بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ
فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
سورة الحجرات -6
أبدأ بهذه الآية الكريمة مستفتحا كلامي الذي نويت الكتابة بشأنه مكرها بعد أن وجدت أن الأمانة الوظيفية والأخلاقية توجب عليّ الرد على الافتراءات والكذب التي حاول وفيق السامرائي تسويقها من خلال كتابيه (حطام البوابة الشرقية والطريق إلى الجحيم).
وأعتذر مسبقا لقراء هذا التعليق لعدم تمكني من الحصول على الكتابين المذكورين في مكتبات عمان رغم بحثي المضني عنهما، ألا ان الأخ العميد الركن احمد العباسي كفاني مهمة البحث والتدقيق بعد قيامه مشكورا بالرد على ما جاء بكتابي وفيق السامرائي بسلسلة من المقالات المنشورة على الانترنيت، ولكون العميد الركن أحمد العباسي كان احد ضباط مديرية الاستخبارات العسكرية وممن عملوا مع المذكور وعاصروا عمل أغلب مدراء الاستخبارات العسكرية العامة، لذا فان ما جاء في مقالاته من رد يكفي لتفنيد الادعاءات والأكاذيب التي جاء بها وفيق السامرائي في كتابيه المذكورين. ان الأمانة الوظيفية والأخلاقية وكما ذكرت توجب عليّ الرد باعتباري أحد المدراء العامين لمديرية الاستخبارات العسكرية، ولأنه تناول سيرتي وعملي خلال عمله معي ثم من بعد نقله من المديرية، لذا سأحاول الرد على ما جاء فيها باختصار، على الرغم من أنني تطرقت للعديد من الملاحظات عن دور وفيق السامرائي في مذكراتي الشخصية، ألا ان هناك بعض الأمور بحاجة إلى توضيح أكثر للقراء بشكل خاص وللتاريخ بشكل عام.
لكي يتمكن القارئ العزيز من تكوين صورة واضحة عن الموضوع لابد من التطرق إلى الخلفية التاريخية لتلك الأحداث وأهم شخوصها. بداية أوّد ان اعرف نفسي بأني (اللواء الركن محمود شكر شاهين) جرى نقلي إلى منصب مدير الاستخبارات العسكرية العامة خلال شهر آب 1983 من منصب قائد الفرقة المدرعة السادسة، وهي الفرقة التي كان لها دور متميّز في هزيمة القوات الإيرانية في معارك شرق البصرة الأولى خلال الفترة من 13 - 30 تموز 1982 ومنعها من تحقيق غايتها باحتلال مدينة البصرة العزيزة، وقبلها كنت آمرا للواء المدرع العاشر المعروف بكونه من خيرة التشكيلات المدرعة في الجيش العراقي، وهو اللواء الذي هزم الفرقة المدرعة/16 الإيرانية وأخرجها من المعركة بعد ان الحق بها خسائر فادحة خلال معركة الخفاجية الأولى عام (1981) بقيادتي، ومن بعد تلك المعركة لم تشتبك القوات المدرعة الإيرانية مع القوات المدرعة العراقية بأي معركة وحتى انتهاء الحرب.
كان مضمون التوجيه الذي أستلمته في حينه من رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة صدام حسين عند التحاقي هو العمل في المديرية لمدة ستة أشهر، ولكن ظروف العمل أوجبت بقائي حتى عام 1986. بعد التحاقي للمديرية تعرفت على ضباطها بشكل سريع ومنهم وفيق السامرائي الذي كان برتبة مقدم ركن يشغل منصب مدير شعبة إيران، ومعه عدد من ضباط الركن، والشعبة المذكورة كانت من الشعب المهمة كونها معنية بإيران التي كان العراق في حالة حرب معها.
مع بداية التحاقي كانت هناك معركة على وشك الوقوع في قاطع بنجوين - في محافظة السليمانية، وراجعني وفيق وعرض عليّ تقرير استخبارات عن حركات العدو في ذلك القاطع، وبعد اطلاعي على التقرير، قلت لوفيق وبالحرف الواحد.. (يا وفيق سوف لا أقوم بتأخير إرسال هذه المعلومات إلى قيادة الفيلق الأول وقيادة الفرقة المعنية بالتقرير وباقي المراجع الآن، لذا سيكون توقيعي هو التوقيع الأول والأخير على مثل هذه التقارير، وسوف لا أوقع على أي تقرير ما لم أكن قد تحققت بنفسي من المعلومات الأستخبارية بشكل مفصل). بعد ذلك أخذ العدو الإيراني بالتهيؤ لشن هجوم على القاطع المذكور، عندها قَــدَّمَ وفيق تقرير جديد يحتوي على معلومات جديدة، بعد دراستها لم أجد فيها شيء تستفيد منه القطعات، وكان عبارة عن تقرير عام، فقلت له (ارجع إلى شعبتك وأعد كتابة التقرير مجددا بحيث يتضمن أماكن تحشد العدو، واتجاهات تعرضه، وحدد أهداف العدو الأولية من المعركة).
عن هذه المناقشة التي جرت معه يكتب وفيق في كتابه (حطام البوابة الشرقية)...وتحت عنوان علاقة سيئة مع مدير الاستخبارات يقول (وفي هذه الأثناء بدأت العلاقة تتوتر بيني وبين مدير الاستخبارات لأن المدير أراد بدأ بفرض تحديدات وشروط عليّ في العمل نتيجة شعور المدير بالنقص). ما الذي أريد قوله على هذه العبارات أكثر من كونه إنسان صفيق، ولئيم، ووغد. كيف يصف رئيسه المباشر بهذا الوصف ولم يمض على التحاقه سوى فترة محدودة جدا، وهو الذي جاء من ميدان الحرب بعد خوضه للعديد من المعارك الناجحة والمعروف بكفاءته وخبرته وتجربته في قيادة القوات المدرعة العراقية وبنجاح، أترك تقدير ذلك للقاري الكريم.
في الصفحة (88) من كتاب حطام البوابة الشرقية يقول (ان المدير طلب مني تزويد أحد أجهزة المخابرات العربية بنسخة من تقدير الموقف السوقي (الحقيقي) عن إيران، ورفضت تنفيذ الأمر لأنه سيضعني بموقف الاتهام أمام الرئاسة، وبعد إلحاحه قلت له من المستحيل أن أنفذ هذا الطلب وبإمكانه تأدية هذه المهمة شخصيا...) ثم يقول (وكأنه يحاول ربط هذا الكلام مع ما حصل له لاحقا فيقول.. جرى تشكيل لجنة تحقيقية وقرر صدام نقلي إلى قيادة قوات شط العرب، ولم ينفك مدير الاستخبارات العسكرية من أثارة المشاكل لي حيث أُوْقِفْتُ في سجن مديرية الاستخبارات العسكرية، ألا ان صدام أمر بإطلاق سراحي فور).
ما أوّد قوله هنا.. (هل يعقل أن يقوم مدير الاستخبارات العسكرية ووطنه يعيش حالة حرب مصيرية أن يطلب من مدير شعبة عنده أعطاء تقدير موقف الأستخبارت السوقي لجهاز مخابرات دولة أخرى مهما كانت صفتها عربية أو صديقة أو حليفة!! علما ان الدولة التي قصدها هي جمهورية مصر العربية، وكل ما كان يربط جهازها ألمخابراتي معنا هو التعاون في مجال التدريب فقط، وليس حتى في مجال تبادل المعلومات. ولماذا يعطي المدير العام للاستخبارات العسكرية تقدير الموقف الاستخبارات السوقي لذلك الجهاز؟ وهل يجازف مدير الاستخبارات العسكرية بمثل هذا الطلب وهو يعرف طبيعة وأخلاق ونوايا وسلوك وفيق تجاهه وتجاه الآخرين في المديرية، ولو كان هذا الطلب صحيحا لما توانى وفيق من إيصال هذه المعلومة الخطيرة إلى مدير جهاز الأمن الخاص الذي كان على علاقة وثيقة به. والشيء الآخر الذي يجلب الانتباه هو قوله ان مثل هذا الطلب سيضعه بموقف الاتهام أمام الرئاسة وكلامه هذا يعطي التصور انه هو المسئول أمام الرئاسة وليس المدير العام، وهذا جانب آخر يكشف به علاقته الوثيقة مع الرئاسة من خلال التقارير السرية عن المديرية، ولا يتوانى عن نقل الأخبار إليها بشكل مباشر متخطيا مرجعه.)
أما بصدد موضوع توقيفه قي سجن مديرية الأستخبارات (فأني أقولها بصدق وصراحة والله على ما أقول شهيد بأني لم أقم بإصدار أي أمر بتوقيفه) علما ان توقيف ضابط برتبة عقيد ركن ليست من صلاحية مدير الأستخبارت بل هي من صلاحية وزير الدفاع على أن يقترن ذلك بطلب من مجلس تحقيقي، وما قاله مجرد كذب وافتراء حتى يظهر للقارئ أنه كان مضطهدا في تلك الفترة.
خلال عام 1984 التقيت مع الرئيس صدام حسين لمناقشة بعض الأمور التي تخص مديرية الاستخبارات، وكان قد مضى على وجودي في المديرية ما يقارب عام واحد، وخلال هذه الفترة عرفت وفيق جيدا، تصرفاته وصفاته من خلال ترصدي لمعظم ضباط المديرية الشاغلين للمناصب المهمة في المديرية، وخلال الكلام سألني الرئيس (ما هو رأيك بوفيق).. أجبته (سيدي.. ان وفيق ضابط متميز بين أقرانه من الضباط، ولا يخلو من ذكاء، ولكنه يسخر هذا الذكاء لتحقيق مآربه الشخصية، ولو تقاطعت مصلحة العراق بأكملها مع مصالحه الشخصية لحرق العراق من شماله إلى جنوبه لكي يرتفع سنتمترا واحدا من منصبه) أستمع الرئيس إلى كلامي جيدا ولكنه لم يعلق عليه أو يسأل عن الأسباب، ولكن الأحداث التي مرت لاحقا أثبتت صحة تحليلي لشخصيته وأخلاقه.. فهو لم يتوانى عن طعن الشخص الذي أغدق عليه الرعاية والعطف والحماية ومنحه ثقته عندما أسند أليه منصب مدير الاستخبارات العسكرية العامة، ولم يفكر بمصلحة بلده وسمعته، وضرب كل ذلك عرض الحائط عندما شعر ان مصلحته تقتضي التنكر لكل ذلك، وهرب إلى جانب الأعداء، هذا هو وفيق الذي خان وطنه، وقيمه وارتمى بحضن أعداء العراق ليكون جزءا من خطة احتلال وتدمير العراق، فهل يمكن تصديق إي كلمة مما يقوله تجاه المخلصين الغيارى من أبناء العراق؟ وهل يمكن تصديق كلام إنسان خائن لبلده وشعبه؟ ان شعوره بالنقص هو الذي دفعه سابقا وسيدفعه لاحقا إلى المزيد من الطعن في قادة العراق معتقدا انه، وبهذا الأسلوب الرخيص قادرا على تشويه الصورة لهؤلاء المخلصين وإظهار نفسه بأنه المخلص البطل.
أخبرني بعض الضباط ممن عملوا على مقربة منه عن تصرفات هذا الشخص وما فيها من الغرابة ما تسترعي الانتباه والوقوف عندها للحكم على شخصيته والتي كانت السبب في كلامي الذي ذكرته أنفا أمام الرئيس إضافة إلى ملاحظات أخرى كنت قد كونتها عنه بحكم العمل.
كانت أدق المعلومات عن العدو الإيراني تصل إلى المديرية عن طريق مشروع كسر الشفرة الإيرانية التي كنا من خلالها نحصل على معلومات دقيقة جدا عن نوايا وأهداف الإيرانيين وحركتهم، وتحشدهم، ووقت الهجوم...ألخ، كانت تلك الرسائل تصل إلى وفيق باعتباره مدير الشعبة المختصة بإيران، والمفروض به إعداد تقرير استخبارات يحوي على تلك المعلومات إضافة إلى التحليل والاستنتاج والتوصيات من شعبته، ومن الطبيعي ان تكون تلك المعلومات على درجة عالية من الأهمية للقطعات خصوصا عندما تكون المعلومات مبكرة عن تلك النوايا لأنها تعطي لقطعاتنا القدرة على مواجهة تلك النوايا باستعدادات جيدة مع القدرة على الإخلال بترتيبات العدو الأولية من خلال استخدام القوة الجوية والصواريخ وغيرها. ما يقوم به وفيق عندما تصله تلك المعلومات يأخذ منها وجود نية للهجوم والوقت المحتمل، أما باقي التفاصيل فيتركها ولا يهتم بها، على الرغم من أن عمل الاستخبارات لا ينتهي بإيصال المعلومات الأولية للقطعات والجهات المعنية بالأمر، بل يتطلب متابعة ما يحصل من تطورات خلال مراحل المعركة حتى تكون القيادة على دراية تامة بما يحصل، ما يقوم به وفيق بعد إيصاله المعلومات الأولية المشار أليها الانصراف إلى مكان استراحته، وهناك يلتقي مع البعض ممن ينتقون له النكات ليأتي في اليوم التالي إلى مركز المعلومات ليتحدث بها أمام الضباط كل ذلك والقيادة العامة مشغولة بإدارة المعركة. هكذا كان تصرف وفيق خلال عمله في المديرية، استغل مشروع كسر الشفرة الإيرانية وأخذ منها المعلومات التي يعتقد أنها تفيده في إظهار نفسه بالعارف المتميز بالعمل الأستخباري أمام المسئولين اللذين كانت تنطلي عليهم هذه الحقيقة حتى بعض رؤسائه المباشرين, وبذلك خدم نفسه أولا ولم يخدم قواته المسلحة التي كانت بأمس الحاجة إلى المعلومات المفصلة عن العدو ولو وصلت كل تلك المعلومات إلى القطعات في حينها لتغير الكثير من وقائع الحرب ولحسمت الكثير من المعارك، أو أجهضت دون المزيد من سفك الدماء. أن أقل ما يوصف به مثل هذا التصرف هو الأنانية بالدرجة الأولى وعدم الحرص على مصلحة وحياة أبناء القوات المسلحة وهي الخيانة بعينها للوطن وقيادته، التي ظهر لاحقا انه كان جزء من هؤلاء الخونة اللذين باعوا العراق للأجنبي.
في الصفحة (97) يقول وفيق... (بعد عودتنا من البصرة "يقصد بعد معركة الفاو 1986 " طلب مني صدام تحريريا وبتوقيع سكرتيره حامد يوسف حمادي التحقيق السري في الأسباب التي أدت إلى عدم اكتشاف الاستخبارات لهجوم الإيرانيين في الفاو، وقمت بجمع الأوليات والمعلومات الواردة التي كان بإمكان الاستخبارات الاستفادة منها إلى حد كبير للتوصل إلى نية الإيرانيين للهجوم على الفاو.... مدير الاستخبارات ل. ر محمود شكر شاهين الذي أرتبك وأضطرب ووضع منديلا على وجهه جاهشا بالبكاء، وعلق وزير الدفاع على الكتاب بخط يده " لم يكف وفيق حتى يعدم ل. ر محمود ")
ما أود قوله حول هذا الموضوع.. أن الاجتماع الذي ادعى فيه وفيق هذا الكلام ولم يبين تاريخه، علما أني كنت في ذلك الوقت قد صدر أمر نقلي إلى ديوان وزارة الدفاع بمنصب أمين السر الأقدم لوزارة الدفاع ولم أحضر هذا الاجتماع، ولقد روى لي لاحقا الفريق الركن أسماعيل تايه النعيمي الذي كان حاضرا الاجتماع المذكور بما يلي (حضر الرئيس صدام حسين الاجتماع وطلب من وفيق أن يقوم بالتحقيق عن الأسباب التي أدت إلى ان مديرية الاستخبارات لم تتوصل إلى نية العدو بالهجوم على الفاو"" بعد فترة أسبوع أو عشرة أيام حضر وفيق إلى الاجتماع وقال له الرئيس بماذا توصلت يا وفيق.. فقال له وفيق.. لقد بحثت وفتشت في كل المعلومات التي وصلت إلى الشعبة وتبين لي بان هناك بعض الإشارات قد وردت ألي الشعبة ولو أن ضباط الشعبة قد عرضوا هذه الإشارات على المدير لأتخذ إجراءا مغاير على ما توصلت أليه المديرية.. ويقول الفريق أسماعيل أن حالة الرئيس قد تأثرت ومثله كان كمثل من حمل سيفا للانتقام وقد سقط من يده السيف.. هذه الحالة سجلها الفريق أسماعيل كنقطة إيجابية لوفيق). (أما كوني قد وضعت منديلا على وجهي جاهشا بالبكاء، فان ذلك لم يحصل إطلاقا، والله على ما أقول شهيد علما إنني لم أكن حاضرا الاجتماع المذكور، والكثير من أعضاء القيادة لا زالوا موجودين ومنهم الفريق أسماعيل يشهدون بذلك.. لذلك فان ما جاء به وفيق هو محض افتراء وغايته تشويه السمعة لا أكثر.)
وفي الصفحة (97) من كتاب وفيق يذكر العميد الركن احمد العباسي نقلا عنه قائل (أمر الرئيس صدام حسين بتشكيل لجنة برئاسة سكرتير رئيس الجمهورية حامد يوسف حمادي وعضوية كل من مدير جهاز المخابرات ومدير الأمن العام ومدير الأستخبارت الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري للتحقيق في المعلومات الواردة من جهاز المخابرات ومديرية الأمن العامة والتي تشير إلى نية العدو بالهجوم لاحتلال مدينة الفاو...وقد أقترح وفيق تكريم مديري جهاز المخابرات والأمن العامة وإحالة مدير الأستخبارت العسكرية العامة إلى المحكمة العسكرية المختصة، وكان رأي رئيس اللجنة ومديري المخابرات والأمن تأييد المقترح، ألا ان الفريق الركن صابر ثبت رأيه معترضا على مقترح وفيق للأسباب التالية :
1. يبدوا ان كاتب التقرير يسعى بالإيقاع بمدير الاستخبارات العسكرية السابق للخصومة بينهما.
2. لا توجد إشارة واضحة في معلومات المخابرات والأمن العامة بأن الهجوم سيكون على منطقة الفاو.)
إني أؤيد بشكل قاطع ما جاء به العميد الركن احمد العباسي، وأقول ان كل العملية مفبركة، ولا يوجد فيها أي كلمة صادقة، حيث أن مديري جهازي المخابرات والأمن لم يرسلوا ولا تقريرا واحدا يشير وبشكل واضح أو حتى بشكل عام عن نية العدو بمهاجمة الفاو. علما ان الأسلوب المعتمد لمعالجة تقارير تلك الأجهزة أو غيرها هو إرسال مثل هذه التقارير ان وجدت إلى رئاسة الجمهورية التي تقوم بدورها بتحويلها إلى مديرية الاستخبارات العسكرية ومنها إلى شعبة إيران التي تقوم بدراستها وتحليلها وترسل النتائج من قبل المديرية إلى القائد العام للقوات المسلحة والقيادة العامة للقوات المسلحة ومن يهمه الأمر، فهل من المنطقي ان تقوم الاستخبارات بإخفاء مثل تلك المعلومات أو إهمالها. هذا الادعاء كما ذكرت هو ادعاء مفبرك الغاية منه تشويه السمعة خصوصا أمام من لا يعرف أوليس له إطلاع على أساليب التعامل المعتمدة من قبل المديرية.
للأمانة التاريخية أود ذكر حقيقة لم يجر التطرق إليها سابقا، وهي أن أي معلومات لم ترد إلى المديرية فيما عدا معلومة واحدة وردت ألينا قبل 24 ساعة من الهجوم على الفاو منالسفير السوفيتي يذكر فيها بأنه سيكون هناك هجوم على مناطق (مبللة) أي كثيرة المياه.. بعد دراسة هذه المعلومة لم نستطع ان نصل منها إلى ان الهجوم سيكون على شط العرب وأن تلك الإشارة تعطي دلالة على قاطع هور الحويزة أكثر مما تعطيه على شط العرب، إضافة إلى قصر الفترة التي وصلتنا فيها المعلومة والتي لم تعطينا المجال للبحث أكثر عن المقصود فعلا بتلك الأراضي المبللة. بعد عرض نتائج الدراسة على الرئيس علق عليه (مع رأي الاستخبارات العسكرية.)
يدعي وفيق في كتابه (حطام البوابة الشرقية والطريق إلى الجحيم) (انه كان يُستَدعى من قبل القيادة العامة ويُستَفسَرْ منه عن نوايا العدو بحضور مدير الاستخبارات الذي هو عضو في القيادة العامة ولا يُستَفْسَرْ من مدير الأستخبارت.)
أقول وأنا أتحداه ان يذكر حادثة واحدة حضر فيها قاعة اجتماع القيادة العامة وطُلِبَ منه الإجابة على بعض الأمور خلال الفترة التي عمل فيها بإمرتي كمدير لشعبة إيران اعتبارا من (30/8/1983) ولحين نقله إلى منصب ضابط ركن/2 حركات فرقة المشاة/24.
عندما نقل وفيق من المديرية إلى فرقة المشاة/24 بناءا على مقترح مني، كانت المديرية تستعد لاستناد القطعات لمعركة تاج المعارك (آذار 1985) في قاطع هور الحويزة.. قلت له عليك تسليم الشعبة إلى العقيد الركن أيوب مهدي صالح خلال 24 ساعة وترك المديرية فورا، وإذا كانت المديرية متوقفة على وفيق فليغادر المديرية مع معلوماته، ولا بارك الله في نصر يأتي من خلال وفيق. هذا الموقف كنت قد اتخذته لأني اطلعت على طبيعة عمله، وأساليبه الملتوية التي أشرت إليها وتصرفاته السيئة، حتى مع ضباط شعبته.
طلب مني تسجيل عيادة لمراجعة مستشفى الرشيد العسكري، وافقت على الطلب بشكل طبيعي، وطلبت من المستشفى تزويدنا بنتائج الفحوصات. كان من ضمن نتائج الفحوصات تقرير من الشعبة النفسية ورد فيه ان (العقيد الركن وفيق يعاني من أمراض نفسية، تم حفظ التقرير في أرشيف المديرية.)
بعد التحاقه إلى مقر فرقة المشاة/24 كتب تقرير من (30) صفحة لم يترك لا شاردة ولا واردة ما لم يذكرها في ذلك التقرير، منها إني كنت أقوم بخرق امن المديرية وغيرها من اتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة. أرسل التقرير إلى الرئيس صدام حسين الذي أرسله لي للاطلاع عليه، وعلى أثرها تم تشكيل مجلس تحقيقي برئاسة سكرتير الرئيس وعضوية مدراء أجهزة المخابرات والأمن العام والأمن الخاص (حسين كامل) وانتهى التحقيق بغلقه. كما تم نقله من مقر فرقة المشاة/24 إلى قيادة شط العرب. وسأترك تفاصيل تلك الأمور إلى ما كتبته في مذكراتي.
قبل ان اختم كلامي لابد من الإشارة ولو بشكل موجز عن سبب بروز وفيق كضابط استخبارات متميز. قبل الحرب العراقية الإيرانية كان العقيد الركن محمد سمير معاون مدير الأستخبارت العسكرية للشؤون الفنية الشهيد وكان المرحوم من ضباط المخابرة المتميزين علما وخلقا، ترك هذا الإنسان بصمات كثيرة على معاونتيه وعلى المديرية، ومن أهم ما قام به هذا الرجل الشهم والشجاع هو قيامه بأعداد مشروع كسر الشفرة الإيرانية التي أشرت أليها آنفا، ومن اجل ذلك شكل فريق عمل خاص لهذا الغرض الذي تكلل عمله بالنجاح. كان الأيرانييون يقومون بتغير مفاتيح الشفرة قبل (48) ساعة من بداية أي معركة مقبلة، وكان فريق كسر الشفرة العراقي يقوم بفتح المفاتيح الجديدة خلال (24-48) ساعة وكان هذا الفريق متمرسا على هذا العمل بشكل جيد، وكان من الطبيعي ان تحول نتائج عمل هذا الفريق إلى شعبة إيران التي تقوم بدراستها وتحليلها ومقاطعتها مع باقي المعلومات من المصادر الأخرى ثم يجري إعداد تقرير الاستخبارات. كان وفيق يكرس تلك العملية لمصلحته الشخصية بالدرجة الأولى حيث يأخذ من تلك المعلومات وقت ومكان الهجوم ويترك المعلومات الباقية لمرحلة لاحقة حتى لا يقع في أي خطأ ويقوم بإيصال تلك المعلومة إلى المراجع، ومن الطبيعي ان تأتي تلك المعلومات دقيقة جدا أكسبته سمعة جيدة كونه ضابط استخبارات كفء، وعلى هذا المنوال عاش من بداية الحرب حتى عام 1985، وكان هذا هو السر في بروزه كضابط استخبارات متميز خلال تلك الفترة.
عندما تسلمت منصب مدير الاستخبارات العسكرية العامة أطلعت على هذه التفاصيل وحتى أوفي حق الشهيد البطل محمد سمير حقه الذي أستشهد على أيدي الصهاينة في مشروع القابلو المحوري الغربي للقوة الجوية. كتبت إلى رئاسة الجمهورية مقترحا تكريم الشهيد البطل.
بعد عام1985 قام العدو الإيراني بمحاولة شراء شفرة جديدة من سويسرا وعلى أثرها أصبح متعذرا علينا معرفة ما يجري، وكان اعتمادنا على المصادر الأخرى العديدة، خلال تلك الفترة عملنا بجهد كبير جدا من أجل كسر الشفرة الجديدة واستعنا من اجل ذلك بخبراء عديدين من العراق ولكننا لم نتوصل إلى نتيجة مرضية، بعدها اقترحت على الرئيس الاستعانة بجهة أجنبية مشهود لها في هذا المجال وحصلت الموافقة على الاستعانة بخبراء من الاتحاد السوفيتي وتمكنوا فعلا بعد معارك الفاو من كسر الشفرة الجديدة وكان وفيق قد أعيد ألي المديرية بعد نقلي منها ليستغل نتائج هذا المشروع مرة أخرى.
أن ما ذكرته عن وفيق لا يمثل سوى جزء من حقيقة وشخصية هذا الإنسان الذي لم يفكر يوما في غير مصلحته الشخصية، لقد عمل منذ بداية اشتغاله في مديرية الاستخبارات من أجل هدف واحد هو الوصول إلى قمة الهرم، لم يكن يعترف بجهود الآخرين من ضباط عملوا معه كما تنكر لكل المديرين اللذين عمل بإمرتهم ما ذكره في كتبه يعبر وبشكل واضح عن حبه لذاته ونرجسيته التي تجاوزت كل الحدود، لم يعجبه احد، نقرأ في كتبه انه كان هو الذي يكتب وهو الذي يحلل وهو الذي يناقش القيادة العليا التي لم تقدر على اتخاذ قرار بدون مشورته، أما المدراء فهم أصفار على الشمال لا قيمة ولا أهمية لهم. حاول الوصول إلى الرئيس صدام حسين من خلال التقارير الخاصة والعلاقة مع مدير جهاز الأمن الخاص حسين كامل الذي كان يتعامل معه مباشرة وحضي برضا الرئيس الذي وقف بجانبه، وأسنده، وأعانه ومع كل ذلك تنكر له وخانه كما خان وطنه، وفيق لم يضمر للوطن أو الوطنية أي قيمة عنده والدليل على ذلك هو تنكره لكل القيم والثوابت الأخلاقية والوطنية وعندما وجد ان نهايته قد قاربت وبدا السر ينكشف في علاقاته المشبوهة أضطر للهروب ليصبح جزءا من المعارضة في الخارج، وليصبح احد رموز الخيانة اللذين باعوا العراق للمحتل.
شبكة ذي قار
| |||
شبكة البصرة
| |||
الثلاثاء 16 ذو القعدة 1433 / 2 تشرين الاول 2012
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الأربعاء، 3 أكتوبر 2012
اللواء الركن محمود شكر شاهين: الرد على افترائات وفيق في كتاب حطام البوابة الشرقية والطريق الى الجحيم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق