تاريخ النشر 13/01/2012 01:08 PM
واشنطن-"ساحات التحرير"
هذه الشهادة على مرحلة مهمة من تاريخ العراق، (حين تولي بول بريمر سلطة الائتلاف المؤقتة)، ليست حديثة العهد بل هي مكتوبة منذ الشهر السادس في العام 2004. وهي تكشف أن الأخطاء كافة التي ارتكبها بريمر سياسيا كانت معروفة من قبل الطرف الأميركي. ولم يتم تداركها أو تصحيحها لاحقا، ما يجعل دائرة الشك تتسع على نحو اكبر الآن، حول ما إذا كانت تلك الأخطاء مقصود لنفسها، وليست مجرد سوء تخطيط في سياسة إدارة بوش بشان مستقبل العراق.
بريمر يقبل عضو مجلس الحكم ابراهيم الجعفري ( ا ف ب)
ترد هذه الشهادة على لسان اللفتنانت كولونيل بيل كوان من قدامى المحاربين في فيتنام، ومحلل عسكري ومحلل في قضايا الإرهاب لقناة فوكس نيوز، وجمهوري من المسجلين الذين صوتوا لصالح جورج دبليو بوش في عام 2000. وهو أيضا عضو سابق في نشاط دعم الاستخبارات، وهي شعبة سرية في وزارة الدفاع لمكافحة الإرهاب. وشارك كوان في عمليات سرية عديدة في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إنقاذ عدد من الرهائن الأميركيين من الكويت خلال الاحتلال العراقي. وهو حين يتحدث عن أخطاء بريمر فانه ليس ناشط سلام مناهض للحرب.
ويقول من نقلها عنه وهو المدون كيلف تشيكتر، في موقع شبكة.militaryphotos. إن كوان "عندما تحدث معي عن طريقة بريمر المتعجرفة، والمراهقة، والقاصرة التي انتهجها في الماضي، فضلا عن دور بريمر كحاكم للعراق الآن (يتحدث عن العام 2004) فإنني أنصت إليه". وأضاف أن كوان تحدث إليه حين اخبروه انه كان يكتب شيئا عن الفشل الفاضح لسلطة الائتلاف المؤقتة وقال له: "أنت تقوم بعمل رباني، وهو أكبر من الجوائز الخيرية التي تلقيتها عدة مرات".
للأسف فان تحليلات كوان الحادة للوضع البائس في العراق، والكثير منها عُرض بشكل اسبق على المجزرة الأخيرة في المثلث السني والجنوب الشيعي، ورددتها صفحات المجلات والصحف العسكرية الرئيسية ومن قبل أصوات محافظين سابقين موثوق بهم. وقد سربت لاحقا مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة، كتبها "مؤمن حقيقي" تابع لمجموعة من المحافظين الجدد، ترسم صورة مشابهة إلى حد بعيد للصورة التي وصفها كوان.
العراق يقترب من الفوضى، ليس لأنه كان لا بد أن يقترب منها- على الرغم من أن لا أحد يمكن أن يصف الانتقال إلى الديمقراطية من الديكتاتورية بأنها مهمة سهلة - ولكن لأن بول بريمر قد أظهر قدرة خارقة على تقليد طريقة إدارة بوش في أميركا ( انعدام الخبرة + الغطرسة+ غلبة العلاقات السياسية على النهج السياسي= فشل ).
حماقة بريمر؟
تبدأ هذه القصة المؤلمة حقا مع اختيار إدارة بوش رجلا لمنصب تنفيذي في دولة شرق أوسطية لا يتكلم لغتها وليس لديه خبرة ذات صلة بها. فهو كان سفيرا في هولندا، ولكن احتساء النبيذ في الحفلات الأوروبية بأمستردام لا يبدو تأهيلا كافيا للقيام بمهمة ضخمة من طراز استيلاد ديمقراطية جديدة في العالم العربي.
وفقا للمقدم لكوان، لا يفتقر بريمر فقط إلى المؤهلات التنفيذية المناسبة لمنطقة الشرق الأوسط للحصول على تلك الوظيفة، وإنما "كان خلال السنوات التي قضاها مساعدا في وزارة الخارجية وسفيرا (متجولا) لمكافحة الإرهاب، عائقا أو محبطا لعمليات مكافحة الإرهاب السرية في الخارج". ويضيف كوان أن "بريمر كان يكن ازدراء للعسكر وليس لديه أية خلفية عن عملية بناء أمة".
إذن فكيف حصل على وظيفة تقوم أساسا على بناء امة وتنفيذ وعد الإدارة بتسيير احتلال عسكري سلس؟ الجواب وعلى غرار الكثير من جرى توظيفهم بمناصب مرموقة أخرى داخل إدارة بوش- بما في ذلك نسبة كبيرة من الموظفين المحيطين ببريمر في سلطة الائتلاف المؤقتة، هو ببساطة: العلاقات السياسية.
وبحسب وكالة لأسوشيتد برس، فان "ثلث العاملين المدنيين الاميركان في المكتب الصحفي لديهم صلات بالحزب الجمهوري، ويديرون مشاريع يرى منتقدون أنها أسهمت كثيرا في جهد إعادة انتخاب بوش." ويدير المكتب دان سينور، السكرتير الصحفي السابق لسبنسر ابراهام وعضو آخر في مجموعة كارلايل، وهي شركة استثمارية رأسمالية مقربة لعائلة بوش. ويشرف على العملية الصحفية ريتش جالين، وهو سكرتير صحفي سابق لنيوت غينغريتش ودان كويل (يجب أن أعترف أن جالين رجل أعرفه وأوده).
وبعبارة أخرى، بدلا من ملء حكومة الائتلاف المؤقتة بالخبراء المؤهلين بعملية بناء أمة في الشرق الأوسط، مثلما هو الحال لدى البريطانيين، كان هناك موظفون عينتهم العلاقات السياسية ولا يحملون أي فكرة عن كيفية بناء دولة، وهم من كانوا يقومون بتشغيل الطريق بين الولايات المتحدة وبغداد.
إن بريمر الذي كان أثيرا لدى المحافظين الجدد وتلميذ هنري كيسنجر وشركاه مدة 11 عاما، ضمن تلك الوظيفة جراء سيطرة العلاقات السياسة على الوضع. وبعبارة أخرى، أرسلنا رجلا ساعد شركات على بناء علاقات تجارية مع الصين لإقناع العراقيين بالتزامنا بالديمقراطية، وكي نهيئه، كما يعتقد البعض، لمنصب وزيرة الخارجية إذا ما فاز بوش بفترة رئاسية ثانية. ومثلما الحال بصدد قضايا محلية كثيرة جدا، عندما تتغلب العلاقات السياسية على النهج السياسي في البيت الأبيض، فان النتيجة هي الكارثة.
أخطاء..أُقترفت
فور توليه السلطة المؤقتة للتحالف، تسببت غطرسة بول بريمر، وقلة خبرته وأجندته السياسية بوضع قابل للتفجر بدأ يخرج عن نطاق السيطرة. ولاحت نتائجه لاحقا عن مواجهة الجماعات المسلحة. وفقا لكوان ، بريمر ببساطة "تجاهل أعضاء من موظفيه كانوا في الواقع خبراء الشرق الأوسط" بسبب الانتهازية السياسية. ويصف صديق لي كان يعمل مع برامج الأمم المتحدة في العراق وتعامل بشكل منتظم مع سلطة الائتلاف المؤقتة (ويؤيد الحرب أصلا)، أقول يصف الوضع على هذا النحو: "إن بريمر وبقية أعضاء سلطة الائتلاف هم حفنة من الأشخاص المتحمسين من الذين لا يعرفون شيئا عن التنمية. وهم يفهمون على نحو مغلوط تماما حجم ما كانوا يتعاملون معه ومدى تعقيده. ولم يكترثوا بالتعلم من الذين كانوا يدركون حجم التعقيد".
هذا أدى إلى وقوع أخطاء كبيرة في وقت مبكر، لم نتعاف منها قط، وضاعفت من دوامة العنف في العراق. ووصف جوزيف غالاوي، وهو مراسل عسكري لصحف نايت ريدر، أخطر الأخطاء التي تستدعي إقالة بريمر بالقول في احد تقاريره: عمليا، كل قرار رئيسي اتخذه (بريمر) في العراق كان خاطئا، أو سيء التوقيت، أو غبي بالكامل. البداية كانت مع قراره تسريح جيش حقيقي وإرسال عناصره لبيوتهم مع عدتهم وعتادهم وسلاحهم، بلا مال ولا مستقبل، وممتلئين بالسخط. أعقب ذلك قرار اجتثاث أعضاء حزب البعث من الحياة العامة والوظائف العامة، وهكذا تم تسليم الكثير من السنة الى اليأس والغضب. تلى ذلك قراره بإغلاق صحيفة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وإثارة غضبه، من دون أي خطة للتعامل مع هذا الغضب عندما امتد إلى الشوارع وألهب الطائفة الشيعية.
بريمر المتغطرس حيال نخبة سياسية عراقية فاسدة
ومن وجهة نظر كوان أدى تفكيك الجيش العراقي مباشرة إلى جعل عسكريين عراقيين غاضبين وعاطلين عن العمل ومستعدين للانتقام ولديهم عدتهم وعتادهم يرفعون السلاح ضد قوات التحالف في الفلوجة وأجزاء أخرى من المثلث السني. ثم تفاقم هذا الخطأ بفعل قانون اجتثاث البعث، أي منع أعضاء الأخير من العمل على تحسين وإصلاح (التعليم والكهرباء والماء) وهي من الضروريات التي تجعل البلاد تمضي قدما من جديد.
وكانت النتيجة أننا أثرنا نفور واستبعدنا الأشخاص الذين كانت لديهم الدراية التي تفتقر إليها سلطة الائتلاف الموقتة، أي المعرفة الخاصة بالبنية التحتية العراقية والقدرة على تحسينها وجعلها تعمل مجددا. في الأيام القليلة الماضية ، اعترف بريمر ضمنا بالجهل الكامن وراء هذا القرار السياسي إذ قال إن "تطبيقه تم بصورة سيئة تنفيذها"، (هل يعني ذلك أن هناك في النهاية شخص في إدارة بوش يعترف بالخطأ؟)، ثم عمدت سلطة الائتلاف الموقتة إلى "تخفيف القيود" على أعضاء حزب البعث بالعودة إلى العمل. لكن حتى الآن، وعلى غرار ما درجت عليه غالبا طرائق سلطة الائتلاف المؤقتة، فان الإجراءات غامضة في أحسن الأحوال، وتأتي بعد فوات الأوان.
ولكن إذا كنت تعتقد أن كوميديا أخطائنا اقتصرت على ترك الجنود من دون عمل وسط البرد ولكن مع السماح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم، وعلى فصل الناس الوحيدين الذي يعرفون كيفية توفير الخدمات الضرورية للشعب العراقي، فانك ستكون مخطئا بشكل يؤسف له.
إذا أدى قرار إغلاق صحيفة يشرف عليها رجل دين مهمش هو مقتدى الصدر وتدعم خطابه المعادي للولايات المتحدة التي يتهمنا بأننا نريد احتلال العراق احتلالا دائما، نقول إن ذلك القرار أدى إلى كارثة في العديد من القطاعات في جنوب العراق وفي مدينة الصدر ببغداد (والتي سميت باسم والد الصدر). فقد حفز القرار معارضة الشيعة العاديين، وكثير منهم كان يؤيد الغزو الأميركي في الأصل، ولكنهم باتوا ينظرون للولايات المتحدة بوصفها قوة محتلة.
وضع هذا الخطأ الفادح (إغلاق صحيفة الصدر وتجييش أتباع الصدر) آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الأكثر اعتدالا والذي يحظى بمنزلة جليلة ولم يعارض سلطة الائتلاف، في موقف كان لا بد له فيه أن يظهر بقوة أكبر ضد الولايات المتحدة. وأدت الاشتباكات التي تلت ذلك بين ميليشيا الصدر وقوات التحالف الى سقوط ضحايا من المدنيين، والى تجييش اكبر في صفوف أتباع الصدر.ووفقا لكوان ، فإن تلك الأزمة كشفت مرة أخرى "الافتقار للتأهيل" لدى بريمر عندما حمل أتباع الصدر السلاح، وتباطأ بريمر في الاستجابة لهذه الأزمة.
بعد ذلك المزيد من الأخطاء إلا أن تلك الأخطاء الثلاثة الهائلة ضاعفت من الأخطاء الأخرى التي لا تعد ولا تحصى لطاقم بريمر. إذ تم تهميش وتجاهل أبناء القبائل السنية الذين كانوا غير موالين للعملية السياسية في العراق، من قبل التكنوقراط الأرستقراطيين، وأصبحوا جزءا من تمرد أوسع ضد الولايات المتحدة رغم أنهم في البداية لم يعارضوا الغزو الأميركي.
لقد تجاهل بريمر تماما، وفقا لصديقي في العراق، "مشروع الآفاق المستقبلية للعراق" ، الذي وضعته وزارة الخارجية وممثلين عن المجتمع المدني العراقي. وقدمت الخطة في ذلك المشروع نصيحة حكيمة حول ما سيتبع غزو العراق وكيفية التعامل معه. وفيما لم يكن مستغربا أن لا يكون الشخص المفضل لدى المحافظين الجدد مولعا بالإنصات لوزارة الخارجية، لكن أن لا يهتم بريمر بخطة كان من شأنها حماية أفراد فريقه والمجندين الاميركان يبدو أمرا لا يصدق.
هناك مذكرة داخلية لسلطة الائتلاف المؤقتة الداخلية ذكرها احد الصحفيين هو جيسون فيست. ووفقا لكاتب المذكرة، وهو من المحافظين الجدد الداعين الى تغيير الشرق الأوسط ،" فان سلطة الائتلاف المؤقتة: ومن دون قصد "تدير سوق الأسلحة" من خلال تسليح الشرطة العراقية، التي يبيع بعض أفرادها "في السوق السوداء الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة، ثم سرعان ما يُعاد تزويدهم بأسلحة (من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة). وأسهمت إعادة شراء أسلحة وزارة الداخلية في إبقاء أسعار السلاح مرتفعة".
وسمحت سلطة الائتلاف المؤقتة لمجلس الحكم العراقي بتعزيز المحسوبية والفساد، اذ يختار أعضاء المجلس "أبنائهم وأقاربهم" كموظفين في وزارات الحكومة العراقية.
إضافة إلى ذلك فان سلطة الائتلاف معزولة عن العراقيين العاديين، داخل المنطقة الخضراء المحصنة. وتسخر المذكرة من انفاق حكومة الولايات المتحدة "الملايين من اجل استيراد مركبات متعددة الأغراض تستخدم حصرا لقطع كيلومتر ونصف" بين مقر سلطة الائتلاف ومجلس الحكم. أما بشان امن الحدود فان سلطة الائتلاف فرضت سياسة أمنية لا تتناسب مع الأوضاع وتعاني الاختلال بحيث "يتعذر إنكار أن إجراءات النظام البعثي المنحل كانت أفضل من إجراءات سلطة الائتلاف " في حماية الحدود العراقية (هنا انتهت المذكرة).
ماذا يمكننا أن نفعل لتصحيح الوضع؟ يحاول بريمر التغلب على بعض أخطائه، عن طريق السماح لبعثيين بتنفيذ بعض المهام الضرورية في العراق الجديد. هناك حديث عن قيام مزيد من أعضاء سلطة التحالف بالتحرك خارج المنطقة الخضراء كي يعطوا انطباعا بأنهم ليسوا معزولين في جزيرتهم المحصنة (المنطقة الخضراء)، وهي العزلة التي أثارت غضب الكثير من العراقيين. لكن المارد الآن خرج من القمقم، وكما يقال، ان الانطباع الاولي يدوم غالبا مدى الحياة.
وفي الوقت نفسه ، سمح الافتقار للسيطرة على الحدود لمقاتلي لتنظيم القاعدة بالتسلل الى المثلث السني، كما سمح لملالي إيران بتسليح أتباع الصدر في الجنوب. وإذا ما أخذنا رغبة اسبانيا (بالانسحاب )، بنظر الاعتبار فان بعض البلدان تفكر بالانسحاب من "تحالف الراغبين" ، في حين قالت بلدان أخرى إنها ستنسحب إذا ما تعرضت للهجوم، وهو ما يعني أنها دعوة للمسلحين كي يستهدفوا جنودها. وستديم كل هذه العوامل ، في المقابل، الحلقة المفرغة من الأمل الذي تحول إلى اغتراب وعنف ارتكبه في نهاية المطاف العراقيون العاديون.
ويختتم اللفتنانت كولونيل بيل كوان كلامه بغضب قائلا: "هذا النذل (بريمر) كلفنا وقتا وأرواحا".
المصدر: منتديات كتاب المقاومة العراقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق