قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 7 فبراير 2015

د. أحمد قايد الصايدي : إغراء السلطة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إغراء السلطة
شبكة البصرة
د. أحمد قايد الصايدي
يتصارع الناس للإستحواذ على السلطة. ويتسم الصراع في البلدان المتخلفة، في أغلب الأحيان، بالعنف. فيستخدم الخصم كافة الوسائل، المادية والمعنوية، الكفيلة بتدمير خصمه المنافس، بما في ذلك العنف المسلح والإغتيالات والتشويه الإعلامي، ثم الإعدامات والإعتقالات والتشريد والتجويع، إذا تغلب على خصمه واستحوذ على السلطة.
ويبدو أن هذا الصراع لاتحكمه قوانين الصراع الطبقي، الناشئ عن اصطراع المصالح الإقتصادية لطبقات المجتمع المختلفة. إذ أنه غالباً مايدور داخل الطبقة الإجتماعية ذاتها. أما عامة الشعب، من عمال وفلاحين وصغار الموظفين وغيرهم. فيُستخدمون كأدوات ووقود في هذا الصراع، الذي يقدمون التضحيات فيه، ثم لايقطفون شيئاً من ثماره. ولكن إذا كان الصراع على السلطة في البلدان المتخلفة لايأخذ شكل الصراع الطبقي، فماهو محركه وماهي دوافعه؟
تختلف السلطة في البلدان المتخلفة، في طبيعتها ودورها، عنها في البلدان المتقدمة. ففي البلدان المتقدمة يُعتبر رئيس السلطة مجرد مدير مؤقت يدير الشأن العام، بتكليف من الشعب، الذي انتخبه، ثم يغادر موقعه، بعد انتهاء فترة تكليفه، يغادره كما جاء إليه. لايثري ولا يبني قصوراً ولا يكدس أرصدة في البنوك ولا يورث السلطة لأبنائه وأقاربه وعشيرته. بمعنى آخر لايحمل معه سوى مكسباً معنوياً، إذا أحسن أداء مهمته، وخسارة معنوية، إذا هو فشل في مهمته. لذا لاتستحق هذه الوظيفه الإقتتال في سبيلها والصراع المحموم لبلوغها. إنها تكليف لاتشريف وعبء ومسؤولية ثقيلة، يحاسب الناس من ينتدبونه لها حساباً عسيراً، إذا قصر أو أخطأ، ولايرفعون صوره وينصبون له الثماثيل، إذا هو أحسن، فحسن الأداء أمر طبيعي، لايستحق صاحبه أن تدبج بمدحه القصائد وتسيل بتعظيمه الأحبار.
أما في البلدان المتخلفة فالوضع مختلف كل الإختلاف، ومعروف، بحيث لايحتاج إلى إيضاح. ولكن قد يستحق واحد من ملامح هذا الوضع، بل ربما أهم ملمح من ملامحه، وهو علاقة السلطة بالثروة الوطنية، قد يستحق إشارة سريعة، لأنه قد يقدم لنا الجواب على سؤالنا، وقد يفسر بعض التفسير، شهوة السلطة وإغرائها. فعدم الفصل بين هذين القطبين: السلطة والثروة، يشكل مصيبة كبرى تعاني منها كل الشعوب، التي يحكمها هذا الثنائي المتلازم.
في البلدان المتقدمة تُخصص لمؤسسة الرئاسة، وليس للرئيس نفسه، تخصص ميزانية سنوية محددة الأبواب والبنود، شأنها شأن ميزانية أية وزارة أو مؤسسة حكومية أخرى. أما الرئيس فلا يُمنح سوى راتبه المحدد، وهو بالطبع لايملك وسيلة ولاحيلة للوصول إلى الخزانة العامة أو إلى الثروة الوطنية. فهذا أمر يستحيل تصوره، حتى في الأحلام. فالمال العام بمجمله يدار إدراة مؤسسية، ولايُصرف منه فلساً واحداً خارج الموازنة العامة وضوابطها. وإذا ماطرأ طارئ، خلال السنة المالية، واحتاجت رئاسة الدولة لإضافة مبلغ ما إلى ميزانيتها، من أجل منفعة عامة محددة ومسوغة قانونياً، فإنها تتجه بطلب واضح وبمسوغات صحيحة ووجيهة إلى السلطة التشريعية، أي البرلمان، للموافقة على إضافة المبلغ المطلوب. وقد يوافق البرلمان على الإضافة، لوجاهة الأسباب، وقد يرفض. والرئيس لايملك إلا الإذعان لقرار البرلمان، دون نقاش أو تذمر.
أما في البلدان المتخلفة، التي تعيش خارج التاريخ. فالحاكم يحكم ويملك المال العام ويتصرف به، كيفما شاء ومتى ماشاء. ومادامت السلطة هي المدخل إلى الإستحواذ على المال العام، فقد غدت مغنماً لامغرماً وتشريفاً لاتكليفاً ومكسباً لاعبئاً. ولعل هذا أهم سبب من أسباب التكالب عليها والإقتتال في سبيل الوصول إليها.
وحتى تتغير قواعد اللعبة هذه، ويتحول السعي إلى السلطة، من اصطراع واقتتال، إلى مجرد تنافس ديمقراطي سلمي هادئ، لابد من فصل السلطة عن الثروة، فصلاً كاملاً ودون تردد. فيُمنع الحاكم من التصرف بالمال العام. وتوضع الولاية على المال العام بيد السلطة التشريعية مجتمعة، كما هو الحال في كل بلدان العالم المتقدم. الذي لم يعد يعرف قتالاً بين المتنافسين، تسفك فيه الدماء وتزهق الأرواح، في سبيل الإستئثار بالسلطة والثروة في آن معاً.
فهل نضع هذا في اعتبارنا ونثبته في دستورنا الجديد؟ بحيث نحدد، بمواد واضحة، الصلاحيات المالية لرئاسة الدولة، وللسلطة التنفيذية، بشكل عام، ونحظر عليها تجاوز حدود الميزانية الخاصة بها، المقرة في مجلس النواب، ضمن الموازنة العامة للدولة، شأنها في هذا شأن كل وزارات ومؤسسات الدولة الأخرى؟ الجواب هنا لايحتاج إلى تفكير. فقد أضحت هذه المسألة من البديهيات المنظمة للحياة السياسية في عالم اليوم. ولكن هل يعقل من بيدهم الحل والعقد، وهل يصيخون السمع إلى مانقول، ولو لمرة واحدة؟
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق