قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 6 يناير 2012

البعد الإيماني في فكر الشهيد صدام حسين

بسم الله الرحمن الرحيم
البعد الإيماني في فكر صدام حسين
عرف حزب البعث، منذ بداية المرحلة (1977-1992)، نشاطاً فكرياً متميزاً، أسهم في إنتاج فكري مواكب لتجربة الحزب في قيادة سلطة سياسية. كانت تلك النقلة من خلال تجربة حكم الحزب في العراق. وتجسَّدت في تجربة الأمين العام للحزب، الرئيس صدام حسين*.

أولاً: مبادئ حزب البعث هي المبادئ المعاصرة للأمة العربية
تبلورت رؤية صدام حسين الفكرية من خلال أحاديثه وكتاباته، منذ أوائل السبعينيات. ومن خلال مواكبتنا لبداية نتاجاته الفكرية، منذ العام 1976، وجدنا أنه حدَّد تقسيمات فكرية استراتيجية بين البُعدين: القومي والديني. وإلى أن نتتبَّع ما حصل من تطورات فكرية تجديدية أخرى، نرى من المفيد أن نستخلص أهم خطواته بما يساعدنا على رسم خط بياني واضح لبداياته الفكرية حول تلك المسألة تحديداً:
يرى الأمين العام للحزب علاقة الفكر القومي بالفكر الديني، والإسلامي منه بشكل خاص، من خلال بُعد تاريخي قديم وبُعد تاريخي معاصر، أي من خلال التراث والمعاصَرة. كما ينظر إليها من خلال ثلاثة أبعاد: حزبية، فكرية، وتنظيمية وسياسية.
1-تمايز مبادئ الحزب عن مبادئ تيارات التغريب والاغتراب:
يرى الأمين العام أن علاقة التراث بالمعاصرة تستند إلى منهج كتابة التاريخ، وقراءته أيضاً. فهو يرفض المنهج الذي يفصل بين المراحل التاريخية للأمة، خاصة تلك التي سبقت الإسلام، والتي يقصد أصحابه التنكر «لدور العرب في الرسالة الإسلامية التي انبثقت في أرضهم»، أما المنهج الآخر «فقد يُغفل قيمة الإسلام كثورة في حياة الأمة». وهو يرد على المنهج الأول بأنه من غير الممكن أن تحدث ثورة، بحجم ثورة الإسلام، «إذا لم تكن الأمة التي تنهض بها أمة حية وفي مرحلة مخاض عسير» ([1]). فمن الخطأ، إذاً، «أن يُنظر إلى تاريخنا وكأنه كان فارغاً أو مخجلاً قبل الإسلام» ([2]).
ومن جانب آخر، يرى الأمين العام أنه كي «لا تبدو هذه الأمة وكأنها خُلِقت بالإسلام، بما يقوّي منطق الرجعية الدينية المتخلفة، وبما يعني أننا يجب أن نكون حزباً دينياً… يجب أن ندعم نظريتنا بالتاريخ القديم مؤكدين أن تاريخ الأمة العربية يمتد إلى عصور سحيقة في القِدَم، وإن كل الحضارات الأساسية التي نشأت في الوطن العربي إنما هي تعبير عن شخصية أبناء الأمة» ([3]).
2-ثوابت البعث الفكرية حصانة استراتيجية:
يرى الأمين العام أن نظرية حزب البعث «هي النظرية الصائبة لحياة العرب في الوقت الحاضر، مع إبقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، لأجل ألاَّ تتحوَّل نظريتنا إلى مذهبية جامدة، فننغلق عليها، ونقتل روح المبادرة والاجتهاد»([4]). لكن، وبما أنه «لا توجد نظرية للحياة تصلح لكل الأمم»، وحيث إن «نظرية الحياة الأممية… حاصل الجمع … لتفاعل نظريات كل الأمم، هي النظرية الصالحة»، لا يمكن أن نقول إن نظريتنا البعثية «يمكن أن تصلح كلياً» للبلدان الأخرى ([5]).
ويرى، أيضاً، أن منطلقات الحزب مقياس أساسي نقيس عليها القضايا الأخرى، ففلسفته «ليست التراث والدين بحد ذاتيهما»، بل هي ما تعبِّر عنها منطلقات الحزب الفكرية والسياسة المتصلة بها. ولأن منطلقات الحزب هي الأساس، يلعب الماضي، والدين جزء أساسي منه، دوراً مركزياً، فيشكِّلان «رافدين أساسيين وحيويين». لكن منطلقات الحزب ليست حصيلة جمع الماضي والدين. و«إنما هي نظرة شمولية متطورة للحياة، وحل شمولي… لدفعها ]أي الحياة[ إلى أمام عن طريق التطور الثوري… وجرت صياغة ]منطلقات الحزب[ بالشكل الذي ]تعبِّر فيه[ عن واقع أمتنا، ومتقدمة عليه في نفس الوقت» ([6]).
من معالم فكر البعث أنه يعمل من أجل النهوض بالأمة «النهضة الروحية، والحضارية الشاملة، والعميقة، ذات الاستمرارية والديمومة«، و«إن أي طريق غير الطريق القومي، الإنساني، الشامل… سيبقى قاصراً عن زخم خطوة البداية… القومية، الإنسانية العميقة، والشاملة»، فطريق البعث «ارتقى بنضال الأمة إلى مستوى جديد… لفكر جديد كلياً» ([7]).
ويرى أيضاً أن تجارب البعثيين، في المرحلة التاريخية الحديثة والمعاصرة، أصبحت جزءًا من ماضي حزب البعث، الذي أصبحت بعض نضالاته جزءًا من ماضي الأمة العربية. تلك التجارب، التي تعبِّر عن «روح الأمة واستعدادها»، استلهمت «روح البعث ورسالته»، من حيث أنه يمثِّل طوفاناً من «الإيمان والحمية، وقيم النضال، والجهاد، والفضيلة، والمجد»، فأصبحت، بدورها، مصدر إلهام للعرب في الحاضر والمستقبل([8]).
من مجموع تحليلاته، يؤكد أن حزب البعث هو «الصيغة الجديدة للتعبير عن روح الأمة» على طريق بنائها الجديد([9]). وستصبح الخصوصية البعثية، في كل خطوة من خطواتها، «تاريخاً في يوم من الأيام» ([10]).
ولأن البعث أصبح يشكل تراثاً تاريخياً للأمة، وأصبحت إنجازاته وتجاربه من الحوافز النضالية، فعلى الأمة أن ترتقي «عن طريق البعث، وما يقتضيه من تجديد روح النضال، والأساليب والأهداف التابعة… في الوحدة، والحرية، والاشتراكية» ([11]).
3-علاقة التراث بالمعاصرة تشمل ما هو جامع:
أ-مقاييس التراث، كقيم وتقاليد، مقاييس نسبية:
ليست مقاييس قيم الماضي وتقاليده، كما يراها صدام حسين، ثابتة، بل «هي مقاييس موضوعية متطورة». وهي إن بدت مطلقة في مرحلة ما، فإنها «نسبية في حسابات النظرة الشمولية للحياة»، هذا ما هو ثابت في منطلقات الحزب([12]). وهنا يشير إلى أن لاستذكار التاريخ أثراً مهماً في استنهاض الهمم. فاستذكار «رموز الأمة العربية والإسلامية في صدر الرسالة الإسلامية»، كان يعطي المقاتلين «شحنة وطاقة لا حدود لها في مواجهة الغزاة» ([13]).
إن ما يتميَّز به الفكر البعثي، من خلال استناده إلى خصوصيات التراث العربي، هو أنه يتناول منه ما هو جامع، أي ما له علاقة بقادة التراث الروحي، وقادة العبقرية القومية «من الذين قدَّموا خدمة جليلة للإنسانية وللعالم كله… مبتعدين عن المسائل المتعددة التي تنطوي على تباين في وجهات النظر» ([14]). لذا يستلهم حزب البعث، كما يقول صدام حسين، «دروس الأمة العميقة والعادلة، وفي المقدمة منها الإسلام»، لتأسيس نظرية جديدة اسمها حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن على أن «لا ننسخ الماضي، ولا نستنسخ ]عنه[، وإنما نستلهم روحه بصيغة جديدة… مع إعطاء الحق والحرية للإنسان في أن يؤمن بما يريد من الأديان… وفق الطريقة التي يقتنع بها»، على قاعدة أن الحزب ليس حيادياً بين الإلحاد والإيمان([15]).
فعلى البعثي أن يُعطي تفسيراً جريئاً للتاريخ، «بحيث لا يكون متجنياً فيه… وأن يختار طريقة مرتبطة بخصوصيته البعثية للأغراض التربوية»، وأن تتميَّز قراءته عن «المنهج والفقه الإسلامي في جوانبه المنغلقة المتحجرة… لأن أصحاب المنهج الديني يُسقِطون من الحساب تفسير التاريخ للعوامل القومية والاجتماعية والاقتصادية، ويعتبرون العامل الروحي كل شيء في صيرورة الأمم، في نهوضها وفي انطفائها وانسحاقها» ([16]). كما يعطي للعرب دوراً في تبليغ رسالة الله للإنسانية في غياب الرسل، ومن أهم مستلزمات ذلك أن يحققوا وحدتهم. ومن أهم أهداف دورهم أن «يقيموا أركان العدل والعدالة الاجتماعية… ويهيئوا السبل والأسباب، التي تنطلق فيها طاقات الإنسان الفكرية والعلمية إلى مداها الأرحب» ([17]).

ب-علاقة التراث بالمعاصرة علاقة تجديد:
يرى صدام حسين أن العرب انقسموا، في مواجهة الإمبريالية الحديثة، إلى تيارات متناقضة. فاستسلم البعض، عقائدياً، للدور السوفياتي، إلى الدرجة التي تناقض فيها «مع أعز ما ورث من التراث… وهو الإيمان العظيم، الذي جاءت به الرسالات السماوية، وفي مقدمتها الدين الإسلامي»، واستسلم البعض الآخر لحضارة الغرب([18]). وكرد فعل على التيارين، قام البعض الثالث «باستعارة الدين في السياسة، واتخاذ الدين ثوباً لها»، ووسَّع معنى الأمة، متناسياً خصوصيات الشعوب والأمم، وتمسك بكل تفاصيل الموروث من غير أن يستحدث ما هو جديد لعصره([19]).
في مواجهة هذا الانقسام، يرى صدام حسين أن يقوم التجديد على هدي الإيمان، لينطلق من الثوابت الدينية المعروفة: وحدانية الله، العدل والفضيلة في الأرض، إقامة الطقوس والشعائر كل حسب إيمانه وعقيدته، وما عدا ذلك فهو خاضع للتجديد. ونزول أكثر من رسالة سماوية، وترك باب الاجتهاد مفتوحاً، هو دليل على وجوب التجديد لخدمة ما تقتضيه ظروف الحال المتطورة من جديد([20]). لذا يربط الأمين العام للحزب بين التراث والحداثة على قاعدة التجديد، ويرى أن رسالة الأمة التي انبثقت عن المؤتمر القومي التأسيسي كانت مرتبطة بالنضال، ولم يكن ذلك كمجرد وراثة مقومات عظيمة، بل كانت انطلاقة الحزب متجددة «في معاني ما يجعلها خير أمة أخرجت للناس»، كقاعدة «لنوع الإيمان الجديد، والفعل الجديد، والتطلع الجديد، والتكون الجديد، والممارسة النضالية، والجهادية، وليس لمجرد ما توارثته الأمة من إيمان، وتراث، ووصف لماضيها، فحسب»([21]).

ثانياً:علاقة الديني بالقومي التقاء وتمايز
1-علاقة الروح بالمادة ليس دينياً بل ضابطاً أخلاقياً
يرى أن حاجة البشر إلى الجانب الروحي ضرورية، «لإقامة حضارة تزدهر فيها قوانين الحياة، ويستقيم فيها الإنسان، وتتطور على أساسها نواميس العصر وقوانينه، في ميدان الثقافة، والصناعة، والزراعة، والفن، والعلم، وعلى أساس العدل، والإنصاف»، وبناء سعادة الإنسان، وبناء شخصيته على أساس «تاريخه وتراثه… لا ليقلِّد المتعارض مع الخصوصية القومية والوطنية»، على أن يكون منفتحاً على تجارب الأمم الأخرى([22]).
أما التوجه إلى المادي، يرى صدام حسين، بدعوى أنه «قانون العصر»، فيؤدي إلى الغرق فيه، «ويتحول إلى غاية ومنطلق، بدلاً من أن يكون وسيلة… لازدهار الروح والحياة معاً، وتحقيق سعادة الإنسان» ([23]). لذا لم تتحول حضارتنا العربية «لتكون مجتمعاً محكوماً بالأشياء، وعبداً للمادة، وإنما بقيت المادة لخدمة القيم العليا، وبقي الركن الروحي هو الذي يشكل مدخل النهضة» ([24]).

2-علاقة الحزب بالدين إيمانية وليست إيديولوجية سياسية:
يرى صدام حسين أن كون الحزب يعيش ضمن مجتمع متدين لا يمنع «تطبيق مستلزمات العبادة… تاركين لكل إنسان حق ممارسة طقوسه الدينية في العبادة وفق دينه ومذهبه وطريقته الخاصة»، لكن الحزب لا يعالج شؤون الحياة من طريق ديني، بل «يأخذ معنى الحرية في الأديان وحرية المذاهب وحرية الاجتهادات» ([25]). وبداية لكل ذلك يرى الأمين العام، أن الحزب ليس حيادياً بين الإلحاد والإيمان([26]). وقد صاغ موقفاً من الظاهرة السياسية الدينية. وأشار إلى أن البعث «أعطى للمسألة الدينية اهتماماً بارزاً في عقيدته وفي سلوكه السياسي والاجتماعي؛ غير أن الحزب لم يدع إلى بناء دولة على الطراز الديني»، والبديل عنها يقوم على أساس «الرابطة الوطنية في إطار القطر الواحد، وعلى أساس القومية في إطار الوطن العربي الكبير» ([27]).
لذا يعتبر أن من أساسيات منطلقات الحزب أنه «ليس حيادياً بين الإلحاد وبين الإيمان، وإنما هو مع الإيمان، دائماً، ولكنه ليس حزباً دينياً، ولا ينبغي أن يكون كذلك«. فعقيدة البعث ضد تسييس الدين من قبل الدولة وفي المجتمع، وهي «تعتزُّ بالدين بلا سياسات للدين» ([28]). ومع أن الحزب يحترم الإيمان الديني، يحذِّر صدام حسين من توزيع تهم الخيانة على أساس ديني ، إذ يوجد بين المسلمين خونة و«خيِّرون»، وينطبق الوصف ذاته على المسيحيين([29]). ويرى أن حل المشكلة تتم على قاعدة أن كل الناس أحرار أولاً، ورفض الأمراض «التي تنطوي عليها الخصوصية المحلية أو الدينية أو القومية» ثانياً، ورفض كل تناحر «بين دين ودين، وبين طائفة وأخرى، أو فرقة وأخرى» ثالثاً([30]). وبناءً عليه، كما يرى صدام حسين، يقيِّم الحزب «الإنسان على أساس عمله». أما عن اختيار المذهب الديني فهي ليست بالأساس من اهتمام حزب البعث العربي الاشتراكي([31]).

3-لقاء فكر الحزب مع الإيمان بوظيفتين متكاملتين:
أ-فكر الحزب استراتيجي، لهذا يمنع البعثيين من تغليب التكتيكي:
على صعيد الممارسة، يدعو صدام حسين، إلى ضرورة التمييز بين النظرة الاستراتيحية والعمل التكتيكي. وإن«التخصيص والدقة والمنهجية الواضحة والمعبِّرة عن فكرنا في النظرة للمجتمع، ومن بينها النظرة إلى كل ظواهر الحياة وشؤونها »، هو المطلوب أن يمارسه البعثيون في علاقتهم مع المجتمع. ولأن الحزب يريد أن «تكون الأغلبية من الشعب إلى ]جانبه[ في كل الأحوال، وبصورة دائمة، على طريق المبادئ المعروفة للحزب والثورة »، «وذلك لكي نكسب كسباً صميمياً وراسخاً، ونجعل دور حزبنا قيادياً في تحريك وقيادة المجتمع». ولهذا يرفض أن يتصرَّف البعثيون على أساس من «التعتيم والتعميم»، كوسيلة من «وسائل كسب الأغلبية». كما يدعو إلى «التخصيص والوضوح في النظرة والمعالجات الاستراتيجية ]اللتان[ هما الوسيلتان الحاسمتان في كسب الأغلبية من الشعب» ([32]).
ليست العموميات مقبولة، لأنها تقود إلى إعطاء توجيهات مختلفة حول القضية الواحدة. ولا ينبغي أن يتوهم البعثيون وجوب دخول معركة سياسية «بصيغة من هو مع الدين ومن هو على الدين»، فمن خلال هذا المدخل على البعثيين، أيضاً، أن لا يتحولوا إلى رجال دين تحت حجة رفضهم للإلحاد، لأن التدخل «في الشؤون الدينية يؤدي إلى أن ينقسم شعبنا، ليس بين المتدينين وغير المتدينين فحسب، وإنما بين المتدينين أنفسهم بضوء اجتهاداتهم وانتماءاتهم الدينية والمذهبية المختلفة».
فليس التدخل في معتقدات الناس الدينية هي من الوسائل السليمة، كما يرى صدام حسين، بل على البعثيين أن يلتقطوا «المفاتيح المركزية»، التي تتعلق بعقيدة البعث و«بمستلزمات تغيير المجتمع» ([33]). وهناك علاقة بين الاستراتيجي والتكتيكي، يتطلَّب تطبيقها ما يلي:
-مرونة ومبدئية في آنٍ معاً. ويتم ذلك من خلال التقاط «المفاتيح والحلقات المركزية»، على أساس ترك «بعض النهايات مرنة في حركتها»، ومراعاة عامل الزمن على أن لا «يفلت من يديك الزمام… فيصبح دورك ثانوياً بدلاً من أن يكون قيادياً» ([34]).
-الابتعاد عن التدخل في حياة الناس، بما في ذلك «معتقداتهم وطقوسهم الدينية». ففي هذا الخطأ ما يؤدي إلى الاصطدام بهم. والابتعاد عن تحويل الحزبيين «إلى رجال دين أو الاصطدام برجال الدين»، خوفاً من أن يتحوَّل البعثيون إلى رجال دين في علاقتهم بالشباب، و«بممارساتهم الاجتماعية والخلقية… ]وفق[ الصيغ القسرية» ([35]).

ب: عزل الدين عن سياسة الدولة:
تشكل المحاذير في سلوك الحزب، من سوء استخدام المسألة الدينية، محاذير مماثلة على الدولة. لذلك يدعو صدام حسين إلى وقفة ضد «تسييس الدين من قبل الدولة وفي المجتمع، وضد إقحام الثورة في المسألة الدينية»، على أساس أن يعود البعثيون إلى الاعتزاز «بالدين بلا سياسات للدين» ([36]).
ولا يعني رفض الطائفية، عند صدام حسين، رفضاً للدين، بل إن «العراق دولة مؤمنة، السلطة مؤمنة، والشعب مؤمن». وهذا لا يعني، أيضاً، ألاَّ ينصِّب البعثيون أنفسهم «رجال دين» فحسب، بل لا يمكن أن يُسمح بوجود تداخل «بين ممارسة الدولة لواجباتها وبين الدين» أيضاً. فلو حصل ذلك، يرى صدام حسين، لتحوَّل الحزب إلى «فرقة ضمن دين، أو فرقة ضمن أديان، أو ضمن طوائف»، وحينذاك سيتمزق الشعب. فمن باب أولى، إذاً، أن يتم «عزل الدين عن السياسة»، والنظر إلى المواطنين سواسية «بغض النظر إلى اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم» ([37]).
انطلاقاً من تلك المبادئ يقيس الحزب الإنسان «على أساس عمله» ([38]). وبهذا يمتنع على الدولة أن تضع سياسة معبِّرة عن الدين في منهجها التفصيلي، لأنه من الأسباب التي تجعل الشعب «ينقسم وفقاً للانتماء الديني والطائفي» ([39]). وإذا سلك أي نظام طريق الطائفية في إدارة الدولة، فهو يتلاقى مع أهداف الإمبريالية التي تسعى إلى تقسيم المنطقة العربية، كمثل المخطط المرسوم للعراق والقائم على مخطط تقسيمه إلى دويلات طائفية وعنصرية: سنية وشيعية وكردية([40]).
أما المطلوب من الدولة، يرى صدام حسين، فهي الواجبات التالية:
1-رعاية أماكن العبادة، «وبفعل متوازن وبنظرة شمولية ومبدئية».
2-الامتناع عن الترويج لأي من المذاهب الإسلامية واجتهاداتها.
3-إبعاد المراكز الإعلامية والثقافية ومؤسسات الدولة الأخرى عن طرح أفكار التعدديات المذهبية واجتهاداتها أو الترويج لها([41]).

ثالثـاً: التمييز بين الدين والحركات الدينية السياسية:
1-خطورة الحركات الدينية السياسية على الحزب والدولة:
ترافق تكوين الحركات السياسية الدينية مع توالي الأزمات على حركة الثورة العربية، ووقفت «ضد حركة القومية العربية»، مما دفع «بالقوى والدوائر الاستعمارية إلى تشجيعها، لأنها ظاهرة انقسامية… وسلفية متخلفة… تؤدي إلى تراجع الأمة ثقافياً وعلمياً وتقنياً» ([42]). فيرى صدام حسين أن الصهيونية تستغل نتائجها لاستخدامها «ضد الأمة 
للمتابعه اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق