ثورة23 يوليو.. والرجعية المصرية!
د. هدى عبد الناصر
وكالة انباء الرابطه
في كل الثورات في التاريخ, أول من يحاربها هي الرجعية صاحبة السلطة في النظام القديم, والعامل الأساسي في هدمه; فماذا عن الرجعية المصرية سنة1952,
في مواجهة ثورة بيضاء, رفضت التصفية الجسدية لأعدائها, وعملت علي حل الصراع الطبقي سلميا؟ هل استسلمت الرجعية؟ هل تنازلت طواعية عن مصالحها وأطماعها؟
أري أن نراجع تجربة ثورة 23 يوليو مع الرجعية المصرية; حتي نعي تماما أساليبها في مواجهة ثورة 25 يناير, ونستعد للمواجهة; لنتحدي محاولات إجهاضها.
من أول يوم لطليعة 23 يوليو كانت تجابه ثورتين; ثورة سياسية وثورة اجتماعية, وذلك هو نفس الموقف بالنسبة لثورة 25 يناير; التي من أهدافها القضاء علي النظام البائد بكل رموزه, وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن هذا الهدف الأخير هو الذي حتم علي ثورة 23 يوليو أن تصطدم مع قطاعات مختلفة من أجل تحقيق أهدافها, ومن أجل القضاء علي الاستغلال بكل معانيه; الاستغلال الاقتصادي, والاستغلال الاجتماعي.
وعن تجربة ثورة 23 يوليو في هذا الصدد; أترك الكلام لجمال عبد الناصر..
يوم 23 يوليو لم يكن في خاطرنا بأي حال من الأحول أن نحكم... ولكنا كنا نعبر عن آمال الشعب في القضاء علي الملكية الفاسدة, والقضاء علي حكم القصور, وحكم الحاشية, وحكم السفارات الأجنبية, وحكم أعوان الاستعمار... كنا نعتقد أننا نستطيع أن ننفذ الهدف السادس من أهداف الثورة; وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة في أسرع وقت... خصوصا بعد ما خرج الملك, وبعد ما تخلصنا من سلطة القصر.
وفي أول أيام الثورة... طلبنا من حزب الوفد أن يطهر نفسه من المستغلين, وأن يستعد ليتولي الحكم; باعتباره كان قبل ذلك يمثل الأغلبية.وكان الصدام الأول حول تحديد الملكية, الذي تم بعد ستة أسابيع من الثورة; فحدثت اتصالات مع الوفد, واجتمعت مع فؤاد سراج الدين أربع مرات من أجل بحث هذا الموضوع... ماذا كانت النتيحة؟ طوال هذه الاجتماعات كانت هناك محاولات من جانبنا لاقناعهم, ومحاولات من جانبهم
لاقناعنا...
نحن كنا نطالب بتحديد الملكية وتوزيع الأرض علي الفلاحين; علي أساس أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تحرر الفلاح... هم كانوا ينظرون للأمر نظرة أخري; كانوا يقولون: إذا كنتم تريدون تحديد الملكية, فكروا في الضرائب التصاعدية التي تساعدكم في رفع دخل الخزانة... كان مفهومهم يختلف تماما عن مفهومنا; فكنا نقول: إننا لا نريد نقود للخزانة, ولكننا نريد أن نحرر الإنسان... الحرية ليس معناها بأي حال من الأحوال برلمان, وقبة برلمان, وشعارات ديمقراطية, ولكن الحرية هي حرية الفرد.
علي هذا الأساس رفضوا أن يعودوا الي الحكم مع تحديد الملكية... وكان الأمر بالنسبة لي في هذه الأيام غريبا كل الغرابة, ولكن بعد ذلك طبعا تبينت; كيف نتفاوض مع الاقطاعي وصاحب الأرض لتحديد الملكية, ونطلب صكا علي أخذ أرضه وتوزيع أملاكه؟! وكان حزب الوفد في ذلك الوقت طبقة من ملاك الأرض; من الاقطاعيين... إن معني ذلك من الناحية السياسية القضاء علي الحزب نفسه; لأن الحزب كان يعتمد علي نفوذ الاقطاعيين في كل دائرة وفي كل مديرية; ففي هذا الوقت كانوا يعتمدون علي الفلاحين الذين يعملون لديهم; إنهم يعطونهم أصواتهم...
وبعد ستة أسابع من 23 يوليو-8 سبتمبر1952 اجتمع مجلس قيادة الثورة وقرر إقالة الحكومة المدنية التي كان يرأسها علي ماهر- وإقامة وزارة أخري تنفذ قانون الاصلاح الزراعي... لقد مرينا في معركة تدل علي صعوبة الثورة الاجتماعية; إن الثورة السياسية أسهل كثيرا!
بعد ذلك دخلت ثورة 23 يوليو في معارك مستمرة; لعبت الرجعية فيها دورا عدائيا مناورا. وبدأت أول معركة من أجل تحقيق الجلاء, وقابل جمال عبد الناصر أحد الرأسماليين المصريين عبود باشا الذي قال له: إنت صغير يا جمال بيه, ما انتاش عارف الانجليز دول أبدا! الانجليز بيدوخوا الدنيا, إزاي حتقف قصاد الانجليز؟! وإذا كنت بتتكلم مع الانجليز, لا تنسي إن دول الانجليز.. الانجليز الذين كسبوا الحرب العالمية الثانية.. الانجليز الذين دوخوا ألمانيا!...
كانت الرجعية حتي ذلك الوقت تعتقد أن السفير الانجليزي أو السفير الأمريكي يستطيع أن يؤثر, وأن يكون له دخل في الوزارة... كانت الرجعية مازالت تجد في الانجليز حماية... إذن حتي الرجعية في كفاحنا مع الاستعمار البريطاني كانت دائما متخوفة; تبث روح التردد, وتدعو الي المساومة.
هل انتهي دور الرجعية من أول يوم من أيام الثورة؟ لم ينته بأي حال من الأحوال. في أزمة مارس,1954]; التي حدثت في مجلس الثورة; والتي وقف فيها محمد نجيب في جانب, والثورة في جانب; كانت أساسا بفعل الرجعية.
ما الذي حدث في هذه الأزمة؟ خرجت الرجعية من كل جحورها, من أجل ماذا؟ طبعا من أجل حماية مكاسبها, ومن أجل استغلال الفرصة حتي تنفذ لتستغل, ولتؤمن النظام الرأسمالي المستغل الذي كان موجودا قبل الثورة, خرجت لتحكم.. تحكم بمن؟ تحكم بواسطة سياسيين. إن الرجعية لم تكن أبدا تحكم بنفسها, ولم نر أبدا أصحاب ملايين أصبحوا رؤساء وزارات في بلدنا, ولكن رؤساء الوزارات هم الذين يعملون لديهم بمرتبات شهرية في الشركات; إما محامين للشركات, أو مستشارين لها.
إذن الرجعية تتربص دائما بالثورة, تنتظر أي فرصة لتنقض; حتي تستطيع أن تحكم... إن الرجعية تستطيع أن تكيف نفسها وفق العصر, ترفع شعار الديمقراطية إذا كان يجذب الجماهير; لأن سلاح الرجعية هو الجماهير.. الشعب نفسه تخدعه.. ترفع شعارات ثم تكبله, وبعد ذلك حينما تصل الي هدفها, طبعا تتناسي هذه الشعارات.
كان دائما موقف التشكيك من جانب الرجعية في كل خطوات ثورة يوليو, فعندما تبنت سياسة عدم الانحياز, كان الكلام عما يمكن أن تجره هذه السياسة علي البلاد من أضرار! والكلام لجمال عبد الناصر..
وبعد ذلك, حينما فتحنا الطريق إلي الشرق, وبدأنا الاتفاقات مع الدول الشرقية, وكانوا أول ناس كيفوا أنفسهم حسب الوضع, وتعاملوا مع الدول الشرقية. إن أكثر من كسب من التجارة مع الدول الشرقية هم الرأسماليون, الذين كانوا يعارضون قبل ذلك أن تكون لنا سياسة حيادية إيجابية غير منحازة. وفي كسر احتكار السلاح كان للرجعية موقف, لقد شعرت بالخوف, وبعض الناس ذكروني بجواتيمالا, فهي عندما أخذت سلاحا من الشرق, أمريكا لم تتركها.. أمريكا لن تتركنا, وستقضي علينا!. كذلك ان التفكير الرجعي كان باستمرار هو المؤثر في تأميم قناة السويس, لقد كان موقف الرجعية هو التشكيك والفرح! التشكيك أن ذلك موقف لن ننفد منه, نفدنا من عمليات قبل ذلك, السلاح, عدم الانحياز, إذن الغرب لن يتركنا بأي حال من الأحوال ننفد بقنال السويس. بعد تأميم قنال السويس بدأ العدوان.. ما الذي حدث؟ الشعب كله هب ليدافع عن بلده وعن أرضه وعن شرفه, ولكن كانت الفئات الرجعية المعروفة تجتمع لتهمس وتتكلم, وتبحث كيف تنتهز هذه الفرصة لتخدع الشعب, لقد بدأوا يقولون إنهم سيرفعون عريضة, تحت شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه, وإنهم سيطلبون أن يتفاوضوا مع الإنجليز!.. وقد قلت حينئذ: إن أي شخص سيأتي ليقدم عريضة بهذا الشكل, يعتبر خائنا ولايحتاج إلي محاكمة, وانما الواجب علي أن أنفذ عليه الحكم فورا في حديقة مجلس الوزراء! لأن أي تردد بالنسبة لهؤلاء الناس قد يضر بالبلد. طبعا اختلفوا علي شيء واحد, وهو من الذي سيقدم هذه العريضة؟!. وطبعا لم نؤاخذهم علي المني في حكومة تحت حماية الإنجليز! ولم نمسهم بشيء.
والرجعية المصرية كان لها أيضا دور في الحصار الاقتصادي, الذي بدأ بعد معركة قنال السويس, هربوا الأموال وضاربوا بالنقد, ثم عندما أعلنا تمصير الشركات البريطانية والفرنسية, هربوا الأموال وضاربوا بالنقد, ثم عندما أعلنا تمصير الشركات البريطانية والفرنسية, تجمعوا فورا وقدموا يفطا, كل واحد فيهم يريد شركتين ثلاثا من الشركات الممصرة. وأنا قلت إن جميع هذه الشركات تنضم للقطاع العام.. إننا لن نستطيع أن نجعل الرأسماليين يزيدون تحكمهم.. وعندما بدأنا في التصنيع, ماذا كان دورهم في التصنيع؟ باستمرار كل كلامهم إن رأس المال خايف.. رأس المال كاشش, رأس المال جبان.. وطبعا من رأس المال؟ هم.. هم يريدون ان نترك لهم كل شئ.. إذن كيف نطمئن ونحن ثورة؟!.. سعر الجنيه كان ينزل في الخارج, لأنهم هم الذين كانوا يهربون الأموال!.. وكان الغرض من هذا الكلام أن نخاف, وأن نلقي اليهم بمقاليد الأمور!
من كل ماسبق يتضح ان المعركة من أول يوم لثورة 23 يوليو مع الرجعية المصرية هي معركة فيها شد وجذب, وفيها صراع طبقي, والكلام مازال لجمال عبدالناصر.. أنا من أول ما نشأت في هذا البلد وأنا طالب, شاعر إن فيه صراع طبقي. لأنه كان هناك ظلم اجتماعي, وكانت هناك طبقة تسود وتتحكم..
بعد تراجع الاستعمار في عام 1957, وإنتصار الثورة السياسية بجلاء الإنجليز, واستعادة قناة السويس, كان من الطبيعي أن ننتقل إلي المرحلة الثانية, وهي الثورة الاجتماعية فالحرية الاجتماعية كانت تعني أن يكون للمواطن الحق في نصيب من ثروة وطنه, طبقا لجهده الخاص.
فماذا فعلت الرجعية؟! أقلمت نفسها, خصوصا بعد أن أعلنا تكوين الاتحاد القومي.. وأن هناك صراعا طبقيا, ولكن لانريد أن نحل هذا الصراع بالعنف ولابالقوة ولابالدم, وإنما نحله داخل الاتحاد القومي.
بعد 1957 رفع الرجعيون يفط الاشتراكية.. وبدأ بعد ذلك الانحراف في قطاع الصناعة والتجارة والمقاولات, ووصل الأمر الي حد التخريب, بالرشاوي ففي سنة 1960 الثورة بدأت تتعثر, الرأسمالية المستغلة بدأت تنفذ, وبدأت تتسرب وتتسلل الي الحكم.. يعني تقريبا أنا في يوم من الأيام قلت: ان الرجعية والرأسمالية المستغلة بدأت تسرق الثورة!
لقد كانت متصدرة في الاتحاد القومي, وفي التجارة, وفي الأرباح. وبالطبع اشتد عداء الرجعية للثورة بعد القوانين الاشتراكية في 1963,1961 وكانت حربا خفية عليها.
ما الهدف من إثارة تاريخ ثورة23 يوليو الآن؟ ان قيمة التاريخ هي في استشراف المستقبل وألا نقع في أخطاء الماضي, وأن نختصر الوقت في مراحل الثورة السياسية والاجتماعية, بألا نتبع منهج التجربة والخطأ.
كل ما أردت ان أذكر به, أنه يوجد في مصر الآن صراع طبقي ليس أقل ضراوة مما كان في عام 1952 وما بعدها, بل بالعكس إنه أشد تدميرا لاختلاف عوامل الصراع عن الحقبة الأولي, من زيادة السكان, وارتفاع نسبة الفقر فيما بينهم الي 41% وازدياد الوعي الشعبي بهذا الصراع, في ظل التقدم في أجهزة الاعلام المرئي المحلي والدولي, وإتاحته للجميع.
إن كل هدفي هنا هو تأكيد خطورة الصراع الطبقي, والتحذير من الرجعية المصرية التي استمدت القوة في عهدي السادات ومبارك, نتيجة للجمع بين المال والسلطة, وتلونت بكل لون.
إنني أدعو الي البدء فورا في تنفيذ الثورة الاجتماعية, فقد مضي أكثر من عام علي ثورة 25 يناير ولم يحصل الشعب بعد علي أي مكسب! وفي نفس الوقت ينبغي ان تضع القيادة السياسية خطة لحل هذا الصراع الطبقي بطريقة سلمية, فهو قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار والأمن في بلدنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق