قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 16 فبراير 2014

هل نجحت المخابرات الأمريكية بتجنيد الشعب العربي برمته الجزء السادس : أهم العوامل المؤثرة في صياغة التكوين الفكري والعقائدي للفرد والأمة : العنصر الجيني الوراثي الحلقة السابعة :هل العرق العربي متخلف جينيا؟


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
هل نجحت المخابرات الأمريكية بتجنيد الشعب العربي برمته
الجزء السادس :
أهم العوامل المؤثرة في صياغة التكوين الفكري والعقائدي
للفرد والأمة : العنصر الجيني الوراثي
الحلقة السابعة :هل العرق العربي متخلف جينيا؟!!
 
شبكة البصرة
الرفيق رأفت علي والمقاتل النسر
بسم الله الرحمن الرحيم
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) النساء 71
صدق الله العظيم
تمهيد:
تناولنا في الحلقة الأولى من هذا الجزء "السادس" تأثير الجينات الوراثية في وراثة السمات الجسمية والمرضية، حيث اوضحنا بان الإنسان حينما يولد فانه سيرث من سلالة عائلته سمات جسمه ومظهره وحالته الصحية، كوراثة لون وشكل العين والأنف والبشرة والشعر ومدى استعداد جسمه للإصابة بأمراض معينة دون غيرها. كما اوضحنا بان الجينات الوراثية تورث ايضا ما اسميناه بالبصمة الهرمونية أي تورث نشاط ووظائف اعضاء جسم الانسان وهو ما يندرج تحت دراسات علم الفسيولوجيا او علم وظائف الاعضاء.
 
وفي الحلقة الثانية تناولنا دور وتأثير الجينات الوراثية في صياغة وتشكيل شخصية الإنسان، ومدى تأثير الهرمونات في سلوك الإنسان ومشاعره، حيث اوضحنا بإمكانية وراثة الإنسان لطباعه ومشاعره وأحاسيسه وعادته من سلالة عائلته نسبيا، وذلك بحكم وراثة الانسان لبصمته الهرمونية، وهو ما يندرج تحت دراسات علم النفس الفسيولوجي وهو العلم الذي يدرس العلاقة بين السلوك والأعضاء من أجل إيجاد تفسير فسيولوجي أو عضوي للسلوك الإنساني.

وفي الحلقة الثالثة تناولنا دور وتأثير الجينات الوراثية في عملية التفكير، حيث توصلنا الى وجود هرمونات معينة تؤثر في تشكل فكر الانسان عبر تأثيرها بجزيئيات عملية التفكير، اي بقدرة الانسان على الفهم والتعلم والاستيعاب والتخطيط واتخاذ القرار وبقوة ذاكرته وإحساسه بالبهجة والاستمتاع والتخيل، بالإضافة الى تأثير الهرمونات في حواس الانسان وفي مشاعره والتي تلعب دورا مهما في عملية التفكير. وخلصنا الى ان وجود تأثير هرموني في جزيئيات عملية التفكير يقدم لنا الدليل على امكانية وراثة طريقة التفكير ما دام الانسان يرث بصمته الهرمونية وان كان هذا الدليل غير مباشر و لا يورث الفكر نفسه، وهذه الحلقة مكملة للحلقة السابقة حيث تندرج ايضا تحت دراسات علم النفس الفسيولوجي.

وفي الحلقة الرابعة تناولنا الحقائق العلمية لتأثير الجينات الوراثية في الانسان وهنا نشدد على عبارة "حقائق" والتي ثبت وجودها علميا وتم تشخيصها واكتشافها من قبل علماء الوراثة أنفسهم، وليس من اختراعنا نحن، انما كل الذي عملناه في هذه الحلقة هو ربط اكتشافات العلماء بعضها بالبعض الاخر وبشكل عمدنا على ان يكون تسلسلي سهل الفهم حتى يتيسر لمختلف فئات وشرائح الناس استيعابه، فهذه الحلقة مثلت خلاصة مهمة للحلقات الثلاثة الاولى والتي تعتبر اساس دراستنا هذه وقاعدة انطلاقها.

وفي الحلقة الخامسة تناولنا موقف ديننا الاسلامي العظيم من قضية العرق وتأثير العوامل الوراثية في حياة الانسان. حيث خلصنا الى ان الاسلام العظيم يعترف باختلاف البشر فيما بينهم سواء من حيث اللون او اللغة او العادات او القدرات والتي يتم تناقلها من جيل لأخر في الامة الواحدة عبر عوامل البيئة الاجتماعية (اي بالاكتساب الثقافي والتنشئة والتربية) وعبر العوامل الوراثية (كالبصمة الجينية والهرمونية). كما بينا بان حكمة الله سبحانه وتعالى من جعل البشر يختلفون في الوانهم ولغاتهم وقدراتهم وثقافاتهم وحضاراتهم وجيناتهم الوراثية هي من اجل منفعة البشر انفسهم بحيث يكمل احدهم الاخر، ولهذا فقد حث الاسلام العظيم على ضرورة تعاون البشر فيما بينهم وتكاتفهم وتبادلهم للخبرات والمعلومات، فالمطلوب من البشر ان يجعلوا من اختلافهم رحمة لا نقمة، وهبة الله سبحانه لهذا الشعب او تلك الامة لمميزات خاصة بهم دون غيرهم لا يعطي الحق لذلك الشعب او تلك الامة بممارسة الظلم على الاخرين او اغتصاب حقوقهم او الحط من مكانتهم الانسانية، فالعنصرية والتمييز العرقي مرفوض رفضا تاما في الاسلام، وحتى لا يغفل الانسان عن هذه الحقائق فقد جعل الله سبحانه وتعالى معيار الافضلية عنده للمتقي المؤمن به سبحانه والذي يترجم عبادته وأيمانه بالله الواحد الاحد على ارض الواقع بالتعامل الحسن والأخلاق الكريمة مع بقية البشر بما فيهم الغير مؤمنين كجزء من محاولة اصلاحهم وهدايتهم للحق والرشاد.

وفي الحلقة السادسة كنا قد تناولنا بدايات تبني علم الوراثة واستثماره من قبل الدولة، كما تناولنا افاق تطوره وما سيقدمه للإنسانية من خدمة جليلة.

ومن اجل وضع رؤية سليمة خاصة بنا لاستثمار علم الوراثة وهو ما يمثل موجز وخلاصة دراستنا هذه عن تأثير العامل الجيني الوراثي في حياة الانسان، فقد قررنا ان نتناول في هذه الحلقة والحلقة القادمة التعرف على مشكلة العرب او بالأحرى على اهم مشاكلهم، المشكلة التي باتت مستشرية في كل الاقطار العربية وعلى فئات وشرائح المجتمع العربي بغض النظر عن المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. ونرد على واحدة من اهم واخطر الاطروحات التي اخذت بالرواج في شتى ارجاء العالم العربي وان كان طرحها متخفيا بعض الشئ عن الانظار وقد لا يجرئ البعض بالبوح به علنا. ومن خلال هذه الحلقة سنتعرف ايضا على احد اهم الجوانب المغيبة عن المواطن العربي لنتعرف على طبيعة الفرد العربي في محاولة متواضعة منا للتعرف على تأثير بعض العوامل الغير تقليدية على شخصية المواطن العربي سلوكا وتفكير، نقول ونركز على عبارة عوامل غير تقليدية ربما لم يسمع عنها القارئ من قبل فابقوا معنا بانتباه وتركيز شديدين.

تعاريف مهمة :
قبل الولوج في خضم موضوع بحثنا هذا، فلابد لنا نعرف القراء الكرام بمجموعة مصطلحات (1)سيتم استخدامها بشكل متكرر في هذه الحلقة والتي نرى ضرورة ادراك معانيها ليتسنى للقارئ الكريم فهم واستيعاب وأدراك ما نحن بصدده في هذه الحلقة وفي الحلقتين القادمتين.
 
العاطفة:
في التعريف العام، هي حالة ذهنية كثيفة تظهر بشكل آلي في الجهاز العصبي وليس من خلال بذل جهد مُدرَك، وبمعنى اوضح وابسط فلا تنتج العاطفة من عملية تفكير انما مرادفة لحالة نفسية إيجابية أو سلبية على اثر حدث معين. كعاطفة الاب تجاه ابنه، فتسر وُتفرح عندما تسمع عن نجاحهِ، ويُحزنك ويؤلمك أن تسمع عنهُ خبرٌ سيء، وتخافُ عليهِ من التعرض للخطر، تتألم لألمه، ترتاح لهُ عند الحديث معهُ، أو تغضب لهُ أو تعاتبهُ أو تشفق عليهِ وترنّو وتحّن إليهِ وتعجب به وتحبهُ.....الخ. لذا فهنالك اختلاف بين العاطفة والشعور، فما هي المشاعر..؟
 
المشاعر :
هي الاحساس بالخوف، والغضب، والحزن، والفرح، والدهشة، والتعجب..الخ، وفي العادة تصاحب المشاعر تعبير في ملامح الوجه، او تسبق ملامح الوجه ظهور المشاعر.
 
الاحساس :
هو جهاز انذار وإعلام لكل ما يتعرض له الكائن الحي من مؤثرات داخلية وخارجية فأي مؤثرات سواء كانت داخلية أم خارجية يتعرض له الانسان سيرد عليها باستجابة , وهذه الاستجابة تكون إما على شكل فعل وحركة أو استجابة كيميائية أو فسيولوجية , أو حسية , أو الاثنتان معاً، لذا فالأحاسيس انواع عديدة. نوع اعلامي يرتبط بحواس الانسان الخمسة ترتبط المشاعر بالأحاسيس فتكمل بعضها البعض، فبحاسة النظر قد يتولد الشعور بالحب , وبحاسة الشم قد يتولد الشعور بالجوع وبحاسة اللمس يتولد الشعور بالحنان والأمان. ونوع ثاني تحذيري كأحاسيس الألم الناتجة عن التعرض للحروق والجروح والمواد المؤذية للجسم , والأحاسيس الدالة على حدوث اختلال في توازن من التوازنات الفسيولوجية للجسم , مثل أحاسيس الجوع والعطش , والبرد والحر..الخ , وهذه الأحاسيس دافعة وموجهة للفعل والعمل والاستجابة المناسبة. ونوع ثالث وهو احاسيس اللذة والراحة والسعادة والتي تنتج تحقيق أحد الدوافع , مثل الأحاسيس الناتجة عن تناول الطعام بعد الجوع , أو شرب الماء بعد العطش. ونوع رابع وهو الأحاسيس المرافقة للمشاعر وهي كثيرة ومتنوعة , مثل مشاعر الحب والكره والخوف والقلق والاطمئنان والحقد والغضب.. الخ.
 
الفرق بين العاطفة والمشاعر والأحاسيس، وما علاقتها ببعض :
تعتبر العاطفة اوسع من المشاعر وتكون متشابهة عند بني البشر كعاطفة الابوة وحب الوطن والحب عموما، فعلما دأب البشر فيما بينهم وتعارفوا عليه هو حب الاب والأم لأولادهم وحب المواطن لوطنه وحب الزوج لزوجته او الحبيب لحبيبته، فهي اذن حالة عامة تعبر عن طبيعة الانسان الازلية لا عن ثقافته او بيئته فحينما خلق الله سبحانه وتعالى البشر فقد اودع فيهم صفات فطرية توارثوها عبر الاجيال وهذبوها عبر اكتسابهم الثقافي، وما يقع خلاف ذلك يندرج تحت باب لكل قاعدة شواذ وشواذ العاطفة ان لا يكترث الاب بابنه او المواطن بوطنه او الزوج بزوجته فالعاطفة وليدة نضج الانسان كالتفكير.
 
اما المشاعر فتتكون نتيجة وانعكاس لحادث او موقف او تصور معين يمر به الانسان فهي اذن متباينة حسب ثقافة الافراد وتختلف من فرد لأخر ومن زمان لأخر وتؤثر عليها جملة اسباب وراثية وبيئية، فما قد يثير انفعالك قد لا يثيره عند اخر، وبينما تشعر انت بالرضا فقد يشعر الاخر بالرفض وما قد يفرحك بشدة قد لا يفرح الاخرين على نفس النحو. فلو اتينا بمجموعة من الافراد وعرضناهم لنفس الحادث او الموقف او التصور، فسنجد ان لكل فرد شعور يميزه عن الاخرين ويختلف فيه معهم، فالمشاعر وليدة ثقافة الانسان كالمنطق.
 
وهنا يتوجب علينا التعرف على الانفعال والذي هو ناتج عن تفاعل الانسان مع حدث مفاجئ له نوعا ما، كأن ينفعل على اثر خبر سيئ او محزن او على اثر موقف مس كرامته او اثر حدث مهدد حياته بالخطر. فلا يمكن ان ينفعل الانسان على حدث متدرج بطيء التطور قد اعتاد عليه الفرد وتقبله، فالانفعال يكون طارئ لا انه اكثر عمرا وهذا هو ما يميزه عن ردة الفعل التي لا تستمر سوى ثواني معدودات. اما الاحاسيس فهي ببساطة نتيجة لتفاعل الانسان مع المؤثرات الداخلية والخارجية.
 
مثال ذلك :
فالأب والذي دائما ما يكون مهتم لشؤون ابنه فان العاطفة هي من تدفعه نحو ذلك، وحينما يفرح او يحزن الاب لنجاح او فشل ابنه فهذه هي المشاعر، وحينما يتحمس الاب لعمله نتيجة صواب تصرف ابنه فهذه هي الاحاسيس، وحينما يغضب الاب على ابنه نتيجة قيام الابن بتصرف شائن فهذا هو الانفعال. وحينما يصفع الاب ابنه لتفوهه بعبارة نابية فهذه هي ردة الفعل.
 
استنادا الى ما تقدم من تعريفنا للعاطفة والمشاعر والأحاسيس، فان هذه العوامل ترتبط فيما بينها برابط متين فتكمل احدها الاخرى، فلا عاطفة بدون مشاعر او بدون احاسيس ولا يمكن ان تتولد المشاعر او الاحاسيس بدون عاطفة، مثلما لا يمكن ان تكون للمرء مشاعر بدون احاسيس او احاسيس بدون مشاعر.
 
الأخلاق :
على عكس ما قد يتوقعه البعض منا بكون الاخلاق ناتجة عن عاطفة ومشاعر وأحاسيس الرقة واللطف، فان الاخلاق ليست سوى نتاج تفاعل المنطق والعاطفة، فهي شكل من أشكال الوعي الإنساني تعتبر عن مجموعة من القيم والمبادئ التي تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة ناهيك عن القيم والعادات والأعراف والتقاليد السليمة التي ترتقي بها الشعوب والأمم حتى تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين وهي السجايا والطباع والأحوال الباطنية التي تُدرك بالبصيرة والغريزة ويعتبر الدين بشكل عام سندا للأخلاق.
 
الضمير:
الضمير والذي يسمى ايضا الوجدان وهو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب، أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان.
 
علاقة الاخلاق والضمير :
استنادا الى ما تقدم فلا يمكن ان يتشكل ضمير بدون وجود اخلاق فالضمير دليل وجود حسن الخلق وليس الاخلاق فحسب، كما لا يمكن ان يكون المرء خلوقا ما لم يكن ذا ضمير، فالأخلاق وليدة الثقافة والضمير وليد الاخلاق.
 
التفكير :
مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل (ذهن) الإنسان، والتي تمكنه من خلق نموذج العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته.
 
اهداف التفكير ومراحله.. لماذا نفكر؟!!
للتفكير اغراض وغايات وأهداف عديدة منها، الفهم والاستيعاب والوعي والإدراك والتقييم والتحليل والتخطيط وحل المشكلات وتحديد الخيارات واتخاذ القرار.
 
وأهداف التفكير اذا ما استثمرها الانسان بشكل متسلسل متفاعل فأنها ستمثل ايضا مراحل التفكير لديه ايضا وهنا يتوجب علينا ان نفرق بين مراحل التفكير عند الفرد عن مراحل التفكير في التاريخ الانساني.
 
فالإنسان لو استثمر تفكير اولا من اجل الفهم والاستيعاب ثم تحول ليحصل على الوعي والإدراك، ثم بدا بعملية تحليل المسائل والقضايا والأحداث التي مر او اهتم بها ومن ثم اصدر حكمه وتقييمه وتشخيصه لها فحينها سيتحول تحولا كبيرا نحو التخطيط وحل المشكلات او الالغاز وتحديد الخيارات واتخاذ القرارات وتوضيح المسائل العالقة او تحقيق النجاح لما انشغل به.
 
مستويات التفكير :
للتفكير مستويات عديدة ترتبط بعمر الانسان ونضجه وتتأثر تأثيرا بليغا ببيئته ومجتمعه وثقافته وحتى اخلاقه ودينه، وهو الموضوع الاكثر جدلا بين الباحثين والعلماء وقد اثيرت حوله العديد من الدراسات والبحوث وتشعب الباحثون في هذا المجال كثيرا بل وربما اكثر من الحد المعقول، فمنهم من قسمه الى ثلاثة مستويات اساسي ومركب ومنهم من اضاف له التفكير الفوق معرفي، وقسموه الى مراحل ومستويات اصغر واقل بل واعدوه مميزات وأهداف ومهارات وآخرين صنفوا مستويات التفكير وفقا لعمر الانسان كالطفل والبالغ والكهل..الخ. وبالتالي فأننا نكتفي بهذا القدر ولذلك لان التعريف بهذا المصطلح يتطلب دراسة كاملة مستقلة لوحدها.
 
اتجاهات التفكير :
يختلف البشر فيما بينهم اختلافات كثيرة بعضها شديد الظهور والأثر وبعضها الاخر بسيط او ثانوي، كاللون والبشرة والحجم والطول والأمراض والثقافة والدين والأخلاق والنهج والسلوك وطريقة العيش والتفكير. وبالتالي فهم يختلفون فيما بينهم بتوجهاتهم الفكرية، كالفكر الليبرالي والشيوعي والقومي والرأسمالي والاشتراكي والديني والعلماني والإلحادي وغالبا ما تنقسم هذه التوجهات الى اقسام عدة حيث تجتمع فيما بينها على قواسم مشتركة.
 
انواع التفكير :
يتنوع التفكير لدى الانسان تنوعا كثيرا وهو اشبه بتنوع الثقافة، فهنالك تفكير عاطفي وعلمي ورياضي ومستنير وغيره، وهنا نود ان نبين موقفنا من هذه الظاهرة ومثيلاته فنحن بالضد من كثرة التقسيمات والتفرعات التي نرى ولع العديد من الباحثين بل وحتى العلماء بها. وهو ما ادى وما زال يؤدي الى تعسر فهمها واستيعابها من قبل عامة الناس، بل وأدت ايضا الى اختلاف العلماء انفسهم في وعيها وإدراكها ومعالجتها، حتى اصبح ما يعتبر هذا العالم او الباحث كأنواع للفكر هي ما يعتبره عالم او باحث اخر كمستوى له. وبالتالي فأننا ندعوا الى ضرورة تجاوز هذه الاشكاليات الفلسفية والتركيز على ما يصب في تحقيق الهدف الا وهو سبل النهوض والرقي بحياة الانسان لا بتفاصيل ذلك المعقدة. وهذا ما نلتمسه ايضا من قبل رجال الدين الذين يولعون بالمسائل السياسية والتاريخية والخلافية والشكلية ويتركوا ما هو اهم من ذلك بل يتركوا مضمون الدين وأهدافه السامية.
 
المنطق :
هو العلم الذي يدرس القواعد والقوانين العامة للتفكير الإنساني الصحيح، وعرّف القدماء علم المنطق بأنّه آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ.
 
من الواضح أنّ جميع العلوم هي نتاج التفكير الإنساني، ومن الواضح أيضاً أنّ الإنسان حينما يفكّر قد يهتدي إلى نتائج صحيحة ومقبولة وقد ينتهي إلى نتائج خاطئة وغير مقبولة. فالتفكير الإنساني معرّض بطبيعته للخطأ والصواب، ولأجل أن يكون التفكير سليماً وتكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيء له مجال التفكير الصحيح متى سار على ضوئها. أنّنا بتعلّمنا قواعد المنطق نستطيع أن ننقد الأفكار والنظريّات العلميّة فنتبيّن أنواع الاخطأ الواقع فيها ونتعرّف على أسبابها وبالتالي فهو ينمي الروح النقدية لدى دارسيه أو محبيه.
 
الفرق بين التفكير والمنطق وما علاقتهما :
يعتبر المنطق احد مستويات التفكير الانساني، بل هو اعلى مراحله، فالمنطق وليد عن تفكير الانسان لا العكس، وحينما يفكر المرء قد يخطئ وبالتالي يفشل وقد يصيب وينجح، ولكن حينما يصل الانسان بتفكيره الى المستوى المنطقي فان فرص الصواب والنجاح ستكون اعلى واكبر لدى الانسان.
 
اي وبعبارة اصح وأدق وما دام الانسان حسب طبيعته التكوينيه ماديا ومعنويا جينيا وبيئيا غير متكامل وغير معصوم ومعرض لارتكاب الاخطاء فان التفكير المنطقي للإنسان لن يمنعه من الوقوع في الاخطاء ولكنه سيقلل من فرص حدوثها. فحينما نذكر مفردة او مصطلح منطق فأننا نعني بذلك التفكير العلمي الذي يحاول الوصول الى اصوب واصح وأفضل نتيجة.
 
ما هو العقل..؟!!
يذهب اغلب الباحثين ويظن اغلب الناس بان دماغ الانسان او ما يسموه احيانا بالعقل هو مركز اجراء العلميات العقلانية والمنطقية ومركز عمليات التفكير والعاطفة والثقافة والأخلاق. إلا اننا واستنادا الى ما جاء في الجزء الثاني من دراستنا هذه، فأننا نرى ان مركز اجراء تلك العمليات لا يمكن ان يُـحصر في دماغ الانسان فحسب، فللقلب دور مهم في ذلك ايضا.
 
فحسبما دلت عليه التجارب العلمية الحديثة التي اجراها بعض العلماء والأطباء فقد تبين ان القلب (2)يشارك الدماغ في العديد من العمليات التي كنا نعتقد بأنه المركز الوحيد لها. فعلى الرغم من عدم تمكن العلماء من تشخيص حقيقة دور القلب تشخيصا علميا دقيقا ومؤكدا حتى الان في تلك العمليات فان ذلك لا يعطي الحق لأي احد ان ينفي وجود دور مهم وفعال يشترك فيه القلب مع الدماغ في الاحساس بالمشاعر وفي تشكيل ثقافة الانسان وأخلاقه وفي تكوين عاطفته وتفكيره واتخاذه للقرارات وتحديده للخيارات، ولذلك فان مصطلح العقل يضم حسب رؤيتنا كلا ً من دماغ الانسان وقلبه.
 
أين تقع مراكز التفكير والمنطق والعاطفة والثقافة والأخلاق عند الانسان؟!!
كما اوضحنا فان العقل هو دماغ الانسان وقلبه، وبالتالي فان مركز اجراء العلميات العقلانية والمنطقية ومركز عمليات التفكير سيقع هو الاخر في هذين العضوين المهمين في حياة الانسان.
 
وإذا ما كانت عملية التفكير تجري في دماغ الانسان وقلبه، فان مركز اجراء وتشكيل العاطفة هو الاخر يقع في دماغ الانسان وقلبه، وذلك لان العاطفة بمشاعرها وأحاسيسها تعتبر احدى اهداف ومراحل عملية التفكير حيث يمثل الإحساس بالبهجة والاستمتاع عقب عملية التفكير امرا مهما للفرد حيث يشجعه ويدفعه الى الاستمرار في التفكير. وهنا نود ان ننبه بان الاحساس بالسعادة والهدوء والطمأنينة لا تمثل مجرد مرحلة نهائية من مراحل عملية التفكير فحسب، بل ان العواطف تشارك مشاركة مهمة وفاعلة قبل وأثناء عملية التفكير.
 
فجل الافكار وحتى بعض النظريات العلمية الرصينة بنيت اساسا على احساسا بشعور ما راود المفكر او العالم قبل او اثناء تفكيره او وضعه لنظريته ؛ كما هو الحال مع معظم الافكار السياسية حيث يدفع حب الانتماء والشعور بالوطنية نحو صياغة الفكر السياسي لهذا المفكر او ذاك الحزب بما يحقق مصلحة الوطن والبلاد قبل أي شئ اخر.
 
كما ان عملية التفكير تتطلب احيانا بل وأحيانا كثيرة من الفرد ان تكون لديه قدرة واسعة على التخيل، و هنا ننبه على ان المراد بالتخيل ليس فقط سعة النظر انما يراد به ايضا سعة الفكر والتوقع والتخطيط والترابط، والتي هي من اهم متطلبات عمليات التفكير والحوار ووضع النظريات العلمية. فلولا سعة التخيل لإسحاق نيوتن وهو يرى سقوط التفاحة من شجرتها على الارض، ولو سعة تفكيره وتوقعه وتخطيطه وحرصه على ترابط مخيلته بأفكاره، لما استطاع ان يضع نظريته عن الجاذبية ولما تمكن من تقديم خياله وإحساسه كقانون علمي رصين كان وسيبقى احد اهم القوانين الفيزيائية على مر تاريخ الانسانية. ولا ننسى فان القدرة على التخيل والإحساس والتحسس والتوقع والتخطيط والترابط واستمرار النشاط محكومة هي الاخرى بمدى نشاط هرمونات معينة، كهرمون الإندورفين والسيروتونين والدوبامين والأدرينالين والاكسيتوسين وهذا الاخير له دور مهم في الاحساس بالسعادة والهدوء والطمأنينة فضلا عن الحب والتفاهم وزرع الثقة.
 
اي بمعنى اوضح فأننا نرفض اعتبار البعض للقلب كمركز للعاطفة فحسب (3)مثلما نرفض ان يكون الدماغ مركزا وحيدا للتفكير والمنطق. بل اننا نرى بان التفكير والمشاعر والمنطق والعاطفة تنتج من جراء تفاعل الدماغ والقلب معا في عمليات معقدة تلعب فيها الهرمونات والجينات الوراثية دورا مهما الى جانب تأثيرات الواقع المادي والثقافي والديني في حياة الانسان.
 
وهكذا فأننا نستطيع ان نلخص ما تقدم ذكره من تعاريف على ان هنالك ثلاثة اجزاء او محاور مهمة تشكل للإنسان كيانه الخاص وهي العاطفة والأخلاق والمنطق، فالعاطفة تجمع معها المشاعر والأحاسيس، والأخلاق تضم اليها الضمير، والمنطق يدل على العقل وعلى تعاون وتفاعل دماغ الانسان وقلبه في عملية التفكير وفي عملية صنع القرار وفي خلق وتجميع وتخزين العواطف والأخلاق.
 
وهنا قد يتبادر الى الاذهان سؤال في غاية الاهمية عن طبيعة علاقة هذه المكونات الثلاثة فيما بينها وهو السؤال الذي يفجر العديد من الاسئلة والتي سنسعى جاهدين الى توفير الاجابة المناسبة والوافية لها.
 
هل العاطفة من نتاج التفكير المنطقي ام شريكة له، ومن اين تنبع الاخلاق..؟!!
يتَّسم التفكير المنطقي بالصلابة والقوة، حيث يعتمد التحليل المنطقي دائمًا على أساس العلم والاستدلال، ويَحكم في مختلف القضايا وَفْق معايير وحسابات صحيحة تحقق مصلحة الانسان والصواب، بينما تتَّسم العاطفة بالرِّقة والليونة، ويكون هدفُها بلوغَ النتيجة المَرْجوَّة سواء أتَت مطابقة للمنطق والمصلحة، أم مُنافية لها.
 
والعاطفة هنا مصطلح يجمع بينها وبين المشاعر والأحاسيس، فالمنطق والعاطفة على طرفي نقيض ولكن كلاهما لا غِنى للإنسان عنهما، فصلابة التفكير المنطقي تُلَطِّفها رِقَّة العاطفة، وطَيْش العاطفة يُهَذِّبها التفكير المنطقي، وهما عاملان مُؤثِّران في إدارة شؤون الإنسان الحياتيَّة، وقُدرتان مهمَّتان في تأمين سعادته وبهما يفهم الدين والجمال وعلى اساس اشتراكهما يعطي الانسان القيمة الاعتبارية والمنطقية للأحداث والمواقف.
 
فبتعبير اكثر صراحة ووضوح، فان تفاعل العاطفة مع التفكير المنطقي وتكاملهما تتشكل لدى المرء اخلاقه وقيمه واعتباراته الروحية، فالأخلاق وليدة العاطفة والمنطق وكذلك الحال بالنسبة للدين والاعتقاد.
 
خلاصة هذه المصطلحات :
ان شخصية الانسان وسلوكه ونهجه بالحياة يحددها فكر الانسان وعقيدته والتي تتفاعل العاطفة والمشاعر والأحاسيس، وتشترك مع التفكير الاولي والمنطقي، في خلق وتكوين وتشكيل وصياغة التوجه الفكري للإنسان ذاته، وأيمانه الديني، واعتقاده الفلسفي، وقيمه الاعتبارية والأخلاقية والوجدانية.
 
فلكل فرد ولكل امة حيز من الوجود الزمكاني (موطن) يتفاعل معه عقل الانسان (أي دماغه وقلبه بما فيه من هرمونات وأحماض وأنزيمات) عبر احاسيسه وحواسه الخمسة (أي نافذة الانسان على محيطه) وهنا تبدأ العاطفة والمنطق بالتشكل عند الانسان فيقم حضارته (أي الاساس المادي للأمة) والتي تقترن بثقافته (أي الاساس المعنوي للأمة) وبالتالي يتشكل للأمة شخصيتها الخاصة بها التي تميزها عن سائر الامم والشعوب (أي يتشكل لها فكرها وعقيدتها وعاطفتها وأخلاقها وقيمها وأعرافها وتقاليدها وعاداتها).
 
وإذا ما انتبهنا جيدا فأننا سنجد ان تفكير الانسان وهو مخلوط بعاطفته يتزامن بوجوده فيسبق حضارته وثقافته، وحينما تنضج عاطفته وتفكيره تنضج تباعا لهما حضارته وثقافته وبالتالي تنضج مشاعره ومنطقه وأخلاقه وقيمه وأعرافه وتقاليده وعاداته.
 
اي وبمعنى اخر فان عمليات العاطفة والتفكير التي تجري في دماغ الانسان وقلبه بشكل مركزي وبأجزاء اخرى من جسمه بشكل ثانوي (4)، تقع تحت تتأثر العوامل الوراثية، الجينية والهرمونية وتحت تأثير العوامل المادية، والثقافية، والدينية او بالأصح برجال الدين لا الدين بحد ذاته والدين هنا لا نعني به الاسلام فحسب بل باقي الاديان السماوية وحتى الغير سماوية. وبذلك فان الدين يرتبط ارتباطا وثيقا بالعاطفة والمشاعر والأحاسيس وبالأخلاق والضمير وبالتفكير والمنطق، وإذا ما تمعنا في الاسلام العظيم وعلى الرغم من كونه ايمان غيبي روحي فسنجد ان من نعمة الله سبحانه وتعالى ان جعل الدين الاسلامي منسجم مع كل هذه العوامل وبالأخص مع التفكير المنطقي فهو ليس دين خرافات وأوهام (5)، بل ان من بين اهم ما يميز الاسلام وسر خلوده هو منطقيته العظيمة التي لم تنحصر في بيان اسباب وحقيقة وطبيعة المظاهر الكونية والطبيعية فحسب بل في منطقية عباداته وتشريعاته.
 
مفهوم الشخصية :
للشخصية العديد من التعاريف، فيعرفها البعض على انها "مجموعة من أساليب التفكير والتصرف واتخاذ القرارات والمشاعر المتأصلة والفريدة لشخص معين ". بدأت دراسة وتحليل شخصية الإنسان من اليونانيين القدماء وخاصة من أبقراط الذي اعتقد أن الأختلاف في الشخصيات بين بني البشر يرجع إلى اختلاف نسب ما وصفه بـ"السوائل الحيوية الأربعة " وهي حسب أبقراط : الدم، والمادة الصفراء من مرارة الإنسان، والمادة السوداء من مرارة الإنسان والبلغم، فعلى سبيل المثال اعتقد أبقراط أن "الشخصية الدموية" يكون ذات صفات متفائلة ومحبة للمغامرة بعكس "الشخصية البلغمية" التي تكون غير مبالية.
 
بعد أبقراط حاول أرسطو تحليل الأختلاف في الشخصيات فقام بتفسيرها حسب "قسمات الوجه والبناء الجسمي للشخص"، فعلى سبيل المثال اعتقد أرسطو أن الأشخاص ذوي البنية النحيفة يكونون عادة خجولين. وقام داروين بتحليل الشخصية كعوامل غريزية اكتسبها المرء من غرائز البقاء الحيوانية. أما سيغموند فرويد فقد حلل شخصية الإنسان بصراع بين الأنا السفلى والأنا والأنا العليا.
 
وفي الوقت الحالي يعتبر عاملا الوراثة والمجتمع المحيط بالفرد (البيئة الاجتماعية) من أهم العوامل التي تبني شخصية الإنسان، وقد عرف مورتون الشخصية بأنها "حاصل جمع كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوي البيولوجية الموروثة وكذلك الصفات والميول المكتسبة".
 
بينما عرفنا نحن شخصية الإنسان على انها" مجموعة من القدرات والاستعدادات الفكرية والعاطفية الناتجة عن تفاعل عقل الإنسان وما يحويه من أفكار وعقائد ومشاعر وأحاسيس مع جملة من المؤثرات المادية والدينية والثقافية والوراثية".
 
لذا فان أي تصرف يقرره الفرد حيال موقف ما أو قضية معينة إنما هو في الحقيقة ناتج عن القدرات الفكرية والعاطفية لذلك الفرد، فمثلا فأن التزام الهدوء او الغضب من قبل فرد ما وهو يواجه موقفا أو قضية مهمة أو حساسة أو خطرة يعبر عن طبيعة تلك القدرات وبنفس الوقت يعبر عن شخصية ذلك الفرد، حتى يوصف بأنه إنسان هادئ أو عصبي (مضطرب أو منفعل) أو صاحب شخصية هادئة أو شخصية عصبية (مضطربة أو منفعلة).
 
والهدوء أو الاضطراب هنا لا يعني مجرد صفة مفردة من بين صفات عديدة للإنسان إنما الهدوء أو الاضطراب هنا سيمثل الشخصية برمتها، أي أننا هنا لا نتحدث عن كلمة أنما عن صفة، وصفة الهدوء أو الاضطراب هنا هي صفة عامة تعبر عن عشرات المعاني والصفات المتناسبة والمنسجمة مع صفة الهدوء أو الاضطراب. فدائما ما يصاحب الهدوء، الحكمة وبعد النظر والصبر والتأني وسعة الصدر والمسؤولية وقوة الضمير والإحساس والقدرة على استشعار الخطر والتخطيط المسبق وتوقع المشاكل المفترضة وإيجاد الحلول المناسبة والبديلة بل وقد يصاحب الهدوء أيضا القدرة على الحسم والرد السريع والحسم وقوة الانتقام أي انه سيحسن التصرف بشكل منطقي عقلاني مفهوم.
 
فكل هذه الصفات والقدرات تعبر في الحقيقة عن وجود "هدوء ضمني "او"رابطة جأش" في كل واحدة من هذه الصفات، ولولا تحلي الإنسان بهذه الصفة لما استطاع أصلا أن يتحلى بباقي الصفات، فلا يمكن أن يكون الإنسان حكيما من غير أن يكون صبورا ولا يمكن أن يكون صبورا من غير أن يكون هادئا ثابتا مطمئنا، ولا يمكن أن يخطط الإنسان ويحسن التصرف ويضع الحلول المناسبة للمشاكل المتوقعة من غير يكون هادئا ورابط الجأش، فصفة الهدوء هنا صفة أساسية محورية في شخصية الإنسان بحيث يتم بناء باقي الصفات عليها، فالصفة المحورية هنا تمثل عشرات الصفات. والعكس صحيح في حالة الإنسان المضطرب الشخصية فالاضطراب هو الأخر سيمثل صفة محورية في شخصية الإنسان تجذب إليها ما يناسبها وينسجم معها كالانفعال والهياج والغضب والتسرع والقلق وسوء التخطيط والتخبط والتصرف اللامنطقي واللامعقول واللامفهوم.
 
وبالتالي وانطلاقا من مبدأ فهم الفرد نحو فهم المجتمع والأمة فان شخصية الإنسان فردا وجماعة.. شعبا وأمة هي عبارة عن : صفة محورية واحدة، ناتجة عن قدرات فكرية وعاطفية متفاعلة فيما بينها، ناتجة هي الأخرى عن طريقة معالجة عقل الإنسان لما يلاقيه في حياته من أحداث ومواقف وقضايا، وطريقة المعالجة هذه تخضع للعديد من مؤثرات البيئة الاجتماعية والوراثية. وإذا ما تمعنا جيدا في خصائص وسمات شخصية اولئك الافراد وهذه الشعوب، فأننا سنجد شخصية الفرد او الامة مرتبطة ارتباطا وثيقا بظروفها ومحيطها المادي والمعنوي.
 
مفهوم الامة :
رغم بعض الاختلافات الشكلية فقد اجمع الكل على ان الامة مفهوم قائم على مكونات خاصة بها أي ان الامة هي "جماعة من الناس يرتبط أفرادها برابطة الدم والدين و اللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة والمصير والتطلعات المشتركة".
 
و الأمة وفق هذا الاصطلاح حقيقة وكيان مجرد له وجود مستقل عن المواطنين الذين على قيد الحياة في لحظة معينة، فهي شخص حقيقي قانوني معنوي حر، يتجاوز الأجيال المتعاقبة لأنه موجود عبر القرون المتتالية وما المواطنين إلا مسافرين عابرين، فالأمة هي كل الاجيال السابقة والمعاصرة بل واللاحقة أيضا، أي هي كل المواطنين الأحياء والأموات بل ومن لم يولد بعد فهي الماضي والحاضر والمستقبل، فهي تسمو على الشعب الحالي للدولة و وجودها يسمو على وجوده، لأنها توجد قبله ومعه وبعده، أي أنها مستمرة بعد انقضاء الجيل الحالي للشعب. فالأمة هي التركيبة التي يتحقق فيها وبموجبها الامتداد القانوني والمتضامن بين الاجيال المتعاقبة ودوام وثبات المصالح الكبيرة المشتركة.
 
ويطلق مصطلح الامة على نوعين اساسيين من التجمعات البشرية، امة دينية تعتمد بالدرجة الاولى والأساس على رابطة الدين كالأمة الاسلامية او المسيحية او اليهودية، وأمة عرقية تقوم بالدرجة الاولى والأساس على رابطة الدم والجنس والعرق، كالأمة الالمانية والصينية والهندية.
 
ثم ظهر نوع ثالث من الامم خلط بين مفهوم الامة الدينية والعرقية إلا وهي الامة الثقافية أي تلك التي تعتمد بشكل اولي وأساسي على رابطة الثقافة كالأمة العربية والأمريكية واللاتينية، فهذه الامم تحوي عدة قوميات وأعراق ولها عدة اديان ومعتقدات إلا ان افرادها قد اجتمعوا على العناصر التي يتشاركونها بشكل جمعي، فرسولنا العربي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعرف العربي على انه (يا ايها الناس إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي) (6)وفي حديث اخر ذا صلة يقول صلى الله عليه وسلم (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) (7)وفي ذات الاتجاه يقول الفاروق عمر الخطاب رضي الله عنه (العرب مادة الإسلام)، أي إن العرب هم المكوّن الأساسي والوحيّد للإسلام الحنيف.
 
وهنا يتوجب علينا التركيز على هذه المسالة والوقوف عندها مليا، فالأمة العربية التي لم يقر رسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بكونها امة عرقية تعتمد على رابطة الدم والعرق والجنس بل بكونها امة تقوم على اللغة وعلى الحب فلا يبغض العربية الا منافق، فهي اذن امة يرتبط افرادها برابطة اللغة والعادات والتقاليد والثقافة المشتركة وعلى حبها والانغماس فيها، ذلك لان اللغة هو الوعاء الحامل لثقافة الامة ولعاداتها وتقاليدها وثقافتها. فعمليا من نطق العربية وتعلمها لابد ان يكون قد اطلع وعلم بأحوال العرب المعيشية المادية والمعنوية، وبالتالي فان كل مسلم صادق في ايمانه سيكون عربيا صادقا في عروبته، وبذلك فان عالمية الاسلام لا تصطدم ابدا بعروبته ولا العكس (8).
 
اما ان نطق العربية او كانت لغته عربية منذ الولادة ولكنه لم يحبها ولم يحب اهلها كما هو حال الكثيرين اليوم، فمن المستحيل ان يكون مسلما مؤمنا صادقا. لان من حب الاسلام وأراد دخوله بصدق وإيمان، لابد له ان يكون قد حبَّ لغة العرب، ومن حبَّ لغة العرب أدرك وتدبر معاني القرأن الكريم وما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وبالتالي سيبلغ الإيمان عقله وقلبه، وبالتالي حب العرب وحب ثقافتهم. اما مَن ابغّض العرب فقد ابغّض لغتهم وهي لغة القرأن الكريم، وقد ابغّض نبيهم وهو عربي، وبذلك فهو ابعد ما إن يكون مؤمناً برسول الله صلى الله عليه وسلم وابعد ما إن يكون متدبراً للقرأن الكريم. وبالتالي فان حديثي رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يبينان وبوضوح كبير ان الحكمة من وراءهما هو لكون امة العرب هي امة الاسلام، الامة التي كلفها وشرفها الله سبحانه وتعالى بحمل رسالته الخالدة الخاتمة رسالة الاسلام العظيم لباقي امم وشعوب الارض. فمن احب العرب احب الاسلام ومن احب الاسلام احب العرب.
 
وفي نفس السياق وتأثرا بالإسلام العظيم فقد جاء تعريف العربي عند البعث على انه " من كانت لغته عربية، وعاش في الأرض العربية أو تطلع للعيش فيها، وامن بانتسابه إلى الأمة العربية " (9). وفي نفس الاتجاه يقول مؤسس البعث الرفيق احمد ميشيل عفلق رحمه الله واسكنه فسيح جناته بان (ان العروبة جسد روحها الإسلام) ويضيف قائلا في مناسبة اخرى بان القومية (هي حب قبل كل شئ). وبالتالي فان تعريف الامة العربية عند البعث وافق تماما وبشكل مطلق لتعريفها عند رسول الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
 
هل ينكر الاسلام على العرب قوميتهم..؟!!
هنا يتوجب علينا الانتباه الى ملاحظة في غاية الاهمية، وهي ان نظرة الاسلام وتعريف رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للعربي، لا ينكر على العرب امتهم، وشخصيتهم المستقلة كما قد يتصور البعض خطأ ً. بل ان باقي الامم والشعوب قد تندمج شخصيتها القومية بشخصية الامة العربية وتتفاعل معها تفاعلا ثقافيا وحضاريا، لان معرفة لغة العرب جزء وسبب ووسيلة لمعرفة الاسلام، وبالتالي فمن دخل الاسلام دخل العروبة واطلع على عادات وتقاليد العرب وأخلاقهم وثقافتهم وحضارتهم. مثلما اطلع العرب على عادات وتقاليد وأخلاق وثقافة وحضارة باقي الامم وبالأخص تلك التي دخلت في الاسلام العظيم تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13.
 
أي بمعنى اوضح فان الاسلام يعترف بوجود امة خاصة بالعرب لها شخصيتها واستقلاليتها عن باقي الامم، بل ان للعرب وهم مادة الاسلام الدور الطليعي الرائد في نشر الرسالة الاسلامية وفي قيادة الامة الاسلامية بكافة شعوبها وأقطارها. كما وردت في القرأن الكريم آيات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة حقيقة اهمية العرب في الاسلام وأهمية وطبيعة دورهم ومسؤوليتهم حيث قال سبحانه تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف 2، وقال تعالى (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر 28، وقال تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت 3، وقال تعالى (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد37، وقال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل 103، وقال تعالى (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) الاحقاف 12، وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) سورة الشعراء 199.198.195.194.193.
 
اما بالنسبة للبعث (10) فلم يغفل مؤسسه الرفيق احمد ميشيل عفلق هذه الحقائق بل اقرها واعترف بها وأيدها وأكدها تأكيدا تاما حيث قال رحمه الله (عندما أقول. عروبة، تعرفون بأنني أقول.. الإسلام أيضا، لا، بل الإسلام أولا.. العروبة وجدت قبل الإسلام، ولكنه هو الذي أنضج عروبتنا، وهو الذي أوصلها إلى الكمال، وهو الذي أوصلها إلى العظمة، وإلى الخلود..هو الذي جعل من القبائل العربية أمة عربية عظيمة، أمة عربية حضارية - فالإسلام كان، وهو الآن، وسيبقى، روح العروبة، وسيبقى هو قيمها الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية. هذا هو الإخلاص للشعب، هذا هو حب الشعب، هذه هي الحقيقة) (11).
 
ويضيف قائلا (لقد ولد الإسلام في أرض العروبة، وضمن تاريخها وأهلها، لكنه أصبح هو أباها، لأنها ابتداء من الإسلام ولدت ولادة جديدة، وأضحت أمة عظيمة تاريخية، لها دور أساسي في تاريخ الإنسانية، وفى صنع مستقبل الإنسانية. الإسلام أعطى للأمة العربية مسئولية الدور الإنساني العظيم، وأعطى العرب مذاق الخلود وطعم الحياة الحقيقية، التي هي جهاد قبل كل شئ، وفكرة ومبدأ وعقيدة، ولا خوف على العروبة مادامت مقترنة بالإسلام، لأنه كفيل بأن يجددها ويوقظ فيها هذه النزعة إلى السماء.. إلى الخلود.. إلى الأفق الكوني.. إلى البطولة وحمل الرسالة) (12).
 
أي وباختصار شديد فان الاسلام العظيم لم ينكر او ينفي وجود الامة العربية كقومية بل جاء بتعريف جديد لها يقوم بالأساس على رابطة الدين واللغة والثقافة المشتركة لا على رابطة الدم والجنس والعرق وهو ما اقره البعث ايضا في دستوره وفكره.
 
وبهذا فأننا نستطيع ان نعرف العربي على انه من تحدث العربية وامن بانتماء للعرب حبا واحتراما واعتزازا بدون تعصب وغرور. فليس كل من تكلم العربية فحسب كان عربيا حقا، وليس كل من ولد في ارض العرب كان عربي حقا، وليس كل من كان دمه وعرقه وجنسه عربيا كان عربي حقا.. فالعربي لا يبغض العرب. ومرة اخرى فقد انتبه البعث الى هذه الناحية المهمة وشخصها ووضع لها حلا فعاقب كل من ساهم في تنظيم معادي للعرب او دعا او انضم الى تكتل عنصري ضد العرب بإبعاده عن الوطن العربي وإجلاء كل من هاجر اليه لغايات استعمارية (13).
 
اين تكمن مشاكل العرب الاولى :
مما لاشك فيه وكحقيقة مسلم بها لا جدال فيها بين اثنين فان الامة العربية تعاني الكثير من المشاكل والأزمات، منها ما هو طارئ او محدود ومنها ما هو مزمن او خطير، ومنها ايضا ما هو طارئ وخطير من الممكن ان يتحول الى مرض مزمن خطير يصعب معالجته بالطرق التقليدية. فمعاناة العرب وأزماتهم لا يمكن ان تحدد او تقتصر على فئة عمرية او شريحة اجتماعية او طبقة اقتصادية معينة دون غيرها، مثلما لا يمكن ان تحدد او تقتصر على اقطار عربية دون غيرها او على حكومات دون الشعب او على تيار او حزب او حركة دون غيرها. فمشاكل العرب وأزماتهم عميقة وواسعة ومستشرية في كافة ارجاء وميادين الحياة العربية، على مستوى الحال المعيشي للفرد العربي وحتى على مستوى الامن القومي للأمة برمتها. مشاكل وأزمات لا حدود لها.. سياسية واقتصادية وأمنية ودينية واجتماعية وثقافية وفكرية وعلمية.. بل وحتى تاريخية وتقنية.
 
فمما لا شك فيه فان حياة العرب تختلف اختلافا جذريا عن حياة الاوروبيين او الامريكان اختلافا وتخلفا لا اختلافا محكوم بكينونة العرب وشخصيتهم فحسب، فالاختلاف غير التخلف والأول محمود ومبعث فخر يجسد للأمة شخصيتها واستقلالها اما الثاني فهو مبعث للحزن والقلق والقهر.. بل مبعث للعار والذم.
 
وهنا ينبغي ان نوضح مسالة في غاية الاهمية، الا وهو تعريف وتحديد معنى التخلف عند العرب، فقد بات مستشريا في اواسط مجتمعاتنا العربية وبالأخص بين شباب اليوم بان من يرفض تقليد الغرب والأجانب عموما في قصات الشعر او موضة الملابس وطريقة الكلام بل وحتى في الغناء، ناهيك عن تقليدهم في طريقة العيش والتفكير ليس سوى انسان متخلف كما يرى البعض..!!
 
ان نظرة البعض هذه وتعريفهم لمعنى التخلف تقع في الحقيقة على نقيض من تعريفنا للتخلف الذي تعانيه امتنا اليوم ومنذ قرون طويلة، ذلك لأننا كقوميين نؤمن بان من واجب كل امة وكل شعب وكل مجتمع ومن حقه ايضا ان يعيش حياته بخصوصية تحفظ وتصون كرامته وكرامة اعضاءه وتلبي متطلبات العيش الكريم ماديا ومعنويا وكل ما من شأنه تحقيق التطور الحضاري الحقيقي لا المصطنع. وإذا ما وجدنا في غيرنا من باقي امم وشعوب الارض ما يناسبنا نحن كعرب ومسلمين فكرا او وسيلة او عادة وتقليد فلا ضير في الاخذ والاقتداء به ولكن بدون تقليد اعمى يحمي لامتنا شخصيتها وكرامتها وارثها الحضاري العظيم فالمطلوب هو نوازن بين خصوصيتنا نحن كعرب ومسلمين وبين ما يحقق لنا تطورنا الحضاري المنشود.
 
ولهذا وحتى اذ ما حاولنا ان نتفهم طبيعة الشباب ولاسيما المراهقين منهم وحبهم لتقليد الاخرين والسير على اخر موضة كما يقال، فان ذلك لا يعني ابدا ان نسمح لهم بنبذ او محاربة قيم العروبة والإسلام الاصيلة.. كالحفاظ على العهد والشرف والصدق والأمانة والكرم والشهامة والمروءة والعفو عن قوة لا عن ضعف، والتمسك بالدين الحنيف واحترام تاريخ الامة ورموزها والافتخار بقيم الرجولة العربية واحترامها بعيدا عن اي مظهر من مظاهر "التخنث" و"الليونة" و"الميوعة" وبعيدا بان واحد عن اي انتهاك للحقوق المرأة.. لحقوق الام والأخت والزوجة والبنت.. الى نصف المجتمع.. الى القوارير التي اوصى بها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
 
اولا/مشكلة السلبية :
ان اولى مشاكل العرب وأخطرها على الاطلاق تكمن في الطريقة التي ننظر نحن العرب بها لأنفسنا، تلك النظرة السلبية تجاه انفسنا، وسواء كان سبب ذلك يعود الى دافع ديني معين او سواء كان نتاجا للتشوه الثقافي الذي بات مستشريا بين ابناء امتنا العربية، او لأسباب مادية واقتصادية وسياسية اخرى، فان صورة العربي وكل ما يتعلق به باتت مشوهه حتى في اذهاننا نحن العرب قبل غيرنا. وما استخفاف او استهزاء بعض العرب ببعضهم إلا احدى تلك الصور التي تكونت وترسبت في مخيلة ونفسية جل العرب، حتى وصل استخفاف واستهزاء العرب فيما بينهم الى اخطر مرحلة على الاطلاق.. الى نقطة اللاعودة.. الى مرحلة الفناء الدامي والتدمير الذاتي الى ان نكفر بعضنا بعض ونتقاتل فيما بيننا ونقتل ابنائنا وقادتنا بأيدنا ونحن فرحين مهللين مكبرين (14).
 
ان صور "جلد الذات" عندنا نحن العرب لم تنحصر فقط في الحط من حكوماتنا او برامج قياداتنا فحسب بل شملت حتى علمائنا ومصانعنا ومنتجاتنا وجيوشنا، بل تعدتهم حتى شملت تاريخنا المجيد وبعض رموز امتنا من قادة عظام او صحابة اطهار..!!
 
وهنا سيتسأل البعض عن اسباب ذلك..؟!! بل وقد يوعز البعض سبب ذلك الى طبيعتنا نحن العرب كبشر بغض النظر عن باقي الاسباب والمسببات، فيعتقد بان سبب تخلف الواقع العربي عن الواقع الاوروبي مثلا، وما ينتج عن هذا الاختلاف من سلسلة تفاعلات وانعكاسات لا متناهية في حياة الانسان العربي، جعلت من حياة العرب جحيم لا يطاق، بينما جعلت من اوروبا او امريكا جنة عدن الاسطورية، يعود الى "تخلف" العرق العربي الشرقي عن العرق الأوروبي الغربي..؟!!
 
ثانيا/هل العرق العربي متخلف جينيا..؟!
دعونا نناقش هذا التصور وهذا الاعتقاد وهذا الرأي الخطير بجدية وعلمية بعيدا عن العاطفة وعن القفز على الحقائق الموضوعية، لان مدح الذات والمكابرة تعد احدى وجوه اخطر مشكلة تواجهنا نحن العرب.. عن جلد الذات والانتقاص منها..!!
 
ان طبيعة حياة الانسان مرتبطة بقراراته التي ترتهن بها حياته بكافة تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وقراراته هذه تنتج من خلال عملية التفكير التي ترتبط بعملية معقدة من سلسلة تفاعلات كيميائية وفيزيائية في جسم الانسان عموما وفي دماغه وقلبه خصوصا، وهذه التفاعلات محكومة بنوعين من العوامل، العامل الاول وهو العامل الوراثي والعامل الثاني وهو العامل البيئي الاجتماعي اي بالعوامل المادية والثقافية والدينية. فبالاستعاضة فان تطور او تخلف حياة الانسان ترتبط بالعوامل الاربعة التي تتفاعل هي الاخرى فيما بينها بعملية معقدة للغاية وهو ما نحاول ان نبينه في دراستنا هذه، ولفهم هذه الالية سنأخذ المثال الاتي توضيحا لما نقصده هنا.
 
مثال تطبيقي.. كيف تصنع قرارك :
حينما ننتهي من دراساتنا الثانوية ونود ان نتوجه الى الدراسة الجامعية فلابد لنا ان نختار احدى الكليات الجامعية، واختيارنا هذا يعني ان نقرر الى اي كلية نقدم اوراقنا الثبوتية، وقرارنا واختيارنا هذا والذي سيكون له سلسلة من التفاعلات والانعكاسات على بقية حياتنا، سيكون معرض بلا ادنى شك الى سلسلة من الاسباب منها ما هو مادي ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو اخلاقي ومنها ما هو ديني ومنها ما هو وراثي نعم وراثي.. فأنت لا تختار ولا تقرر إلا بتكامل هذه العوامل الاربعة مجتمعة لا منفصلة او مستقلة.
 
فقد يكون وضعك المادي صعب لا يمكنك من التوجه الى دراسة جامعية تتطلب نفقات مالية ضخمة كالدراسة في كلية الطب مثلا، فسيكون قرارك محدد بالواقع المادي الذي تعيشه انت وأسرتك، وهذا ما يفرض عليك ان تختار دراسة جامعية اقل نفقات مالية، كالدراسة في كلية الهندسة ولكنك قد تعزف على التوجه الى هذه الكلية كونها تختلف وتوجهاتك الثقافية حيث تتطلع الى الاهتمام بالإنسان ذاته لا بالجانب المادي من حياته، فتتوجه الى كلية اخرى لا تثقل نفقاتها المالية كاهلك و لا تتقاطع وتوجهك الثقافي كالدراسة في كلية القانون الا ان وأعزك الديني يدفعك لعدم الموافقة مبررا ذلك بان مهنة المحاماة قد تجعل منك محاميا يستند الى قانون وضعي لا تعترف بشرعيته مثلا، وهكذا فقد ينتهي بك المطاف للتقديم الى كلية رابعة ككلية الشريعة مثلا.
 
وهنا يتوجب علينا التوقف عند هذه النقطة، فخلال عملية التفكير لاختيار اي كلية جامعية ستقدم اوراقك لها رأينا كيف لعب العامل المادي والثقافي والديني واثر تأثير جذري في قرارك وتوجهك واختيارك، اما تأثير العامل الوراثي والذي لا يبدو تأثيره ظاهر للعيان واضح ملموس وهو بالتأكيد سيكون محط تساؤل كل قرائنا الكرام فان تأثير هذا العامل الخفي سيكون ضمن جسم الانسان ذاته وليس في جزء محدد فقط.
 
كيف يؤثر العامل الوراثي في صنع قراراتك..؟!!
في لحظات او ساعات او ايام تفكيرك لاختيار دراستك الجامعية، سيشهد دماغك وهو المركز الرئيسي لعملية التفكير مئات او الالاف بل ملايين العمليات الحسابية التي تتم على شكل نبضات كهربائية و كهرومغناطيسية تتناقلها خلايا دماغك وجهاز العصبي عموما الى باقي انحاء الجسم، والتي سيكون انطلاقها وانتقالها وتوجهها متزامن ومنسجم ومتناسق ومرتبط بالعديد من الهرمونات التي تفرزها غدد او خلايا معينة في انحاء جسمك المختلفة وليس في دماغك او جهاز العصبي فحسب، واطلاق النبضات الكهربائية والكهرومغناطيسية وإفراز الهرمونات تختلف من فرد لأخر ومن زمن لأخر ومن مكان لأخر ومن ظرف لأخر خلال عملية التفكير. فتشعر بارتفاع حرارة جسمك او بانخفاضها او قد ترتبك او تحتار و تقلق، تحك راسك او تحرك عينك بزاوية معينة او تبدل جلستك او تمشي ذهابا وإيابا، او تفرط بالتدخين او شرب القهوة و الشاي، تغضب او تنفعل، تفكر بتمعن او على عجلة، تدرس قرارات واختيارك بعناية او بشئ من اللامبالاة... الخ.
 
فبالاستعاضة فان عملية تفكيرك ستكون واقعة تحت تأثير جيناتك الوراثية التي نقلت من والديك وسلالة عائلتك بصمتك الهرمونية التي جعلت لك كينونة وشخصية مستقلة خاصة بك إلا انها وبنفس الوقت قد ورثت لك جزءا من طريقة تعاطي سلالتك مع الاحداث.
 
اي ان الية عمل الجينات الوراثية في عملية صنع القرار اي قرار مهما كان كبيرا مصيريا او صغيرا هامشيا، تشابه وتمثل الى حد كبير الية ودور البذور في عملية زرع المحاصيل الغذائية، فهي الحجر الاساس الذي ستبنى عليه عمليات الزرع الحصاد فيما بعد وهي من ستحدد كمية الانتاج ونوعيته. وهنا يتوجب علينا الانتباه جيدا الى ان استخدامنا للبذور الصالحة ذات الانتاجية العالية المجربة لن يكفل لنا الحصاد المرجو، ما لم نوفر لها ارض خصبة محروثة بطريقة سليمة ومسمدة بالأسمدة المناسبة ومروية بكمية مناسبة من مياه الري معززة بمكافحة الافات والحشرات الضارة، ناهيك عن قيامنا بعملية الزرع والحصاد في مواسمها وأوقاتها المناسبة. فالبذرة الصالحة ان لم تجد ظروف مناسبة لها قد تموت او على اقل تقدير قد لا تنتج لنا ما املناه عند زراعتها. والعكس صحيح فان كانت البذرة سيئة او غير صالحة او ضعيفة فأننا وبلا ادنى شك ومهما اعتنينا بها فقد تبوء جهودنا الزراعية كلها بالفشل او قد نواجه انتاجا ضعيفا على افضل حال، ذلك لان الخلل لم يكمن في العوامل المساعدة انما في البذرة ذاتها في حجر اساس وركيزة العمل الزراعي الاساسية.
 
ثالثا/هل "بذرتنا" نحن العرب غير صالحة..؟!!
كما سبق وذكرنا في بداية هذه الحلقة فان شخصية الانسان وسلوكه ونهجه بالحياة يحددها فكر الانسان وعقيدته والتي تتفاعل العاطفة والمشاعر والأحاسيس، وتشترك مع التفكير الاولي والمنطقي، في خلق وتكوين وتشكيل وصياغة التوجه الفكري للإنسان ذاته، وأيمانه الديني، واعتقاده الفلسفي، وقيمه الاعتبارية والأخلاقية والوجدانية.
 
وعمليات العاطفة والتفكير الاولي والمنطقي والتي تجري في دماغ الانسان وقلبه بشكل مركزي وبأجزاء اخرى من جسمه بشكل ثانوي، تتأثر بالعوامل الوراثية، الجينية والهرمونية وبالعوامل المادية، والثقافية، والدينية او بالأصح برجال الدين لا الدين بحد ذاته والدين هنا لا نعني به الاسلام فحسب بل باقي الاديان السماوية وحتى الغير سماوية.
 
فلو راجعنا ما سبق وذكرناه في بداية هذه الحلقة من تعاريف ومصطلحات فأننا سنجد ان شخصية الانسان وسلوكه مرتبطة ارتباطا وثيقا بفكره والذي يتكون من عاطفة ومنطق.. من مشاعر وأحاسيس.. ومن علم ومعرفة، وهذه المكونات (العاطفة ومشتقاتها + المنطق ومشتقاته) تحاول مجتمعة للوصول بالإنسان الى اصدار القرار المناسب له اي الى اصدار القرار الذي يتناسب ويتوافق مع تكوينه الفكري والعقائدي ووازعه الديني والأخلاقي والثقافي وواقعه المادي.
 
اي ان سلوك المرء وحياته مرتهنة بقراره الذي ينتج وفق عملية تفكير المكونة من نسبة معينة من العاطفة ومن نسبة اخرى من المنطق، فان تغلبت العاطفة على المنطق في عملية التفكير – كما هو حال معظم العرب - فان القرار سيكون قرار عاطفي وهو ما يؤدي حتما الى ان يتسم سلوك الانسان بالعاطفة. ولو تزامنت عملية التفكير وإصدار القرار مع ظروف بيئية حفزت عاطفته على نحو ايجابي بناء فسيكون سلوك ذلك المرء ايجابيا هو الاخر كالكرم والغيرة والشهامة، او بالبخل واللامبالاة واللؤم فيما لو التقى بظروف بيئية سلبية، فما بالك لو استغلها رجل دين فاثأر في النفس عاطفة جياشة بل اعاصير عاطفية..؟!!
 
وبالتالي فان بذرة العربي ليست سيئة او ضعيفة بحد ذاتها ولكنها تحمل الضعف بين طياتها، كمن يملك صحة جيدة ولكن بعض خلايا جسمه مستعدة للإصابة بمرض خطير قد يقضي على حياته او يشلها لفترة معينة خاصة اذا ما تعرض ذلك الانسان الى ظروف سيئة حفزت خلاياه تلك وسرعت بها نحو الاصابة بذلك المرض الخطير. فما يجعل بذرة العربي سيئة هو العيش بفقر مدقع او غنى فاحش وبثقافة فقيرة او مشوهة وبواعز ديني يحفز ويثير العاطفة على نحو سلبي مضّر او هدّام، وما ينطبق عن التخلف ينطبق بلا ادنى شك عن التطور او ما يعرف بالتفوق.
 
رابعا/العاطفة لدى العربي :
سبق وعرفنا بان الشخصية شخصية أي انسان بغض النظر عن عرقه واصله هي عبارة عن مجموعة من القدرات والاستعدادات الفكرية والعاطفية الناتجة عن تفاعل عقل الإنسان وما يحويه من أفكار وعقائد ومشاعر وأحاسيس مع جملة من المؤثرات المادية والدينية والثقافية والوراثية. كما ذكرنا بان تلك القدرات والاستعدادات تتمحور بالأساس حول صفة محورية واحدة تجذب اليها عشرات الصفات الاخرى ولكن بحسب الظروف التي تمر بها. فالهدوء الذي قد يمثل صفة محورية لسين من الناس قد تجذب اليها النشاط والحكمة والمسؤولية اذا ما مر ذلك الانسان بظروف ايجابية (واقع مادي جيد وثقافة غنية والتزام ديني يعبر عن ايمان حقيقي وبصمة وراثية سليمة التغذية والمناخ والرياضة)، ولكن فذات هذه الصفة المحورية "الهدوء" قد تجذب اليها الخمول والغباء واللامبالاة لو مر ذلك الانسان بظروف سلبية.
 
اما شخصية العربي، فتمتاز اولا بان تتغلب القدرات والاستعدادات العاطفة على المنطق في عملية التفكير، مما يؤدي الى ظهور العربي بمظهر عاطفي سواء في طريقة تفكيره او في سلوكه ونهجه في الحياة. والعاطفة هنا لا تقتصر على مشاعر وأحاسيس الحب والكره والحقد والانتقام والثأر والانفعال والحزن والفرح والتسرع والانفعال، انما العاطفة هنا تتَّسم بالرِّقة والليونة، ويكون هدفُها بلوغَ النتيجة المَرْجوَّة او تحقيق الاحلام والأماني، فهي لا تأتي لتطابق المنطق والمصلحة او لظروف الانسان الاخرى. ولهذا فقد لا يكون تفكير العربي وسلوكه عاطفي فحسب بل قد يتعداه حتى يصبح غير منطقيا تماما (15).
 
كما تمتاز العوامل المادية والدينية والثقافية بل وحتى الوراثية التي تؤثر في شخصية الانسان العربي بعاطفية التكوين بحد ذاتها، فمثلا نرى ان الواقع المادي عند العربي مبني على اساس عاطفي وهنا نذكر القراء الكرام بطبيعة نشاطنا الاقتصادي نحن كعرب. فالعاطفة تؤثر ابتداءا من تعيين فرد ما في وظيفة معينة وحتى في توجيه وسائل الانتاج على نحو معين دون غيره، مرورا بذوق المستهلك العام وبرسم سياسة المبيعات وبطبيعة عمليات التسويق. فتكفي شائعة واحدة بنبذ منتج معين في الاسواق العربية او حتى في نبذ فنان او مطرب او تاجر او عالم او حتى وزير او رئيس الدولة ذاته. فعلى الرغم من ان الشائعة ليست عاطفة بالطبع كما تعلمون بل انها فن وعلم وعملية معقدة لا يتوجب الاستهانة بها، ولكن فان اي باحث او دارس للشائعة في العالم العربي سيجد ان من يطلقها يعتمد بالدرجة الاساس على مراعاة كون العرب تتغلب لديهم العاطفة على المنطق، فمروجي الشائعات في العالم العربي يضعون في اذهانهم اولا وقبل كل شئ ان تثير شائعاتهم مشاعر العرب وعواطفهم الجياشة، بل حتى الاعلانات التجارية وإعلانات ولافتات الانتخابات السياسية تعتمد هي الاخرى على ذات الطريقة.
 
وما ينطبق على الاصل العاطفي للنشاط الاقتصادي لدى العرب ينطبق ايضا على باقي العوامل، فالثقافة والدين والأخلاق عند العربي ورغم ان المنطق يشترك في صياغتها إلا انها عاطفة اولا وقبل كل شئ. وبالتالي فان الانسان العربي الذي يعيش حياته بالعاطفة اولا نرى ان حتى جيناته الوراثية تحمل بصمة هرمونية عاطفية هي الاخرى، خاصة وان مناخ العربي ونظام غذاءه يدلل حتما على ارتفاع معدل افراز الهرمونات المسؤولة عن العاطفة في جسمه.
 
وقد تجد عربيا ما يتوازن المنطق بالعاطفة في تفكيره فيتحلى بالحكمة والصبر والمسؤولية وقوة الضمير والإحساس أي انه سيحسن التصرف بشكل منطقي عقلاني مفهوم، ولكن فان هذا العربي ورغم امتلاكه كل هذه الصفات المتمحورة بالأساس حول صفة الهدوء والتي تظهر صاحبها بتفوق المنطق على العاطفة، فأنه يشترك مع باقي العرب بتغلب العاطفة على المنطق في حالات اخرى، فالعربي الهادئ الحكيم المنطقي غير الاوروبي الهادئ الحكيم المنطقي. فبينما ترى ذلك العربي يرحب بضيفه بحفاوة حارة وكرم وحسن ضيافة او يثار لو تعرض احدا لنسائه او لديه القدرة والاستعداد على التضحية بنفسه او بولده وما يعز على نفسه في صده لعدوان جائر وقع عليه او حتى على غيره، فقد لا تجد نفس حفاوة الاستقبال او الثأر والتضحية لدى الاوروبي الحكيم الهادئ المنطقي او قد تجده ولكن بشكل وتأثير اقل مما وجدته عند ذلك العربي.
 
فالاثنين مثلا يشتركون في عاطفة الحب تجاه ابنائهم ولكن قد لايشتركون في نفس مشاعر الحرص عليهم والتي قد تدفع بالعربي ان يتدخل كثيرا بشؤون ابنائه فلا يضع لحريتهم شاننا كبيرا عنده حرصا منه على نجاحهم وسلامتهم في الحياة، بينما ترى الاوروبي حريصا على توفير الحرية لأبنائه بقدر حرصه على نجاحهم وسلامتهم في الحياة والتي يعتبرها جزءا من حبه ومشاعره تجاه اولاده فلا يتدخل في شؤونهم إلا بما ينال رضاهم. كما قد يشتركون بأخلاق استقبال الضيف ولكن يختلفون في نفس الوقت في درجة الكرم وحفاوة الاستقبال، فبينما يصر العربي على ضيفه الذي دخل بيته مفاجأة بتناول الطعام معا، فقد يستميح الاوربي ضيفه لتناول الطعام بمفرده، وإذا ما قرر تناول الطعام مع ضيفه فلا يتم ذلك إلا بدعوته ضيفه دعوة رسمية لتناول احدى وجبات الطعام والتي غالبا ما تكون خفيفة، بينما لو وجه العربي دعوة غداء رسمية لضيفه فسترى ان ذلك العربي سيطبخ لضيف شتى انواع الطعام وبكثرة.
 
باختصار شديد جدا، فان سبب اختلاف شخصية العربي عن شخصية الاوروبي رغم كون الاثنين يتمتعان بالحكمة والمنطق، يعود الى ان العاطفة قد اصبحت مكون مهم ورئيسي وأساسي يتصدر المنطق في شتى ميادين حياة العرب، في التفكير، في الدين، في الثقافة، في الاخلاق وفي النشاط المادي الاقتصادي والعملي، حتى اصبحت حياة العرب عبارة عن عواطف ومشاعر جياشة مثلت احدى اهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم.
 
فالسمة المحورية للعرب كشعب وكأمة وليس كأفراد فهي سمة العاطفة، لذا فأننا حينما نصف شعب العراق مثلا كشعب كريم وشجاع وغيور وشهم، فهو في الحقيقة وبالأصل وصف لسمة محورية وهي العاطفة والتي اتسمت بها شخصية شعب العراق عبر تاريخهم الطويل وتناقلها من جيل لأخر ثقافيا ووراثيا، وهذه السمة تجذب لها سمات معينة بين الفينة والأخرى وذلك حسب الظروف التي يمر بها العراقيون انفسهم. فحينما يمروا في حالة من الضعف المعنوي فأنهم سرعان ما تتوجه عاطفتهم بشكل سلبي فبدلا عن الكرم والشهامة والغيرة ستظهر هنا سمات سلبية كالبخل واللامبالاة!!! وهاتين السمتين بدورهما ستجذبان اليهما عشرات السمات السلبية الاخرى كل حسب ظرفه المادي وتربيته وثقافته وواعزه واتجاهه الديني وهكذا جل العرب.
 
فالأحداث المأساوية التي مرت بها امتنا عبر تاريخها الطويل مع ما صاحبها من عنف مفرط وأجرام وحشي (16)تعطينا الدليل على مدى تأثير العاطفة حينما تلقي بظروف وبيئة سلبية على حياة العرب الى الحد الذي لم ينجو منها ليس فقط قادة ورموز الامة في هذا العصر بل وحتى اولياء الله سبحانه وتعالى من خلفاء وأئمة عظام كانوا هم اول ضحاياها...!!!
 
وهنا نود ان ننبه الى مسالة في غاية الاهمية، فما بين عدو لعين قد حشر نفسه في الدين وما بين صديق مغفل خدعه ذلك العدو، فقد بات الدين احد اهم اسباب مشاكل الامة ومأزقها. وما يزيد الامر عسرا هو ان الدين عموما ولا نعني بذلك الدين الاسلامي العظيم فحسب يعتمد بالدرجة الاولى والأساس على الإيمان بالغيب والذي لا يمكن ان يفهم ويفسر بشكل منطقي سببي مادي انما هو ايمان روحي، لذلك فان الله سبحانه وتعالى ومن نعمته على البشر ورحمته لهم ان جعل خاتم اديانه يستند بالدرجة الاولى والأساس على المنطق وان لم يستند على المادة. فمثلا حينما امر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالصيام بل وبسائر العبادات والمعاملات فلم يكن امرا غيبيا وجب على الانسان الاخذ به بدون ان يتعرف على مسببات ذلك، بل ان الجزء الاكبر منه قد بينه لنا القران الكريم وفسره رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى بات العلم احد اهم الدلائل على صواب الاسلام وكماله الابدي الخالد.
 
ولكن مع الاسف فان رجال الدين الذي من المفترض ان يعوا ويدركوا هذه الحقيقة اكثر من غيرهم فيحرضوا ويحثوا المسلمين على تنفيذ امره سبحانه وتعالى (17)بان يتدبروا الاسلام بالعقل والمنطق والروح لا بالعاطفة فحسب، نراهم وهو ما يثبت صحة وصواب رائينا بضرورة الانتباه والحذر من رجال الدين قبل ان ننتبه ونحذر من اعدائنا الرسميين، نقول فان رجال الدين اؤلئك قد غيبوا العقل واخذوا الدين كعاطفة مجردة تبكي البعض احيانا او قد تدفعهم نحو الانتقام مشبعين بروح الحقد والكراهية.
 
وهنا نشير الى ملاحظة مهمة اخرى فان كان اعتماد رجال الدين على اثارة العواطف في النفوس امر مرفوض وله مضار كارثية من الصعب احصاء نتائجها وانعكاساتها على المجتمع وعلى الدين نفسه، فان هذا لا يعني اننا ندعوا الى تغييب العاطفة في حياة الانسان عموما وحياته الدينية خصوصا، فالإنسان بدون عاطفة.. هو انسان بدون روح.
 
فأهمية وضرورة العاطفة لا تقع في حياة الانسان فحسب بل في ايمانه ايضا، فمن غير الممكن ان يؤمن الانسان بالله عزوجل ايمانا ماديا ناتجا عن الاسباب الملموسة فحسب بل هو ايمانا معنوي روحي ايضا (18)ومع الفارق ولله الامثل الاعلى فمثلما للعاطفة والجانب المعنوي والروحي اهمية خاصة في الايمان بالله سبحانه فان للعاطفة دور مهم ايضا في الايمان بالوطن او بالقضية لان الوطن او القضية التي يناضل من اجلها الانسان قد تعتبر وكنتيجة للظروف العسيرة التي يمر بها المرء مسالة غير مجدية بحسابات المنطق والمادة، فقد تعطي للوطن او الحزب او الاهل او هدف ما في حياتك الكثير ولكنك لا تأخذ إلا القليل بل وربما لا تأخذ شيئا اصلا، فهنا وفي هذه الحالة تبرز لنا مدى اهمية العاطفة او ما يسمى بالجانب العاطفي او المعنوي او الروحي في حياة الانسان وأيمانه وقضيته.
 
ماذا يحدث حينما يتغلب المنطق على العاطفة..؟!!
ان تغلب المنطق على العاطفة - كما هو حال معظم الاوروبيين - فالقرار سيكون قرارا منطقيا بطبيعة الحال، بحيث يسلك الانسان سلوكا ذكيا جادا ومسؤولا مبني على قواعد علمية تحسب لكل شئ حسابه من اجل تحقيق افضل واصح وأصوب النتائج في حياة الانسان، وهو ما دفع بأوروبا الى هذا التطور العلمي الهائل لا على مستوى الاختراعات والابتكارات العلمية المدنية والحربية فحسب، او على مستوى الانتاج الصناعي والزراعي والثقافي فحسب، بل على مستوى طريقة تصرف الانسان الاوروبي في حياته اليومية وتمسكه وحرصه الشديد على مصلحة بلاده ابتداءا من نظافة الشارع وحتى معارضته للحروب الاستعمارية كما رائينا قبل العدوان على العراق وعلى غزة وليبيا.
 
ولكن وبالرغم من ذلك، فان تغلب المنطق على العاطفة في حياة الانسان له هو الاخر مضاره السيئة على المجتمع وعلى انجازاته العلمية المتحققة، فالإنسان بطبيعته متكون من جزئين مهمين يكملان بعضهما الاخر فلا يمكن تجاهل التفكير المنطقي مثلما لا يمكن تجاهل الجانب العاطفي او المعنوي او الروحي في حياة الانسان وفي أيمانه وقضيته.
 
وبالتالي فان الإنسان الذي يخضع فكره وسلوكه الى المنطق ويتجاهل العاطفة ومردوداتها الايجابية على حياته، قد يقع هو ضحية لنفسه. فالمنطق ورغم كل محاسنه وكل ما ينتج عنه من ايجابيات عظيمة، قد يتم استغلال حدته وقوته على نحو سلبي. ولذا ولان المنطق سلاح ذو حدين كالقانون فقد يتحول من هدفه ومهمته الاساسية لتحقيق العدل بين الناس الى تطبيقه هو بذاته فيكون التعسف والظلم بعد ان اصبحت الوسيلة غاية وهدف.
 
فالمجتمع الاوروبي والغربي عموما، ورغم كل التطور العلمي الهائل الذي وصلت اليه تلك الدول ومواطنوها، قد بات مصابا بأمراض اجتماعية خطيرة جدا نتجت بشكل او اخر عن اهمال الجانب العاطفي والأخلاقي والروحي في حياة الانسان. فتحت شعارات وأهداف رائعة وعظيمة ولكن قد جرى استغلالها من قبل اصحاب رأسمال لا يقيمون اي اعتبار لآدمية الانسان.. تحت شعارات الحرية وحقوق الانسان والمرأة والطفل وحرية الاديان وحرية العمل والتملك، فقد تفشت مظاهر وأفكار هدامة وخطيرة كالإلحاد والإباحية والتعري والمثلية والشذوذ الجنسي والإدمان ووصلت الى اعلى مستوياتها بل وأصبحت مصدر مهم من مصادر جرائم القتل والسرقة والسطو والاغتصاب ووهي في اضطراد متسارع خطير. فالتقدم العلمي والحضاري الذي احرزه الانسان الاوروبي قد بات مهددا ومعرضا للزوال في غضون عقود قليلة خاصة ان ترك الحال على ما هو عليه بدون معالجة سليمة ناجعة تحد من استمرار هذه المظاهر الخطيرة وتقضي عليها من الاساس (19).
 
ان كل باحث او متابع لهذا الشأن وبغض النظر عن دينه ومذهبه وطائفته وميوله الدينية والفكرية فانه سيجد حتما وبلا جدال بان الحياة الاوروبية والتي تعتبر مثالا على حياة الانسان ذو التفكير المنطقي حيث ينعم المرء بالحرية والرفاهية ويحصد ثمار تطوره العلمي تناقض نفسها بنفسها، فليس من المنطق ولا نقول القيم والاعتبارات الاخلاقية والروحية والتي تشترك العاطفة بصياغتها، ان تصل العوائل في تلك المجتمعات حتى لا تملك اي سيطرة على ابنائها وبناتها، وحتى يعاب على البنت عفتها وطهارتها وهي من ستصبح الزوجة والأم والأخت والبنت؟!! ام انه من المنطلق ان يلد الطفل وهو لا يعرف من اباه.. فكيف به وإذا بلغ وأصبح ضابط شرطة او جندي يفترض ان يضحي بحياته اذا لزم الامر في سبيل بلده وأمته وهو من لا يعرف ابيه ولم يتربى في اجواء اسرية صالحة ومتماسكة؟!! (20)
 
كيف يكون الانسان منطقيا وهو يتجاهل جزء مهم وأساسي من المنطق نفسه..؟!! كيف يكون منطقيا وهو يتجاهل إنسانيته وأدميته وعاطفته، كيف يكون منطقيا ويتجاهل كل الدلالات العلمية والمنطقية على وجود الخالق العظيم، وعلى وجود نظام كوني الهي يجب ان يحترم ويقر به، كيف يكون منطقيا ويتجاهل منطقية الاسرة والعائلة والأمة والطهر والشرف والعفة؟!! ام ان المنطق يملي على المجتمع ان يبدل الزواج الطبيعي المنشئ لعلاقات اسرية صالحة يتربى فيها الاولاد تربية سليمة الى زواج المثليين والسحاق والشذوذ حيث لا تتهدد القيم والاعتبارات الاسرية فحسب بل وتهدد بانقراض الجنس البشري بحد ذاته (21)؟!!!

ان الاوروبيين والذين يختلفون عن العرب حيث يتغلب عندهم المنطق على العاطفة، قد وقعوا هم ايضا في الكارثة وان اختلفت السبل والوسائل وتبدلت المظاهر، فالحالة الصحيحة والسليمة هي ان تتوازن العاطفة والمنطق في حياة الانسان حتى يسخر احدهما لإكمال وإتمام الاخر.

والآن نطرح السؤال التالي :
ماذا ينتج لو تساوى تأثير العاطفة بالمنطق وتوازنت معه في عملية التفكير..؟!!
نود ان ننبه القراء الكرام الى ان توازن العاطفة والمنطق لن يؤديان الى توحيد شخصية الشعوب او حتى الافراد، او بمعنى اوضح فلن يؤدي ذلك التوازن الى تحقيق ما سبق وامن به مفكري الشيوعية والليبرالية (22) تحت دعاوي الاممية او العولمة. وسبب ذلك هو ان شخصية الانسان وتكوينه الفكري والعقائدي وطريقة تفكيره وتوجهه ونهجه وسلوكه يخضع لعدة متغيرات تحاول مجتمعة للوصول بالإنسان الى السعادة والرخاء والرفاهية في شتى جوانب الحياة المادية منها والمعنوية(23). وقد يتساوى شخصين بنفس القدر من العاطفة ومن المنطق ولكن مع هذا نرى ان سلوكهما يختلفان والسبب هو اختلاف الظروف المادية او الدينية او الثقافية لأحدهما عن الاخر، وهنا نلفت الانتباه الى المثال السابق الذي ضربناه عن اختلاف شخصية وتصرف الانسان العربي الهادئ الحكيم المنطقي عن الانسان الاوروبي الهادئ الحكيم المنطقي.

الهوامش :
1- بسبب عدم وجود تعاريف محددة ومتفق عليها بين العلماء والباحثين فقد ارتأينا الى ان نصوغ تعاريف بحيث تكون جامعة ومتوافقة مع اغلب ما قد تم التعريف به.
2- للتعرف على الدراسات والبحوث التي تناولت تأثير القلب في اجزاء عملية التفكير راجع الجزء الثاني من دراستنا هذه والمنشور تحت عنوان (دور وأهمية الفكر والعقيدة في حياةالفرد والأمة).
3- من خلال تامل القران الكريم نجد ان الله سبحانه وتعالى قد بين لنا ان القلب مركز الايمان والبصيرة والحكمة كقوله سبحانه وتعالى)فّإنَّهّا لا تّعًمّى الأّبًصّارٍ ولّكٌن تّعًمّى القٍلٍوبٍ التٌي فٌي الصَدٍورٌ) الحج 46، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد 28، (هُوَ الذي أَنْزَلَ السَّكينةَ في قلوبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيماناً) الفتح 4، (فأتاهُمُ اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يحتسبوا وقَذَفَ في قلوبِهِمُ الرُّعْبَ) الحشر 2، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الأنفال1. وبهذا فقد يثبت العلم يوما ما بان يكون القلب مركزا تتوازن فيه العاطفة مع المنطق لاستنباط الاحكام السليمة بعيدا عن الرقة والليونة وعن التعسف في القرارات والمكابرة على الاخطاء.
4- ان عمليات العاطفة والتفكير والتي يشترك دماغ الانسان وقلبه في تكوينها قد تشترك فيها اجزاء اخرى من جسم الانسان وذلك ضمن نظرية ذاكرة الخلية كما جاء في قوله سبحانه وتعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النور 24.
5- رغم عدم موافقتنا على ما قد ذهب اليه بعض الباحثين في العقود الاخيرة وغلوهم في اعتبار القران الكريم ككتاب علمي يفسر جميع الظواهر العلمية في الحياة، الا اننا وبنفس الوقت نؤمن بان القران الكريم وضمن اطار اعطاء الدليل القطعي للبشر على كونه كتاب سماوي ومعجزة خالدة لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من لدن رب عظيم، فقد جاء ذكر وبيان وتفسير العديد من الظواهر العلمية في القران الكريم سابقا العلماء بقرون طويلة من تاريخ اكتشافهم لها.
6- اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 169.
7- المصدر نفسه.
8- ان كل مسلم صادق في ايمانه سيكون عربيا صادقا في عروبته، وبذلك فان عالمية الاسلام لا تصطدم ابدا بعروبته ولا العكس، للتعرف اكثر على هذه القضية يرجى الاطلاع دراستنا المنشورة تحت عنوان (البعث في ميزان الشريعة/الجزء الثاني : شرعية الفكر القومي للبعث).
9- راجع دستور حزب البعث العربي الاشتراكي/المادة العاشرة.
10- سبب ذكرنا الى ما اشار اليه حزب البعث يعود لكوننا اعضاء فيه والذي لم ننتسب له إلا بعد ان ايقنا بسلامة وصحة فكره الذي جاء متوافقا تماما مع الاسلام بقدر توافقه مع العروبة، فعلى الرغم من كونه حزب قومي اشتراكي إلا انه فاق كل الاحزاب الاسلاموية بنظرته موقفه الفكري السليم من الاسلام العظيم.
11- في سبيل البعث/الجزءالخامس/الوطنية السودانية هي العروبة والعروبة السودانية هيالإسلام، حديث القائد المؤسس مع وفد حزب الاتحادالديمقراطي السوداني في 14/1/1982.
12- في سبيل البعث/الجزء الخامس/نفهمالماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر - كلمة الرفيق القائد المؤسس أثناء حفلتقلده وسام المؤرخ العربي من قبل اتحاد المؤرخين العرب في 23/8/1987.
13- راجع دستور حزب البعث العربي الاشتراكي/المادة الحادية عشر.
14- على الرغم من ان تشويه صورة العربي تعتبر احدى اهم واخطر وأسوء سياسات الاستعمار الغربي قديما وحديثا وهو ما دأبت عليه هوليوود في افلامها السينمائية، وما دأبت عليه النخب الايرانية المتبرقعة ببرقع التشيع منذ ان وطئ الاسلام ارض العراق وحرره من الاحتلال الفارسي، إلا اننا ننبه هنا الى ان الاخطر من ذلك كله، هو ما يأتي ممن يدعون انهم عربا ويسوؤون لأمة العرب نفسها ولاسيما رجال الدين الذي اخذوا يلقنون اتباعهم بفتاوى تكفير العروبة فكرا وأحزابا وشخصيات حتى باتت ابناء العرب يتقاتلون فيما بينهم بينما يسرح ويمرح الفارسي والتركي والأمريكي والصهيوني في جل اقطارهم.
15- من الادلة على كون العربي عاطفي السلوك اكثر من المنطق، هو ما ذكره الدكتور جواد علي العلي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام) الطبعة الثانية 1993/الجزء الاول/الفصل السابع/طبيعة العقلية العربية/الصفحة 265 عن المستشرق هنري لامانس :
"انَ العربي نموذج الديمقراطية , ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها الى حد بعيد. وان ثورته على كل سلطة تحاول أن تحدد من حريّته ولو كانت في مصلحته , وهذا هو السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء من تاريخ العرب..!! وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه إلى كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتى إذا حاولت ان تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة إلى حريته. ولكن العربي من ناحية أخرى مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف... وعلى العموم، فالذي يظهر لي أن هذه الصفات والخصائص أقرب أن تعد صفات وخصائص لهذا الطور من النشوء الاجتماعي عامة من أن تعد صفات خاصة لشعب معين، حتى إذا قر العرب وعاشوا عيشة زراعية مثلاً، تعدلت هذه العقلية ".
16- من الاحداث المأساوية التي شهدها تاريخ العرب هو ما جاء تحت ذريعة دينية (كالجهاد الذي ادعت به تنظيم القاعدة وجيش المهدي وفيلق تسعة بدر والذي راح ضحيته عشرات الالاف من المسلمين سنة وشيعة) او جاء تحت ذريعة سياسية (كثورة 1958 في العراق مع ما صاحبها من عنف مفرط وصل الى حد سحل جثة نوري السعيد في شوارع بغداد وتقطيعها الى اشلاء متناثرة) او جاء تحت ذريعة عقائدية (كثورات ما بات يعرف بالربيع العربي وخصوصا ثورة فبراير في ليبيا والتي لم يكتفي ثوارها بإعدام الاسرى كالزعيم الليبي الشهيد معمر القذافي ونجله المعتصم بل وصل الامر بهم الى وضع جثثهم في معرض للزوار الثائرين وعائلاتهم اطفال ونساء وشيوخ ناهيك عن التمثيل بجثث بقية الشهداء والتشفي بموتهم) او كردات فعل (الثأر العشائري وعمليات الانتقام الشخصي). كما ان هنالك عددا من الاحداث المأساوية التي لا يصح ان تندرج تحت ما تقدم من ذرائع كما هو الحال بالنسبة لاستشهاد سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم اجمعين.
17- كما جاء ذلك في قوله سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) الروم 8.
18- الايمان بالله عزوجل لا يمكن ان يكون ايمانا ماديا ناتجا عن الاسباب الملموسة فحسب بل هو ايمانا معنوي روحي ايضا، قال سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الأنفال1. والقلب هنا لا يمثل كمركز للعاطفة لدى الانسان انما يمثل الجانب الروحي حيث قال سبحانه وتعالى)فّإنَّهّا لا تّعًمّى الأّبًصّارٍ ولّكٌن تّعًمّى القٍلٍوبٍ التٌي فٌي الصَدٍورٌ) الحج 46، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد 28، (هُوَ الذي أَنْزَلَ السَّكينةَ في قلوبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيماناً) الفتح 4، (فأتاهُمُ اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يحتسبوا وقَذَفَ في قلوبِهِمُ الرُّعْبَ) الحشر 2. يرجى الاطلاع على الجزء الثاني من دراستنا هذه والمنشور تحت عنوان (دور وأهمية الفكر والعقيدة في حياة الفرد والأمة).
19- تأكيدا على كلامنا السابق بان المنطق يملي على الانسان، افرادا وحكومة، بضرورة الحد من انتشار العلاقات والظواهر الهدامة لقيم ومبادئ الحياة السليمة الطبيعية ومنع استغلال شعارات الحرية وحقوق الانسان لغايات تخريبية لأخلاق وتماسك المجتمع وبضرورة الحفاظ على العلاقات الاسرية والاجتماعية الصحيحة فقد اخذت العديد من البلدان وبالأخص الاوربية بسن قوانين خاصة لتحقيق ذلك، منها على سبيل المثال ما يلي :
- أوروباتدرس حظر الأعمال الإباحية على شبكة الإنترنت
- هلبدأت أوروبا تدرك أهمية حجب المواقع ألإباحية؟
20- بابا الفاتيكان يحذر منمخاطر الشواذ الجنسي
21- خطر الإباحية عبر شبكة الإنترنت
22- تطابق الشيوعيةالسوفيتية والرأسمالية الامريكية لتمكين الصهيونية العالمية
23- للتعرف اكثر على هذه القضية يرجى الاطلاع على الجزء الثالث من دراستنا هذه والمنشور تحت عنوان (أهم العوامل المؤثرة في صياغة التكوين الفكري والعقائدي للفرد والأمة : الواقع المادي).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بغداد الجهاد 26/12/2013
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق