قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 16 يناير 2012

المرحوم د. سعدون حمادي مفخرة رائعة من مفاخر العراق وذكرياتي معه في معتقل '' كروبر '



بسم الله الرحمن الرحيم
المرحوم د. سعدون حمادي مفخرة رائعة من مفاخر العراق

وذكرياتي معه في معتقل '' كروبر '' بالمطار


المرحوم سعدون حمادي مفخرة رائعة
ل. د. أكرم المشهداني
طالعت باهتمام وتمعن ما كتبه الأخ الدكتور كاظم عبدالحسين عباس على شبكة البصرة بعنوان ((الشهيد الدكتور سعدون حمادي في المعتقل: قامة عراقية عروبية مسلمة باسقة ))، وفي الوقت الذي نقف إجلالا ونقرأ (الفاتحة) ترحماً على روح طيب الذكر المرحوم الأستاذ الدكتور سعدون حمادي، صاحب المآثر الطيبة، والخصال الحميدة، والمفكر الوحدوي، والكفاءة العراقية الشامخة النادرة، ابن كربلاء ولادة وحياة وانتماءا وارتباطاً، وأحد عمالقة رجال العهد الوطني، الذي كان لا يجارى في علمه الموسوعي المتنوع ما بين الزراعة والنفط والاقتصاد والشأن الدبلوماسي، والحنكة الإدارية المتميزة في رئاسة البرلمان العراقي لعدة دورات، صاحب الخلق الرفيع والهدوء الذي يُحسد عليه، العفيف اليد واللسان، عاشق العراق والأمة والوحدة العربية، حتى أنه أوصى قبل وفاته رحمه الله أن ترسم خارطة الوطن العربي بلا حدود على قبره.. فقد نذر نفسه لتراب العراق ولوحدة الأمة العربية.
وإذ يستذكر الأخ كاتب المقال الكريم ذكريات سمعها عن لسان احد المتحدثين في برنامج تلفازي، تم التطرق فيه عرضاً الى ذكريات المتحدث مع المرحوم الدكتور سعدون حمادي عندما كانا في الاسر سوية لدى قوات الاحتلال الامريكي عام 2003. وذكر فيما ذكر عن شخصية الاستاذ المرحوم د سعدون حمادي ((سعدون شخصية متماسكه، وكان يصلي معنا وكان شجاعا في كل تصرفاته. وبدأنا نستعين به في نقل مطالبنا الى الامريكان حيث كان جريئا وواضحا وصادقا في نقل ما نريد، تساعده لغة انجليزية طليقة، بل عرفنا انه يعرف اكثر من لغة)). وغيرها من الذكريات التي تطرق لها المتحدث التي تسجل بفخر صفات واحد من فرسان العهد الوطني.
وأثارت فيّ هذه المقالة ذكريات الأشهر التي قضيتها مع المرحوم الدكتور سعدون حمادي في الأسر داخل المعتقل الامريكي كروبر بالمطار خلال اشهر مايس وحزيران وتموز 2003، وكنت قد تعرضت للأعتقال على يد القوات الأمريكية بتهمة (تنظيم اجتماع حزبي) في كلية الشرطة و(العمل على إعادة حزب البعث) و(التخطيط لعمليات ضد قوات الإحتلال)، ويومها أقام المفتش الامريكي المسؤول عن الشرطة مؤتمرا صحفيا يزف فيه البشرى بالقبض على (خلية نائمة لحزب البعث) و(اعتقال 15 من كبار ضباط الشرطة) يرأسهم كاتب هذه المقالة!!! وحصل ما حصل بعدها من ترقية الشخص المدبر لهذه المكيدة وترفيعه الى (رتبة فريق!!) في حين كان هو ملازم اول مطرود لأسباب أخلاقية معروفة للقاصي والداني.. والحمد لله! وتم نقلنا الى معتقل المطار وهناك شاهدت الدكتور سعدون حمادي معتقلا، وكان نصيبنا ان نكون في الخيمة المجاورة لخيمة اعتقال الدكتور، وكان الدكتور في منتهى الصلابة والقوة لم يلين ولم يتزعزع وكان مؤمنا بالله، وبقدره، منشغلا بصلاته، مواظبا على ممارسة رياضته المفضلة وهي المشي رغم صغر مساحة الخيمة الا انه كان يقطعها ذهابا ومجيئا بشكل يحسده عليه الشباب!، وكان يتحاشى نهائيا الحديث في السياسة والدين، نظرا لوجود خليط غير متجانس من المعتقلين ما بين ضباط وموظفين وعمال ومن مختلف التهم السياسية والجنائية بما فيهم لصوص، وكان هذا الخلط مقصودا من قبل الامريكان، لمزيد من الاساءة للمعتقلين ولعدم السماح بالتجاذب السياسي..
بقيت قريبا من المرحوم الدكتور مدة حوالي العشرين يوما ثم نقلت انا ومن معي الى معتقل ام قصر (بوكا بالبصرة) وبقينا عدة اسابيع ثم تمت اعادتنا الى نفس معتقل المطار وكان نصيبنا ان نكون مجاورين لخيمة المرحوم الدكتور سعدون.. وقد لاحظت عليه كثافة شعر رأسه ولحيته، وعدم تبديل ملابسه (القميص والبنطلون) حيث قضينا جميع فترة الأسر والأعتقال بنفس القميص والبنطلون اذ كانوا لايسمحون بالمواجهة ولا يسمحون الاتصال بالاهل، ولا يسمحون بالحلاقة مطلقا (طيلة فترة يقائنا في الاعتقال!!).
من الذين اتذكرهم في خيمة اعتقال الدكتور سعدون كل من الاستاذ سمير عبدالوهاب الشيخلي وزير الداخلية الأسبق والاستاذ عدنان وزير الصناعة واللواء حازم الايوبي احد قادة صنف الصواريخ في الجيش العراقي وآخرين لا اتذكر أسمائهم.. أما في معسكر اعتقال بوكا بام قصر فقد التقينا بمعظم الضباط قادة الفرق والالوية والافواج من اسرى الاحتلال الغاشم..
في اول يوم نقلنا الى معتقل المطار كان المرحوم الدكتور سعدون حمادي قد قبض عليه في نفس يوم اعتقالنا، وشاهدته في غرفة التحقيق والاستجواب ينتظر دوره في التحقيق، ولم يتردد المحقق الامريكي (وهو من صنف الاستخبارات العسكرية) ان يسالني عن معلوماتي عن المرحوم الدكتور سعدون، وكان قد أنهى جلسة التحقيق معه، فاجبته بان هذا شخصية عراقية نادرة وكفاءة علمية قل نظيرها ليس في العراق بل في العالم.. فهز رأسه موافقا على ذلك! وفي كل جلسة تحقيق مع محقق الاستخبارات الامريكية كان خلال استجوابي والتحقيق معي، يستغل الفرصة ليسألني عن شخصية المرحوم الدكتور سعدون، وللحقيقة فقد حاز على اعجاب مستجوبيه والمحققين معه، وللعلم الكلام هنا عن شهرين بعد الأحتلال مايس وحزيران 2003، وكانت أسئلتهم النمطية سخيفة، تدور حول المعلومات عن مكان وجود الرئيس الشهيد صدام حسين، وعن مكان اخفاء اسلحة الدمار الشامل المزعومة!!! وعن المقاومة والجهات الساندة لها!!. لكن شخصية مثل شخص المرحوم الدكتور سعدون حمادي فرضت نفسها حتى على سجانيها!! وتلك خصال المناضلين الصلبين من امثال الدكتور سعدون حمادي الذي لم يتزعزع موقفه ولا صيره ولا جلده ولم يستسلم ولم يلين.
حين تمت اعادتنا من بوكا الى كروبر لاحظت استمرار اهتمام الدكتور سعدون بالرياضة اليومية وهي رياضة المشي رغم ضيق مساحة الخيمة، لم يتركها مطلقا وكان يمشي بنشاط وسرعة، وكان يتناول ادوية الامراض المزمنة لأنه كان مصابا بالسكري والضغط، وكان هناك موعد يومي لمراجعة الطبيب الساعة 8 صباحا يذهب المرضى بصحبة مفرزة من الجنود الامريكان الى الطبابة لتلقي العلاج، وكان العلاج يصرف ليوم واحد فقط كل يوم..
لا ينكر ان نوعيات المعتقلين لم تكن واحدة، وكما قلت فان هذا كان مقصودا، منها بهدف زيادة الاذلال للمعتقلين السياسيين من خلال خلطهم بالمجرمين، ومنها منع السياسيين من التجمع وعقد حلقات فكرية او نقاشات حول الاوضاع.
اللقاء من جديد في الدوحة:
دارت بنا الأيام، إذ تم إطلاق سراحنا، وبعد ستة أشهر تم إطلاق سراح الدكتور سعدون حمادي، وإذا ألتقي به من جديد في مدينة (الدوحة) حيث استقر به الحال مع عائلته، وكنا نلتقي ونتجاذب أطراف الحديث في ذكريات ايام الأسر والأعتقال، وكان يحدثني عن مشروعه الطموح في المؤلفات التي ينوي الدفع بها، وكان مسرورا جدا عند إنجاز مؤسسة الوحدة العربية ببيروت لكتابه عن (الوحدة العربية)، ولكن المرض اشتد على المرحوم، وعاجله ليوقف طموحاته في إنجاز ما كان يحلم به، وتم السفر به الى المانيا لمواصلة علاجه بعد ان انتكست حالته الصحية، وحين لم يجد الاطباء اي امل في شفاءه اعيد الى الدوحة، حيث توفي ودفن في أرضها، وصلينا على جنازته في مسجد مسيمير بالدوحة، وما زلت أتذكر وصيته في أن ترسم خارطة الوطن العربي الموحد بدون حدود على قبره..
رحمك الله ياقلعة شامخة من قلاع عراقنا المجاهد.. وقرة عيناك فإن أحلام المخلصين لابد أن تتحقق في يوم قريب، بفضل خلود الرسالة، واستمرار افواج المجاهدين الساعين لتحقيقها، حتى وإن طال السفر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق