قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 13 مايو 2014

عناية جابر : صحوة ضمير؟... المسؤولون الغربيون لا يصحو ضميرهم إلا بعد أن يتركوا الحكم

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صحوة ضمير؟... المسؤولون الغربيون لا يصحو ضميرهم إلا بعد أن يتركوا الحكم
شبكة البصرة
عناية جابر
ما بال المسؤولون الغربيون لا يصحو ضميرهم إلا بعد أن يتركوا الحكم. فها هو جاك شيراك، الرئيس الفرنسي الأسبق، يرمي صخرة في البرك الآسنة. لم يكتف بحجر صغير بل رمى كل ثقل ما كان ربما يثقل ضميره المهني والإنساني. ها هو يصرح لأحد التلفزيونات الفرنسية أن ما تملكه فرنسا في محفظة نقودها إنما هو ملك للقارة الأفريقية، وأنه على فرنسا الآن أن تعيد لأفريقيا ما نهبته منها. والكلام له وليس لمحلل عالمثالثي مجهول. ولم يقل الرجل إن على فرنسا أن تعيده لدواع محض إنسانية، بل لدواع سياسية ونظراً لما يمكن أن يحدث مستقبلا من تبعات لعملية النهب هذه.
انتهى كلام الرئيس الفرنسي الأسبق. على الأقل ما نشر منه قد انتهى. من يدري؟ فقد تفاجأ الصحافي الذي قابله بمحتوى التصريح وتفاجأت فرنسا السياسية وانصدمت. لا يحب الاوروبيون نشر الغسيل الوسخ على السطوح. ومن فرط رقيّهم المبالغ يتحوّلون أحياناً إلى منافقين. يتظاهرون بالاستنكار والتأفف في كل مرة تظهر فضيحة مفضوحة للجميع. يتظاهرون بالمفاجأة بادئ ذي بدء ثم يبدأون بلفلفة القضية المعروفة بطريقة ‘حضارية’. وككل مرة ‘ تفاجأ ‘ الفرنسيون بهذه المفاجأة التي كان يعرفها الجميع لا سيما وأن المحاكم والدوائر السياسية الفرنسية، كما الإعلامية على حدّ سواء، تضج بالقضايا والفضائح التي يرتكبها المسؤولون الرسميون وشبه الرسميين في أفريقيا.
سبب المفاجأة ليس في محتوى التصريح ولا في صدقية المصرِح. السبب ربما كشف المستور في سياسة فرنسا الخارجية ولا سيما حالياً حيث تخوض الجيوش الفرنسية حروبا هنا وهناك من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وللدفاع عن المظلومين من الشعوب والأعراق. سبب المفاجأة توقيتها. والسبب الآخر صدقية من صرح بها. فهو لم يكن موظفا بسيطاً من الدرجة العاشرة في دوائر السياسة الفرنسية. وهو قد صرح بها في الوقت الذي عادت فيه فرنسا الى سياسة التدخل على الطريقة الاستعمارية القديمة. لم يكن الحكم الفرنسي بحاجة إلى مثل هذا التصريح في هذا الوقت بالذات.
ولم يكن الفرنسيون بحاجة إلى ‘فضيحة‘ جديدة تثبت لهم أنهم يعيشون فوق إمكاناتهم الحقيقية بفضل نهب الشعوب ‘البدائية’ الملوّنة. فالفرنسيون أبناء فكر تنويري ثوري نابع من أهم وأشهر ثورة نقلت اوروبا من غياهب التاريخ إلى ‘الولادة الجديدة’. الاوروبي لا ينتقل إذن من حال إلى حال. بل هو يولد من جديد، ‘لا رونيسونس كما يقولون. فالفرنسيون يفضلون عدم معرفة الفضيحة. أو لنقل هم يفضلون عدم الشوشرة وعدم الكلام العلني بما هم فيه من هناء وحقوق ‘مكتسبة’. ‘من اجل أن تعيش سعيداً، عش بالخفاء’ يقول المثل الفرنسي الشهير. صحيح أن أبناء ثورة ‘الحرية والمساواة والإخاء’ متحمسون لأفكار الثورة الفرنسية، وللعدالة كثيرا، لكن الصحيح أنهم يتحمسون لها عندهم. يتحمسون للعدالة والإخاء فيما بينهم. أما عن استغلال موارد وعرق شعوب الأرض الأخرى فيفضلون عدم معرفة ما يجري هناك لكي لا تجبرهم أفكارهم الثورية على الاستنكار. ‘عين لا ترى، قلب لا ينوجع كما يقول الشرقيون.
لم يجد الإعلام الفرنسي حجة دامغة يدحض بها ما هو معروف من كل دوائر القضاء الفرنسي وجميع الجامعيين والأكاديميين والمهتمين بالموضوع الأفريقي. لم يجد السياسيون الفرنسيون حجة مقنعة يردون بها على صحوة ضمير الرئيس الأسبق ‘للجمهورية’. لم يجدوا إلا الإشارة إلى عمر جاك شيراك لكي يقولوا أنه دخل مرحلة الخرف وان تصريحاته لا يمكن ان تكون إلا جنوناً كاملاً. من يقول حقيقة الاستعمار في الغرب الرأسمالي التوسعي هو إما هرم مجنون أو معاد للسامية أو هامشي سكير لا يعرف العير من النفير.
لم تجد الدوائر الفرنسية المسؤولة طريقة مقنعة ترد بها على محتوى التصريح، بل اكتفت يالايحاءات حول عمر الرئيس الأسبق للدلالة على جنون أكيد. ولهذا أخذت الوسائل الإعلامية هناك بنشر التصريح المذكور مرفقاً بجملة لازمة هي : ‘هل أصبح جاك شيراك مجنوناً؟’ المسؤول يبقى عاقلاً طالما هو يغطي عمليات النهب غير المشروعة في بلدان العالم التابع ويصير مجنوناً إذا ما فضحها إذن. والحق يقال إنهم على حق. فهم لهم مصالح في الكون. وقد يكونون بنوا ازدهارهم وديمقراطيتهم وعدالتهم الإجتماعية وتفوقهم على حساب شعوب صدف أن تاخرت تاريخياً عن اللحاق بهم في ذات الوقت.
وقد يكون من مصلحة هذه الأقوام أن تسكت عن البديهي ولو كان متناقضاً مع شعارات الثورة الفرنسية بالعدالة والإخاء والحرية. ومن المفضل إذن أن يكون المسؤول عندهم عاقلاً، صامتاً، فيساهم بنهب الشعوب، دون ضجة، لكي يبقوا هم متنعمين بالإخاء فيما بينهم من أن يكون ‘مجنوناً’ فيكشف المستور، غير المستور أصلاً، ولو كان من نوع يناقض فكرهم الضمني ونزعتهم الإنسانية المضمرة والمترسخة بعقلهم اللاواعي. فالفرنسي عدلاوي وانساني بطبعه. هذا صحيح. ولا يقبل الاستغلال. وهذا صحيح ايضاً. لكنه يفضل عدم المعرفة بالشيء، النفاق، وهذا معروف جداً أيضاً.
ليس أفضل من إعلان الرئيس الفرنسي مجنونا وخرفاً لطمس مضمون ما طرح. وهو كلام متماسك لا يظهر عليه التفكك. ليس أفضل من الإتيان بزوجته التي رافقت مسيرته السياسية كاملة إلى استوديوهات التلفزة لكي تشرح بـ‘نصف الكلام’،المعروف عند الشعوب الراقية، أن زوجها ‘ربما’ لا يدري أنه مريض، ‘ربما’. لم تستعمل كلمة الخرف.
يروي أهل بلدتي قصة عن رجل مريض جداً ظن الناس أنه مات فور الإعلان عن موت أحدهم. فتوجه الناس فوراً وبدون تدقيق إلى بيت المريض للقيام بالواجب، فوجدوه حياً يرزق يجلس على ‘سطيحته’ بأحسن حال. فما كان من إحداهن إلا أن تستنتج ببراءة : ربما لم يخبروه بعدُ.
كاتبة لبنانية
القدس العربي
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق