قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 17 يناير 2012

تركيا وقطر وإسرائيل والإخوان.. لعبة المصالح

تركيا وقطر وإسرائيل والإخوان.. لعبة المصالح
 
قد يتساءل البعض: كيف للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم التاريخيين: أميركا وإسرائيل؟ والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع الأميركان والإسرائيليين رغم إعلامها العدائي لهما.
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: د. صادق الانصاري
تخبرنا أدبيات المفكرين في حقل "النظرية السياسية" أو "الفلسفة السياسية" أن النظم السياسية، رغم تنوعها بتنوع الحضارات والثقافات والشعوب، تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما، إما نظام سياسي محافظ، وإما نظام سياسي ثوري، وكلاهما يسعى إلى بلوغ غاية واحدة لها تجليات شتى، فأما الغاية فهي "المصلحة" أيا كانت مصلحة فرد أو طائفة أو أمة، وأما التجليات فتتمثل في آليات الوصول إلى هذه المصلحة التي تتخذ في الغالب الأعم صورة السعي إلى بلوغ السعادة، فكل النظم السياسية تسعى إلى "السعادة" بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني عموما، بمعنى أن النظام المحافظ إنما يحافظ على الوضع القائم بحجة أن في ذلك استقرار وفرصة سانحة لنيل السعادة والرخاء والاصلاح المطلوب، أما النظم الثورية فترى أن التغيير هو السبيل الأمثل والوحيد لنيل السعادة المرجوة.
إنطلاقا من هذا التوصيف المبسط والمختصر تم الاصطلاح على أن "السياسة" هي "فن الممكن" أما الرؤى السياسية للشعراء والفنانين والفلاسفة أصحاب المشروعات اليوتوبية إنما هي "فن المستحيل" لأن الفريق الأول يسعى إلى بلوغ ما هو ممكن على أرض الواقع والمحدد في منطلقاته وآفاقه بما يمكن أن يتم تحقيقه في عالم الواقع وبالتالي يرتبط عضويا بفكرة "المصلحة"، أما أحلام الفلاسفة والشعراء السياسية إنما هي أحلام مستحيلة ليس بمعنى تقني، أي استحالة صنع هذه الأحلام، وإنما بمعنى يرتبط أكثر بالحلم البشري الذي ينشد الأفضل دائما ومن ثم فكلما تحققت إمكانية ما يكون هناك شغف إنساني لتحقيق ما هو أفضل من ذلك، أي عدم توقف رغبة الحلم البشري في الكفاح من أجل بلوغ أفضل الممكنات والتي تظهر دائما في أفق الواقع مثل السراب أحيانا كلما بلغه الإنسان أدرك أنه لم يبلغ شيئا.
وبعيدا عن إيجابيات أو سلبيات هذه الرؤية أو تلك، نحاول قراءة المشهد السياسي العربي – الإقليمي في ظل ثورات "الربيع العربي" التي دعمتها أطراف وانتقدتها أخرى خلال العام المنصرم.
تظهر في الساحة العربية والإقليمية مجموعة من الأطراف التي باتت أيقونات ثابتة وهي: الدول العربية، إيران، إسرائيل، أميركا، تركيا، الإخوان المسلمين، فضلا عن قطر التي كانت بمثابة الأيقونة الإعلامية التي دعمت معظم مشروعات الربيع العربي!
ولكن في هذا التحليل المختصر سوف نركز اهتمامنا على أطراف ثلاثة وهي: قطر وإسرائيل وتركيا ومن خلفهما جميعا جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها الخلفية الرئيسية لهذه الأيقونات الثلاث.
العالم العربي.. ساحة الصهيل التركية الجديدة
بعد أن هرمت الدولة العثمانية، آخر معاقل الخلافة الإسلامية في العالم، وأصبحت كهلا عجوزا ومريضا سقط سريعا في أولى حروب العالم العالمية، ظهر الزعيم التركي الراحل كما أتاتورك كإصلاحي سياسي يسعى إلى إصلاح بلاده ليس من خلال الدين والخلافة وإنما من خلال النقيض لذلك تماما، وأعلن – كما هو معروف – في عام 1924 سقوط دولة الخلافة وقيام الجمهورية التركية "العلمانية" التي تفصل ما بين الدين والدولة، ولم تمر سنوات إلا وظهر في مصر الإمام حسن البنا ليعلن عن تكوين جماعة الإخوان المسلمين في نهايات العقد الثالث من القرن العشرين، مؤكدا في رسائله المنشورة وآرائه وتصريحاته أن الهدف الأساسي هو استعادة الخلافة التي أسقطها أتاتورك "العلماني"، وبذلك دشن البنا لأول صراع رسمي بين الإسلاميين والعلمانيين "أو الليبراليين" في العالم العربي والإسلامي.
بعد سنوات ظهر في تركيا نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء وكان صاحب مرجعية إسلامية "إخوانية" رغم نفي الإخوان أنفسهم، ودخل أربكان في صراع طويل مع المؤسسة العسكرية التركية وانتهت بهزيمته في بواكير العقد الأول من القرن الواحد والعشرين غير أن رئيس بلدية إسطنبول استطاع أن يتسلم الراية من أربكان ويواصل المسيرة بكل نجاح بطولي. إنه السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
تسلم أردوغان الحكومة وبلاده تعاني من أزمات مختلفة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ولكنه في غضون سنوات قليلة تمكن من تنمية الاقتصاد ووضع تركيا في مصاف الدول الكبرى ومن حينها تفرغ لكي يصول ويجول كما لو كان فارسا قديما يسعى إلى إحراز البطولات التي تسلب أفئدة الجماهير، ولم يجد أردوغان ميدانا أرحب ولا أنسب من ميدان الدول العربية الفارغة من الفوارس.
غير أن هذه الصولات والجولات التي قام بها السيد أردوغان إنما هي صولات سياسية بالمعنى "المحافظ" الذي يسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم حتى وإن أعلن هو – أو أظهرت صولاته وجولاته - عكس ذلك، أو هو على الأقل يسعى إلى التغيير الذي يصل به وبرهطه إلى "الممكن" بكل ما لهذا الممكن من علاقات وثيقة بـ "المصلحة": مصلحة تركيا أو مصلحة الإخوان المسلمين أو مصلحة الحلم التركي باستعادة دولة الخلافة مرة أخرى.
أردوغان.. أحلام تغيب وأحلام تولد
ظلت تركيا سنوات تلهث لهثا وراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وظل الأخير يدافع باستماتة عن التصدي لهذا الانضمام، ويمكن القول باختصار أن جوهر الرفضي كان – ومازال – عقائديا مذهبيا، فتركيا – حتى في نسختها العلمانية – هي سليلة دولة الخلافة، ولكن تركيا كانت على مدار سنوات تسعى بكل الطرق لإقناع الدول الأوروبية بجدوى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وربما كان هذا الحلم هو أحد أسباب الإصلاح الاقتصادي، غير أن عائق الأصل العقائدي فضلا عن بعض المشكلات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان والتي لها أيضا جذر عقائدي هي السبب في رفض هذا الانضمام.
نشير هنا إلى مشكلتين أساسيتين باختصار شديد وهما: مشكلة الأكراد ورفض تركيا الاعتراف بهم كقومية مستقلة عن القومية التركية، ومشكلة الأرمن والحديث التاريخي عن المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى في حق السكان الأرمن.
في السنوات الأخيرة، وخاصة في فترة حكم أردوغان، تراجعت بعض الشيء أحلام الانضمام إلى الفيلق الأوروبي، على الأقل تحقق ذلك التراجع في التداول الإعلامي الذي أرجأ أو تناسى أو همش هذه القضية وكان ذلك لحساب صولات أردوغان الجديدة في المنطقة العربية وميلاد حلم جديد يمكن وصفه بأنه السعي إلى استعادة الدور الإقليمي لتركيا ليس في أوروبا بالقطع وإنما في المنطقة العربية.
هذا الحلم له خلفية إسلامية، هي دولة الخلافة، وله ظهير مساند هم الإخوان المسلمين، وأمامه حائط صد هو إسرائيل، فكان على أردوغان كي ينشط هذا الحلم أن يزيد من فاعلية الظهير المساند ويحاول أن يفتت حائط الصد، وكان على إسرائيل – بوصفها حائط الصد – أن تبحث عن أوراق ضغط جديدة تعيق النشاط التركي فلم تجد إلا خطايا تركيا التاريخية خاصة مشكلة الأرمن.
العلاقات التركية الإسرائيلية بين التألق والأفول
اعتمدت تركيا العلمانية في محاولات نهضتها على سياسة حسن الجوار مع الدول المحيطة وكان أهمها بلا شك هي إسرائيل فلم تدخر جهدا لتدعيم هذه العلاقة على كافة المسارات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وانخرط أردوغان وحزبه في هذه العلاقة على الأقل خلال ست سنوات من حكمه، فأردوغان الذي تولى الحكم في عام 2003 لم يصعد علاقته بإسرائيل في اتجاه التوتر إلا في عام 2009 في مؤتمر دافوس العالمي عندما هاجم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أمام الحضور وعلى الهواء بسبب "غضبة" أردوغان على مسلمي غزة وفلسطين، والسؤال الذي لا يبحث عن إجابة: لماذا انتظر السيد رجب طيب أردوغان ست سنوات لكي يدين "بشاعة" الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين؟ هل توقفت هذه "البشاعة" ست سنوات قبل أن يدرك ذلك؟!
لقد كان موقف أردوغان في دافوس هو بداية الحرب ليس على إسرائيل وإنما على المشروع الغربي في صيغته العلمانية، وليس بشكل مطلق بالطبع، لأنه مازال بين تركيا وأميركا علاقات وثيقة واستراتيجية حتى اللحظة الراهنة.
إلا أن إسرائيل لم تقف مكتوفة اليدين بل سعت هي الأخرى للرد على تركيا وعلى أحلامها فقامت بضرب اسطول الحرية وقتلت عددا من الأتراك واستمر التوتر السياسي والدبلوماسي حتى انتهى إلى توتر بين تركيا وفرنسا، المناهض الأكبر لانضمام الدولة العثمانية القديمة إلى الاتحاد الأوروبي.
تركيا.. والعبء التاريخي
تعاني تركيا الإسلامية من مشكلتين رئيسيتين فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكانتا الشماعة الرئيسية التي علقت عليها أوروبا كل الحجج والمبررات التي رفضت من خلالها انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وهما مشكلة الأكراد والأرمن، وبعيدا عن التفاصيل المغرقة في التحليلات التاريخية لهاتين المشكلتين يمكن القول أن وصول أردوغان إلى الحكم أسهم في تقليص حالة الاحتقان إلى حدها الأدنى، غير أن المشكلتين ظهرتا من جديد على السطح بتأثير ثورات الربيع العربي التي كانت وسيلة تركيا لتحقيق الانتشار واستعادة أمجاد الماضي الإمبراطوري.
فعلى الصعيد الكردي استغلت سوريا مشكلة الأكراد في تركيا وحالة الخلاف التاريخي بين النظام السياسي الحاكم وبين حزب العمال الكردستاني وذلك بإثارة هذه القضية مرة أخرى مما أدى إلى قيام أردوغان بنزع قناع التسامح والتعايش الذي ارتداه في تعامله مع الأكراد ولم يتردد لحظة في قصف عشرات المواقع التابعة للحزب في تركيا دون أن يلجأ إلى الحوار أو سياسة الاحتواء التي اقتضتها "المصلحة" في السنوات الماضية ولكن بعد تأليب النظام السوري للأكراد الأتراك رأى أردوغان وحكومته أن "المصلحة" تستدعي وتوجب هذا القصف والقتل، وبهذا المعنى يكون أردوغان سياسيا بالمعنى الأصلي للكلمة، فليس هو بالفارس المنتظر الذي يجعل الحق والعدل والخير مبدأه وغايته وإنما هي المصلحة التي تقتضيها الظروف وانطلاقا من هذا المعنى نفسه كان موقفه من النظام السوري حيث كانت تركيا هي الحاضنة الرئيسية للمجلس الوطني السوري الذي تشكل في أنقرة ولكنه استبعد بشكل أساسي المكون الكردي والأرمني لأن حكومة جديدة في سوريا تعطي مكانا واعترافا للأكراد من شأنه أن يفسح المجال لأكراد تركيا كي يطالبوا بما رفضته الحكومات التركية خلال السنوات الماضية، ومن ثم فالسياسة التي اتبعها أردوغان مع دعم الشعب السوري لا تخلو أبدا من فكرة المصلحة.
على الصعيد الآخر ظهرت مشكلة الأرمن التي أثارتها فرنسا من خلال اصدار قانون يدين المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية في حق الأرمن وقتلت ما يزيد عن مليون مواطن أرمني وشردت وهجرت ملايين آخرين، والسؤال: لماذا يصر الحزب الحاكم في تركيا على عدم الاعتراف بهذه الجريمة التي أقرتها الأمم المتحدة رغم أن الاعتراف قد يكون اعترافا أخلاقيا فقط وليس سياسيا لأن الاعتراف إذا أدان أطراف فسوف يدين طرفا أصبح كيانا تاريخيا ولا وجود له للواقع؟
ربما تكمن الإجابة في أن الخيط الذي يربط الدولة العثمانية بتركيا الحديثة أو تركيا – أردوغان مازال موجودا، إنه خيط الخلافة والدولة الإسلامية فإدانة أردوغان للدولة العثمانية هو إدانة للمشروع الإسلامي الذي يسعى إلى استعادته.
إن تركيا عندما سعت إلى الانطلاق في ساحات الدول العربية إنما انطلقت على أساس الشعبية التي حققها أردوغان بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل واعتمد على علاقته القوية مع الإخوان المسلمين في هذه الدول، ففي مصر التي زارها بعد الثورة التقى بالإخوان المسلمين الذين باتوا يروجون للنموذج التركي واختاروا اسم حزبهم "الحرية والعدالة" قريبا على مستوى الشكل اللفظي والإيقاعي لحزب أردوغان "العدالة والتنمية" وفي سوريا كانت اللقاءات الرئيسية مع الإخوان المسلمين وقوات المعارضة الخالية تماما من المكونات السورية غير السنية، ولا شك أن هذه المتغيرات مضافا إليها العداء التركي الجديد لإسرائيل أثار قلق ومخاوف الإسرائيليين فكان لا بد من إيجاد سبلا جديدة للضغط على تركيا وذلك عبر محورين الأول اثارة قضايا قديمة تمثل مشكلات وعبئا تاريخيا لتركيا وهو ما تمثل في مشكلة مذابح الأرمن، والمحور الثاني محاولة سحب الثقل الإخواني من تركيا ووضعه في منطقة أخرى تكون أكثر ولاء للمشروع الإسرائيلي والأميركي وأعني هنا بالتحديد قطر.
قطر.. وكر الإخوان الجديد بنهكة إسرائيلية – أميركية
دون اختلاف جوهري في الأسس والمبادئ استخدمت قطر فكرة المصلحة في السياسة تماما مثل تركيا، فتركيا التي قدمت نفسها للعالم العربي باعتبارها نصير المظلومين والمقهورين لم تتردد لحظة في قصف المعارضين لها ولم تقبل أن تعترف بالمذابح التي ارتكبتها مرجعيتها الدينية والتاريخية، كذلك فعلت قطر فعبر قناة الجزيرة قدمت نفسها باعتبارها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية والداعم الأكبر للثورات العربية ولكنها تناست أو تجاهلت أنها صاحبة أكبر علاقات عربية مع إسرائيل وأنها صاحبة أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، فكيف يمكن فهم هذه العلاقة المتناقضة: دولة تدافع عن فلسطين عبر إعلامها وفي نفس الوقت تقيم علاقات متينة مع إسرائيل؟ إنها المصلحة ليس أكثر.
إن الحضور الإخواني في قطر أبلغ من أن يتم الحديث عنه وهو له أصل تاريخي معروف وواضح، بدأ منذ الضربات القاتلة التي وجهها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر للإخوان المسلمين وأسفرت عن مغادرة عقول إسلامية مصرية إلى قطر أشهرها الشيخ يوسف القرضاوي حيث وجدوا في قطر أرضا خصبة للممارسة ونشر أفكارهم "الإصلاحية" التي اتسمت في نهاية المطاف بطابعها الإخواني دون انتمائها رسميا للإخوان، فالتحليل الأخير يشير إلى أن وجود جماعة الإخوان المسلمين في قطر ودول الخليج ليس بنفس الشكل المنظم في الدول العربية الأخرى وهو ما يمكن ملاحظته في إفصاح القرضاوي عن نفسه أو في موقف الجماعة منه فهو ليس إخوانيا ولكنه بالنسبة للإخوان عالم جليل، الخلاصة أن الإخوان لم يكن لهم وجود على مدار سنوات طويلة في قطر ولكن روحهم وفحوى فكرهم كانت هي الموجودة.
بعد الثورة المصرية ظهر توجه جديد في قناة الجزيرة أظهر موالاة واضحة للإخوان المسلمين في مصر وظهرت أحاديث وتقارير صادرة عن جهات رسمية عربية وغربية تشير إلى صفقة بين الأخوان المسلمين وقطر وأميركا وإسرائيل على دعم الربيع العربي.
وبعيدا عن فكرة المؤامرة أو حلم التقسيم الغربي للعالم العربي فإن الثابت أن الثورة قامت في كثير من البلدان فلم يكن أمام إسرائيل وأميركا إلا العمل على إيجاد بديل قادر على مواصلة السير وفقا للمصالح الأميركية، وكان هذا البديل من الضروري أن يتمتع بقبول شعبي عربي ولم يكن هناك بطبيعة الحال سوى الإخوان المسلمين أصحاب الشعبية الأبرز في تاريخ الكفاح السياسي العربي، فوصل الإسلاميون في تونس وليبيا ومصر وحتى في المغرب التي لم تقم فيها ثورة إلى الحكم، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة باتت راضية عن هذا الخيار وكان عليها أن تبحث عن موطن جديد يحتوي الإخوان ويضمن الولاء للولايات المتحدة وأمن إسرائيل فلم يكن هناك أفضل من قطر.
فقطر أكثر قربا للعرب من تركيا، وأكثر اتباعا للأميركان من تركيا، وأكثر نفوذا عبر إعلامها للرأي العام العربي من تركيا، وفيها الشيخ القرضاوي العالم الذي يحظى بقبول شعبي وإسلامي كبير في العالم العربي باعتباره عالما وفقيها متنورا ومعاصرا عقلانيا وقادرا على وضع تشريعات فقهية تمهد الطريق أمام سيطرة الإخوان من قطر التي تباركها إسرائيل وأميركا.
وقد يتساءل البعض: كيف للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم التاريخيين: أميركا وإسرائيل؟ والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع الأميركان والإسرائيليين رغم إعلامها العدائي لهما، ومثلما أدانت تركيا قتل الشعب السوري وأباحت لنفسها قتل الأرمن والأكراد ومثلما شارك الإخوان المسلمين في الثورة المصرية وتسللت قياداتهم خلسة للقاء عمر سليمان بينما المصريون وشباب الإخوان قابعين في الميدان يطالبون بإسقاط مبارك وكل نظامه، والقاسم المشترك في كل ذلك ليس إلا "المصلحة".
لعبة المصلحة السياسية قد نفهمها ونقبل قواعدها أو نرفضها ولكن في نهاية الأمر لا يجب أن ننخدع بها، ولا يجب التعامل مع كل من يجعل جواد المصلحة مطيته على أنه فارس آخر الزمان، لأن التحليل الرصين والهادئ يثبت أن كل من يخوض العمل السياسي في عصرنا الراهن لا يسعى إلا إلى تحقيق مصالحه، أما مصالح الضعفاء والمقهورين فقد يتبناها هذا الطرف أو ذاك فقط لمجرد الوصول إلى مصالحه الخاصة حتى ولو تاجر بأحلام كل المقهورين.
د. صادق الانصاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق