قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 20 مايو 2013

تُعسا لديمقراطية أنجبتك : ملاحظات على مذكرات بوش


وجهات نظر
عبدالواحد الجصاني
تجلّت عدوانية وعنصرية وغطرسة جورج دبليو بوش بأخسّ صورها في مذكراته، مثلما تجلّت فيها فاشيّة الديمقراطية الأمريكية التي حوّلت الشعب الأمريكي إلى أمة من الغنم تنتخب مثل هذا الجزار العنصري الكذاب رئيسا لها... ثم تعيد إنتخابه!
مذكرات بوش وعنوانها Decision Points الصادرة عن دار النشر Virgin Books-UKالمطبوعة عام 2011 تصيب القاريء الموضوعي بالصدمة، فرغم أنها كتبت بعد أكثر من سبعة أعوام على غزو العراق، إفتضحت خلالها الأباطيل المصاحبة للغزو وأوقعت فيها المقاومة العراقية الهزيمة المنكرة بالمحتلين، لكن المذكرات لم تأخذ عبرة مما حصل وتجاهلت الحقائق على الأرض وأصرّت على إعلاء العدوان والباطل وتبجيله.


أهمية هذه المذكرات لا تأتي من كونها تعبّر عن عقلية بوش كرئيس سابق، فهذه المذكرات كتبها جيش من المستشارين السياسيين واللغويين لبوش، لإنه لا يجيد كتابة فقرة ولا إرتجال كلمة، ويكفي طباعة كلمة Bushisms على محرك البحث غوغل للإطلاع على سقطات بوش اللغوية والسياسية المضحكة. لكن تأتي أهمية هذه المذكرات من كونها تعبير عن موقف المؤسسة السياسية التي ينتمي اليها وهي اليمين الغربي العنصري الصهيوني. ولو راجعنا مذكرات بلير وتينيت ورامسفيلد لوجدنا ذات الخيط يربطها جميعا. كما أن هذه المذكرات هي دليل إضافي يجدر ضمّه الى ملف المطالبة بمحاكمة بوش ورهطه كمجرمي حرب عندما تحين الفرصة لذلك.
ولو أراد باحث أن يفنّد ما في هذه المذكرات من اباطيل لإستعرض جميع فقراتها، فكل ما فيها هو كذب فج رخيص وتلاعب بالألفاظ والمعاني وعزة بالعدوان وإستعلاء عنصري وإحتقار للقانون وغطرسة القوة الغاشمة. وساكتفي بإستعراض نماذج مما ورد في المذكرات بشأن العراق والرد عليه، وأحث إخوتي الكتاب المنصفين أن يلقوا المزيد من الأضواء على الطبيعة الفاشية التدميرية لهذه المؤسسة العنصرية الباغية تنويرا للناس وإحقاقا للحق وإنصافا للتاريخ.
1 : خصص بوش الجزء الأكبر من فصل العراق في مذكراته للحديث عما أسماها ملابسات ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحاول أن يتنصل من المسؤولية عن الوثائق والمعلومات المزورة بشأن هذه الأسلحة، والقى اللوم في ذلك على الأجهزة الإستخبارية الأمريكية وأيضا على جهزة إستخبارات دول العالم كافة! يقول بوش في الصفحة 242 (كنت أستلم منذ سنتين تقريبا تقارير وإيجازات إستخبارية، والخلاصة التي كانت تمثل شبه توافق دولي تقول إن صدام يمتلك اسلحة دمار شامل. وكان الرئيس الذي سبقني يؤمن بذلك، وكان الكونغرس بديمقراطييه وجمهورييه يؤمن بذلك، وتؤمن به الأجهزة الإستخبارية في المانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين ومصر). وإستعرض في الصفحات من 228 – 235 نماذج كثيرة من هذه التقارير الإستخبارية التي تتحدث عن ترسانة العراق الهائلة من أسلحة الدمار الشامل. وخلص في الصفحة 262 إلى القول (لم نكذب بل كنّا جميعا على خطأ).
وادناه بعض الملاحظات على ما ورد :
أولا: يصور بوش المسألة وكأنها أمر عادي : صدور إتهام وثبوت بطلانه و(يا دار ما دخلك شر) بينما الحقيقة إن هذا الإتهام أسست عليه حرب كونية شاركت فيها 48 دولة وإرتكبت فيها ما لا يحصى من جرائم الحرب وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. القانون الدولي ينصّ على محاسبة من إرتكب مثل هذه الجرائم وفي مقدمتهم من إتخذ قرار الحرب بناء على هذه الأكاذيب. وحتى لو إفترضنا أن التقارير الإستخبارية التي قدمت لبوش صحيحه فإن قراره بغزو العراق يبقى غير شرعي ، إذ المفروض بالإدارة الأمريكية أن تذهب الى مجلس الأمن وتطلب منه إتخاذ الإجراءالمناسب، بضمن ذلك التخويل بإستخدام القوة. وأمريكا تعهدت في جلسة إعتماد القرار 1441(2002) المعقودة يوم 8/11/2002 أنها لن تتصرف منفردة، حيث ذكر ممثلها الدائم جون نغروبونتي الآتي (لا يتضمن هذا القرار، كما قلنا لأعضاء مجلس الأمن في مناسبات عديدة، أية " زنادات خفيّة " أو " تصرف تلقائي " فيما يتعلق بإستخدام القوة، وفي حالة إبلاغ مجلس الأمن من قبل لجنة التفتيش أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو إحدى الدول الأعضاء بحدوث إنتهاك عراقي آخر، فسيقوم المجلس بإجراء مشاورات على النحو الذي تقتضيه الفقرة 12) _ انظر جلسة مجلس الأمن 4644 لعام 2002 اضمن وثائق الأمم المتحدة-
ثانيا :  إستشهد بوش بتقارير المخابرات ولم يستشهد بتقارير مفتشي الأمم المتحدة المتواجدون في العراق ويملكون أحدث التقنيات لرصد أي نشاط محظور، وهؤلاء المفتشون ومن يرأسهم (بليكس والبرادعي) كانوا موالين لأمريكا ويتفانون في خدمتها، لكن الوقائع على الأرض كانت تجبرهم على الإعتراف بأنهم لم يعثروا على أي سلاح أو نشاط محظور وخدموا أسيادهم الأمريكان بإطالة السياق والإدعاء بالحاجة الى مزيد من التحقق لتأخير حسم الملف. ولنفرض أن بوش لا يثق بالمفتشين ويريد الإعتماد على مخابراته، ألم يكن حريّا به ان يتحقق من صحة هذه التقارير الإستخبارية، خاصة وأن برامج اسلحة الدمار الشامل ليست (علبة كبريت) كي تخفيها الدول.، بل هي منشآت وأبنية ومختبرات ومفاعلات يمكن كشفها بسهولة بوسائل المراقبة والرصد الحديثة ومنها الأقمار الصناعية التي تملك الولايات المتحدة أكبر عدد منها؟
ثالثا : وحتى في الحالة الوحيدة التي إستشهد فيها بوش بتقرير رئيس المفتشين بليكس، فإنه تلاعب بالنص وإنتقى منه واضاف عليه. ففي الصفحة 244 من مذكراته قال (في 27 كانون الثاني قدم بليكس تقريرا رسميا الى الأمم المتحدة قال فيه إن مفتشيه وجدوا رؤوسا حربية كان المفروض أن يعلن عنها صدام ويدمرها، كما وجودوا مؤشرات على غاز الأعصاب عالي السميّة VX وعوامل وسيطة لغاز الخردل).
هذا الكلام هو تشويه متعمد للوقائع. فهي لم تكن رؤوسا حربية بل عدة قذائف مدفعية عيار 122 ملم معبأة بغاز الخردل وكانت غير صالحه للإستخدام لإنها مدفونة منذ عام 1991. والجانب العراقي هو الذي نبه المفتشين اليها، مثلما نبه المفتشين لاحقا الى أربعة قذائف مدفعية مشابهة في معسكر التاجي. أما المؤشرات على غاز الأعصاب وغيره فلم ترد في تقرير بليكس بل تحدث بليكس عن مواصلة إجراءات التحقق من تدمير العراق لغاز الأعصاب عام 1991. وبالمقابل تجاهل بوش أن بليكس قال في نفس تقريره الذي إستشهد به، وهو موجود ضمن وثائق الأمم المتحدة/الوثيقة S/PV/4692، الآتي (التفتيشات بدأت في 27/11/2002 وأجرينا 550 تفتيشا غطت 350 موقعا، وكل عمليات التفتيش جرت دون إشعار مسبق للجانب العراقي) واضاف بليكس (التفتيشات شملت عموم العراق في المواقع الصناعية ومخازن الذخيرة ومراكز البحوث والجامعات والمواقع الرئاسية والمختبرات المتنقلة ودور السكن ومنشآت هيئة تصنيع الصواريخ والقواعد العسكرية والمواقع الزراعية، وفي بعض المواقع جرى إستخدام الرادار المخترق للإرض، وأخذت أكثر من 200 عينة كيمياوية و 100 عينة بايولوجية من مختلف المواقع والفحوصات أثبتت تطابقها مع إعلانات العراق).
وللتوضيح فإن عبارة (تطابقها مع إعلانات العراق) تعني أن إعلانات العراق صحيحة وأن المفتشين لم يجدوا أية اسلحة أو أنشطة محظورة.
2 : حاول بوش إستدراك غياب الأدلة المادية على حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل باللجوء الى ما أسماها (الإستنتاجات المنطقية)، ففي الصفحة 223 من مذكراته، وفي سياق حديثه عن لحظة إصداره الأوامر بغزو العراق، قال (لأكثر من عام حاولت مواجهة مخاطر صدام من دون الإضطرار لإستخدام القوة، وحشدنا تحالفا دوليا للضغط عليه لكشف برامج أسلحة الدمار الشامل، وحصلنا على قرار جماعي من مجلس الأمن أعلن بوضوح أنه ستكون هناك عواقب وخيمة إذا إستمر صدام في تحديه، وإتفقنا مع دول عربية حول (مقترح) خروج صدام من العراق وذهابه الى المنفى، وأعطيت صدام حسين وولديه مدة 48 ساعة لتجنب الحرب، لكن الدكتاتور رفض كل هذه الفرص، وكانت الخلاصة المنطقية الوحيدة إنه كان لديه شيء يخفيه، شيء شديد الاهمية يجعله مستعدا للذهاب الى الحرب من أجله). وكرر هذا الإستنتاج في الصفحة 253 حيث قال (ان الخلاصة المنطقية الوحيدة هي أن صدام حسين كان يخفي أسلحة دمار شامل وأنه كان يدعم الإرهاب وأنه كان عدوا لدودا لأمريكا، ولكن لم يكن لدينا سبيل لمعرفة أين يخفي هذه الأسلحة). ولكي يدعم (إستنتاجاته المنطقية) اضاف اليها القول إن الرئيس صدام حسين هو الذي إدعى إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل، حيث ذكر في الصفحة 269 (كل التحليلات النفسية التي قرأتها عن صدام حسين تقول إن همّه الأول هو النجاة، فإذا كان يهمّه كثيرا أن يبقى في السلطة فلماذا قامر بسلطته بإدعائه أنه يملك أسلحة دمار شامل).
الفقرات أعلاه تؤكد أن بوش ورّط بلده في حرب مدمرة على العراق بناء على قناعة داخلية أسسها على إفتراضات وتخمينات. أما قوله إن الرئيس صدام العراق هو الذي إدعى إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فإن آلاف البينات والوثائق التي قدمتها حكومة العراق، وهي منشورة ضمن وثائق الأمم المتحدة، تؤكد تدمير برامجها النووية والكيمياوية والبايولوجية في نهاية عام 1991. والرئيس صدام حسين كان يشير في جميع كلماته ذات العلاقة إلى هذه الحقيقة وآخرها كلمته التي القاها بالنيابة وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 19/9/2002 والتي جاء فيها (ها أنا ذا أعلن أمامكم أن العراق خال تماما من جميع الأسلحة النووية والكيمياوية والبايولوجية).
الخلاصة هي أن المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة تنفذ معتقداتها وقناعاتها بغض النظر عن الدلائل المادية والوقائع، وبغض النظر حتى عن الحسابات الإستراتيجية، ولذا فهي تلوي الحقائق وتزور الوثائق لتتسق مع أهدافها العدوانية. وعندما ينفضح كذب وتزوير هذه المؤسسة تلجأ للمزيد من الكذب والتدليس، مستندة إلى إعتقادها بتفوقها العنصري وغلى أعلامها المضلل ونظريتها القائلة إن القوة دائما على حق.
3 : أما تأكيد بوش على وجود شبه إجماع دولي على إمتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل فهو الآخر تدليس واضح , فالوقائع تقول إن المخابرات المريكية طلبت من مخابرات دول عديدة تزويدها بمعلومات من المعارضين العراقيين المتواجدين على أراضيها، وهؤلاء أغلبهم من العملاء أو طالبي اللجوء، لذلك سعوا إلى نيل الحظوة لدى أسيادهم بروايات تشبه قصص ألف ليلة وليله عن أسلحة العراق المخفية، وبوش صدقها دون تمحيص. المانيا و فرنسا، مثلا، نقلتا الى أمريكا معلومات العملاء لكنهما لم تكونا مقتنعتين بحيازة العراق أسلحة محظورة بدليل إصرارهما على إعطاء المفتشين فرصة لإنجاز مهمتهم ومعارضتهما لغزو العراق. أما بشأن مصر فقد اضاف بوش إلى إدعائه أعلاه قوله في الصفحة 247 من مذكراته (الرئيس حسني مبارك أخبر تومي فرانكس أن لدى العراق أسلحة بايولوجية وأنه متأكد أن العراق سيستخدمها ضد القوات الأمريكية). وحال صدور المذكرات كذّب المتحدث الرسمي بإسم الحكومة المصرية السفير سليمان عواد هذا الإدعاء. والحقيقة حول هذا الموضوع نشرت تفاصيلها في الصفحات 134-138 من كتاب الصحفية Jane Mayerالمنشور عام 2007 وعنوانه The Dark Side (والذي لم يقرأه بوش حتما) وخلاصته أن القوات الأمريكية عند غزوها أفغانستان عام 2001 القت القبض على مجموعة من قادة تنظيم القاعدة، وكان من بينهم مواطن ليبي إسمه علي عبد العزيز الفخيري ولقبه إبن الشيخ الليبي وكان مسؤول معسكرات التدريب التابعة للقاعدة في أفغانستان. ووزعت المخابرات الأمريكية المقبوض عليهم على مخابرات دول عديدة طالبة إستجوابهم وإعادتهم اليها، وكان الليبي من حصة المخابرات المصرية التي وضعته حال استلامه في قفص صغير وتركته لمدة ثمانين ساعة وعندما اخرجته منه كان مستعدا للإعتراف بأي شيء حتى لا يعاد الى القفص اللعين، وعندما سئل عن تعاون القاعدة مع العراق في مجال أسلحة الدمار الشامل أجابهم بإن القاعدة تتعاون مع العراق في االمجالات النووية والكيمياوية والبايولوجية وعندما سئل هل درّب العراق أعضاء من القاعدة على صناعة القنابل والسموم والغازات المميتة، أجاب بالإيجاب. وقام حسني الخفيف بإخبار تومي فرانكس بهذه الإعترافات واستخدمها بوش وتشيني ورايس في خطبهم عند التحضير لغزو العراق، كما إستخدمها باول في خطبته الشهيرة أمام مجلس الأمن يوم 5/2/2003. ولما وصلت هذه الإعترافات إلى خبراء البنتاغون والمخابرات الأمريكية شكّوا في صحّتها كونها لم تتضمن دلائل أو وقائع أوأسماء، ورفعوا تقارير بذلك الى روسائهم، لكن تقاريرهم أخفيت ولم تعرض على الرئاسة الأمريكية. وبعد غزو العراق وإنزعاج الأمريكان لعدم عثورهم على أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، عادوا في شباط 2004 إلى إبن الشيخ الليبي في سجنه في أفغانستان لإستجوابه حول إعترافاته في مصر، فقال لهم إن ما إعترف به للمخابرات المصرية كان من وحي خياله خوفا من العودة الى القفص الرهيب، وأنه لا يعرف ولم يسمع عن أي علاقة للعراق بالقاعدة.
4: بالغ بوش في إظهار مقته الشديد للعراق وللرئيس صدام حسين، وكرر أغلب إدعاءات حملة شيطنة العراق والرئيس صدام حسين التي انتجتها وسائل الإعلام الغربية الصهيونية منذ عام 1990. وما ورد في الصفحة 228 من مذكراته يلخّص موقفه من العراق حيثيقول (عندما وقعت أحداث 11/9 كان علينا إعتماد نظرة جديدة إزاء كل المخاطر التي تواجه العالم. كانت هناك دول تدعم الإرهاب وكان هناك أعداء ألدّاء لأمريكا وكانت هناك حكومات عدوانية تهدد جيرانها وكانت هناك أمم تنتهك المطالب الدولية وكان هناك دكتاتوريون يقمعون شعوبهم وكانت هناك أنظمة تواصل بناء أسلحة الدمار الشامل. أما العراق، فإنه لوحده يشتمل على كل هذه المخاطر).
ثم ينطلق من هذه الخلاصة ليقدم تفصيلات من (تقارير إستخبارية) عن (شرور صدام)، ومن بينها :
الصفحة 227 : (صدام إختلس حوالي ملياري دولار من برنامج النفط مقابل الغذاء من أجل أن يغتني المقربون له وليعيد بناء قوته العسكرية)
الصفحة 228 (صدام لم يتعاطف مع الإرهابيين فحسب بل كان يدفع الأموال لعوائل الإنتحاريين الفلسطينيين).
الصفحة 228 (صدام كان يشن حربا غير معلنة ضد الولايات المتحدة، ففي عامي 1999 و2000 فتحت قواته النار في 700 مناسبة على طيارينا الذين كانوا يراقبون منطقة حظر الطيران. صدام لم يكن عدوا لدودا لأمريكا فحسب بل كان يطلق النار على طائراتنا وأصدر بيانا يمتدح فيه أحداث الحادي عشر من أيلول ودبّر خطة لإغتيال الرئيس الأمريكي، والدي)
الصفحة 229 (في عام 2000 قطع صدام رأس طبيبة أمراض نسائية بحجة الدعارة، وكانت جريمة المرأة الحقيقية هي أنها تحدثت عن الفساد في وزارة الصحة)
الصفحة 229 (صدام لم يواصل صنع أسلحة الدمار الشامل فحسب، بل إستخدمها أيضا، فقد إستخدم غاز الخردل وغاز الأعصاب ضد الإيراننين، واباد أكثر من خمسة آلاف مدني بريء في هجوم كيمياوي عام 1988 على القرية الكردية حلبجه، ولا يعرف أحد ماذا عمل صدام بخزينه من الأسلحة الكيمياوية).
الصفحة 253 (كانت محاولة الفرصة الأخيره لنا والأمل الأخير أن يوافق صدام على المغادرة الى المنفى، وفي لحظة ما قدمت دولة شرق أوسطية عرضا مغريا بأن يغادر صدام الى روسيا البيضاء ويأخذ معه 1-2 مليار دولار، ولكن بدلا من ذلك، وفي آخر فعل من أفعاله، أمر صدام أن يقطع لسان أحد معارضيه وتركه ينزف حتى الموت. لقد اتخذ الدكتاتور قراره وإختار الحرب).
خلط بوش في هذه الفقرات حقائق إنتقاها بأوهام تبناها. نعم ساعد العراق عوائل الإستشهاديين الفلسطينيين، ونعم أطلقت قوات الدفاع الجوي العراقية النار على الطائرات الأمريكية لإنها كانت تخرق أجواء العراق في إستخدام منفرد للقوة من امريكا ضد العراق لم يأذن به مجلس الأمن، ونعم إستخدم العراق الأسلحة الكيمياوية ضد القوات الإيرانية ردا على إستخدام الأخيرة لها ضده، لكن إيران هي التي قصفت حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، والرئيس صدام حسين لم يمتدح أحداث 11/9 بل وجّه نائب رئيس الوزراء طارق عزيز أن يرسل برقية تعزية الى الشعب الأمريكي من خلال الناشطة الأمريكية كاثي كيلي ولم يدبر العراق خطة لإغتيال الرئيس بوش الأب خلال زيارته للكويت بل الكويت هي التي لفقت هذه التهمة، ولم تقتل طبيبة في العراق لإنها إنتقدت وزارة، ولم يختلس العراق ملياري دولار من برنامج النفط مقابل الغذاء لإن أموال البرنامج موجودة في مصرف تابع للأمم المتحدة وهي التي تنفق منه لشراء المواد الإنسانية ولا يسمح للعراق بالحصول على دولار واحد من أموال المصرف.
إن السبب الجلي الذي دعا بوش لإعادة إحياء حملة شيطنة العراق والرئيس صدام حسين هو التمهيد للوصول إلى الخلاصة التي كررها مرات عديدة في صفحات المذكرات وهي (إن العالم أصبح اليوم مكانا أفضل بعد إزالة صدام)، وأضاف في الصفحة 267 (أؤمن بقوة إن إزاحة صدام حسين من السلطة كان القرار الصحيح، ورغم كل الصعوبات التي رافقت ذلك فإن أمريكا أصبحت أكثر أمنا بعد إزالة هذا الدكتاتور القاتل). وكرر هذه الخلاصة في الصفحة 270 (تصوروا كيف سيكون شكل العالم اليوم لو كان صدام باقيا يحكم العراق)،ثم يسرف في الحديث عن الكوارث التي سيجلبها صدام لجيرانه وللمنطقة والعالم وللشعب الأمريكي!
هذه الخلاصة التي نراها أيضا في مذكرات بلير ورامسفيلد ويكررها بكثرة قادة اليمين الأمريكي الصهيوني منذ إقرارهم بالهزيمة في العراق هي ورقة التوت الوحيدة التي بقيت لستر عورتهم بعد إنكشاف تلفقيق حججهم الأخرى لغزو العراق.
5 : قال بوش إن العراق أجبر المفتشين على مغادرة العراق مما إضطر الرئيس كلنتون للرد على ذلك بقصف العراق، حيث ورد في الصفحة 227 من مذكراته الآتي (في عام 1998 اجبر صدام حسين مفتشي الأسلحة على مغادرة العراق، وأصبحت القضية واضحة، توقّف التحقق من أن صدام دمّر كل أسلحته منذ حرب الخليج. ومع مغادرة المفتشين أصبح العالم لا يعرف هل أعاد صدام برامجه، وردت إدارة كلنتون على ذلك بشن عملية ثعلب الصحراء وهي عملية قصف مشتركة مع بريطانيا إستمرت أربعة أيام من أجل إذلال برامج صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل).
الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فالرئيس كلنتون هو الذي أجبر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة على سحب المفتشين وجميع موظفي الأمم المتحدة من العراق، بضمنهم فريق مراقبة الحدود بين العراق والكويت (اليونيكوم) وعددهم 1300 عسكري تابع لقوات حفظ السلام للأمم المتحدة. وبرر كلينتون ذلك بالخشية على أرواحهم لإنه قرر شن غارات مكثفة على العراق. هذه الغارات شنت عندما كان مجلس الأمن مجتمعا لتقييم حالة التقدم في عمل مفتشي الأسلحة في العراق، وكانت عدوانا عسكريا صريحا على العراق، وعرف العالم كله أن هدفها كان تحويل إنتباه الرأي العام الأمريكي والعالمي عن فضيحة عشيقته مونيكا لونسكي.
6: تحدث بوش بالتفصيل في الصفحة 254 من مذكراته كيف أعطى الأوامر بتنفيذ الغارة الجوية لإغتيال الرئيس صدام حسين بعدما إستطاعت المخابرات الأمريكية إستمكانه في مزرعة الدورة، ويضيف (في اليوم التالي للغارة أخبرتني كوندوليزا رايس أن شاهد عيان رأى جثة شخص يشبه صدام حسين يجري إخراجها من بين الأنقاض في مزرعة الدورة، ومرت الأيام وتغيّرت التقديرات. كانت العملية نموذجا إستباقيا لما سيحصل لاحقا : صحة النوايا، شجاعة الطيار ومعلومات إستخباراتية خاطئة).
وموضوع الغارة لإغتيال الرئيس صدام حسين يثير أمرين :
الأول : هو أن بوش إعترف صراحة بتخطيطه وتنفيذه عملية إغتيال لرئيس دولة، وهو بذلك ينتهك بشكل فاضح القانون الدولي الذي يحرّم الإغتيال بإعتباره قتلا من غير محاكمة وكذلك ينتهك القانون الأمريكي أيضا (القرار 1233 الصادر أيام الرئيس جيرالد فورد يمنع الإغتيالات). صحيح أن أمريكا دبرت إغتيال العديد من رؤساء الدول وشخصيات سيلسية أخرى، لكنها حالة فريدة أن يعترف الرئيس نفسه بمذكراته أنه أعطى الأوامربتنفيذ عملية الإغتيال وتأكيده أن نية الإغتيال كانت سليمة. ولذا يمكن، عندما تحين الفرصة، تحريك دعوى قضائية إضافية ضد بوش لتنفيذه محاولته إغتيال الرئيس صدام حسين بإعترافه وسقوط ضحايا أبرياء نتيجة تلك الغارة. وآخر سابقة قانونية في هذا المجال هي أن مجلس الأمن أحال قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري الى المحكمة الجنائية الدولية التي أنشأت محكمة خاصة لهذا الغرض..
الثاني : بشأن المعلومة الإستخبارية بوجود الرئيس صدام حسين في مزرعة الدورة. فقد إعترف بوش بخطأ المعلومة الإستخبارية لكن الكاتب  Thomas Ricks يذكر في كتابه بعنوان FIASCO الصادر عام 2007      نقلا عن إعترافات مسؤولين أمريكان بأن المخابرات العراقية زرعت عملاء في المخابرات الأمريكية زودوها بمعلومات مضللة، حيث ورد في الصفحة 117 الآتي (وأقرّ ريتشارد بيرل مؤخرا ان الحكومة الامريكية جرى إستغفالها، وقال "لدي من الاسباب ما يجعلني اعتقد اننا إستدرجنا للقيام بالهجوم الاول على صدام حسين نفسه بواسطة عميل مزدوج زرعه نظام صدام"، كما تحدث أمام لجنة الخدمة العسكرية في الكونغرس في نيسان 2005 قائلا : اعتقد انها كانت عملية إستخبارية ناجحة من صدام حسين جعلتنا نعتقد انه كان موجودا في مكان محدد وهو لم يكن فعلا هناك).
وحبذا لو أن الفريق طاهر جليل الحبوش يعلق على هذا الموضوع.
7: وعن (نظافة) عدوانه على العراق يقول في الصفحة 255 (خلافا لقصف مدينة درزدن الألمانية وللضربة النووية على هيروشيما وناغازاكي ولإستخدام النابالم في فييتنام، فقد إستثنى هجومنا الكثير من سكان بغداد المدنيين والبنى التحتية.إنها لم تكن للصدمة والترويع فقط بل كانت أكثر الغارات الجوية دقة عبر التاريخ).
يبدو أن بوش لم يطلع على الأفلام التي عرضتها ولا زالت تعرضها وكالات الأنياء عن قصف بغداد العشوائي منذ يوم 20/3/2003، ولم يطلع على قصف طائراته للفلوجة والنجف وتدمير نصف الفلوجة وأجزاء كبيرة من النجف. ولم يطلع على صور آلاف العراقيين الذين قتلهم جنوده عند نقاط تفتيشهم لهوا وإستهتارا، وبالتأكيد لم يطلع بوش على المسح الميداني الذي أجرته منظمة ORB البريطانية عام 2007 وتوصلت بموجبه إلى أن الضحايا من العراقيين المدنيين كانوا 1.2 مليون نصفهم كانوا ضحية القصف الأمريكي، أي بما يفوق ضحايا درزدن وهيروشيما وناغازاكي وضحايا النابالم في فيتنام، بل وضحايا إستخدام أسلحة الدمار الشامل على مدى التاريخ مجتمعين.
8 : وعن الزرقاوي يعترف بوش بحقيقة أن مقره كان في شمالي العراق وفي منطقة تقع تحت سيطرة ميليشيات جلال الطالباني، حيث يقول في الصفحة 255 (في شمالي العراق قامت قواتنا المحمولة جوا بالإستيلاء على عقد المواصلات وساعدت على بناء جسر جوي للتجهيزات والمساعدات الإنسانية، وبمساعدة القوات الكردية جرى تدمير معسكر الزرقاوي)
وجدير بالذكر هنا أن أمريكا إتهمت العراق، قبل الغزو، بإيواء الزرقاوي، ورد العراق مؤكدا أن الزرقاوي وجماعته تركوا افغانستان عبر إيران، وساعدتهم إيران على إقامة معسكرهم في منطقة (الطويله) التابعة لجلال الطالباني، وهي منطقة ولا يستطيع العراق قصفها بالطائرات لإن سلاح الجو الأمريكي يسيطر على اجوائها ضمن ما سميت منطقة حظر الطيران غير الشرعية. والآن يعترف بوش بإن معسكر الزرقاوي كان ضمن المنطقة التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية.
ومن جانب آخر، يبدو أن قصف الأمريكان لمعسكر الزرقاوي كان هدفه إجبار الزرقاوي وجماعته على ترك هذه المنطقة الجبلية الوعرة والتوجه الى داخل المدن العراقية، فأمريكا تريد أن تقول للعالم أن في العراق إرهاب ومقاتلين أجانب. وهذه الفرضية تدعمها حقيقة أن أمريكا تركت حدود العراق سائبة بعد الإحتلال.
9 : يقول بوش في الصفحة 245 من مذكراته (كان عرض كولن باول لمجلس الأمن شاملا وبليغا ومقنعا) ويضيف (تبين لاحقا إن بعض تأكيدات باول غير صحيحة، ولكن في وقتها كانت كلماته تعكس أحكاما محترمة من وكالات الإستخبارات الأمريكية ومن إستخبارت دول العالم).
تبدو هنا صفاقة بوش منقطعة النظير، فكولن باول، ومنذ عام 2007، لا يترك مناسبة دون أن يقول فيها إن معلومات خطابه أمام مجلس الأمن يوم 5/2/2003 كانت ملفقة، وأن هذا الخطاب شكّل وصمة عار له سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى تاريخه السياسي.
10 : يقدم بوش في مواضع كثيرة من مذكراته مواقف واحكام يبدو منها كأنه خارج التاريخ أو يعيش في كوكب آخر، ومن الأمثلة على ذلك :
يقول في الصفحة 260 : (ملايين العراقيين كانوا ممتنين لتحريرنا لهم)
يقول في الصفحة 261 (الغالبية العظمى من العراقيين يريدوننا أن نبقى أكثر لمساعدة ديمقراطيتهم الناشئة على النهوض)
ويقول في الصفحة 234 (لم ينظر لنا الشعب الأفغاني كمحتلين)
يقول في الصفحة 268 (تحرير العراق دفع قضية حقوق الإنسان في العالم الى الأمام)
يقول في الصفحة 397 (في بعض المناطق مثل أفغانستان والعراق كانت لدينا مسؤولية فريدة في اعطاء الشعوب التي حررناها الفرصة لبناء مجتمعات حرة)
إن إدعاء بوش إنه حرر العراقيين وأن شعب العراق ممتن له ويريده أن يبقى ليعلمه الديمقراطية وحقوق الإنسان هو اكبر إهانة توجّه للعراقيين وجرح عميق لكرامتهم. العراق صاحب أكبر مساهمة في صنع الحضارة الإنسانية وصاحب العبقرية المتميزة والنزوع الدائم إلى التفرد والمجد يحرره بوش! وينهل العراق الديمقراطية وحقوق الإنسان من بوش! يا موت زر إن الحياة ذميمة.
11 : تحدث بوش في الصفة 265 عن الهجوم على الدار التي كان يقيم فيها عدي وقصي في الموصل وقال (بعد ست ساعات من القتال قتل الإثنان وبعد ذلك تسلمنا معلومة استخبارية تقول إن صدام حسين أمر بقتل بربارة وجينا ردا على مقتل ولديه)
إن إقراره بمقاومة عدي وقصي ست ساعات يؤكد الشجاعة الفريدة لعدي وقصي ومصطفى يرحمهم الله، والفضل ما شهد به الأعداء. أما توعد الرئيس صدام حسين بقتل إبنتي بوش برباره وجينا فهي جزء من حملة تشويه صورة العراق والرئيس صدام حسين، فالعراقيون لا يردّون بقتل النساء بل يقتلون الغزاة، ثم كيف صدّق بوش أن المقاومة العراقية ستصل الى البيت الأبيض حيث تقيم إبنتاه لقتلهما؟ الم يتحقق من مصدر المعلومة قبل إدراجها في مذكراته؟
12 : يقر بوش في أكثر من موضع من مذكراته أنه عندما كان يزور الجنود الجرحى كان يسمع من كثير منهم أن أمنيتهم هي نيل الجنسية الأمريكية. ويقول في الصفحة 264 إنه أصدر أمرا تنفيذيا بمنحهم الجنسية الأمريكية ,
إن إعتراف بوش بإن نسبة ليست هينة من قواته الغازية تحمل جنسيات أجنبية يعني أنهم مرتزقة. والمرتزق بتعريف القانون الدولي هو من يخدم في القوات المسلحة لبلد أجنبي من أجل المال. والإتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة وإستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 حرّمت تجنيد المرتزقة، كما إستثنى القانون الدولي الإنساني المرتزقة من معاملة أسرى الحرب، وامريكا نفسها تعتبر (الأفغان العرب) مرتزقة ولا تعاملهم معاملة أسرى الحرب، ومنذ إندلاع الأحداث في ليبيا تشن أمريكا والناتو حملة إعلامية على الحكومة الليبية بدعوى تجنيدها المرتزقة الأفارقة. إذا، فالأولى أن يحاسب المجتمع الدولي الولايات المتحدة على إستخدامها المرتزقة في جيشها النظامي، خاصة وأن هؤلاء المرتزقة لم يجر إستخدامهم للدفاع الشرعي عن النفس بل لإغراض الإحتلال والتوسع وإرتكاب جرائم إبادة جماعية.

13: وأختم الملاحظات بالتنبيه من الطبيعة النازية لبوش ورهطه، فقد عرض بوش في الصفحتين 396 و397 ما أسماها (عقيدة بوشقال فيها :
(بعد أحداث 11/9 طورت ستراتيجية لحماية أمريكا وسميت عقيدة بوش وعناصرها هي :
أولا : لا تفريق بين الإرهابيين والدول التي تؤويهم، فكلاهما مسؤولان.
ثانيا : نقل المعركة إلى أرض العدو في ما وراء البحار قبل أن يتمكنوا من مهاجمتنا مرة ثانية هنا على أرضنا.
ثالثا : مواجهة الأخطار قبل أن تتحول إلى أفعال.
رابعا : تعزيز الحرية والأمل كبديل لآيديولوجية القمع الخوف.)
إن هذه العقيدة أخطر على العالم من عقيدة (المجال الحيوي) لهتلر. إنها تعني إلغاء القانون الدولي الذي ينظّم العلاقات بين الدول، والغاء ميثاق الأمم المتحدة، وإطلاق يد أمريكا في أن تحتل وتدمّر أي بقعة في العالم بمجرد إدعائها أن إرهابيا جاء من هذه الدولة أو تلك، أو أن هناك أخطارا تستدعي (ضرية وقائية) لهذه الدولة أو تلك.
والله المستعان

ملاحظة:
نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق