قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 27 فبراير 2014

صلاح المختار : النقشبنديون من جنوب العراق الى اسوار بغداد

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
النقشبنديون من جنوب العراق الى اسوار بغداد
 
شبكة البصرة
صلاح المختار
 
منذ غزو العراق وحتى الان كنا، ومازلنا وسنبقى، من اشد المؤمنين بان اهل جنوب العراق لا يختلفون عن ابناء الوسط والشمال من حيث وطنيتهم وهويتهم العراقية، وان ما جعل الجنوب يتأخر في الالتحاق بالمقاومة المسلحة بعد الغزو مثلما تأخر في الالتحاق بالثورة الشعبية المسلحة الحالية، هو ليس نقص الوطنية ولا ضعف الاستعداد للتضحية فكل ابناء العراق الاصلاء، وليس نغول ايران، مستعدون للتضحية من اجل العراق وهذه حقيقة اثبتتها احداث التاريخ العراقي والواقع العراقي، بل هو طبيعة الشروط الموضوعية السائدة في جنوب العراق التي جعلته يتأخر زمنيا في الالتحاق ببقية العراقيين في انتفاضتهم ومقاومتهم.
ان مشكلة الجنوب لم تكن نقص الحماس الوطني على الاطلاق، فمن جنوب العراق انطلقت تنظيمات الحركة القومية العربية وطليعتها المقاتلة البعث، بل نقص الشروط الداعمة للانتفاضة والمقاومة المسلحة، ففي حين ان الشروط متوفرة في الغرب والوسط والشمال بصورة جيدة فانها متوفرة بدرجة اقل في الجنوب والشروط ليست جزء من تركيب الناس بل هي حالة طارئة تفرضها عوامل زمنية، وهو ما سنوضحه بالتحديد. والان ودعما لما كنا نؤكده بقوة وبلا يأس، وبعد تواتر الاحداث والادلة الحاسمة والمعلومات حول انتشار الثورة المسلحة في جنوب العراق في كربلاء وبابل وذي قار وغيرها، سقطت نظرية ان الجنوب لن يثور التي روجت لوقت طويل نتيجة تجاهل من روجها للظروف الخاصة بالجنوب، لهذا فان المطلوب هو الاجهاز النهائي على هذه النظرية المشبوهة.

الملاحظة الاولى خصوصية الجنوب العراقي : ان اول صفعة توجه لنظرية عدم توفر الرغبة في الثورة لدى اهل الجنوب هي حقيقة يعرفها اي انسان ثقافته عادية او تحت المتوسط وهي ان كافة ثورات العالم واحداثه الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ الانساني لا تحدث مرة واحدة في كل مناطق الدولة بل تبدأ في مناطق معينة تكون اكثر تأهيلا للثورة من غيرها، فتنطلق منها الثورة وتزحف وتتوسع من هناك لتشمل كل البلد.
والسبب ليس واحدا فالحالة التاريخية هي التي تحدد ذلك فلربما تكون منطقة ما في زمن ما مؤهلة للثورة اكثر من غيرها لكنها هي نفسها في زمن اخر قد تكون غير صالحة لبدأ الثورة منها. انظروا لتاريخ الثورات والانتفاضات والاحداث الكبرى سوف تتأكدون من صحة هذا التاكيد : فالثورة الاسلامية انطلقت من مكة ثم خرج بعض ثوارها منها توقيا لهجمات الاعداء لكنها استمرت في التوسع من مكان اخر هو الحبشة والمدينة المنورة، وكذلك الثورة الفرنسية التي انطلقت من باريس اولا، والثورة الروسية التي انطلقت من سانت بطرسبرج وليس من موسكو، والثورة الصينية تجولت في الاف الاميال من الاراضي الصينية، والثورة الكوبية انطلقت من جبال سييرا مايسترا وليس من هافانا، والثورة الجزائرية انطلقت من جبال الاوراس وليس من العاصمة، بل ان الثورة الفلسطينية انطلقت في خارج الارض الفلسطينية مثلما انطلقت من داخلها وذلك نتيجة لطبيعة التركيبة السكانية وظروف النضال.
هذه ثورات انطلقت من مناطق معينة دون غيرها نتيجة توفر او عدم توفر شروطها في مكان ما. اذن تأخر الجنوب ليس سببه نقصا تكوينيا بنيويا بل هو نقص ظرفي طارئ، تماما مثلما حصل لشعوب العالم الاخرى التي قامت بالثورة.

الملاحظة الثانية : حتى في المنطقة الاكثر استعدادا للقيام بالثورة يوجد اعداء للثورة، فالمجتمع الانساني في كل زمان ومكان ليس نسيجا واحدا متماثلا، ففي كل منطقة اعداء للثورة من داخلها، وهم اصحاب المصالح الخاصة او التابعين لهذا التيار او ذاك، بل داخل العائلة الواحدة قد تجد انصار للثورة واعداء لها، فمثلا الانبار مثلما فيها انقى الثوار البواسل ففيها خونة مستعدون لبيع كل شيء من اجل مصالحهم، ولديكم الان الخونة الذين يقفون مع المالكي وايران من اهل الانبار مثالا واضحا يؤكد هذه الحقيقة. واخيرا وليس اخرا فان الفساد هو الاخر يلعب دورا خطيرا في تحديد مواقف الكتل والافراد من الثورة، فما ان تنزل الدولارات سوق السياسة حتى يسيل لعاب بعض البشر الذين نجدهم في كل زمان ومكان.
اذن من ينتقدون اهل الجنوب لتأخر الثورة فيها يتناسون ان الثغرات في الموقف الوطني موجودة في الوسط والغرب والشرق والشمال ايضا.

الملاحظة الثالثة في الجنوب نجد اوضاع سلبية كثيرة تؤثر على امكانية انطلاق الثورة منه لا توجد في الوسط او الشمال وان وجدت فانها بقدر لا يؤثر، فاهل الجنوب كانوا ومازالوا الهدف الفارسي المفضل منذ الاف السنين، خصوصا منذ استلم اسماعيل الصفوي الحكم في فارس وخطط ثم نفذ لاختراق العراق بدأ من الجنوب، فاستغل الفقر والامية والخرافات للتغلغل في الجنوب.
اسست ايران قواعدها في الجنوب بطريقة اخرى ايضا وهي الهجرة المنظمة للجنوب فاستقرت فيه الاف العوائل الفارسية تحت غطاء الزيارات للمراقد الدينية ثم البقاء، او الهجرة بسبب موجات القحط التي كانت تضرب بلاد فارس قبل ضم النفط الاحوازي اليها في عام 1925، لذلك كان الفرس يتجمعون في مناطق عراقية كثيرة اغلبها في الجنوب، واخيرا وليس اخرا فان الكثير ممن دخلوا العراق من بلدان اخرى مثل شبه القارة الهندية في فترات مختلفة استقروا في جنوب العراق لقربه من اوطانهم الاصلية.
هذه التكوينات الاجتماعية المتنافرة (عرب.. فرس.. هنود.. فقراء حد الموت جوعا واغنياء حد التخمة والبذخ...الخ)، بكل اصولها المختلفة وارثها الديني القديم وتقاليدها الاجتماعية الاصلية وثقافاتها الحضارية، جعلت التماسك الاجتماعي للجنوب العراقي فيه نوع من الهشاشة وتضعفه اختلافات واضحة مقارنة بمتانة التماسك الاجتماعي في الوسط والشمال والذي كان قويا جدا ومازال لانه كان بعيدا عن مناطق الهجرات والاستيطان الاجنبي.
ومن ابرز الظواهر التي اضعفت النسيج الاجتماعي ظاهرة الانتماء للعشيرة من قبل غرباء عنها، فاغلب الفرس وغير الفرس تقربوا من العشائر وحصلوا على اسمها وتلقبوا به لاخفاء اصولهم، وتعد هذه الظاهرة واحدة من اهم اسباب قوة ايران في الجنوب، لان هؤلاء بقي ولاءهم لايران سرا واحيانا علنا رغم اكتساب بعضهم الجنسية العراقية. وهذه التجمعات السكانية الاجنبية الاصل التي لم تندمج بالهوية العراقية بصورة كاملة كما كان مفترضا واحتفظت باصولها بقيت مثل الجزر العائمة في جنوب العراق، والتي كانت ايران كلما ارادت امرا اعتمدت على عناصر منها في تنفيذه. وهذه الظاهرة غير موجودة في عشائر الوسط وغرب العراق وشماله حيث بقيت العشيرة بعيدة عن انتماء الغرباء اليها الا في حالات قليلة وكانت تشخص وتبقى العوائل المضافة للعشيرة معروفة، فحافظت تلك العشائر على تماسكها وهويتها العربية الاصيلة.
وبناء على ما تقدم اختلفت طبيعة الاقطاع في جنوب العراق عن الاقطاع في وسطه وشماله، ففي حين كان الاقطاع في الجنوب قاسيا جدا ولا عقلاني في اضطهاده للفلاحين وكانت تأثيرات صلات القبيلة تجاه الفلاحين ضعيفة او معدومة فان الاقطاع في الوسط والشمال كان اقل قسوة ولديه تعاطف مع القاعدة بدرجة ما.

الملاحظة الرابعة هي ان الهجرة الايرانية الى جنوب العراق كانت تتم تحت غطاء طائفي زائف، وبسبب الجهل والامية والفقر تكونت بيئة صالحة للنزعات الطائفية خصوصا وان التربية العائلية للعوائل ذات الاصل الاجنبي او المتأثرة بايران كانت تقوم على تنمية الكراهية الطائفية وتغذيتها سرا غالبا طوال عقود من الزمن، وبقيت كامنة نتيجة عدم وجود طرف يثير الفتن الطائفية والاعتماد على معيار المواطنة في التعامل مع كل عراقي من الجنوب الى الشمال اثناء حكم كافة النظم العراقية.
لكن الاحتلال كان بيئة مناسبة لاطلاق تلك التربية الخطيرة خصوصا لان امريكا وايران كانتا تتعمدان الاعتماد على الكراهية الطائفية والمصطنعة لتمزيق المجتمع ووحدة العراق. وهذه الحالة غير موجودة في الوسط والشمال حيث كان التعايش والتداخل الطائفي والعرقي ظاهرة عادية ومستحبة ازالت اغلب الفوارق ووحدت العوائل العراقية رغم اختلاف طوائفها واصولها الاثنية والقومية.
وعندما حصل الغزو في عام 2003 كانت بيئة الجنوب اكثر ملائمة لاستغلالها، ففجرت التوجهات الطائفية عمدا تحت غطاء زائف هو (المظلومية) وظهرت التنظيمات الطائفية هناك ودخلت ايران فورا الى الجنوب قبل غيره وفتحت مراكز امنية وعسكرية وسياسية لها، وعبأت الالاف من اهل الجنوب المضللين بأفكار طائفية قادتهم الى تغليب الهوية الطائفية على الهوية الوطنية نتيجة الامية والجهل والفقر والخرافات، ومن الجنوب بدأت ايران بالتوسع الجغرافي في العراق المحتل.

نعم كانت ايران موجودة في كل مكان من العراق ولكن التركيز على بناء القواعد القوية والثابتة لها كان في الجنوب اولا وليس في الوسط او الشمال. ولذلك تميز وضع الجنوب بعد الاحتلال بوجود جزر اجنبية فيه (مقرات امنية وعسكرية وسكانية) مدعومة من بعض العراقيين المضللين، وهذه الجزر كانت ومازالت تراقب وتتابع وتقتل وتعتقل، فضعفت حالات التواصل الاجتماعي والتقارب السياسي وبرزت ظاهرة التجسس ومراقبة الناس بعضهم للبعض الاخر وسادت التصفيات الجسدية لمن يظهر عروبته ورفضه للتغلغل الايراني خصوصا شيوخ العشائر الذين حافظوا على عروبتهم ورفضوا الرضوخ للمخابرات الايرانية. وهذه الحالة غير موجودة في الوسط والشمال غالبا.
اذن بيئة الجنوب كانت محط اهتمام ايران وامريكا فايران لديها رصيد فيه اما امريكا فقد اقتنعت منذ عملية ثعلب الصحراء في عام 1998 الفاشلة بان فشلها كان سببه عدم وجود تنسيق مع ايران، ولهذا اعترف بيل كلنتون الرئيس الامريكي وقتها بان اي محاولة لغزو العراق يجب ان تبدأ من الجنوب وبما ان لايران نفوذا في جنوب العراق فان النجاح لا يمكن ان يتم من دون التنسيق مع ايران، وهكذا بدأ التنسيق المباشر مع ايران في نهاية القرن الماضي وتواصل في بداية القرن الجديد وتوج بتعاون مباشر لانجاح غزو عام 2003.
وحينما تفجرت المقاومة المسلحة ضد الغزو كان ابناء الجنوب يتعرضون لعمليات ابادة شاملة فقد تم اغتيال الاف الوطنيين الذين اعدت قوائم ضخمة باسماءهم قبل الغزو، واعتقل مئات الالاف من الوطنيين وهجرت الاف العوائل العراقية العربية من الجنوب، وفرضت ميليشيات صفوية مسلحة وحاقدة على العرب في الجنوب باشراف قاسم سليماني اجراءات امنية مشددة.
لذلك وفي ضوء ما تقدم فان مساهمة ابناء الجنوب في المقاومة كانت محدودة قياسا بمستوى وحجم مقاومة ابناء الوسط والشمال، حيث لم يكن لايران تأثير عميق وواسع وانما كانت لديها عناصر جندت بعد الغزو، ولهذا بقيت معزولة عن ابناء تلك المناطق. هذه حقائق ميدانية وليست نظريات وهي تفسر لم تأخر الجنوب، مثلما تأخر اشتراك المدن الاخرى في البلدان الاخرى بعد انطلاق الثورة، فبما ان الثورة يجب ان تنطلق من الموقع الاقوى فانها تؤسس في مناطق محددة اولا وليس في كل القطر، ومن تلك المواقع والقواعد تبدأ بالانتشار والتوسع، ليس بترك الامور كما هي تتفاعل بعفوية بل بتدخل مباشر وتخطيط دقيق لتثوير تلك المناطق التي توجد فيها الغام خطيرة ضد الثورة.
وهذا ما كان يجري في جنوب العراق الذي يتميز بان حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب الوطني الجماهيري الوحيد فيه الذي بقي عملاقا يرعب نغول ايران رغم انه قدم 150 الف شهيد اغلبهم من الجنوب، والان بدأت ثمرة التخطيط والاعداد والتربية القومية تفرض نفسها وتفجرت الثورة في قلوب الناس في الجنوب اولا واخذوا يعبرون عنها بصراحة وجرأة، ثم جاءت اللحظة التاريخية الحاسمة ببدأ العمل المسلح الواسع ضد ايران ومقراتها ونغولها.

سقوط التقسيم الطائفي : بعد مرور 11 عاما على الغزو فشلت فيه كافة محاولات اشعال فتن طائفية رغم ان ضحايا تلك المحاولات كانوا يعدون بعشرات الالاف، ورغم القسوة المتعمدة في القتل والتعذيب، فان النسيج الاجتماعي العراقي انتصر بقوة وحسم وسقطت تلك المحاولات، والتي لو طبقت في اي بلد اخر لتقسم الى عشرات الدويلات والامارات المجهرية، لكن العراق بهويته الوطنية التاريخية والحضارية وتربية شعبه الاجتماعية والعشائرية وبوجود قوة وطنية كبرى ضمت في صفوفها كافة ابناء العراق وهي البعث سقطت كافة محاولات التقسيم الطائفي.
وعندما تفجرت الانتفاضة السلمية في عام 2011 وقمعت كان لابناء الجنوب دورا كبيرا فيها وسقط عدد كبير من الشهداء من ابناء الجنوب، وتكرر هذا الامر مع انطلاقة الثورة المسلحة على يد جيش النقشبندية الباسل بعد مجزرة الحويجة في عام 2013 وانتشارها في الوسط والشمال، راينا ابناء الجنوب في ذي قار وكربلاء وبابل وغيرها يلتحقون بالقوة العسكرية الاساسية التي تقود الثورة المسلحة وهي جيش رجال النقشبندية تدريجيا، والان اخذت حكومة الصفويين تعترف بوجود الثورة في الجنوب واخذ المسؤولون هناك يصرخون طالبين النجدة خصوصا بعد سيطرة الثوار على المسيب في محافظة بابل وتنفيذ خطة احكام قبضة الثوار على مقتربات بغداد او اسوارها تمهيدا لدخول بغداد قريبا.

اليوم يحق لابناء العراق ان يحتفلوا اربع مرات : مرة بالفشل الحاسم والنهائي لاثارة فتن طائفية، ومرة ثانية بالتحاق اهل الجنوب بثورة التحرر الوطني العراقية الباسلة، ومرة ثالثة بتوسع الثورة قطريا وتجاوزها للتحديات الاساسية ونجاحها في تفكيك جيش الميليشيات وجعله يهرب عند بدأ اي مواجهة، ومرة رابعة بتأسيس الاطار السياسي للثورة العراقية المسلحة وهو (المجلس السياسي لثوار العراق) الذي سيقود الثورة الى النصر الحاسم معتمدا على قوة وجهاد اكثر من 66 مجلس عسكري مقاتل على الارض في كل العراق بما في ذلك محافظات في الجنوب.
26-2-2014
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق