قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 14 فبراير 2012

هيفاء بيطار: يمكننا أن نقول لا لأميركا ولغيرها من القوى حين نبني إنساناً صحيح النفس والفكر..


هيفاء بيطار: يمكننا أن نقول لا لأميركا ولغيرها من القوى حين نبني إنساناً صحيح النفس والفكر..
13/02/2012
الاستئناس بالرأي.. عبر صناديق الانتخاب
هيفاء بيطار
منذ سنتين، حين جرت الانتخابات الفرعية لاتحاد الكتاب العرب في المدن السورية، حصلت حادثة أحتفظ بها في ذاكرتي، كما يحتفظ مريض بدُمّل في جسده. يومها، حضر وفد من اتحاد الكتاب العرب في دمشق للإشراف على الانتخابات في اللاذقية، ومن أجل أن تكون المصداقية والنزاهة تامة في انتخاب رئيس اتحاد الكتاب في اللاذقية... صدف في ذلك اليوم أن كنتُ في دمشق، لكني رغبتُ أن أمارس حقي في الانتخاب فاتصلت بفرع اتحاد الكتاب في اللاذقية، وطلبت أن أتحدث إلى السيد المشرف على الانتخابات والقادم من دمشق وبمهمة من رئيس اتحاد الكتاب العرب، وطلبتُ إليه أن أنتخب عبر الهاتف فلان الفلاني، فقال إن طلبي مرفوض لأني يجب أن أكون شخصياً في اللاذقية، فقلتُ له إنني في دمشق ولا أستطيع أن أكون في مكانين في آن واحد، وبما أنه المشرف على الانتخابات فأنا أريد أن أنتخب فلان الفلاني، فاعتذر وقال إن طلبي مرفوض، والانتخابات يجب أن تكون قمة في النزاهة ولا يسمح لمن هو غير موجود أن ينتخب.
لم أستطع أن أخفي امتعاضي ولم يقنعني الكلام الذي قاله السيد المشرف على الانتخابات...
وكانت نتائج الانتخابات بفوز كاتب بأغلبية الأصوات... لكنه لم يُعين رئيس اتحاد الكتاب في اللاذقية، بل هبط علينا تعيين كاتب آخر ـ وهو ضابط متقاعد - وحين احتج العديد من الكتاب على هذا التعيين وتساءلوا: لماذا إذاً تجري انتخابات ولا يؤخذ بها، بل ينقض علينا قرار من جهة تعفينا من أن يكون لنا رأي يؤخذ به؟ كان الجواب، بأن الانتخابات ونتائجها هي للاستئناس بالرأي فقط وليس بالضرورة الأخذ به.
استئناس بالرأي تعبير لطيف ومراوغ لرفض الرأي وتحقيره... لماذا هذه التمثيلية إذاً، لماذا أجريت الانتخابات وفاز كاتب، ولم يكلف بأن يكون رئيس اتحاد؟ وأية مصداقية وشفافية ونزاهة تلك التي منعتني من الإدلاء بصوتي لأني لم أكن في اللاذقية، بينما نـُسفت كل نتائج الانتخابات وهبط علينا تعيين كاتب لم يفز بالانتخابات؟
تحفزني هذه الحادثة لأسرد عشرات بل مئات القصص الأخرى والتي كلها تفجر سؤالاً جوهرياً: ما هو دور الثقافة والمؤسسات الثقافية وأي إصلاح ثقافي هذا؟
ما معنى أن تصرف ملايين على إصلاح وإعادة ترميم المركز الثقافي القديم الذي يقع وسط مدينة اللاذقية، وأن تكون النشاطات الثقافية فيه معدومة، أو شبه معدومة. أن توضع لافتة بطول عدة أمتار حول دورة لتعليم الخط العربي تستمر أشهراً؟ يا للروعة؟ هل سينقذنا تعلم الخط العربي في حل الأزمة السورية؟ ماذا سيقدم للمراهقين والطلاب تعلم الخط العربي، وأي معنى أن يظل إعلان كهذا أشهراً؟
ألا يحتاج الطلبة وخاصة في عمر المراهقة لندوات ونشاطات تثقيفية عن دورهم كمواطنين، وعن إقامة حوارات ليشعروا أنهم غير مهمشين وليتعلموا الطريقة الصحيحة في حب الوطن، وتقبل الرأي الآخر والاختلاف؟ أي نشاطات ثقافية خـُلبية هذه؟ وبالمناسبة في ذلك اليوم الذي جرت فيه الانتخابات في اللاذقية كنتُ في دمشق لتصوير عدة حلقات من برنامج اجتماعي ثقافي عنوانه (نون) يهتم خاصة بقضايا المرأة. كنا فريقاً نسائياً متحمساً ونشيطاً، نعد حلقات ممتازة حول مواضيع شائكة يعاني منها مجتمعنا، مثل جرائم الشرف، والعنوسة، ولماذا لا تمنح المرأة العربية الجنسية لأولادها إلى ما هنالك... وكنتُ أسافر مرتين في الأسبوع إلى دمشق لأصور عدة حلقات ثم أعود إلى اللاذقية. وفعلاً، أعددنا عشر حلقات ممتازة من برنامج ثقافي اجتماعي نسوي، لكن لم يُعرض منه سوى حلقتين، لأن الظروف لم تعد تسمح. لأن كل البرامج كلها صارت حوارات سياسية!
ولم أفهم لماذا لم يُعرض هذا البرنامج؟ وأي ضرر أن يأخذ المواطن استراحة ويحضر برنامجا اجتماعيا؟
لم أتلقَ أي جواب صريح وواضح بخصوص إيقاف عرض برنامج (نون).
إن أساس الإصلاح هو إصلاح ثقافي، حبذا لو يُعاد النظر بالمسؤولين الثقافيين ومدراء المراكز الثقافية واتحاد الكتاب العرب، لأن الحجر الأساس في أي إصلاح هو الرجل المناسب في المكان المناسب.
وأظن أن الوقت قد حان تماماً لاتخاذ قرارات جدية بشأن الثقافة تحديداً، أليس من المعيب أن يكون مدير تحرير إحدى المجلات الثقافية مستمراً في منصبه لأكثر من ربع قرن؟ والله لو كان نجيب محفوظ رحمه الله رئيس تحرير مجلة ثقافية لأكثر من ربع قرن لأثار سخطاً واحتجاجاً... وأن يكون هناك مدراء اتحاد كتاب عرب بقوا في منصبهم لأكثر من ثلاثة عقود؟ وأن تجرى انتخابات خـُلبية الهدف منها الاستئناس بالرأي، لأن ثمة قرارات متخذة سلفاً؟
ولا يمكنني إلا أن أذكر الحالة الفريدة من انتعاش مذهل للثقافة في الرقة يوم كان السيد والأخ حمود الموسى مدير المركز الثقافي في الرقة، التي تحولت إلى منارة ثقافية من خلال النشاطات الثقافية الممتازة والرائعة التي كان يُعد لها وينفذها، حتى أنه دعا أهم الشخصيات الثقافية من كل أنحاء الوطن العربي إلى الرقة، ونجح في استقطاب اهتمام مؤسسات الدولة ورجال الأعمال في دعم الثقافة...
كانت صالة المركز الثقافي تغص بالحضور، الواقف أكثر من الجالس، لأن الناس بكل فئاتها وأطيافها وأعمارها متعطشة لثقافة حقيقية... ولأن الثقافة الحقيقية هي التي تبني شخصية الإنسان وتحرره من التخلف.
علينا أن نسعى كل حسب موقعه ودوره في ترسيخ ثقافة حقيقية، تنير عقول الشباب وتساندهم في تحمل أعباء زمن صعب ووحشي القسوة... كي لا ينجرفوا في متاهات العنف ورفض الآخر والتعصب الديني...
لم يعد مقبولاً أن يُقال، إنه لم يحن وقت الإصلاح الثقافي، أو أنه يجب تأجيله حتى تهدأ الأوضاع في سوريا. أظن أن الأوضاع ستهدأ باتخاذ خطوات حقيقية وعاجلة وجدية للإصلاح الثقافي، الذي أعتبره الحجر الأساس في الإصلاح. لم يعد مقبول إقامة ندوات ثقافية كما لو أنها استنساخ من لافتة كيف نقول لا لأميركا! هل هذه ثقافة؟ وأعتقد أنه يمكننا أن نقول لا لأميركا ولغيرها من القوى التي تنتهك حرية الإنسان وتهمشه وتسرقه وتسلبه حقوقه، بل تقتله أيضاً، حين نبني إنساناً صحيح النفس والفكر، ووحدها الثقافة نعوّل عليها في بناء عقول حُرة مستنيرة...
واعذروني إذ أكرر دوماً تلك الحقيقة التي أذهلتني، بأن اليابان نجحت في بناء اقتصاد قوي ودولة قوية، بعد أن خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، حين أعطت أعلى رواتب في الدولة لأساتذة المرحلة الابتدائية لأنهم أدركوا أن الانتصار الحقيقي وبناء الوطن القوي الأبي يكون ببناء جيل من الشباب مُستنير العقل.
أنا آمل أن نشهد إصلاحات ثقافية حقيقة قريباً... لأننا محكومون بالأمل.

 * كاتبة من سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق