قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 30 أغسطس 2015

صلاح المختار : لبنان ينتفض ضد الطائفية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لبنان ينتفض ضد الطائفية
شبكة البصرة
صلاح المختار
لبنان الذي كان القلعة الطائفية الوحيدة والمحاصرة طوال عقود خوفا من انتشار وباءه الى الاقطار العربية الاخرى، حولته امريكا ومعها اسرائيل الغربية واسرائيل الشرقية الى انموذج يحتذى به، فقد صار اوضح من نور الشمس ان هذه الاطراف هي التي نشرت الطائفية والمحاصصات محولة الانموذج اللبناني المعزول الى انموذج طاغ! لبنان هذا تتوفر فيه الان العوامل الاساسية المطلوبة لتوجيه ضربة ربما تكون قاضية للطائفية ونظام المحاصصات التقليدي واقامة نظام وطني مدني مناهض لكافة اشكال الطائفية السياسية والدينية والاقطاع السياسي والاجتماعي.
فما الذي حصل وفجر عوامل التغيير الثوري في لبنان؟ وهل يمكن تحويل انتفاضة النفايات الى انتفاضة تكنس النفايات السياسية قبل النفايات العادية؟ وما السبب في تزامن الدعوة لكنس النفايات السياسية اللبنانية مع تصاعد انتفاضة شعب العراق لكنس زبالات الاحتلال كلها؟

للنظر في هذه الملاحظات الجوهرية والاجابة على التساؤلات نحتاج للتذكير بما يلي :
1- العقود الماضية من المحاصصات بكل نتائجها الكارثية انتجت وعيا شعبيا عاما بان لبنان الذي يعد اكثر الاقطار العربية تطورا مدنيا، رغم وجود مفارقة صاخبة جدا وهي انه الاكثر ايضا اصابة بفايروس يدمر اسس المجتمع المدني والدولة المدنية وهو نظام المحاصصات الطائفية، التي قامت على تقاسم الحكم بين المسيحيين والسنة والشيعة وفقا لمعادلات تجاوزها الزمن وتحولت الى اكبر عبء يكسر ظهر لبنان.
في ذروة تصاعد المد الثوري والتحرري واليساري والقومي في المنطقة في السبعينيات كانت لبنان بؤرة نشر الوعي الوطني والقومي والتقدمي رغم انها مصابه بايدز الطائفية! هذا التناقض عجزت الاحزاب غير الطائفية عن حله لانها تبنت برامج اخرى تهربا من الاستحقاقات الحقيقية في لبنان، وهذا ما استغلته القوى الخارجية خصوصا امريكا واسرائيل الشرقية واسرائيل الغربية لاحتواء المد التقدمي خصوصا بركوب موجه المقاومة وتحويل لبنان الى قلعة لاكبر تجمع طائفي في المنطقة كلها اقيم تحت غطاء زائف هو المقاومة والممانعة!
الان وبعد ان انكشفت هوية حزب الله ووعى ابناء لبنان، خصوصا ابناء جنوب لبنان، ان هذا الحزب ليس لبنانيا في واقع الحال وانما هو تابع بطريقة لا فكاك منها لاسرائيل الشرقية وينفذ ستراتيجيتها الاستعمارية في الوطن العربي، وكانت تجربة حسم هوية هذا الحزب هي دخوله المعارك في سوريا بكل ثقله الذي ادعى انه لمواجهة اسرائيل الغربية واصر بتكرار موثق على انه لن يستخدم الا ضد اسرائيل الغربية، هي التي فجرت البالون الايراني الذي حلق به حسن نصر الله فترة طويلة نسبيا.
لقد عزل حزب الله الان عن كتل اساسية من اهل جنوب لبنان، ان لم يكن عن اغلبيتهم، بعد ان اصبح شباب الجنوب يقدمون ارواحهم بالمئات خدمة للمشروع الايراني الاستعماري وليس لتحرير القدس او تطوير لبنان. هذا الوعي الوطني اللبناني كبر واصبح قوة تستطيع احداث تغيير ملموس في جنوب لبنان من اجل عودة الروح للوطنية اللبنانية،والتي كان جنوب لبنان من اهم المراكز فيها تقليديا حيث نمت الناصرية وقبلها البعث بقوة كبيرة معروفة، فهل توفرت شروط انهاء التبعية لايران بعد ما تحمله ابناء الجنوب من خسائر هائلة بالشباب والاستقرار من اجل خدمة اسرائيل الشرقية بالعودة لاعتبار الوطنية اللبنانية وليس الطائفية هي الهوية الرئيسة؟

2- الطائفية المسيحية بكافة الوانها تراجعت وانكمشت قبل انكماس حزب الله بفترة وفقدت الكثير من اظافرها العسكرية وتحولت الى قوة ثانوية عسكريا ولكنها بقيت تعتاش على نظام المحاصصات الطائفية، والان عادت روح الوطنية اللبنانية لتعيد كتلا مسيحية مهمة الى حضن الوطنية اللبنانية بعد ان اقتنعت بان الطائفية قد استنفدت كافة قواها واليات عملها واصبحت عبء خطيرا على المسيحيين في لبنان يهدد بتهجيرهم منه خصوصا بعد ان اكتشفت هذه الكتل المسيحية ان الغرب له مصلحة في تهجير مسيحيي الشرق من الوطن العربي، وهذه الظاهرة الجديدة يمكن ان تكون المحرك الاكبر للتيار القومي والوطني داخل الديانة المسيحية في لبنان للانخراط في حركة التغيير المدني التقدمية وانهاء المحاصصات الطائفية.

3- الطائفية السنية هي الاخرى تأكلت رموزها وانكشفت مخاطرها على لبنان ومستقبله بعد ان ادركت غالبية واضحة من السنة بان التطرف الطائفي بشكليه المعروفين لا يخدم الا اهداف من يمولونه اقليميا – الاسرائيليتين الغربية والشرقية - وعالميا - امريكا واطراف اوربية - وينخر جسد الاسلام الحقيقي بشيطنته.

4- الان يواجه حزب الله والطائفية الصفوية تراجعا سريعا وكبيرا في كل قطر عربي وجد فيه، فبعد ان نمى حزب الله وتكبّر وتجبّر بانت حقيقته الطائفية المقيتة للجميع وتمزق الغطاء المقاوم له شر ممزق بعد انخراطه الكامل في خدمة المشروع الاستعماري الايراني علنا ورسميا كما هي حالته في سوريا والعراق واليمن والكويت وغيرها، حيث سخر شباب لبنان لنشر النفوذ الايراني في كافة الاقطار العربية وتدريب شباب عرب مضللين بمقاومته الزائفة بعد تحرير جنوب لبنان للقيام باعمال تخريب وارهاب في الاقطار العربية. ولعل ما كشف في الكويت من تخزين كميات هائلة من السلاح تكفي لتشكيل جيش كامل وقيام حزب الله واتباع ايران في الكويت بهذ العمل، وقبل ذلك تهريب اسلحة الى البحرين، جعل جليا للجميع بما في ذلك من خدع من الشيعة العرب بان هذا الحزب هو جزء من جيوش ايرانية تخدم المشروع الامبراطوري الايراني والمغلف زيفا بغطاء طائفي.
لقد اعتمد المشروع التوسعي الايراني مباشرة على التثقيف الطائفي في صفوف حزب الله وكافة التنظيمات التابعة لايران مثل الحوثيين وجمعية الوفاق في البحرين واحزاب الدعوة في العراق وغيره وقامت هذه التنظيمات بارتكاب مجازر جماعية بشعة في العراق تجاوزت وحشيتها بكثير جرائم الهاجاناه وشتيرن ونتنياهو في فلسطين المحتلة وكان هدفها تهجير العرب واحلال فرس او اتباع الفرس محلهم، وهذا ما حصل في ديالى وحزام بغداد وداخل بغداد ويحاول الحوثيون القيام به في اليمن من اجل التحول من اقلية صغيرة الى كتلة كبيرة تفرض ما تريد، كما فعل حزب الله في لبنان.
بعد كل هذا جاء رد الفعل الطبيعي والمتوقع وهو تصاعد الطائفية السنية كرد فعل مباشر على الطائفية الشيعية المتطرفة كما رايناها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، ورد الفعل الطائفي السني كان مدمرا وخطيرا لدرجة اقنع كثير من السنة بان هذا الرد يفضي حتما لخدمة المشروعين الاساسيين المشروع الامريكي الصهيوني والمشروع الفارسي، وهما مشروعان يجمعهما قاسم مشترك واضح جدا وهو انهاء القومية العربية بتقسيم الاقطار العربية وتهجير عشرات الملايين من العرب من اقطارهم.
وما يؤكد تلك الحقيقة هو ما يحصل في العراق وسوريا، من فرض سكان جدد يجلبون من العالم كله بحجة الدفاع عن المقدسات الشيعية وهو استنساخ للمنطق الصهيوني كما هو معروف، واكده ما قاله بشار الأسد من إن (سوريا ليست لمن يسكن فيها أو من يحمل الجنسية السورية بل لمن يدافع عنها) اي ان المواطنة السورية هي لمن يدافع عن النظام وليست للسوريين الاصليين! وهذا كلام فضح اللعبة الايرانية التي تقوم على تحويل العرب الى اقليات متناثرة وسط طوفان من سكان غير عرب جلبوا من كافة مناطق العالم ومنحوا او سيمنحون الجنسية السورية والعراقية وغدا اليمنية ان لم تتم عملية تأديب الحوثيين واعادتهم لجحورهم الاصلية.
الصدام بين التيارين الطائفيين السني والشيعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيره وبعد مسلسل الكوارث المترتب عليه انتج وعيا قوميا ووطنيا حادا يتطور الان ويضاف للوعي الوطني والقومي اللذان تراجعا منذ الثمانينيات من القرن الماضي، ولهذا رأينا في تظاهرات العراق تجاوزا واضحا للطائفية والبدء فورا باقامة الصلاة المشتركة بين السنة والشيعة لتاكيد ان العرب هم عرب اولا واساسا وقبل كل هوياتهم الفرعية سواء كانت طائفية او دينية او اثنية.
ربما يقول البعض بان هذه الظاهرة تكتيكا مرحليا فنقول نعم ربما هي كذلك بالنسبة للبعض ولكنها بالنسبة للاغلبية موقفا واعيا مخلصا، كما انه يجب ان لاننسى ما هو اهم وهو ان الاغلبية الساحقة من عرب العراق واليمن وسوريا ولبنان وغيره قد تيقنت بان تواصل الصراع بصيغته الطائفية سوف ينهي جميع العرب سنة وشيعة وسيجدون انفسهم مشردين في كافة القارات واكثر مما نرى الان لان الهدف الحقيقي للاسرائيليتين وامريكا هو القضاء على العروبة وليس الطائفة او الدين والاخيران هما خير سلاح بيد اعداء العروبة الان.
اذن نحن بأزاء حالة وعي وطني قطري وقومي عربي عام اخذ يتنشر بسرعة انتشار النار في الهشيم بعد الكوارث غير المسبوقة التي نعيشها، وما يجري في لبنان عبارة عن تعبيرات اولية عن هذا الوعي الوطني اللبناني القائم على تاكيد ان الهوية الوطنية اللبنانية وليس الطائفية هي الهوية الاصلية والام والاساسية اذا كان المطلوب هو بقاء لبنان وطنا امنا ومستقرا للجميع يحافظ على جماله ومدنيته وسلامه.
لبنان الان امام فرصة تاريخية كبيرة للخروج من اسار المحاصصات وانهاء القوى التقليدية التي اغتنت بالمحاصصات وسخرت كافة الطوائف لخدمة عوائل واطراف لا صله لها بالمصلحة اللبنانية العامة، وحملة انهاء الزبالات ليست سوى تعبير رمزي عن انتهاء القدرة على تحمل نظام المحاصصات وتبلور بديل امن وطبيعي وهو لبنان العربي المتجاوز للطائفية ونظام المحاصصات والمعتمد على مفهوم المواطنة المتساوية قانونيا وفعليا.
هذا هو التحدي الاكبر الذي يواجه لبنان الان، فهل القوى التقدمية اللبنانية قادرة على العمل بمستوى نداء التاريخ والمستقبل؟ ام ان المساومات سوف تحل محل الحلول الجذرية للمرض اللبناني الذي انتشر عربيا واكتشف الجميع انه الايدز في مراحله الاخطر؟ التاريخ يفتح بواباته للقوى التقدمية اللبنانية وعليها ان تستجيب للنداء العالي الصوت بقبر المحاصصات ونظامها ورموزها ودفن نفاياتها قبل التخلص من نفايات بيروت.
واخيرا نذكّر بان انتفاضة النفايات في لبنان تتزامن مع انتفاضة كنس نفايات العراق والتي رماها الاحتلال الامريكي وزادتها اسرائيل الشرقية تلالا متلتلة زكمت انوف كل العراقيين وخنقتهم بكوارث غير مسبوقة فلم تعد نفوس اهل جنوب العراق تستطيع تحملها واطلقت انتفاضتها ضد التعفن والتفسخ المتسارع في العملية السياسية. ولنذكّر ايضا بان كنس نفايات الطائفية يجد طريقه في اليمن حيث تنهار عصابات الحوثيين امام المقاومة الشعبية للغزو الايراني لليمن.
انها انتفاضة الوعي القومي العربي على المستوى العربي العام ضد الطائفية وما تخفيه تحتها من اهداف استعمارية متنوعة وكي تستمر وتتعاظم الانتفاضة هذه علينا جميعا ان نتمسك بهويتنا القومية العربية ونجعلها مجددا مشعل النور الذي ينير لنا دروب النضال ونار التطهير التي تحرق علاقات ما قبل الامة وفي مقدمتها الطائفية والعرقية.
Almukhtar44@gmail.com
29-8-2015
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق