قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي- قطر موريتانيا

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مجلة الدرب العربي
الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي- قطر موريتانيا
عدد كانون الاول (دجمبر) 2015
شبكة البصرة
تهنئة
يسر الدرب العربي أن تتقدم بتهانيها الخالصة إلى الشعب الموريتاني و قواه السياسية و نخبه العلمية بمناسبة الذكرى الخامسة و الخمسين لجلاء سلطة الاحتلال الفرنسي من بلادنا،راجية العمل على استكمال نواقص استقلالنا الوطني وكل عام و الموريتانيون في تقدم و حرية ومزيد من العدالة الاجتماعية.

أخيرا.. انقسمت المعارضة
منذ سنوات، يخوض النظام الحاكم في موريتانيا حرب أعصاب ضارية مع اكبر تجمع للمعارضة الموريتانية، متمثل في المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة. ويبدو أن هذه الحرب قد كسبها، في النهاية، النظام. فبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الوطنية المستقلة، فإن المنتدى قد انقسم على نفسه فيما يتعلق بالموقف من الأجوبة المكتوبة التي قدمها ممثلو النظام تلبية لشرط كان المنتدى قد وضعه سابقا على النظام، فيما يعرف ب "ممهدات الحوار"؛ وظل النظام يناور حول الردود كتابيا على تلك القضايا الواردة في تلك الوثيقة. ومن المعلوم للرأي العام الموريتاني أن المنتدى يضم مكونات مختلفة منها القطب السياسي الذي يعني الأحزاب، ومنها قطب النقابات والمنظمات الحقوقية، ومنها قطب الشخصيات السياسية المستقلة. وكانت وثيقة " الممهدات " المثيرة للجدل تهدف، طبقا لقيادات المنتدى، إلى اختبار نية النظام وسبر " ورائياته" في دعوته الحارة و المفاجئة للمنتدى إلى الحوار،فضلا عن حرصه وتعطشه إليه. وفيما كان الرأي الغالب في المنتدى يميل إلى القول إن النظام يواجه أزمة متشعبة وعميقة على كل الأصعدة، وأنه يسعى إلى انقاذ نفسه من خلال الدعوة للحوار الذي ظل يرفضه مطلقا إلى وقت قريب، إلا أن رد النظام بقبول العودة لنقاش ممهدات الحوار كما اشترطها المنتدى قد فجر، هذه المرة، الخلافات بين أقطاب المنتدى حيال هذا الرد الإيجابي. فبينما اعتبر حزب تكتل القوى الديموقراطية – بزعامة أحمد ول داداه الذي يعد الوجه الأبرز في المعارضة الموريتانية – مع تشكيلات أخرى أن ما تقدم به ممثلو النظام من ردود هو مجرد مناورة للالتفاف على تلك القضايا الواردة في وثيقة " الممهدات" بهدف شق صف المنتدى الذي يسعى له النظام منذ وقت طويل، اعتبرت أحزاب أخرى وازنة في المنتدى - مثل اتحاد قوى التقدم المحسوب على اليسار سابقا في موريتانيا، وحزب التجمع من أجل الإصلاح والتنمية المحسوب على الخوان المسلمين وحزب حاتم الذي يتزعمه رئيس فرسان التغيير الذي قام بمحاولة انقلاب عسكري على الرئيس السابق، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع- أن تلك الردود كافية لاستئناف الجلسات مع النظام والدخول معه في صلب مواضيع الحوار السياسي والاجتماعي، الذي طالما تطلع إليه الموريتانيون لعله يأتي بتوافق سياسي ينهي حالة الاحتقان الشديد والأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي يعاني منها المواطن الموريتاني العادي. وهكذا، انقسم المنتدى ما بين متفائل بحسن النية عند النظام هذه المرة، و بين من يعتبرونها مناورة ناجحة لتفتيت ما تبقى من المعارضة، مثلما نجح النظام في ذلك في مناورته بالحوار سنة 2011. ومن الطريف أن المعارضة الموريتانية تعيد للأذهان قصة الأطفال التي يكونونها عن طائر (تاوكت) الذي، يقول الأطفال إنه يقول لهم " أنا أعرف أنكم تسعون لتخويفي، ولذلك لست خائفا فجربوا حظكم، إذن". وعندما يقوم الأطفال بتخويفه عبر حركات معينة، فإن
(تاوكت) تقول " ويلك يمي" أي آه.. ما أشد فزعي.. ثم يقع ما كانت تحذر منه وتستعد له.
مهما تكن نهاية نبوءة هؤلاء وهؤلاء فيما يتعلق بنتائج معاودة الجلوس مع النظام طلبا للحوار "المرغوب" و "المرهوب"، فإن النظام قد نجح، بحق، في تقسيم المنتدى إلى "جزر"، كل بما لديهم فرحون، على غرار "جزيرة" المعاهدة التي فصلها سنة 2011 عن جسم المعارضة بمشرط الحوار..

دمهم "دم".. ودمنا من طين..
يكاد الإنسان يغشى عليه فيقع صريعا عندما يرى هذا المستوى المدهش من النفاق الذي يطبع هذه الحقبة من تاريخ البشرية. ومن الغريب أن الديانات السماوية والنظريات الإلحادية كلها ترجع الإنسان، من حيث خلقه، إلى أصل واحد. فالديانات السماوية ترجعه إلى آدم، الذي انحدر من بين صلبه وترائبه جميع البشر. ونظرية النشوء والارتقاء تعيده إلى قرد واحد تطور عنه الإنسان إلى ما نعرفه. ودون الخوض في هذه المسألة، أي مسألة أصل الإنسان، فإنما يهمنا هو أن الإنسان يجب احترامه وتكريمه، دون تمييز. فالقرآن، وهو الكتاب المقدس عند أكثر من ثلث البشرية، يقول: " ولقد كرمنا بني آدم..." الآية.
إنه تكريم الإنسان على كثير من مخلوقات الله وتفضيله لخلقه في أحسن تقويم. ثم إن النظم والأعراف الدولية الأخرى أجمعت "نظريا" على احترام الإنسان ومنحه حقوقا عالمية أساسية، متساوية ومقدسة، يتصدرها حقه في الحياة الكريمة. فمن أين جاء، إذن، هذا الفصل والتفاوت بين البشر فيما يتعلق بهذه الحقوق. لا نريد، هنا، إعادة طرح المسألة في صيغتها الفلسفية، بل ننظر إليها من زاوية الممارسة والإجراءات التي تؤكد، في القرن الواحد والعشرين، أن صناع القرار في الغرب يصرخون بشيء ويعملون بعكسه تماما.
فكيف يهتز الغرب من الأعماق ويهز معه الدنيا بأسرها عندما تسيل قطرة دم من أبنائه، ولا يرتعش له رمش، البتة، عندما تسيل أنهر من دماء العرب والمسلمين، في نزيف دائم، بأيدي الغربيين أنفسهم؟. وكيف ينسجم هذا الغرب "الإنساني" مع نفسه، فيما هو يحمل هذا الوزر العظيم من الجرائم ضد الإنسانية ويتنكر في درجة من النفاق لم يعرف لها تاريخ البشرية نظيرا.. أين هذه الإنسانية المزعومة وتلك الدموع الحارة التي أغرقت الفضائيات وأبكت ساكنة الكوكب الأخضر جميعا، على ضحايا عملية فرنسا الوحشية، بحق.
لماذا تغيب تلك الإنسانية كليا وتنام تلك العيون الذارفة، نوم الأموات، عندما يتعلق الأمر بالمجازر الوحشية والإبادات البربرية التي تقوم بها الجيوش الغربية، بالآلاف بل بالملايين، بحق البشر في العراق وفلسطين. أليس العرب والمسلمون بشرا؟. أم أن دماءهم من طين.. من أين استطاب للغربيين الاستهتار بإنسانية الإنسان في هذه الفسحة من العالم.
يبدو أن روح هتلر لم تمت في الضمير الجمعي في إنسان الغرب، وإنما قتلوا من هتلر الجانب السلبي منه على الغرب نفسه، وأبقوا على نزعته الاستعلائية وروحه العدوانية إزاء غيرهم من أفراد البشرية الآخرين. لذا، فدمهم الأغلى ودمنا من خضخاض..

قمة الرياض.. والسياق التاريخي
انعقدت في الرياض قمة دولية بين الأمة العربية وأمم أمريكا اللاتينية.
وتجيء هذه القمة في ظرفية هي الأخطر على الانسانية بعد الحرب العالمية الثانية. وهذه الظرفية هي الثمرة العلقم التي نتجت عن لعب بوش الصغير وابلير الحقير بالعالم عندما احتلوا العراق في 2003، اشباعا لغرائزهم الصهيونية العدوانية؛ الأمر الذي ترتب عليه هذا الكم المرعب من الأوضاع العالمية البائسة والأوجاع الانسانية المؤلمة. لقد انتهت الحرب العالمية الثالثة باحتلال العراق في صفحتها النظامية بين النظام الوطني في العراق، بقيادة الرئيس القائد الشهيد صدام حسين، ومختلف أطراف العدوان في العالم، بمن فيهم أطراف عربية قادهم الجهل والحقد إلى ذلك الفعل البئيس. ولكن ارتدادات ذلك العدوان تفجرت بأعلى درجة من العنف والشراسة بعد احتلال العراق بين المقاومة العراقية المسلحة والاحتلال الامريكي وحلفائه، مما نتج عنه دخول المنطقة برمتها في أتون صراع مروع تتسع دائرته على نحو فظيع، وتتخذ عناوينه ألوانا متداخلة وتتشابك خيوطه بصورة لا نظير لها فيما هو معروف من صراعات العالم. وإذا كانت قيادات عربية قد ارتكبت ذلك الإثم العظيم بحق أمتها ومكنت لأعدائها فيها، فإن العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، فيما يبدو يتلمس طريقا لتصحيح صورة الماضي، ويبذل في سبيل ذلك جهودا كبيرة لتدارك أوضاع الأمة المتهاوية. وما من شك في أن البوابة الكبرى لوقف هذا الانهيار، بعد التوكل على جهود الأمة ولمها، هو العمل على بعث الثقة في نفوس أكثر من ثلاثمائة مليون مواطن عربي، تحطموا داخليا جراء أفعال الخيانة العظيمة التي تعود عليها قادتهم لأكثر من خمسين عاما من الاستقلال الصوري لدولهم، مع الاحتفاظ بالاستثناءات التاريخية القليلة. ومن بوابة الشعور القومي العربي المهان في تلك المنطقة من الوطن العربي، تأتي اهمية انعقاد القمة بين الأمة العربية ودول أمريكا اللاتينية. فكتابة "الأمة العربية" على اليافطة في الرياض، وفي هذا المقطع من تاريخ الأمة، يكفي، لوحده، لتحريك هذه المشاعر القومية. وبالتالي فهذه القمة ضرورية، ليس للعرب كأمة تأسست فاعليتها على العوامل الثقافية والحضارية والعقيدة العالمية فحسب، بل هي ضرورية كذلك لدول أمريكا اللاتينية- شأنها شأن الدول الافريقية المنهوبة من الغربيين- التي من مصلحتها أن ترتبط استراتيجيا بأمة بهذه الضخامة البشرية والسعة الجغرافية والامكانيات الاقتصادية المتنوعة الهائلة، والأهم من ذلك كله هو هذا الصمود الأسطوري أمام أكثر من عدو و تحت أكثر من عنوان. كما أن الأحداث الجارية، منذ 2003 على الأقل، تِؤكد أن تهميش العرب وتجاوز الرابطة القومية بينهم لا يصب في خدمة الاسلام، بل إن قوى أخرى، مثل إيران الصفوية وحلفائها من أعداء الاسلام، استثمرت هذا القصور السياسي لتحطيم العرب أولا، وتشويه صورة الاسلام، ثانيا، بتخليق مجاميع الارهاب من السنة والشيعة لضرب العروبة والاسلام،معا.
إنه مما ينبغي إدراكه اننا بحاجة إلى ما يستفز، إيجابيا، مشاعرنا القومية باتجاه تفعيل العلاقات بين أقطار أمتنا وتعاضدنا ومناصرة بعضنا لبعض في هذا الواقع الطاحن لنعيد الحياة إلى هذه القلوب الفارغة والعواطف التائهة والأفئدة المرعوبة من الحاضر والمستقبل. صحيح أن الواقع معقد جدا وأن بعض المواقف تتسم بالحساسية الشديدة لتداخل التاريخ بالحاضر والرجال الفاعلين بالرجال المفعول بهم، مما يستدعي دقة الحساب في الحركة على خريطة الدنيا المتغيرة، ولكن الأصح أن الملك سلمان بن عبد العزيز مدرك لأخطاء الماضي القريب، وهو أكثر إدراكا أنه منتم لأمة لا تموت، لأنها تحمل رسالة لا تعرف الفناء.

لماذا البعث..؟
دعونا نقولها بمنتهى الصراحة: إنه لما تكالبت قوى العدوان، على نطاق عالمي، ضد حزب البعث وتجربته الرائدة في العراق، دخل العالم، بكليته، في ظلام دامس وانتشرت بينه أفكار وحركات التطرف الديني، بدءا بعصابة المحافظين الجدد الذين حكموا الولايات المتحدة الأمريكية، بزعامة آل بوش الوحشيين، الذين وظفوا الامكانيات المهولة في هذه الدولة لتمزيق العالم وإخضاعه. بينما انتشرت حركات التطرف والغلو في العالم الاسلامي في سياق رد فعل أحرق العرب والمسلمين. لقد كانت أمريكا المحافظين الجدد هي مسعار ذلك الحريق الدولي عندما عملت على تجييش العالم لإطاحة تجربة ونظام حزب البعث العربي الاشتراكي، واغتالت العقل وحطمت فكر الحداثة الذي كان يشع على هذه المنطقة. فشجعت الجماعات التي تتخذ من الدين غطاء، بينما هي في الحقيقة تجتر الماضي بكل سلبياته وتستدعي من تاريخ المسلمين أسوأ ما فيه، من حيث تحتسب أنها تحسن صنعا. وكان للدعم المالي الهائل - فضلا عن كل التسهيلات الاعلامية والخدمية، التي قدمتها أقطار عربية متخمة بريع النفط – إلى تنظيمات " الإيديولوجيا الاسلامية " أكبر الأثر السلبي في محاربة الخطاب القومي العربي المتنور. فكان لذلك الاسناد المحموم من تلك الدول ومن الغرب،معا، دور كبير في الجاذبية المزيفة لتلك التنظيمات الهدامة لاستمالة آلاف من الشباب العربي. بل إن هذه القوى التي تشتكي وتتباكى، اليوم، من القوة التخريبية لتنظيمات الإيديولوجيا الاسلامية لم تكتف بتمويل هذه التنظيمات، وإنما انخرطت في حرب اقتصادية وإعلامية وسياسية ضد حزب البعث وعملت بجهود منسقة لإطاحة نظامه الوطني القومي في العراق، وشجعت بل ضغطت على الأنظمة العربية الأخرى على محاربته واجتثاثه بالتجويع والإقصاء والتهميش في الحياة العامة لصد الشباب عن التوجه إليه، و"لتنظيف" الطريق أمام تلك التنظيمات عبر المال المتدفق والمنح الدراسية والدورات التكوينية والتوظيف في المؤسسات والهيئات الخيرية، وسواه من صنوف الدعم والاسناد. فكانت النتيجة، من الحرب على حزب البعث، انتشار أخطبوط من الشبكات الظلامية المالكة لشبكات هائلة من الاستثمارات الاقتصادية والمالية والتجارية والخدمية والاعلامية التي مكنتها من اكتتاب أعداد كبيرة من شباب الأمة للانخراط في مساربها ودهاليزها المظلمة، بدافع المصلحة والنجاة من الحرمان والبطالة. وهكذا، ترتب على محاربة حزب البعث طغيان التنظيمات فاقدة البوصلة في الدين والدنيا، وتفشى فكرها الجامد في عدد غير محدود من الشباب العربي وانطفأ نور العقل بينهم، حتى باتت الأمة، في حاضرها ومستقبلها، رهينة بين أيدي شراذم حاملة للعنف الأعمى ضد كل شيء، وتتيه، على وجهها كالمخبولين، في صحراء قاحلة، لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت.. فكل ما خرجنا به من هذه الحرب ضد البعث وحزبه هو هذا التردي و مجموعات منفلتة من كل عقال لا تفقه من الاسلام، وما يهمها منه، هو مجرد " دشاديش قصيرة ولحى طويلة " في سيارات فارهة، أو مع قنابل حارقة باسم "الجهاد". فتآمرنا على حزب حداثي عقلاني قومي وحدوي، واستبدلنا به زمرا ممعنة في خشونة السلوك وعنف الأفعال؛ خدمة، بوعي أو بغيره، تصب في مخططات المخابرات الغربية والصهيونية، التي تسعى لتشويه صورة الاسلام والمسلمين في عيون الشعوب الغربية، التي تتطلع إلى الصورة الناصعة لهذا الدين. لقد كانت تلك هي ثمرة الحنظل لفعل التآمر على حزب البعث وتجربته العقلانية الحداثية المتنورة في العراق.
وكان أمر ما في هذه الثمرة (العلقم) هو أن سلمنا العراق للصفوية الفارسية التي تنفخ في نار الطائفية والمذهبية، بينما انقلب سحر تلك التنظيمات الظلامية على أولياء نعمتها، فكان ذلك هو الخسران المبين. والآن:
"تنبهوا واستفيقوا أيها العرب *** فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب".

28 نوفمبر، ذكرى الاحتفال بالوهم الكبير
من الأمور التي تكبل مسيرة الوعي عند الموريتانيين، هو تحكم العاطفة في كتابة تاريخهم.
فتاريخ هذه البلاد لم يكتب بعد، وإنما الذي كتب وراج هو خليط من العواطف والخرافات الحكمية والأساطير المؤسسة للمجموعات والمزاعم والمغالطات. وهذا لا ينفي، بحال من الحوال، أن ثمة محاولات جريئة يبذلها بعض الأكاديميين والباحثين لإعادة النظر، على الأقل، فيما هو متوفر من تاريخ هذه البلاد؛ ولكن هذه المحاولات تصطدم بعائقين اساسيين: أحدهما استحكام الروايات الشفهية " الممجدة" في أذهان كل مجموعة، بمن فيها المثقفون منها. والثاني، غياب مؤسسات بحثية متخصصة علميا في هذا المجال ترعاها الدولة وتعمل على تغليب نتائجها البحثية العلمية، حتى تسود على الروايات والشفهيات الأخرى التي لا طائل من ورائها، إلا أن يغني كل على ليلاه. وإذا كان تاريخ البلاد، قبل الاستعمار، يتسم بالتعقيد والحساسية ويغلب عليه غياب التوثيق وطغيان الشفهيات، بما يتطلب جهدا جهيدا من التفكيك والتركيب، فإنه من المعيب أننا ما زلنا نختلف على كتابة أحداث حصلت بالأمس وجرى توثيقها منا ومن غيرنا. ومن هذه الأحداث، التي لا يجب الاختلاف حولها، بل يجب تجريدها من كل عاطفة وغرض، هو قضية استقلال البلاد عن فرنسا. فلا خلاف على أن فرنسا دولة استعمارية. والثابت الثاني أن الموريتانيين انقسموا على أنفسهم حيال الاستعمار، رفضا وقبولا، دون الخوض في تبرير المواقف. فقد انتفض قسم منهم لمقاومة المحتلينالفرنسيين، وبذلوا في سبيل ذلك أنفسهم وأموالهم وسلطانهم، دفاعا عن الدين والعرض والأرض. وهناك فريق آخر آثر التعاون مع الاستعمار والعيش في ظله كأمر واقع. وهذا مما يحصل في كل الشعوب؛ بل حصل في فرنسا نفسها إزاء الاحتلال الألماني لها. ولكن من غير المقبول التلبيس على وضعية هؤلاء أو جعلهم أندادا لأولئك الأبطال الذين فضلوا الشهادة ذودا عن العرض والأرض والدين، كما أنه من العار القادح أن نرى من يقلل من القيمة الوطنية و التاريخية لأبطالنا المقاومين الذين تخلوا عن الجاه والسلطان والمال من أجل الوطن، لأن المقللين، هم، ممن استغرقتهم العمالة،لحما وعظما، ويريدون أن يعمموا نذالتهم وحقارتهم لشطب قيم النخوة والوطنية من ذاكرة الموريتانيين. غير أن هؤلاء الأبطال المقاومين يمثلون شارة شرف لكل موريتاني شريف، وأن الآخرين وصمة عار في جبين شعبنا جميعا. ولا يجب تقييم أي من المقاومين والمتعاونين على أساس قبلي أو إثني أو جهوي أو شرائحي، بل على سلم وطني عام.
إنه يجب تجريد العاطفة، من أي نوع كانت، في هذا الموضوع. كما يجب مفاتحة الأجيال الحاضرة والقادمة بالحقيقة، دون زيادة ولا نقصان ودون مجاملة. فالأمر ليس موضوعا للمساومة وأخذ العصا من المنتصف. إن الاستعمار الفرنسي قد وثق هذه الحقبة من تاريخنا وترك مواصفات رجالها، كما أن الذاكرة الوطنية، على ضعفها، احتفظت بأشياء ثمينة من هذا التاريخ. وإذن، فما العيب، لفائدة النخوة الوطنية، أن نكشف الرموز، مثلا، من الوجهاء والأعيان والمشايخ الذين حرضوا، يومئذ، المجرم كوبولاني على قتل المجاهد بكار ولد اسويدأحمد، قبل أن يلتحق بسكان الحوضين ويشتد عوده الجهادي بمساعدة اولئك السكان الموصومين بالشوكة والبأس الشديد في الحرب. وأي حرج في انصاف الرئيس الأسبق للبلاد، وكان بحق رجل دولة، مع الاعتراف أنه كان أحد رجالات فرنسا، وحكم البلاد بإرادة استعمارية لا غبار عليها وحارب، دون هوادة، زعماء المقاومة الوطنية العسكرية والثقافية. وإلى الآن، ما زال 28 نوفمبر وهما كبيرا بالاستقلال، لأنه منحة من الاستعمار الفرنسي للموالين له في البلاد، و ما زلنا، أيضأ، ممسوخين ثقافيا ومستلبين لغويا ومغيبين في هويتنا، والأدهى، من ذلك، أن حكامنا يصنعون في فرنسا ويقفون بالضد من مصالح شعبهم لحسابها. أجل.. فرنسا التي ما تزال تقرر كل شيء في حياتنا، وتفصله على مقاس مصالحها وعملائها..

صرح معماري بانتظاري النقل
تعتبر جامعة نواكشوط الجديدة صرحا معماريا شكل اضافة نوعية في مجال التعليم العالي ؛ فالبنية التحتية في مجال التعليم من مدرجات و قاعات نموذجية للدراسة و مختبرات و مطاعم و نقل الى آخره..، من الحاجيات الضرورية التي تساهم في الرفع من مستوى وطبيعة المخرجات التعليمية، كما تضمن توفير الظروف المناسبة لمتابعة الدراسة في عالم لا يمكن لأي مجتمع أن يحرك قاطرة التنمية فيه دون المصادر البشرية كعنصر محوري في معادلة التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحكم واقع الحال كيف يصل الطلاب إلى مدارج الدرس في الوقت المناسب و بالظروف التي تحترمهم و تمنحهم القدرة على المواصلة، بينما لا يزال النقل يشكل حاجة ماسة بل ضرورية كما و كيفا، أزمة مقلقة يعيشها طلابنا هذه الأيام تحرمهم متعة المتابعة و الدراسة في جامعتهم المتميزة الجديدة، يجب حل هذه المشكلة بشكل فوري و توفير العدد الكافي من الباصات الجديدة و القوية كما تجب زيادة توقيت الرحلات في الذهاب و العودة. فالجامعة بعيدة جدا و لاصحاب الطوارئ من المرضى و أصحاب الحاجات الضرورية حق في العودة إلى وسط المدينة، كما يجب التسريع في فتح الخدمات الجامعية الأخرى كالمطاعم و المكتبة و تأمين الفضاء الخارجي و الساحات من الأفاعي و العقارب التي تشكل خطرا على تجمهر و تواجد الطلاب في الساحات، و يجب أن تحل هذه القضيا بالتنسيق و التواصل مع النقابات الطلابية المتواجدة في الجامعة ؛ فطلابنا أملنا في المستقبل.

القطط السائبة.. والصحة العمومية
دأبت السلطات العمومية، في موريتانيا، من حين لآخر، على تنظيم حملة لقتل الكلاب السائبة، بدافع الحفاظ على الصحة العمومية، نظرا لما يحدث، في بعض الأوقات، من ظهور " داء الكلب" بين أفراد هذه الكلاب؛ الأمر الذي قد يتسبب في نقل هذا المرض إلى الأشخاص الذين قد يتعرضون للعض من هذه الكلاب. وتلك إجراءات سليمة تقوم بها السلطات لمحاربة الكلاب السائبة. ولكن يبدو أن هذه السلطات ما زال يغيب عن بالها أخطار صحية أخرى محتملة، ناتجة عن الأعداد الهائلة من القطط السائبة، التي تنتشر في المدن الكبيرة من البلاد، وبخاصة العاصمة انواكشوط. فهذه القطط السائبة تملأ الأزقة وسطوح المنازل ومستودعات القمامة. وعند هبوط الخيوط الأولى من ظلمة الليل، تنتشر القطط السائبة كالجراد داخل البيوت المكشوفة حيث لا تترك إناء إلا دست فيه أفواهها، ولا تبقي فراشا و لا وسادة إلا تمسحت به، ولا شباكا لمكافحة الذباب والبعوض إلا مزقته، وحيث تترك " غائطها" في كل مكان مرت به. هذا فضلا عما تحمله من أنواع البعوض والذباب والحشرات والبرغوث والطفيليات، التي ربما كانت السبب في كثير من الجراثيم والطفيليات و أمراض الجلد والحساسية المتفشية، منذ سنوات، بين المواطنين، والتي لم تحظ بأية دراسة في أسبابها، وإنما ترك الحال للإهمال، كما هي العادة في هذه البلاد.
إن السلطات العمومية مطالبة بشن حملة، مماثلة لحملات الكلاب الضالة، ضد القطط السائبة، خصوصا أن هذه القطط تعرف وفرة عددية هائلة باتت أكثر إيذاء للناس في صحتهم وإزعاجا لهم، في أصواتها وشجارها، لنومهم وراحتهم. عموما، لا بد للسلطات العمومية أن تأخذ في الاعتبارات الصحية العمومية للمواطنين ظاهرة انتشار القطط الضالة قبل أن تتسبب هذه القطط في أمراض وأوبئة تكلف الدولة والمواطنين نفقات ومخاطر أعظم من حملات موسمية لمكافحة تسيبها. أي أن تتدخل في وقت مناسب للوقاية من "أشياء" سلبية محتملة من هذه الحيوانات الساكنة في القمامة، ولدرء أمراض محتملة؛ إذ لا ينبغي أن ننسى أن الأوبئة الفتاكة، اليوم، في العالم يرجع المختصون أسبابها إلى الحيوانات، مثل افلونزا الطيور، وجنون البقر والإيبولا، وحمى الضنك وحمى الوادي المتصدع.
فمن يدري، قد يكتشف الباحثون مرضا جلديا أو تنفسيا أو نزيفيا ناتجا عن بيئة القطط التي تساكن الانسان وتجاوره، على نحو لصيق.

إلى أين يتجه العالم..؟
نحن في عالم مجنون يتخبط في سياساته ومواقفه تخبط الذي به مس من الجن. فهذا الغرب الامبريالي، مثقلا بحمولته التاريخية من الاستعمار وبمخزونه الهائل من الحقد الصليبي، يتنادى إلى اجتماعات إثر اجتماعات ويضرب أخماسا بأسداس ليقضي، فيما يقول، على الإرهاب. فما أحسن أن ينتهي الإرهاب في العالم وتتخلص البشرية من شرور التطرف، وتتفرغ الانسانية للتنمية والعمران والحضارة، بدلا من الحروب والدموع والحطام. ولكن المصيبة العظمى أن قادة الغرب مصابون بعمى شديد وفي آذانهم وقر عما يحدث من جرائم يندى لها جبين الانسانية لو كان لها جبين. فقادة فرنسا وبريطانيا وأمريكا وروسيا... يستجمعون القوة من كل مكان لاستئصال شأفة داعش، ولكنهم في غطاء عما تقوم به عصابات الصهاينة بحق الانسانية في فلسطين، وما تقوم به أبالسة المليشيات الصفوية في العراق. أما أم المصائب فتتمثل أن من تبقى من " قادة" العرب والمسلمين بلغ منهم العجز كل مبلغ واحتل منهم الخور كل مفصل حتى باتوا عاجزين عن إدانة هذه الجرائم البربرية التي يرتكبها نتنياهو وقطعانه بحق الشباب الفلسطيني في الشوارع، ويرتكبها مرشد الأبالسة الصفويين في طهران ضد العراقيين العزل في منازلهم ومساجدهم. فأين يتجه هذا العالم الغربي الذي يتحشد؟.. هل هو تحقق نبوءة " مسيلمة" الأمريكي في صدام الحضارات وتقاتل الأديان؟.. إن العالم الذي نعيش فيه بات، فيما يبدو، خاليا من أصحاب الرأي السديد ومن العقلاء الذين يحكمون الحكمة في حل المشاكل وتسوية الأزمات الكبرى. فما الذي يستعجله حكام الغرب من حرب كونية غير واضحة في أهدافها ؛ومدمرة في نتائجها؟.. ولماذا يتجنبون الطريق الصحيح لحل هذه الأزمات التي أنهكت البشرية، ويضعون حدا لمواجع الشعوب التي سئمت الحياة جراء سياسات قادة العالم الغربي. إن قادة الغرب يعلمون علم اليقين أن أصل هذه المشاكل والحروب هو قضية فلسطين، ومالم يستجب الغربيون للعقل والمنطق والعدل في هذه القضية لن يكون فيه أمان لأحد من العالمين. فكل هذه التحشدات العسكرية والاجتماعات السياسية لن يكون لها مفعول إيجابي على السلم الدولي مثلما ضاعت جهود غربية سابقة لأنها تغافلت عن المشكل الفعلي والمصدر الأول للإرهاب. وليس ينفعهم أي حاكم عربي أو مسلم، مهما مارسوا من ضغوط ولوحوا به من تهديد، ما لم تحل قضية فلسطين ويرجع لهذا الشعب المظلوم، منذ سبعين عاما، حقوقه المغتصبة. فحكام العرب والمسلمين أموات في شعوبهم، لكثرة خيانتهم وتآمرهم على هذه الشعوب. إن لهم تاريخا طويلا من الرداءة وحافلا بالدناءة ما جعلهم أحقر شأنا عند الشعوب لتنصت إليهم في أي أمر. وإذا استمر قادة الغرب في مشروعهم لاحتلال الوطن العربي - مثلما يخططون له الآن، مصحوبا بجعجعة إعلامية صاخبة، بهدف تقاسمه وتدنيس مقدساته، تأمينا لمستقبل الكيان الصهيوني من جهة، وانتقاما من دول عربية، بذاتها، شاركت في إخراج الاتحاد السوفيتي، مهزوما، من أفغانستان- فتلك نهاية العالم. فحرب المقدسات سجال مفتوح، وفيما يبدو أن العالم يتجه صوب نهايته..
شبكة البصرة
الثلاثاء 19 صفر 1437 / 1 كانون الاول 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق