قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 28 يونيو 2015

افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر حزيران 2015 سوريا وضرورة الحل السياسي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر حزيران 2015
سوريا وضرورة الحل السياسي
شبكة البصرة
منذ طرحت على صفحات "الطليعة" لأربع سنوات خلت تقريباً، رؤية لآلية حلٍ للأزمة في سوريا، لم تتم مقاربة الموضوع كعنوان مستقل، بل كان يتم تناوله من خلال استحضار الموقف الملخص، بأن لا حسم عسكرياً للصراع، وأن الحل السياسي الذي يحفظ المقومات الأساسية للدولة السورية من وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، والذي يفتح الطريق على إعادة هيكلة الحياة السياسية على قواعد المساواة في المواطنة والتعددية والديموقراطية كناظم للحياة السياسية، هو الحل الذي يجب أن تتوفر له الأرضية الداخلية والرافعات الإقليمية والدولية لتحقيقه.
هذا الكلام يعاد استحضاره اليوم لأنه بعد مرور أربع سنوات ونيف على انطلاق الحراك الشعبي الذي استمر سلمياً لأكثر من ستة أشهر إلى حين دخوله نطاق العسكرة بسبب لجوء المنظومة الحاكمة إلى التعامل مع الأزمة السياسية وتعبيراتها الشعبية الديموقراطية بأسلوب الحل الأمني، ذهب الصراع منحى عنفياً، وتسرب السلاح إلى الداخل السوري، وحلت الخنادق مكان البيادق التي كانت ترفع في مقدمة التظاهرات الشعبية.
واعادة التأكيد عليه فلأنه بعد أربع سنوات ونيف على تفجر الصراع المتحول من مشهدياته الشعبية إلى مشهدياته العسكرية، لم تعد تتوفر على طول مساحة سوريا وعرضها فسحة للحراك الشعبي، إذ أن النار لفت كل المناطق والمدن والأرياف ومعها تحولت سوريا كلها إلى مسرح عمليات واحد تتجاذب السيطرة على نواحيه ومدنه القوى التي تتولى إدارة الشأن الداخلي من الصراع.
وفي مقاربة عسكرية للواقع القائم، وبعيداً عن الخطاب التعبوي العالي النبرة فإن النظام هو الخاسر الأكبر، لأنه فقد السيطرة على العديد من المحافظات وأن معسكراته تتهاوى الواحد تلو الآخر ولم يعد يمسك إلا ببعض من الأرض السورية فضلاً عن فقدانه السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق والأردن ولم يبق له سوى المعبر إلى لبنان الذي بات الرئة الوحيدة التي يتنفس بها..
أما في الطرف المقابل فإن المعارضة على مختلف تشكيلاتها وتلاوينها السياسية، فهي وأن كانت غير موحدة في الرؤية السياسية والخلفية العقائدية والإطارات التنظيمية إلا أنها تمسك بمناطق واسعة من البر السوري وحواضره المدنية، وقد سجلت في الآونة الأخيرة تقدماً ملحوظاً على الأرض لأسباب يعود بعضها إلى الإنهاك الذي اصاب بنى النظام وملحقاته وخاصة العسكرية منها وبعض آخر إلى حصول تطور في علاقات قوى الخارج العربي والإقليمي والدولي المتدخل في الشأن السوري عبر الانتقال في التعامل مع الملف السوري من الافتراق السياسي إلى الاقتراب من صياغة قواعد مشتركة ضابطة لعلائق الأطراف.
ومن خلال المقاربة السياسية للأزمة وكيفية التعامل معها يتضح أن كل المبادرات التي طرحت وصلت إلى الطريق المسدود ولم يسجل اي اختراق في جدرانها، وكان عنوان هذا السقوط استقالة المبعوث الأممي الأول كوفي أنان والثاني الأخضر الابراهيمي والثالث دي مستورا والذي لن يكون مصيره أفضل من سابقيه إذا ما بقيت المواقف متمرسة في مواقعها السياسية خلف خنادقها العسكرية. ومع هذا التمترس تستمر آلة الحرب والتدمير تفعل فعلها مدمرة الحجر وقاتلة البشر ومسببة لأزمة نزوح إنساني فاقت أزمة النزوح الفلسطيني والعراقي بتعبيراتها الإنسانية. وهذا ما بقدر ما يجعل الصراع المدمر عالي التكلفة، فإن البناء سيكون أكثر تكلفة وهذا سُيدفع أولاً من دم السوريين الذي سال أنهاراً، ومن حساب لقمة عيشهم وسلة مداخيلهم عندما تبدا رحلة إعادة الإعمار ثانياً، وهذا ليس تبصيراً بل لأنه بعد أربع سنوات ونيف على تفجر الوضع في سوريا، تبدو الأرقام مخيفة عن حجم الخسائر التي لحقت بالبنية السورية اقتصاداً وخدمات وتلقي نتائج، وهي مرشحة للمضاعفة نظراً لضمور عناصر المناعة الداخلية. وإذا كان الدولار الأميركي قد سجل ارتفاعاً بمعدل ستة أضعاف عما كان عليه قبل الأزمة، فإن هذا السعر مرشح حكماً للارتفاع، وهذا سينعكس عبئاً على الاقتصاد السوري وعلى مستوى الحياة وتكلفة المعيشية وحيث لا يتسع المجال للدخول إلى تفاصيلها.
أمام هذا الواقع المأسوي للمشهدية السورية نعيد التأكيد بأن الحل السياسي هو الذي يضع حداً لوقف طاحونة القتل والتدمير والتي مارسها ويمارسها الجميع بكفاءة عالية من النظام الذي لم توفر صواريخه وبراميله المتفجرة الأحياء الأهلة بالسكان وهو اختبر القوة التدميرية الهائلة لهذا السلاح الذي استعمل في المكان الخطأ، إلى القوى المعارضة المشتبكة معه بالسلاح والتي ارتكب بعضها أعمالاً إجرامية بحق من يخالفها الرأي والمعتقد. ومعه فإن ما قام به النظام وما ارتكبته القوى التي مارست الترهيب السياسي والمادي والإنساني إنما يقع تحت أحكام القانون الدولي الإنساني لجهة المساءلة والمحاسبة، وأن كل ما تعرض له الشعب في سوريا وأعيانه الثقافية والتراثية والأثرية والدينية إنما يجري توثيقه للمقاضاة لاحقاً.
وإذا كانت الدعوة للحل السياسي، تنطوي على الحاح، فهذه مرده استحالة الحسم العسكري، في ظل معطى الصراع الدائر والمنحى الذي بدأ يأخذه من خلال تموضع القوى العسكرية في مناطق ذات تكوينات مجتمعية متمايزة في معتقداتها الإيمانية المذهبية أو في تكوينها الاثني.
وإذا كان الصراع في سوريا ورغم حدته وعنفه ومحفزاته المذهبية لم يندرج حتى الآن تحت عنوان الحرب الأهلية، فإن استمرار الصراع سيدفع إلى جعل عملية الفرز المجتمعي على أساس ديني أو مذهبي أو قومي واقعاً قائماً، وهذا ما سيضيف عامل تعقيد جديد لمسار الأزمة، وسيفتح المجال أمام إعادة رسم خارطة التوزع السكاني لشعب سوريا على أساس الولاءات الدينية والمذهبية والعصبيات القومية، وهذا ما تطمح إلى تحقيقه القوى الإقليمية والدولية لأجل إسقاط الموقع السوري كموقع مفصلي ومتقدم في مواجهة استراتيجية الحلف الصهيو-استعماري وتدخل القوى الإقليمية لتأمين موطئ قدم لها على شواطئ المتوسط
ولهذا و تفادياً للأسوأ والوقوع في المحظور يجب إعادة الاعتبار لمنطلقات الحل السياسي الذي يحمي المقومات الوطنية. وهذا يتطلب التقدم بخطوات متقابلة.
وإذا كنا قد طرحنا رؤية تقوم على تخريج حل سياسي، يرتكز على أساس، أن الحسم العسكري غير ممكن، وان المطلوب هو إقرار النظام بأن هناك معارضة جدية وذات قاعدة تمثيلية عريضة، وليست تلك التي يسميها بل تلك التي تمثل نبض الشعب، فإن على المعارضة من جهة أخرى أن توحد صفوفها وتقدم مشروعاً للتغيير الديموقراطي وأن تتراجع عن موقفها بإسقاط النظام كمدخل للحل. آخذاً بالاعتبار الحقائق التالية:
أولاً: إذا كانت المعارضة تصر على إسقاط النظام كشرط للدخول في إنتاج حل، فإن هذا النظام قد سقط بالمعنى السياسي، لأنه لم يعد يفرض سيادة الدولة على حدود البلاد، ولم يعد في الموقع الذي يدير الحياة المدنية السورية، بل أصبح فريقاً من أفرقاء الصراع وطالما هو جزء من المشكلة فيجب أن يكون جزءاً من تظهير الحل.

ثانياً: إذا كان النظام في ظل المنظومة الأمنية الاقتصادية السياسية التي أدارت البلاد وتنخرط في إدارة الصراع قد سقطت، وهي أصلاً لم تعد قادرة على حكم سوريا بعد المتغيرات التي حصلت والتغيير الجوهري المطلوب، وبمعنى آخر لم يعد يشكل حلاً، فإن القوى التي دخلت وانخرطت في الصراع وتحمل فكرياً تكفيرياً وتمارس الترهيب السياسي والاجتماعي لا تشكل أيضاً حلاً لأزمة سوريا وبالتالي يجب إسقاط دورها وإبراز القوى التي تجسد في بنيتها ورؤيتها السياسية واقع الشعب السوري الموحد في مواطنيته والمتنوع في تكوينه المجتمعي وانتمائه الإيماني.

ثالثاً: ان وثيقة جنيف التي رسمت ملامح الحل السياسي، تشكل أساساً صالحاً للخروج من هذا النفق المظلم، كونها تستند إلى ركيزتين أساسيتين الأولى، انها تسلم بضرورة التغيير في سوريا عبر تشكيل هيئة الحكم الانتقالية وهذا يعني أن الوضع في سوريا سيفتح على مرحلة إعادة هيكلة الحياة السياسية، والثاني هو أن الدولة السورية ستبقى قائمة، وفي هذا حؤول دون الوصول إلى حد صوملة سوريا وهنا نقول، ان إعادة البناء السياسي لسوريا الجديدة في ظل وجود بنية لدولة ولو كان هيكلاً عظيماً يفسح المجال أمام إعادة اكسائها كي يعود جسمها ويمتلئ ليس بخلايا المنظومة الأمنية التي أدارت البلاد وتتحمل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع بل بخلايا الجينات السياسية الوطنية التي تفرزها عملية هيكلة المجتمع السوري على قواعد المواطنة والديمقراطية.
تأسيساً على ذلك،يجب على كل من تعامل بداية ولا حقاً مع وثيقة جنيف، بعدم اكتراث أو تجاهل، أن يعيد النظر بمواقفه وحساباته، لأن شراء الوقف لم يعد يجدي وقد ضاقت هوامشه، ولا سبيل للانقاذ إلا بانتاج حل سياسي يكون فيه للقوى الوطنية والديمقراطية التي بقيت خارج حلبة الصراع العسكري أو التي فرض عليها رداً على عنف منظومة الحكم دور سياسي في تظهير معطى الحل الذي يستجيب للشروط الوطنية وللحاجات الانسانية ويعيد لسوريا بعضاً من وهجها العروبي بمنأى عن تأثير الخبث الدولي والاغتباط الصهيوني والدور الايراني المشبوه في مفاقمة الازمة ومذهبة الحياة السياسية فيها.
أن يأتي الحل متأخراً، أفضل من أن لا يأتي أبداً.
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق