قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 12 فبراير 2014

د. أبا الحكم : الثورة لها جناحان.. شئنا أم أبينا!!

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
الثورة لها جناحان.. شئنا أم أبينا!!
 
شبكة البصرة
د. أبا الحكم
 
علينا أن ندرك جيداً أن الثورة المسلحة من أجل التحرير، لها رأس واحد بجناحين، احدهما سياسي يضع السياسة الإستراتيجية في موضع التخطيط الميداني في ضوء الواقع الشامل المتحرك، والآخر عسكري يحول مجرى الصراع من حالة السكون إلى حالة الحركة صوب الأهداف التي ترسمها السياسة.. لآن الحرب هي امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى.
السياسة هي التي تصنع الحرب وتصنع حروب التحرير، لأن الحروب لا تصنع بالتلقائية أو من تلقاء نفسها، إنما هنالك سياسة تصنعها، في إندلاعها وتوقفها، في تقدمها صوب اهدافها المرسومة وفي تراجعها لإعادة تنظيمها وترتيب قواها.. ولكن الحرب لا تصنع السياسة، لأنها أداة من أدواتها، حيث تريد السياسة أن تصل عن طريق الدبلوماسية إذا فشلت تندلع الحرب، التي توقفها السياسة وتتحكم بمسارها الإستراتيجي السوقي.
حروب التحرير لا تخرج عن هذه القاعدة، التي اجمع عليها المفكرون الإستراتيجيون بمختلف انتماءاتهم ومدارسهم الفكرية، والأمر ليس اجتهاداً من لدن السياسة، وليس من لدن العسكرية، إنما هو قاعدة يطبقها الشرق والغرب والشمال والجنوب في ضوء واقع محتدم يعج بصراع المصالح والمنافسة على النفوذ.

والثورة التحررية هذه كيف يكون شكلها وهيكلها ومعاييرها وصنع القرار فيها؟ فهي في ضوء سوابق التاريخ التحرري للشعوب من نير الإستعمار، تتصف بهيكليتين اثنتين لا غير، هما :
أولاً- الخط او الجناح السياسي، لماذا الجناح السياسي؟ لأن العمل ومجرياته كلها سياسة، فلا بد من إنشاء جناح سياسي يتولى الشئون السياسية ومتطلبات التمثيل والمفاوضات والمحادثات والإتفاقات والإتفاقيات وحضور المؤتمرات..إلخ.
ثانياً- الجناح العسكري، لماذا الجناح العسكري؟ لأن الفعل الميداني ومجرياته عسكرية، معنية بتحويل معادلة القوى لصالح الثورة، وفرض الأمر الواقع عن طريق القوة، وحماية الثورة من كل أشكال الخرق والتآمر والإنحراف، وبما يقرره الجناح السياسي، صاحب القرار في إدامة الزخم العسكري وفرض نظام الحماية وتكريس هيكلية النظام والأخذ بتنفيذ النظم القانونية والتشريعية التي تتولى رعاية مصالح الدولة ومصالح الشعب.

إذن، هنالك جناحان رئيسان في كل حرب وفي كل حروب التحرير الوطنية في العالم عبر التاريخ، هما الجناح السياسي والجناح العسكري، هما المعنيان بنجاح الحرب ونجاح الثورة، وأي خلل في تركيبة هذين الجناحين له مردودات سالبية على واقع الحرب أو واقع الثورة، لأن التوازن والتنسيق هما ركنان أساسيان في العلاقة الموضوعية بين الجناحين السياسي والعسكري، والإنضباط أحد أهم ركن من أركان العمل العسكري والسياسي.

أي ثورة تحررية، وهي معنية بإزالة خطر أجنبي وتهدف إلى بناء كيان وطني يمثل شعب الثورة والأغلبية الساحقة من أبنائها، ترفض أن يكون الأجنبي طرفاً فيها من حيث المبدأ ومن حيث الواقع، سواء كان بحجة الدعم أو الإسناد مهما يكن نوعه مادياً أو إعلامياً، شريطة أن لا يكرس استحقاقاً يثلم نهج الثورة التحررية ويفتح في جدارها ثغرات التسلل إليها من اجل اجهاضها والعودة بها إلى نقطة الصفر.. والمعنى في هذا.. أن الثورة التحررية التي تسعى من أجل طرد الأجنبي لا ينبغي لها أن تقبل بهذا الأجنبي بين ظهرانيها بأي حجة أو مسوغ.. لأنها في مثل هذه الحالة (تطرده من الباب وتقبل به من الشباك).. الثورة وثوارها ومبادئها لا تقبل بذلك، لأن العمل على وفق هذا الإنسياق هو عمل غير وطني وقاصر وأناني لا يمتلك الرؤية السياسية الشاملة الكاملة والعميقة لقوانين السياسة وقوانين الحرب، ولا العلاقة الموضوعية الكائنة بين الجناحين السياسي والعسكري في إدارة دفة الحركة التحررية.

الشيء المؤكد.. هو أن واقع الحال في العراق يختلف جذرياً عن ما حصل ويحصل في باقي أقطار الأمة العربية تحت يافطة سخيفة أسموها (الربيع العربي)، لأن الشروط الذاتية التي تحكم الموقف في تلك الساحات، وكذلك الظروف الموضوعية لها، تختلف تماماً ولا داعي لتكرارها.. ففي العراق قوى وطنية متعددة كل منها لها رؤيتها للواقع السياسي والميداني.. ولكن هذه القوى يتوجب يتوجب يتوجب أن تجمعها ثوابت وطنية معروفة تفاصيلها، تقع في مقدمتها :
أولاً- الإقرار بأن الثورة لا تعلو عليها أي قوة أو أي مكون وطني لا في سياق عملية التحرير ولا بعدها.
ثانياً- الإقرار بأن التحرر وتكريس السيادة الوطنية في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي وعدم الإتكال على الأجنبي أو أي قوى تقدم خدماتها المشروطة، يعد من الثوابت الوطنية المهمة في مسيرة التحرير.
ثالثاً- الرفض المطلق لأي عمل مباشر أو غير مباشر مع أي قوة اجنبية أو أي قوة مرتبطة بالأجنبي، والتي لها علاقة بفرد أو فصيل يتخذ من حركة الثورة سلماً لمصالحه الأنانية.
رابعا - رفض تلقي الدعم والإسناد الخارجي المشروط بالتدخل الرامي إلى تحريف القرارات أو إفراغها من مضامينها أو التدخل في شئونها.
خامساً- تجنب إقصاء أو إستبعاد أو تهميش أي قوة وطنية عاملة مهما يكن وزنها ما دامت تعمل في حركة تحررية تقارع الأجنبي في كل الظروف والأحوال.
سادساً- الإقرار بمشاركة كل القوى المقاومة والمناهضة للاحتلال الأمريكي والفارسي، في التمثيل السياسي دون التفريط بأي قوة بدواعي الحجم والإمكانات أو بدواعي مسوغات غير واقعية.

في ضوء هذا الواقع، فأن الحالة في ظل هذين الاحتلالين اشترطت :
أولاً- تشكيل مجالس عسكرية، من كل القوى العراقية المقاومة والمناهضة للاحتلالين المذكورين، وزعت على مستوى واقع المحافظات، ترتبط بمجلس عسكري يعد الجناح العسكري للثورة وأداتها الضاربة الكفيلة بتغيير معادلة الصراع إلى وضعها الوطني.
ثانياً- تشكيل مجلس سياسي أعلى يضم كل القوى العراقية المقاومة والمناهضة للاحتلالين المذكورين، يعد الجناح السياسي للثورة الذي يتولى شأن التمثيل السياسي الخارجي وإدارة شؤون المفاوضات والمحادثات وحضور المؤتمرات بما يكفل رصانة الثورة ومسيرتها ونجاحها وضمان عدم اختراقها أو حرفها أو محاولات اجهاضها.
ثالثاً - تشكيل جبهات وطنية في الخارج تضم كافة القوى الوطنية والقومية والإسلامية، تتولى مهام الإتصال والتنسيق مع كافة القوى الوطنية المحبة للحرية والتحرر من أجل توحيد التصورات حول معنى ومغزى الثورة لطرد الاحتلال الأمريكي المتخفي تحت اتفاقية الأمن الإستراتيجية الموكولة لنظام طهران من اجل ضمان المصالح النفطية الأمريكية وضمان الأمن الإسرائيلي مقابل الصمت على النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.. فضلاً عن تكريس واقع الإعلام الذي يكشف طبيعة ما يحدث في العراق من جرائم حرب ضد الإنسانية، وكسر التعتيم الإعلامي المفروض على واقع هذه الجرائم التي طالت كل بيت عراقي من الشمال إلى الجنوب، كما طالت كل مكونات الشعب العراقي وركزت بالقتل والتشريد الطائفي على مكون واحد.. هذا التشكيل يقوم على أساس أليات تعتمد العمل الجبهوي الرصين الممنهج، وهو مكمل للهياكل الإعلامية التي انتشرت على معظم الساحات العربية والأجنبية.

إذن، ما حصل هو الصواب في تشكيل المجالس تحت قيادة المجلس العسكري الأعلى.. وتشكيل المجلس السياسي، الذي يضم كافة القوى المقاومة والمناهضة للاحتلال الأمريكي والإيراني.. ولما كانت القوى العاملة في المجلس العسكري هي القوى المقاومة والمناهضة، ولما كانت القوى العاملة في المجلس السياسي، هي القوى المقاومة والمناهضة، فأن توازن الهياكل منسجماً مع طبيعة الحالة التي تقتضي استمرار زخم المقاومة والتصعيد إلى مستوى يتناسب مع طبيعة التحديات الخطرة في واقع الشعب العراقي برمته وعلى امتداد جغرافيته الديمغرافية - السياسية، وواقعه القومي والإقليمي والدولي.

والتساؤل هنا.. هل يعجب هذا العمل المنجز، أمريكا وإيران والكيان الصهيوني وبعض القوى العربية التي ما زالت ذيلاً لتل أبيب وواشنطن؟ طبعاً، لا يعجبهم المستوى الرفيع الذي بلغته تنظيمات الثورة على مستوى المجالس، ومستوى المجلس العسكري، ومستوى المجلس السياسي، ومستوى الجبهات الوطنية والقومية والإسلامية في الخارج، ومستوى التنظيم والتنسيق الإعلامي بين الخارج والداخل.. وازاء حالة عدم الإعجاب هذه، التي ينجم عنها رفض كل هذا التشكيل الذي يريده الشعب العراقي، بل العمل على عرقلة أدائها ومن ثم اجهاضها عن طريق العديد من الوسائل ومنها على وجه التحديد:
أولاً- الدفع بعناصر محسوبة على الثورة - في شتى المجالات - للقيام بخلط الأوراق وإثارة المشكلات الثانوية وجعلها رئيسية وتغليبها على هدف الثورة وهو التحرير الكامل والشامل.. والحالة هذه تصب في مصلح أمريكا وإيران والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، التي ما زالت ذيلاً ينفذ مخططات واشنطن وتل أبيب.
ثانياً- الدفع بعناصر محسوبة على الثورة لطرح موضوعات وبناء تشكيلات سلطوية لا تخدم سياقات الثورة بل وتعيقها كموضوعات (الأقاليم، ومجالس المحافظات، وتنظيمات مليشية مسلحة كالصحوات، وشيوخ لا صلة لهم بالمشيخة القبلية العربية العريقة)..إلخ.
ثالثاً- التحريض والعمل على اقصاء أو إبعاد أو تهميش بعض قوى الثورة الفاعلة، التي لها ثقلها السياسي والعسكري وخبرتها الكفيلة بنقل الأحداث من حالة نوعية إلى أخرى أكثر تقدماً على وفق رؤية شاملة قادرة على النهوض بالشعب إلى مستوى العدالة والتعددية والديمقراطية الحقيقية دون تفريط بأي مكون، سواء كان مذهبياً أو قومياً أو حزبياً أو قبلياً أو واجهياً، في ضوء الثوابت الوطنية التي يتفق عليها الجميع، ولا يخالفها غير الذين في قلوبهم مرض، والذين لا تعجبهم مسيرة الثورة وتشكيلها وتناسقها وتكامل بنيانها ووضوح اهدافها.
رابعاً- العمل على تضخيم (الأنا) لدى البعض من اجل تنفيذ اقصاء أوابعاد أوتهميش قوى أخرى ومن ثم السطو على مقدرات القرارات التي تتحكم بمسيرة الثورة، ليس لمصلحة الثورة بل من أجل حرفها وافشالها واجهاضها.. والإنحراف والفشل ومن ثم الإجهاض، يتم من خلال فرض سياقات وتوجهات لا تخدم الثورة بأي حال.

ملاحظات في الختام :
الإشكالية هنا.. قد لا تعي قطر مغبة عدم ادراك واقع الثورة في العراق وقواها الفاعلة، كما إن فصيلاً من قوى الثورة قد يكون غير مدرك لحقيقة جوهرية وأساسية، هي أن الثورة في العراق فوق كل الفصائل والمكونات، وإن هدفها الأسمى هو التحرير وليس اقصاء أحد أو تهميشه أو الإحتراب الداخلي.. وإن أي عملية احتكاك أو احتراب هي محرمة شرعاً ولا يجب الإنسياق خلفها لأنها تصطدم بالثوابت الوطنية التحررية.!!
9/2/2014
شبكة البصرة
الاحد 9 ربيع الثاني 1435 / 9 شباط 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق