاساسية لتحقيق الوحدة الشاملة (3)والوحدة الاندماجية بين ليبيا ومصر (4) المسيرة الوحدوية التي قادها من رأس أجدير متجهة إلى مصر تعبيرا عن إرادة الشعب العربي في تحقيق الوحدة العربية الاندماجية (5) بيان جربة لإقامة الجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس (6) بيان حاسي مسعود الوحدوي بين ليبيا والجزائر (7) وبيان وجدة الوحدوي بين المغرب وليبيا لإقامة الاتحاد العربي الإفريقي (8) دعوة الأقطار العربية في سنة 1988 إلى الانضمام للاتحاد العربي الإفريقي (9) بالاضافة الى مناداته بتطوير الجامعة العربية وتحويلها من اطار تنسيقى شكلى إلى اتحاد حقيقى بين البلدان .

شعر القذافي بخيبة امل في تحقيق الوحدة بين اقطار الدول العربية، فحول نظره نحو القارة الافريقية حيث وجد فيها ضالته فصار يدعو للوحدة الأفريقية ، لقد بذل القذافي جهودا كبيرة لتطوير منظمة الوحدة الأفريقية وتحويلها إلى الإتحاد الأفريقي من خلال اعلان سرت الشهير، وسعى ايضا إلى قيام الولايات المتحدة الأفريقية فاستحق بحق لقب " ملك ملوك افريقيا"، نجح القذافي في كسب ود شعوب وزعماء القارة الافريقية ونجح في تكوين الاتحاد الإفريقي، بالاضافة الى مبادراته الاخرى فيما يتعلق بالبرلمان الإفريقي الموحد و المصرف الإفريقي و الجيش الإفريقي الموحد، ولعل من اهم مبادرات القذافي واخطرها على السواء هي دعوة الدول الاسلامية والافريقية للانضمام الى تحالف لاعتماد "الدينار الذهبي" بدل اليورو والدولار كنظام مالي وعملة للتبادل الاجنبي حيث يتم بيع النفط والموارد الاخرى للولايات المتحدة وبقية العالم بالدينار الذهبي فقط، فكانت هذه المبادرة من الاسباب الرئيسية لتحريك قوات حلف شمال الاطلسي واحتلال ليبيا.

ان طموح القذافي ومساعيه ونشاطاته في القارة الإفريقية اثارت روح الفكاهة والتندر عند العرب الغافلين، لكنها في ذات الوقت اثارت حفيظة الغرب وسببت لديهم قلقا كبيراً خصوصا فرنسا التي لديها نفوذ كبير في القارة الافريقية واصبحت تشعر بتهديد مصالحها، وعلى الرغم من استخفاف كثير من العرب بنظريات القذافي وجهوده، الا ان القذافي في نظر الغرب يعتبر قائدا مستقلا ومؤثرا وخصما عنيدا يشكل عقبة في طريق مشاريعهم الاستعمارية المهيمنة.

عاش القذافي ومات وهو يحلم بالوحدة، وقبيل وفاته ازداد تاكيده على اهمية الوحدة العربية لمواجهة الفتن والاضطرابات التي يتعرض لها الوطن العربي، لقد استطاع القذافي خلال فترة حكمه الطويلة ان يحافظ على وحدة التراب الليبي ووحدة شعبه، ومن المؤسف ان نرى نهاية تلك الافكار العظيمة والمبادرات والمشاريع الوحدوية التي سعى اليها في ليبيا وفي القارة الافريقية تدمر باسم الثورة وعلى ايدي مجموعة من الخونة والعملاء والفئات المغرر بها.

لقد ذهبت ليبيا الجماهيرية العظمى بمجدها وعزها وشموخها ، وجائت ليبيا الذليلة المحتلة المتناحرة التي ترزح تحت الاحتلال وتعاني من التشرذم والضياع والتهديد بالتقسيم وتمزيق الاوصال، لقد حصل ما كنا نخشاه ونحذر منه، فكل الصيحات التي كانت تحذر من احتلال ليبيا وتقسيمها لم تلق آذانا صاغية، وها نحن الان امام الواقع المؤلم والحقيقة المرة ، فقداجتمعت قبائل الشرق الليبي تحت راية "الله أكبر" والآية الكريمة "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا" لتعلن برقة إقليماً فيدرالياً وقامت تلك القبائل بتنصيب رئيس لمجلسه الأعلى. ومن مهازل وسخرية هذا الزمان ان يروج هؤلاء الانفصاليون لتقسيم ليبيا تحت شعار "الفدرالية من أجل وحدة ليبيا" فكيف يا ترى يجتمع النقيضين الانفصال والوحدة ؟ واي استخفاف بالعقول والاوطان هذا الذي يحدث . 

شكل الاعلان صدمة للمواطنين الليبيين فخرجوا في مسيرات غاضبة في معظم المدن الليبية وخصوصا بنغازي، ورفعوا لافتات تندد بالفيديرالية وتنادي بالوحدة الوطنيّة لانهم يدركون ان اعلان برقة اقليما هو مقدمة لنشوء فيديراليات اخرى تمهد للانفصال والتقسيم . لقد استفز هذا الاعلان جميع الفئات بما فيهم رئيس المجلس الانتقاليّ مصطفى عبد الجليل الذي استيقظ من سباته وصرح بان إعلان منطقة برقة إقليما فدراليا بداية لمؤامرة علي ليبيا والليبيّين وهي تهدف الى تقسيم ليبيا، واتهم دولاً عربية بتمويل وبإذكاء الفتنة.

لم يكن اعلان برقة فيديرالية شيئا مفاجئا للذين ادركوا حجم المؤامرة منذ البداية ولم ينساقوا خلف اوهام الثورة المدعومة بالناتو ، ان ما جرى هو المحصلة المتوقعة لكل الاحداث المؤسفة التي مرت بها ليبيا خلال العام المنصرم ، ان خارطة تقسيم ليييا كانت جاهزة ومعدة مسبقا والوانها مطابقة تماما لالوان العلم الاستعماري الجديد، لقد بدا تقسيم ليبيا فعليا عندما تم اعلان بنغازي امارة اسلامية فبدأ القتل والتنكيل باصحاب البشرة السوداء من الليبين تحت ذريعة بانهم مرتزقة افارقة للقذافي، وتم العمل على تعميق الشرخ بين شرق ليبيا وغربها ، ثم التنكيل بمؤيدي القذافي وتعذيبهم وتهجير اصحاب البشرة السوداء من المدن الليبية واجبارهم على النزوح جنوبا واستهداف الطوارق، بالاضافة الى اغراق ليبيا بالاسلحة وانتشار الجماعات المسلحة وتعميق المطامع الجهوية والاحقاد القبلية، ومن المتوقع ان تشهد ليبيا في الايام القادمة تناحرات وصراعات دامية حول البترول و المياه وحول النفوذ السياسي و العسكري في الدولة الليبية.

لقد سبق وان حذر سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي في بداية الاحداث من الدخول في فوضى عارمة تؤدي الى التقسيم، وحث المتمردين على المصالحة وهدد بعودة الاستعمار الغربي لليبيا، واعتبر ان إعلان البعض إمارات إسلامية في مدن ليبية هدفه تقسيم ليبيا. والكل يتذكر كيف هدد سيف الإسلام باصابعة الثلاث الابهام والسبابة والوسطى ( التي تم قطعها بوحشية انتقاما منه) حيث حذّر قائلا " اسمعوا يا ليبيين، إن واصلتم الثورة فانسوا ليبيا الموحدة وانسوا الغاز وانسوا النفط".

ان اعلان برقة يهدف الى تمزيق الجسد الليبي والى تحويل برقة الغنية بالنفط الى مشيخة نفطية على غرار المشيخات النفطية في دول الخليج ، لتكون مجرد دولة صغيرة ضعيفة غنية مفسدة وتابعة ومؤهلة لان تكون مركزا للقواعد الاجنبية الاستعمارية في افريقيا ، ان التقسيم يهدف الى تحويل الدولة الواحدة الى ثلاث او اربع دول في الحد الادنى لا تملك اي واحدة مقومات الدولة المستقلة القادرة على تأمين متطلبات شعبها وسيادتها واستقلالها.

ان الذي يصدم المرء حقا هو السهولة والسرعة التي يجري بها تقسيم ليبيا، فعلى الرغم من معاناة الشعب اللبناني وسنوات الحرب الاهلية الطويلة، الا ان لبنان الذي يمتاز بتنوع نسيجه العقائدي والطائفي حافظ على وحدة اراضيه ضد التقسيم، وحتى العراق الذي تم تدميره وتعميق الشرخ المذهبي والعرقي بين افراده ، الا انه لا يزال متماسكا برغم كل المحاولات الخارجية لتقسيمه.
كنا نخشى ان تقسم ليبيا الى ثلاثة فيديراليات، فاصبحت اليوم مهددة بالتقسيم الى خمسة فيديراليات او اكثر، ليبيا التي كانت تتغنى بالوحدة في زمن الجماهيرية العظمى وتسعى للتوحد مع جيرانها ، اصبح الحفاظ على وحدة اراضيها هو اقصى امانيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق