قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 6 يناير 2012

أحمد شلتوت وأحمد الحناوي : عمالة المثقفين...


أحمد شلتوت وأحمد الحناوي : عمالة المثقفين...06/01/2012
من دعم اليسار في الستينات حتى دور النشر الجديدة.. قصّة التمويل الأجنبي للمشروعات الثقافية العربية      
أحمد شلتوت وأحمد الحناوي   
 
كشف يوسف إدريس برفضه لجائزة مجلة "حوار" اللبنانية في مطلع الستينات العلاقة التي تربط هذه المجلة بالمخابرات الأميركية، وقد ثبت بعد ذلك أنها ومجلة "شعر" البيروتية أيضًا كانتا تتلقيان تمويلاً من السي آي إيه عبر ما يسمى بـ"المؤسسة العالمية للحرية الثقافية" والتي كانت ممولة بدورها من مؤسسة فورد تحديدًا، وهي المؤسسات ذاتها التي لعبت دورًا رئيسيًّا في تشكيل لوبي ضاغط لمنع منح الشاعر التشيلي "بابلو نيرودا" جائزة نوبل للآداب حين ترشح لها في عام 1964، وهي ذات المؤسسات التي جعلت حياة الكاتب "إرنست همنغواي" جحيمًا وحرضت جهاز المخابرات الأميركية لإخضاعه لتحقيقات مكثفة مما أدى في النهاية لانتحاره، أو قتله كما يظن الكثير من الأكاديميين والمثقفين الأميركيين.
وحينما أصدرت البريطانية فرانسيس ستونر سوندرز في عام 1999 كتابها" الحرب الباردة الثقافية" عرضت  خفايا الحرب الباردة بين الشيوعية والغرب في جانبيها الثقافي والفني، والدور الذي لعبته المخابرات الأميركية وتوجيهها واستخدامها للثقافة والفن في الصراع مع الاتحاد السوفييتي. وقد تكون لمثل هذا الكتاب أهمية خاصة في ضوء ما يصفه البعض بالمواجهة الجديدة المتوقعة بين أميركا والغرب من ناحية والإسلام من ناحية أخرى، أو بينها وبين الحركات الإسلامية حسب تعبير الإدارة الأميركية.
فهذه المنظمات والمؤسسات عادت لإحياء أنشطتها في الوطن العربي، خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فظهرت عدة مؤسسات وصناديق عربية للتنمية الثقافية والفنية، لتقدم دعوات للفنانين والكتّاب وأصحاب المؤسسات الثقافية والإعلامية المستقلة، لتقديم طلبات منح مالية ودعم مشاريع ثقافية وفنية، سواء لأفراد أو مؤسسات. وأن هذه المؤسسات والصناديق في غالبيتها، تتلقى أموالاً من هذه المؤسسات الأجنبية والتي تشكل واجهة لجهاز الاستخبارات الأميركية" والخارجية الأميركية وبشروطها، بما فيها التوقيع على تعهدات كثيرة.. تشمل حق مؤسسة فورد بالمراقبة والإشراف على هذه المؤسسات والصناديق (مونوتيرينج آند أوفر سايتينج)، إضافة إلى  التوقيع على تعهدات بعدم الدعوة أو العمل أو حتى الإشارة، سواء في صلب المشروع أو في الحياة العامة.. بإنهاء أو العمل على إنهاء أية دولة! وفي ظل مثل هذا الشرط للفنان العربي يكون هذا التعهد بالضرورة يعني إسرائيل.
كيف يستطيع أي إنسان يدعي العمل من أجل الثقافة والفن العربيين ورفعة  شأنهما، أن يتغاضى عن مصادر أموال تأتي من مؤسسات لها تاريخ عريق في الإساءة لثقافتنا والسعي لتطويعها وتهجينها وترويضها، وتاريخ عريق في دعم مؤسسات صهيونية.

مؤتمر ثقافة حقوق الإنسان والشرطة المصرية

مؤسسات سعت تاريخيا لقولبة إنتاجاتنا الفنية والأدبية والتراثية بطرق غير مباشرة؛ وعبر تمويلهم المشاريع التي ستتبدل تدريجيا هي وأصحابها، باتجاهات تضمن بقاء تدفق مثل هذه الأموال، والأخطر بأنها ستجعل منهم واجهة للعمل الفني والثقافي.  
وهذه الظاهرة منتشرة الآن في مصر ولبنان والأردن والعراق، وإذا كانت دول المغرب العربى لم تعرف هذه الظاهرة حتى الآن فإن عواصمها ملأى بالمراكز الثقافية الأجنبية الناشطة.

عمالة المثقفين

"يا لضيعة العمر. فبعد كل الشقاء والعذاب والحرمان وأسوار المعتقلات أراني في لحظة واحدة أنني أكلت خبزي، وأكل أولادي معي، من الكتابة في مجلة يموّلها الاستعمار ".
هذا مقطع من رسالة بعث بها غالي شكري إلى صديقه مؤسس ورئيس تحرير مجلة حوار الشاعر توفيق صايغ يوم كان شكري يكتب في المجلة باسم مستعار هو أحمد رشدي حسين. المقطع نفسه الذي ذكره غالي في كتابه ثقافتنا بين نعم ولا كان في مناسبة الفضيحة التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز عام 1966،  لكن الحقيقة أن توفيق صايغ لم يكن يدري بهذا التمويل السري، وبعد معرفته بالخبر أصيب بصدمة لم يلبث بعدها أن فارق الحياة إثر أزمة قلبية على باب مصعد بالبيت الذي كان يسكنه. موت عدّه البعض انتحارًا بسبب ظروفه.
لم تكن منظمة المؤتمر العالمي للحرية والثقافة وحدها مشبوهة المصادر المالية. هناك من يقول إن منظمة المحاربون من أجل الحرية كانت تتلقي دعمها الرئيسي من لجنة أفغانستان الحرة (اللجنة نفسها التي وزّعت قمصانًا مرسومًا عليها صورة أسامة بن لادن مع عبارة إدعموا المقاتل الأفغاني من أجل الحرية )، وهناك من ينسب إلى هذه المؤسسة فضيحة إيران غيت ما أدّي إلى انتقال نشاطها إلى المؤسسة الوطنية من أجل الديمقراطية التي يزعم البعض أنها موّلت الانقلاب على الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز عام 2002 بمليون دولار ذهبت إلى المعارضة. ثم هناك من اتهم الكاتب والفيلسوف اللبناني الشهير أمين الريحاني بالعمالة للأميركيين بحسب ملف خصصته مجلة الهلال المصرية في فبراير 2006.

ومن قبل اتهمت مجلة المستقبل الباريسية جبران خليل جبران بالعمالة للفرنسيين. مزاعم واتهامات بعضها منطقي وبعضها لا ينسجم مع طبيعة الموجّه إليهم الاتهام، بعضها يندرج في نظرية المؤامرة وبعضها دخل على براءة المتموّل بادعاء براءة المموِّل.

الحالة اللبنانية

مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 وتفكك المعسكر الاشتراكي انتقلت الاستراتيجية الغربية (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية) من محاربة الشيوعية إلى محاربة الأصولية الإسلامية. هكذا أخذ النفوذ الغربي تموضعات جديدة في العالم تمتدُّ من آسيا الوسطي إلى الدول العربية. ويمكن للمراقب أن يلحظ تزايد اهتمام الدول الغربية بمنظمات المجتمع الأهلي أو المجتمع المدني لدرجة أن العالم العربي شهد ولادة آلاف هذه الجمعيات بوتيرة متصاعدة ابتداء من مطلع التسعينيات. في لبنان وحده هناك نحو 6000 جمعية غير حكومية، بينها نحو 900 جمعية أنشئت عام 1999. وينشط في لبنان عدد من المؤسسات ذات الطابع الثقافي، منها الأجنبي كالمركز الثقافي الفرنسي (لديه أكثر من 12 فرعًا) ومعهد غوته، المركز الثقافي الألماني والمركز الألماني للدراسات الشرقية ومعهد ثرفانتس الإسباني والمركز الروسي والمركز البريطاني والمركز الثقافي الإيطالي والمركز الثقافي الصيني وآخرها مركز ثقافي سويسري انضم إلى قائمة المراكز الأجنبية العاملة هنا وغيرها. وثمة بالطبع الجمعيات اللبنانية والمسارح التي تحصل على تمويل من منظمات أوروبية وأميركية، حكومية وغير حكومية. من هذه الجميعات السبيل، مسرح دوّار الشمس، أشكال ألوان، مسرح المدينة، مسرح مونو، مجلة زوايا وعشرات الجمعيات والمسارح المختلفة. يُضاف إلى هذه الجميعات بعض الأنشطة الجامعية وبعض المشاريع الفردية التي يقوم بها مخرجون سينمائيون ومسرحيون. والجدير ذكره أن هذه الجمعيات والمسارح لا تُموّل بالكامل من منظمات أجنبية وإنما تتقاضي تمويلاً على مشاريع يتم الموافقة عليها مسبّقًا، وأحيانًا تكون المنظمات الأجنبية شريكًا في التمويل وليس ممولاً منفردًا.
وعلي تواضع المبالغ الممنوحة إلى هؤلاء المتمولين فإن لبنان يحظى بالنصيب الثاني عربيًا من التمويل الغربي بعد مصر. لكن إذا أخذنا في الحسبان الفارق بين عددي سكان لبنان ومصر، فإن لبنان سيكون البلد الأول عربيًا المدعوم ماليًا من مؤسسات الغرب. لنأخذ مثالاً مهرجان السينما الأوروبية الذي يُصرف له نصف ميزانية البعثة الأوروبية المخصصة بالنشاطات الثقافية (في لبنان بالطبع)، بحسب تصريح لفرانسيسكو أكوستا المسؤول الثقافي السابق في بعثة المفوضية الأوروبية، في حين يذهب القسم الآخر المقدّر بنحو 130 ألف يورو إلى استدراج العروض لدعم نشاطات أخرى في لبنان.
 
تنشط في لبنان مؤسسات مثل فورد فوندايشن الأميركية غير الحكومية وإن كان البعض يرى أنها وظفت مالها سابقًا في مكافحة الشيوعية لتنتقل اليوم إلى مكافحة الإرهاب كما اشترطت في ورقة وزعتها على المتمولين تطلب توقيعهم على عدد من الشروط منها عدم ذهاب هذه المساعدات إلى دعم الإرهاب. القيّمون على المؤسسة يرون في هذا الإجراء حماية للمؤسسة نفسها من مساءلة الحكومة الأميركية. أي نوع من الضربة الاستباقية المدعومة بتوقيع المتمولين في حال ذهب مال فورد إلى الإرهابيين. لكن بعيدًا عن هذا النقاش الذي أثار ضجة في بيروت أثناء مؤتمر عقدته مجلة زوايا في مسرح المدينة بعنوان "مال للثقافة ولكن بأي ثمن؟"  بعيدًا عن هذا النقاش يبرز سؤال بسيط أو أساسي: ما الذي يدفع مؤسسة غير حكومية مثل فورد إلى مجاراة حكومات بلادها في مكافحة الشيوعية أيام الحرب الباردة ثم إلى محاربة الإرهاب في زمن الحرب على الإرهاب"؟ أطرح السؤال  كما أطرح الأرقام التي قدّمتها فورد إلى إسرائيل: 50 مليون دولار منذ عام 1948 أضيف إليها 20 مليون دولار عام 2003 لمدة خمس سنوات. مبالغ ليست ضخمة قياسًا بعدد السنوات لكنها كبيرة على مؤسسة غير حكومية.

يحدث في مصر

منذ سنوات عديدة، وتحت ستار الانفتاح، بدأت مؤسسة فورد التسلل شيئا فشيئًا إلى الصورة العامة للحياة الثقافية في مصر عن طريق دفع تمويلات ضخمة لبعض الفرق المسرحية والفلكلورية أمثال فرقة الورشة المسرحية وفرقة الطنبورة للسمسمية وغيرها، وتنفق على تلك الفرق عشرات الأضعاف مما تنفقه وزارة الثقافة على الفرق المثيلة التي تتبعها أو تتبع الثقافة الجماهيرية، كما قامت بتمويل مركز تاون هاوس للفنون التشكيلية وأنشطته بوسط القاهرة، في إطار منظومة ثقافية موازية تروج لفصل الفن عن دوره الاجتماعي كما حدث لفنون الضمة والسمسمية، أو تروج للفن من أجل الفن تحت مسمى "الفن المنفتح"، حيث يحظى الفن بالقبول والتشجيع لديهم، بقدر ابتعاده عن الواقع، وهو الأمر الذي يبدو واضحا في توجهات جاليري الـ"تاون هاوس" وما تقدمه فرقة الورشة على سبيل المثال. وهو أيضا ما ينطبق مع ما ذكرته فرانسيس ستونور ساوندرز، في كتابها الوثائقي، من يدفع للزمّار؟ عن أهداف وكالة المخابرات المركزية خلال الحرب الباردة الثقافية، وكيفيه تحقيقها، عن طريق التأثير في المنظومة الثقافية من خلال مجموعات أمامية ترعاها مؤسسات لها صبغة مدنية كفورد وروكفيلير ولها من الشرعية ما يمكنها من تنظيم الندوات الثقافية والمهرجانات والمعارض وإقامة الحفلات الموسيقية وحرية الصرف والتمويل.
لذلك كتبت (سناء المصري) عن خيانة المثقفين وسقوطهم في بئر التمويل الساخن الذي تصب فيه الأموال الأميركية والأوروبية وحتى اليابانية وتدفع به إلى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية أو ما يسمى بالجمعيات الأهلية في مصر.
فعلى سبيل المثال: دفعت هيئة المعونة الأميركية عام 1991م مبلغ عشرين مليون دولار لدعم هذه الجمعيات والمنظمات، وكانت قد تبنت قبلها مشروعًا ثلاثي المراحل بدأ من عام 1987م وحتى عام 1990م بحجم تمويل قدره خمسة وعشرون مليون دولار لدعم المنظمات العاملة في مجال التنمية المحلية استفادت منه 2019 جمعية أهلية، وكذلك فعلت هيئة المعونة الكندية والاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات الدولية.
حددت (سناء المصري) ما يقرب من عشرين منظمة دولية بعضها يتبع الحكومات مباشرة ويتبع بعضها الآخر الأحزاب الحاكمة، أشهرها منظمة (فورد) وغيرها من المنظمات ذات السمعة العالمية في زعزعة بنية بلدان العالم الثالث وتهيئتها لما يسمى بالنظام العالمي الجديد أو السطوة الأميركية الجديدة، ومن المنظمات الممولة للجمعيات الأهلية: (سيدا) الكندية، و(سيدا) السويدية، و(دانيدا) الدانماركية، و(فينيدا) الفنلندية، والمعونة الأسترالية، ومؤسسة (إسرائيل) الجديدة في نيويورك؛ هذا إلى جانب المنظمات والحكومات الأخرى مثل ألمانيا واليابان.
 
وفي السياق نفسه يقول محمد حسنين هيكل إنّ أكثر الجهات المستفيدة من هذه الأموال، هي الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وأنه قرأ دراسة تتحدث عن حزام الفقر المحيط بالقاهرة، فوجدها تركّز تحديدا على معسكرات الأمن المركزي والقوات المسلّحة الموجودة في هذا النطاق، ثم تتحدّث عن التفاعل بين الناس وهذه القوات في إطار هذا الحزام من الفقر". ويضيف حرفيًا: "إنّني معتقد أن هذا كلام في منتهى الخطورة، مائة مليون دولار كل سنة تدخل لاستكشاف وتقصّي ما يدور داخل العقل المصري.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق