قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 30 يناير 2012

افغانستان،كلا الطرفين يواجهان طريقا مسدودا، المقاومون لا يستطيعون الفوز عسكريا لكنهم جعلوا انتصار الناتو مستحيلا

طارق علي:افغانستان،كلا الطرفين يواجهان طريقا مسدودا، المقاومون لا يستطيعون الفوز عسكريا لكنهم جعلوا انتصار الناتو مستحيلا
29/01/2012
الحوار ... السبيل الوحيد للخروج من أفغانستان 
 طارق علي *
شن المسلحون في أفغانستان مؤخرا غارة أخرى على قاعدة قندهار الجوية. وقد أصدر الجنرال جون ألين، القائد الأمريكي لقوة مساعدة الأمن الدولية بقيادة الناتو، بيانا غريبا: "لقد فقد الملا عمر كل سيطرة له على متمردي طالبان، وإلا لكان رفض على الفور هذه الهجمات وأصدر أوامره لقواته بوقف الهجوم على المدنيين الأفغان الأبرياء.

هل هذا هو نفس الملا عمر الذي كان على قائمة أكثر المطلوبين منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن فصيل الملا عمر من طالبان ظل يجري مفاوضات تتوقف وتستأتف مع الولايات المتحدة على مدى عدة سنوات، ولكن لم ينتج عن أي من هذه المفاوضات حتى الآن أي اتفاق.

ربما يكون الهجوم الذي تم على قاعدة قندهار قد نفذه فصيل آخر، فصيل معاد لفكرة الحوار مع المحتل، ولكنه يمكن أيضا بنفس السهولة أن يكون عبارة عن طلقة إنذار لإمبراطورية منهكة، فقط لتسريع الأحداث. لقد كان كل التقدم في أفغانستان الذي لفقته وسائل الإعلام تقدما وهميا. ومن ثم تأتي الحاجة إلى التفاوض مع المتمردين وزيادة عزل نظام كرزاي.

في العامين الأخيرين، ظلت فصائل مختلفة من "طالبان الجديدة" تعد نفسها للاستيلاء على السلطة. وتشير هجماتهم على المنشآت الأمنية والمواقع الاستخباراتية والمروحيات التي تقل كبار مسؤولي الاستخبارات في حلف الناتو، تشير إلى مدى اختراقهم لشبكات الأفغان الموالين لقوات "الإيساف". ولا يختلف شكل حرب العصابات، إن لم يكن أيديولوجية أنصاره، عن حركات المقاومة في الحرب العالمية الثانية ولا عن التجارب الفيتنامية والصينية والكوبية، التي دونها كل من جياب وماو وتشي جيفارا.

بعد عدة أشهر من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، دفع أوباما باتجاه تصعيد متغطرس للحرب، دعمه فيه دول الاتحاد الأوروبي التابعة له، ولكن قاومه بعض جنرالاته منهم كارل إيكنبري، السفير الأمريكي في كابول. وقد كان منطق أوباما كالتالي: "إذا سقطت الحكومة الأفغانية في أيدي طالبان – أو تم ترك تنظيم القاعدة بلا تحد – فإن هذه الدولة ستكون مرة أخرى قاعدة للإرهابيين الذين يريدون أن يقتلوا من شعبنا أكبر عدد يستطيعون قتله ... وبالنسبة للشعب الأفغاني، فإن العودة إلى حكم طالبان من شأنها أن تعيد بلادهم إلى حكم وحشي وعزلة دولية وشلل اقتصادي وحرمان الشعب الأفغاني من حقوق الإنسان الأساسية – وبخاصة النساء والفتيات."

ولكن كثيرا من هذه الرذائل موجود أصلا (بما في ذلك وضع النساء). والأهم من ذلك هو أن الهجمات المتهورة على القرى والأعداء "المستهدفين" أدت إلى زيادة معدل الخسائر في الأرواح بين المدنيين، مما قدم تجنيدا سهلا للمتمردين.

وأضف إلى ذلك حقيقة أن القوى الإقليمية التي ساعدت – على مضض في حالة وكالة الاستخبارات الباكستانية – في إسقاط نظام الملا عمر لم تعد راغبة في المساعدة. فقد تم عزل إيران بسبب العقوبات والعداء الأمريكي الأوروبي لها؛ والتحالف الشمالي أصبح بلا قيمة، مع انشغال قادته بجمع المال مثل أسرة كرزاي؛ والجيش الباكستاني لم يقطع ارتباطاته أبدا مع طالبان.

إذن أصبح من الصعب جدا استدامة وجود الناتو في أفغانستان. ولم يعد بمقدور الدول الاثنين والأربعين المشاركة في الاحتلال أن تساعد تلك الدمية المحرجة على الرقص في استعراض جيد. كما أن خدعة إجراء انتخابات إصلاحية سريعة تنظمها بتكلفة مرتفعة شركات العلاقات العامة الغربية، وبخاصة لصالح الرأي العام الغربي، لم تعد تنطلي على أحد.

من حيث المضمون، فإن كلا الطرفين يواجهان طريقا مسدودا. فالمتمردون لا يستطيعون الفوز عسكريا، ولكنهم جعلوا انتصار الناتو مستحيلا. ولا تستطيع الولايات المتحدة كسب "حرب عادلة" سوى بتدمير ذلك البلد ومحو مليون أو مليونين من الأفغان – ولكن هذا غير مجد من الناحية السياسية. إذن المفاوضات هي السبيل الوحيد الممكن لتسوية الوضع وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

إن ما نشهده الآن هو نهاية احتلال كارثي لم يحقق أكثر مما حققته نسخة الاحتلال الروسية خلال ثمانينيات القرن الفائت. وفي داخل الولايات المتحدة، ظل المتقدون الواقعيون للمغامرات الاستعمارية يحذرون من الغطرسة منذ زمن طويل. فقد أشار الباحث الأمريكي جون ميرشايمر، متجنبا أي نوع من أنواع العبارات الملطفة، بحدة في كتابه "مأساة سياسة القوة العظمى" إلى أن سياسة بلاده الخارجية مكرسة ليس لنظام الحكم الرشيد أو لقيم الليبرالية والحرية، ناهيك عن السلام – بل للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ضد مصالح الدول الأخرى. وهذه الحقيقة هي التي من شأنها أن تحدد سياسة القرن الحادي والعشرين.

ويتم حاليا تكرار نسخة من هذه الرسالة على يد الليبرالي المستقل، رون بول، على شاشات التلفزة الأمريكية في تغطيتها للانتخابات الأولية الجمهورية. وبول هو الشخصية الوحيدة في السياسة الوطنية التي تطالب بتفكيك الإمبراطورية الأمريكية. ومن المثير للاهتمام أنه يحظى بتأييد العائلات العسكرية أكثر من منافسيه.
 
* من كبار شخصيات اليسار الدولي منذ ستينيات القرن الفائت، وهو مدير تحرير صحيفة "استعراض اليسار الجديد" (New Left Review) ومعلق سياسي على نطاق واسع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق