|
أزواد الانفصاليه |
يوم السبت 6 أكتوبر 2012 ذكرت وكالة "أخبار موريتانيا" أن مصادر محلية متطابقة من تمبكتو شمال مالي أكدت، أن يحي أبو الهمام واسمه الحقيقي جمال عكاشة، عين على رأس كتائب الصحراء أو إمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب خلفا لنبيل صحراوي الذي قتل في حادث مرور خلال شهر سبتمبر، في تغيير جديد لقيادة الفيلق المسلح الأقوى في شمال مالي قبل أسابيع من تدخل القوة الإفريقية في المنطقة.
متابعون للشأن الأمني في منطقة الساحل ربطوا هذا التعيين لجمال عكاشة المكنى يحي أبوالهمام على رأس إمارة الصحراء بالتطورات الميدانية والسياسية في المنطقة، حيث تحضر ست دول من غرب إفريقيا للمشاركة في قوة التدخل الإفريقي في شمال مالي، وما ينتظر أن يتبع هذا التدخل من مواجهة عسكرية في إقليم أزواد، بالإضافة إلى ما يشاع من صراع على حكم الإمارة بين عناصر التنظيم المسلح.
يعد تعيين جمال عكاشة الذي يعتبر غربيا خبيرا في العمليات العسكرية في الصحراء والذي قاد اشتباك الغلاوية ضد الجيش الموريتاني، وكان حاضرا في اشتباك قرية إيتواني ضد الجيش النيجري، وشارك في اقتحام مدينة تمبكتو بعد خروج الجيش المالي منها، تحضيرا من تنظيم القاعدة للمعارك القادمة ضد جيوش مجموعة إيكواس، ومحاولة من زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب دروكدال لتحسين الأوضاع الميدانية للتنظيم في شمال مالي بعد الزخم الذي حصلت عليه جماعة التوحيد والجهاد التي تعد أبرز منافسي القاعدة في الساحل، بالإضافة إلى محاولة قادة تنظيم القاعدة في الساحل أخذ المبادرة من مختار بلمختار الذي عاد إلى واجهة الأحداث بفضل علاقاته القوية مع قادة جماعة أنصار الدين الأزوادية.
يوم السبت 6 أكتوبر كذلك افاد مصدر رسمي مالي لوكالة فرانس برس انه تم تعيين رئيس المجلس العسكري الكابتن امادو هايا سانوغو الذي نفذ انقلابا عسكريا في 22 مارس 2012 ودفع مالي الى الازمة، رئيسا للجنة اصلاح الجيش.
وجاء في مرسوم وقعه الرئيس الانتقالي ديونكوندا تراوري ان "الكابتن امادو هايا سانوغو عين رئيسا للجنة المتابعة العسكرية لاصلاح قوات الدفاع والامن".
وعلى الرغم من توقيعه في الثامن من اغسطس، الا انها المرة الاولى التي يعلن فيها هذا المرسوم الذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه. ولا يوجد له أي أثر في الجريدة الرسمية لجمهورية مالي كما يفرض القانون.
ويحدد مرسوم آخر يحمل تاريخ العشرين من أغسطس، تفاصيل تنظيم ووسائل سير عمل اللجنة الجديدة. وأوضح المرسوم ان "لجنة المتابعة العسكرية لاصلاح قوات الدفاع والأمن مؤلفة من أربعة عشر عضوا بينهم رئيس ونائب رئيس".
واللجنة مكلفة خصوصا ب"المشاركة في الاشراف على العمليات العسكرية والاسهام في وضع خطة تدريب قوات الدفاع والأمن وعرض كل المقترحات المتعلقة بتعزيز القدرات العملاتية" للجيش.
ويتعين على رئيس هذه اللجنة ان يقدم عرضا عن انشطتها إلى الرئيس ديونكوندا تراوري.
ويشير تعيين الكابتن سانوغو في هذا المنصب الاستراتيجي في وقت يتم التحضير لتدخل عسكري دولي في شمال مالي الذي تحتله مجموعات مسلحة منذ أكثر من ستة اشهر، إلى عودته رسميا الى الساحة السياسية في مالي وهو ما سيثير حفيظة عدد من الدول الأفريقية التي عارضت الانقلاب العسكري.
والمعروف أن الانقلاب العسكري الذي نفذ في 22 مارس في باماكو اطاح بنظام الرئيس امادو توماني توري الذي يعيش في المنفى في دكار.
وقد سرع الانقلاب في سقوط شمال مالي بأيدي مجموعات مسلحة متطرفة بعضها متحالف مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
وعلى الورق سلم الانقلابيون بقيادة الكابتن سانوغو السلطة الى مدنيين في ابريل، لكنهم لا يزالون يتمتعون بنفوذ في العاصمة المالية حيث يبقى التوتر بين انصارهم ومعارضيهم قائما.
الغاء مناورات عسكرية قبل الانقلاب
قبل خمسة أسابيع تقريبا من الانقلاب العسكري في مالي وخلال النصف الأول من شهر فبراير 2012 قررت حكومة مالي إرجاء مناورات عسكرية واسعة كان مقررا أن تشارك فيها قوات أمريكية وأخرى أوروبية وأفريقية على أراضيها، إلى تاريخ غير محدد، بسبب تدهور الوضع الأمني نتيجة المعارك مع المتمردين الطوارق في شمال البلد. وقالت مصادر مالية موثوق بها إن المناورات التي تحمل اسم "فلينتوك 2012" وتندرج في إطار مكافحة الإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات في منطقة الساحل الأفريقي، كانت مقررة للفترة من 17 فبراير إلى 18 شهر مارس.وأوضحت المصادر أن هذه المناورات السنوية، التي شاركت فيها خلال دورة 2010 قوات من تسع دول أفريقية هي الجزائر وتونس والمغرب وبوركينا فاسو والسينغال ومالي وموريتانيا وتشاد والنيجر، بالإضافة لقوات أمريكية لم يحدد عددها و150 جنديا من خمس دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا واسبانيا وهولندا وبلجيكا، لم يتسن إجراؤها في عام 2011 بسبب الاضطرابات في كل من ليبيا وتونس ومصر. وأجريت حتى فبراير 2012 ست مناورات مشتركة في هذه المنطقة الصحراوية منذ سنة 2005. ويمتد ميدان المناورات من بوركينا إلى السينغال ومالي وموريتانيا وتشاد والنيجر ومناطق مجاورة. وكانت الإدارة الأمريكية السابقة قد قررت في 2007 إنشاء قيادة عسكرية تغطي القارة الأفريقية، عدا مصر التي ظلت تتبع القيادة المركزية. وسعت واشنطن دون جدوى لجعل مركز هذه القيادة وتدعى "افريكوم" في منطقة شمال أفريقيا، وذلك بسبب تحفظ دول المنطقة وخوفها من أن تكون تلك القيادة العسكرية أداة لزيادة فرص وكثافة التدخل الأمريكي في المنطقة.
عدم تنسيق أو تضليل
يوم الأحد 30 سبتمبر 2012 أكد قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال كارتر هام أنه "لن يكون هناك وجود عسكري أمريكي في مالي"، مضيفا أن الولايات المتحدة ستعمل على تقييم طريقة مساعدة هذا البلد بعد نتائج النقاشات الجارية حوله داخل مجلس الأمن.
وذكر هام في لقاء صحفي عقده بمقر السفارة الأمريكية بالجزائر العاصمة، إن التوصل إلى إيجاد حل للوضع في شمال مالي، لن يكون من خلال الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد.
وأشار إلى أن الوضع في شمال هذا البلد "لا يمكن تسويته إلا عن طريق حل سياسي أو دبلوماسي"، مسجلا أن هناك عدة إشكاليات مطروحة بالمنطقة منها "غياب قوة شرعية"، و"ضرورة تلبية انتظارات الساكنة"، و"ووجود مجموعات إرهابية في شمال مالي تزيد من تعقيد الوضع". وحسب قائد الأفريكوم، فإن "تسوية هذا الوضع هي بيد مالي وبيد الفاعلين الإقليميين".
بعض المراقبين اعتبر هذه التصريحات مؤشرا على عدم رغبة البيت الأبيض في وقوع تدخل عسكري على الأقل في الأمد القريب في مالي، مشيرين إلى أنه سجل منذ مايو 2012 تأجيل متكرر وراءه الإدارة الأمريكية، لتصويت من جانب مجلس الأمن الدولي على قرار يساند تدخلا عسكريا خارجيا.
قبل أن تمر 72 ساعة على تصريحات قائد "أفريكوم وفيما اعتبره مراقبون تصحيحا يبين أن الجنرال "هام" غير مطلع بشكل كامل على القرارات السياسية في واشنطن " ذكرت مصادر أمريكية يوم 2 أكتوبر أن ساسة البيت الأبيض عقدوا سلسلة من الاجتماعات السرية خلال الشهور الأخيرة لمناقشة التهديد الذي يمثله فرع القاعدة في شمال أفريقيا، ودراسة إمكانية الإعداد للقيام بضربات أحادية الجانب هناك.
وقد علم أن هذه النقاشات سبقت الهجوم يوم 11 سبتمبر 2012 على المجمع الدبلوماسي الأمريكي في ليبيا.
وأفاد مسؤولون أمريكيون إن المداولات تركزت على طرق مساعدة الجيوش المحلية في مواجهة تنظيم القاعدة، لكنها تطرقت أيضا لاستكشاف إمكانية التدخل العسكري الأمريكي المباشر إذا لم يتم كبح المنظمات الإرهابية.
وأكد المسؤولون أنه لم تتخذ قرارات بخصوص نشر طائرات غير مأهولة مسلحة أو غيرها من التجهيزات القاتلة. وأقرب قاعدة للطائرات غير المأهولة في أفريقيا موجودة في اثيوبيا ولكن هناك قاعدة روتا في إسبانيا وكذلك على سفن البحرية الأمريكية التي تبحر أمام السواحل الغربية لأفريقيا الشمالية. وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية إنهم قد يدرسون إمكانية شن ضربات أحادية الجانب، ولكن كخيار أخير فقط.
وفي الوقت الحاضر، وفقا للمسؤولين، فالتأكيد هو على تقليد صيغة مكافحة الإرهاب في الصومال. وقامت الولايات المتحدة بعمليات استخبارية هناك، وضربات جوية، ولكنها اعتمدت على القوات الافريقية في محاربة المنظمة الموالية للقاعدة المعروفة بحركة الشباب.
وذكر هام، القائد الامريكي في أفريقيا، إنه في مالي ازدادت المهمة صعوبة بسبب عدم الاستقرار السياسي والتأخير في العمل. وقد أضاعت الولايات المتحدة وحكومة مالي والدول الأخرى الفرصة للتعامل مع القاعدة في المغرب الإسلامي، عندما كانت المنظمة ضعيفة.
وذكر مسؤول أمريكي في مكافحة الإرهاب شارك في المناقشات لرويترز: "في الوقت الراهن، لسنا في موقف يمكننا من فعل الكثير حول هذا الموضوع". ونتيجة لذلك، كما قال، فقد بدأ المسؤولون يدرسون خيارات أخرى بما فيها مسألة "هل نفعل أم لا نفعل" بخصوص نشر الطائرات غير المأهولة "طائرات من دون طيار".
وذكر أن الجهود الحالية يقودها مستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض جون برينان، ويشارك فيها مسؤولون من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارتي الخارجية والدفاع. وفي الوقت نفسه فإن القائد العسكري الأمريكي في أفريقيا تجول في مختلف أنحاء القارة، وتوقف في موريتانيا والجزائر ودول أخرى يمكن أن تشارك في قوة حفظ سلام في مالي. ورفض مسؤولون في البيت الأبيض التعليق.
وبالإضافة لذلك، فقد شنت القوات الأمريكية سلسلة من المهمات الاستخبارية المكشوفة، بما في ذلك استخدام طائرات مدنية لإجراء عمليات استطلاع جوية، ومراقبة الاتصالات في أنحاء الصحراء الكبرى والمناطق الوعرة جنوبا والمعروفة بالساحل الأفريقي.
إعادة تقييم
وفي تبرير أو تفسير للتعديلات على المسار المعلن للسياسة الأمريكية في المنطقة ذكر أن تكثف وتدفق النشاطات من جانب الولايات المتحدة جاء في أعقاب إعادة التقييم لمنظمة اعتبرت لفترة طويلة من أضعف المنظمات التابعة للقاعدة. وقد انبثقت القاعدة في المغرب الإسلامي من حركة تمرد التسعينات في الجزائر، وعرفت إلى حد كبير بأنها مشكلة محلية.
وتغير هذا الانطباع أمريكيا عام 2011، والسبب الأهم كان حسب المحللين الأمريكيين هو قدرة المنظمة على استغلال الفوضى السياسية في المنطقة.
وقد وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون معالم هذا التوجه في خطابها أمام الامم المتحدة خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر 2012. حيث قالت: "الإرهابيون مع توفر المزيد من حرية المناورة يسعون لتوسيع نفوذهم وشبكاتهم في جهات متعددة. وتكثف الولايات المتحدة من جهودها لمكافحة الإرهاب لمحاربة التهديد الذي تواجهه المنطقة والعالم".
وذكر مسؤولون أمريكيون إنهم يعيدون تقييم منظمة القاعدة في المغرب الإسلامي وإمكاناتها، جزئيا لتجنب الأخطاء السابقة في الاستهانة بالقاعدة المتمركزة في اليمن.
والسؤال الذي يحوم في أفق المناقشات في البيت الأبيض وفقا أحد المسؤولين الأمريكيين هو: "هل ترون القاعدة في المغرب الإسلامي في نفس الوضع الذي كانت عليه القاعدة في الجزيرة العربية قبل خمس سنوات؟".
وكانت القاعدة في الجزيرة العربية، وهو ما يطلق على المنظمة الموجودة في اليمن، يستهان بها وتعتبر تهديد إقليميا حسب تصريحات أمريكية إلى أن ارتبطت بمحاولة تفجير الطائرة المتجهة إلى "ديترويت" عشية عيد الميلاد من عام 2009.
واستغرق الأمر اكثر من عام قبل أن تشن الولايات المتحددة هجوما واسع النطاق على المجموعة اليمنية المعادية، مستخدمة الطائرات غير المأهولة التي تشغلها قيادة العمليات المشتركة للقوات الخاصة ووكالة الاستخبارات المركزية. ونفذت الولايات المتحدة 33 غارة جوية في اليمن عام 2012، وفقا لمصادر مستقلة.
وحتى مع ذلك، واصلت القاعدة في الجزيرة العربية محاولاتها لشن هجمات، ولكن الأهم كان أن التدخل الأمريكي المكثف ترافق مع تفاقم الأزمة اليمنية الداخلية وبروز ما وصفه بعض المراقبين منطق الفوضى الخلاقة الذي دافع عنه المحافظون الجدد في واشنطن عند وضعهم لأساليب تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير.
وبالفعل أعرب عدد من خبراء مكافحة الإرهاب عن قلقهم من أن الإدارة الأمريكية تضخم التهديد الذي تشكله القاعدة في شمال أفريقيا، وأنها تسعى من وراء ذلك لتحقيق أهداف سياسية.
وأقر مسؤول سابق في جهاز مكافحة الإرهاب الأمريكي تابع نشاطات المنظمة حتى وقت مبكر من عام 2012 : "القاعدة في المغرب الإسلامي تقول أكثر مما تفعل". وعرفت المنظمة في أوساط المحللين بأنها "أقل المنظمات المنتسبة للقاعدة فعالية".
مقابل الذين يرون أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي لا يشكل خطرا كبيرا حيث لا يتعدى عدد رجاله 800 فرد حسب أقصى التقديرات، فإن الخارجية الأمريكية تصفها بأنها "الأفضل تمويلا والأكثر ثراء"، بفضل ممارستها المجزية لاختطاف الأجانب للحصول على فديات، ونشاطاتها في مجال التهريب".
يذكر أنه في أعقاب انقلاب مارس، حظر على البنتاغون تقديم أي معونة او تدريب عسكري إلى مالي.
وفي الوقت ذاته، فان الادارة الامريكية عززت من معوناتها العسكرية الى الدول المجاورة لمالي، ومن بينها دولتان تتعاملان مع قضية اللاجئين والاثار الاخرى المترتبة على الصراع هناك.
ففي يوليو خصصت وزارة الدفاع الأمريكية ما قيمته 6.9 مليون دولار من الشاحنات والملابس العسكرية ومعدات الاتصالات لصالح موريتانيا. واتفق على تسليم النيجر معدات بقيمة 11.6 مليون دولار، في صورة طائرتين من طراز "سيسنا" يمكن استخدامهما في عمليات المراقبة ونقل القوات على وجه الخصوص.
وخلال الشهر ذاته، اعدت قوة امريكية قوامها 600 جندي لقيادة تدريبات عسكرية مشتركة، اطلق عليها اسم "الاتفاق الغربي 2012"، بمشاركة عدد من دول غرب افريقيا، ومن بينها السنغال وبوركينا فاسو وغينيا وغامبيا. كما سجلت مشاركة قوات فرنسية ايضا.
وقد واصلت القيادة الأمريكية الافريقية عمليات المراقبة الجوية، بموجب برنامج سري اطلق عليه اسم "الجدول الرملي"، وتضم قوات العمليات الخاصة الامريكية ولها قواعد في بوركينا فاسو. غير ان احد كبار المسؤولين الامريكيين قال انه لم يكن هناك أي مشاركة امريكية في عمليات القصف الجوي في يونيو في شمال مالي، وانهم لا يزالون يجهلون ما اذا كان ذلك قد وقع بالفعل ام لا. وكانت وكالات الانباء الاقليمية قد ذكرت ان "قصفا جويا غامضا" قتل سبعة من المقاتلين الذين كانوا في قافلة تتكون من أربع سيارات.
أسئلة حول القاعدة
بعيدا عن الدخول في جوهر النقاش الذي يدور حول توجهات وولاءات تنظيم القاعدة الذي ظهر إعلاميا في نهاية عقد الثمانينات خلال الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، يسجل عدد كبير من المراقبين المعطيات التالية:
1- أن نشاط القاعدة يتسم بديناميكية سريعة مثيرة للغاية، فهي سرعان ما تنقل بؤرة نشاطها من منطقة لأخرى بسرعة خيالية، من العراق إلى اليمن، من اليمن إلى المغرب العربي، من المغرب إلى غيرها، وهذا الانتقال الديناميكي السريع يحتاج إلى قدرات هائلة من المال والظروف المناسبة، وبدون دعم دولة كبرى لها مصالحها ونفوذها في مثل هذه المناطق لا تتم مثل هذه الحركة الديناميكية الخطرة، كما أن عمليات القاعدة اتسعت بشكل لا يدع مجالا للريب من أنها مدعومة عالميا، فقد شملت عملياتها العراق والمملكة العربية السعودية ومصر والمغرب العربي واليمن وتركيا وغيرها، فهل يحصل كل هذا من دون دعم كبير، ومن دون اسناد دولي متمكن ومتجذر في العالم؟. وليس هناك غير أمريكا بحكم العلاقة السابقة بين الاثنين؟
2- لماذا لم يظهر أي نشاط قاعدي في إسرائيل مثلا؟ لماذا يغيب وجودها حتى على المستوى العادي في غزة مثلا؟ خاصة وإن ظروف تواجدها هناك ميسرة، لماذا هذا الاستثناء فيما كان لها أكثر من عملية في سيناء؟.
يرى عدد من المحللين إن مثل هذه الملاحظة ترجح أن القاعدة تعمل ضمن مخطط أمريكي، حيث أن إسرائيل كان ينبغي أن تكون الهدف الأول قبل غيرها للقاعدة، ومن يشن حربا شرسة ضد الامريكان في العراق واليمن والسعودية وغيرها لا يعجز عن القيام بعملية في اسرائيل.
ويضيف هؤلاء المحللين: إن عمليات القاعدة في النتيجة النهائية تصب في صالح الغرب، فهي تشوه الاسلام والمسلمين، كما أنها تفسح المجال لتبرير التواجد الغربي والامريكي بشكل خاص في العالم الاسلامي وأجزاء حساسة منه، مثل العراق الذي يعد بوابة العرب على الشرق الأقصى، وافغانستان التي تعد موقعا إستراتيجيا متميزا يشرف على وسط أسيا ومنها إلى روسيا والصين، واليمن التي تعد منطقة حساسة بالنسبة لأمن كل شبه الجزيرة العربية، بل هي تشكل مفترق طرق بين أفريقيا وآسيا والشرق الادني. ومن المعلوم أن أحدى تبريرات التواجد الامريكي العسكري والدبلوماسي الفاعل في هذه البلدان هو خطر القاعدة.وليس هناك شك بأن ما تقوم به القاعدة، يغذي العنصرية في الغرب ضد الإسلام والمسلمين. ويضيف هؤلاء: إن الولايات المتحدة الامريكية لا تريد استقرارا في العالم العربي، وعمليات القاعدة هذه تفي بمثل هذه الرغبة الامريكية، لإن استقرار الأوضاع في العراق واليمن وافغانستان وغيرها من البلاد العربية قد يؤول الى توافق عربي اسلامي تجاه اسرائيل، وقد يهيا الظروف لتنمية اقتصادية وثقافية ناهضة، وربما يجدد للعرب أيامهم الزاهية، ويتسبب كل ذلك في نهضة مزدهرة تنعش الدعوة الاسلامية، وتمتن روابط للعرب والمسلمين.
هكذا يقول هؤلاء المحللون، ولكن كل ذلك لا ينفي ان بعض شرائح وخلايا القاعدة تمردت على امريكا.
صناعة العدو
كتب محلل عربي في 11 أبريل 2012:
إن صناعة العدو مبدأ برغماتي للقوى العظمي عبر التاريخ، والولايات المتحدة مع بداية عقد التسعينات كانت أحوج ما تكون إليه، فبعد إنهيار الاتحاد السوفيتي في يناير1991، العدو التقليدي لها، شهدت الساحة العالمية فراغا سياسيا كان يفترض ان تعم معه مظاهر السلام والأمن بديلا عن حالة الصراع والحرب وان كانت باردة بين قطبي العالم.. فيما الولايات المتحدة لا تزال قوة عظمي وبحاجة لممارسة هذه القوة لفرض هيبتها وهيمنتها على مقدرات الشعوب وثرواتها خاصة مصادر الطاقة، وتريد تبريرا لامتلاكها ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.. وفوق كل ذلك ترغب في حشد وتعبئة وتوحيد الرأي العام المحلي تجاه عدو وإن كان مصطنعا وهميا، وتزداد الحاجة عندما تعاني القوة العظمي ذاتها من مشاكل إقتصادية واجتماعية داخلية، ففي تسعينيات القرن المنصرم وصلت البطالة والفقر والجريمة فيها مستويات قياسية..
في تلك الفترة، بعيد انهيار المنظومة الشيوعية السوفيتية، انهمك منظرو البراغماتية في أمريكا في محاولة صناعة عدو جديد، بدأها صامويل هنتنغتون في كتابه صراع الحضارات لتتوالى المؤشرات على ان العدو الجديد للغرب هم العرب والمسلمون.. غير ان العدو لا يزال هلاميا وتخيليا ونظريا لم يكتسب بعد سمة واقعية تجعل الحرب عليه واستهدافه مبررة أخلاقيا، حتى جاءت المصادفة "إن كانت حقا كذلك" في الحادي عشر من سبتمبر 2001ليصبح العدو مجسدا وحقيقيا، وللطرف الآخر كامل الحق في محاربته.. فبدأت القوة العظمي الوحيدة في العالم حربها ضد الإرهاب مختزلةً إياه في تنظيم القاعدة، تمخض عنها احتلال أفغانستان والسيطرة على العراق البلد الذي يحوي اكبر احتياطيات النفط العالمي، في حين نشط الاحتلال في زيادة قواعده العسكرية في المنطقة العربية وعلى مرمى حجر من عدوه التقليدي السابق.. أما فاتورة الحرب فهناك من تكفل بها، ورفد الخزينة بمليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة، ناهيك عن أموال أخرى تدفقت في شرايين الاقتصاد لتعيد العافية إلى جسد العم سام.
قد يكون في تزامن تبني القاعدة لهجمات سبتمبر مصادفة وفرت للولايات المتحدة عدوا تبحث عنه، والمصادفات عموما هي التفسير الجاهز وفق الرؤية العرضية للأحداث المتجاوزة لقوانين السببية.. وهي النقيض أيضا للرؤية التآمرية للأحداث.. لكن هل ثمة مصادفة في ان يتجاوز الاقتصاد الأمريكي محنته ويحقق معدلات قياسية في النمو، وترتفع معدلات الاستهلاك للمواطن الأمريكي في العشر السنوات اللاحقة للحرب على الإرهاب.. أم الأمر نتيجة منطقية لزيادة الهيمنة الامبريالية على مقدرات وثروات الشعوب في تلك الفترة، حيث يستهلك الأمريكيون بمفردهم 40 في المائة من الموارد والثروات الطبيعية العالمية.
هناك أحداث شتى، يعجز العقل البشري عن تفسيرها منطقيا استنادا الى قوانين السببية، ليحيلها الى المصادفات، غير ان كثير من الأحداث لا تصلح المصادفات لتفسيرها، فيما لا تقدم التفسيرات العقلية تبريرا منطقيا لها، سيما وهي تسير عكس التتابع المنطقي للأحداث.. والعلاقة الغامضة بين أمريكا والقاعدة من تلك القضايا التي لا نجد تفسيرا لها عقلا ومنطقا.. فهي في الظاهر علاقة عداء صريح وحرب شعواء متبادلة، إلا أن ما يتولد منها، وما ينتج عنها يصب في صالح الولايات المتحدة ذاتها لا في صالح الشعوب العربية الإسلامية التي تدعي القاعدة حماية مصالحها من التغول الأمريكي.. والشواهد كثيرة. بإمكان أي متابع حصيف ان يحصي مكاسب الولايات المتحدة من هكذا علاقة، في مقابل "مكاسب" العرب المسلمين إن وجدت..
ان غموض العلاقة تجد تفسيرها فقط في الأجندة الخفية الغامضة للمخابرات الأمريكية وحلفائها، ما يجعل الرؤية التآمرية للأحداث وحدها الناجعة في شرح غموض كثير مما يحدث في المنطقة العربية ويعزز نظرية المؤامرة.
كلينتون تعترف
في شهادتها أمام لجنة في الكونغرش الأمريكي خلال شهر لأكتوبر 2011 إضطرت وزيرة الخارجية الأمريكية أن تلقي الضوء على جزء من علاقة الأجهزة الأمريكية بتنظيم القاعدة حيث قالت:
"نحن ايضا لدينا تاريخ في الدخول والخروج من باكستان ولنتذكر ان الناس الذين نقاتلهم اليوم هم نفسهم الذين كنا نمولهم قبل عشرين سنة وفعلناها لأننا كنا محصورين في هذا الصراع مع الاتحاد السوفيتي، هم احتلوا أفغانستان ولم نرد أن نراهم مسيطرين على أسيا الوسطى لذلك كان علينا العمل، وتحرك الرئيس ريغان بشراكة مع الكونغرس بقيادة الديمقراطيين، وقالوا انها فكرة جيدة لنتعامل مع الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني لنجند هؤلاء المسمين بالمجاهدين ولنجلب المزيد من السعودية وأماكن أخرى لنتمكن من هزيمة الاتحاد السوفيتي. خسر الاتحاد السوفيتي ملايير الدولارات وهزم وكان ذلك شيئا جيدا.
وهذا ما حدث لقد انسحبوا بعد أن خسروا عشرات ملايير الدولارات، وساهم ذلك في إنهيار الاتحاد السوفيتي. لهذا توجد حجة قوية جدا للإقناع وهي أنها لم تكن فكرة سيئة للإستثمار ضد الاتحاد السوفيتي. لكن يجب أن نكون حذرين فيما نشهده لأننا سوف نجني الثمار. بعدها تركنا باكستان وقلنا لهم عليكم الان التعامل مع هؤلاء الذين تركناهم خلفنا تعاملوا مع العقول والمعتقدات في دولتكم وعلى طول حدودكم. وبالمناسبة قلنا لا نريد أن نتعامل مع أفعالكم. نحن توقفنا لمدة عن التعامل مع الجيش الباكستاني وجهاز المخابرات في هذا البلد، والان نحن نعمل من أجل تعويض ما ضيعناه من وقت.
زراعة الجماعات المتطرفة
خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2012 وفي مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" أكد الإعلامي الروسي ميخائيل ليونتيف، أن الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف المتحالفة معها "زرعت" الجماعات الإرهابية المتطرفة.
وأشار الإعلامي الروسي إلى أن "قادة تنظيم "القاعدة" لم يلقوا حتفهم كلهم، وأن القصص حول ذلك تظهر دائما قبل الانتخابات في أمريكا أو بعدها أو في ذكرى 11 سبتمبر. وأضاف إنها أمور لا أصدقها، وهي تدخل ضمن الحملات الدعائية. فهذه المجموعات خلقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
والولايات المتحدة استخدمت "القاعدة" أداة لتخيف بها العالم. ولا أنكر أنه ظهرت مجموعات أخرى تنسب إلى نفسها لقب "القاعدة"، مثل جماعة القاعدة في دول المغرب، وبرأيي، كل هذه المجموعات عبارة عن مؤسسة يصعب تحديد عضويتها، لكن المؤكد أن بعضها تابع لمؤسسات استخباراتية. وهذا جزء من السياسة العالمية وليس الأمريكية فقط بل وسياسة بعض دول المنطقة. لكن في النهاية تنقلب تلك المجموعات على الدول التي ساعدتها على الظهور".
التدخل المباشر
الولايات المتحدة ليست وحدها التي يتقلب خطابها الرسمي بين التدخل المباشر أو عبر أطراف أخرى في مالي ومنها إلى بقية منطقة الساحل التي تحتوي أراضيها على ثروات طبيعية ضخمة من موارد الطاقة المختلفة والمعادن الاستراتيجية الأخرى التي أبقتها الاحتكارات الدولية الضخمة طي الكتمان حتى تتهيأ الظروف والحاجيات لإستغلالها. عدة دول أوروبية تستخدم نفس الأسلوب التمويهي.
يوم الاثنين الأول من أكتوبر 2012، اكد وزيرا الخارجية الالماني والدفاع الفرنسي ان فرنسا والمانيا ستقدمان دعما لوجستيا لبعثة افريقية محتملة في شمال مالي، لكنهما يستبعدان نشر قوات قتالية في هذه المنطقة.
واختصر وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان الوضع بالقول "سندرس في ما بيننا، فرنسيين والمانا، وكذلك داخل الاتحاد الاوروبي الطريقة التي يمكننا ان ندعم بموجبها الامور اللوجستية والتدريب ومواكبة مبادرة يتخذها الافارقة في مالي".
ولذلك فان "ايا منا لا يفكر في تدخل عسكري قتالي".
واضاف "يجب ان يؤمن الافارقة قيادة مثل هذه العملية، وان توافق الامم المتحدة".
والرهان يتمثل في منع شمال مالي الذي يسيطر عليه حاليا متمردون متطرفون، من ان يتحول الى "ملجأ للارهابيين"، بحسب فسترفيلي.
وقال محللا "ان امننا على المحك اذا ما ولدت مدارس حقيقية للارهاب في هذه المنطقة".
وعلى الدوام اعلنت فرنسا التي يحتجز عدد من رعاياها رهائن بيد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، انها لن تقدم سوى دعم لوجستي لا قوات على الارض.
ولكن المتحدث بإسم وزارة الدفاع الفرنسية قال لوكالة فرانس برس انه لا توجد "خطة عسكرية فرنسية حاليا لمالي". غير أن مصادر إعلامية أوروبية أفادت أن باريس أعدت حوالي 24 طائرة مقاتلة مقنبلة وطائرات عمودية، ووحدات من قوات النخبة للتدخل وإسناد القوات الأفريقية.
يذكر أن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان كان قد أكد يوم الخميس 20 سبتمبر أن فرنسا ستقدم "دعما لوجستيكيا". وأضاف ان "هناك عملية بدأت لان رئيس مالي وجه دعوة إلى جيرانه في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لكي يساعدوه في استعادة الشمال".
ان هذه المبادرة "تعود اولا للافارقة لكنها ظاهريا قيد التحضير وسيتطرق إليها رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند في نيويورك أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وأضاف وزير الدفاع الفرنسي ان "فرنسا قالت أنها ستقدم مؤازرتها ودعمها وآمل ان تتحرك دول أوروبية اخرى بالطريقة نفسها أوعن طريق دعم لوجستي". ان الامر سيتعلق بارسال "معدات لا رجال، دعم غير مباشر للعملية".
Omar_najib2003@¤yahoo.fr
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق