قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 27 أغسطس 2015

عوني القلمجي : من دونها... الانتفاضة العراقية في خطر

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من دونها... الانتفاضة العراقية في خطر
شبكة البصرة
عوني القلمجي
من غير مقدمات، او الدخول في مناقشات مملة، سنطرق الحديد وهو حار. فمن يراهن على حيدر العبادي بتحقيق اصلاحات ذات قيمة، أو تعيد للناس ابسط متطلبات حياتهم الضرورية، كالماء والكهرباء، فهو في ظلال مبين. ليس العبادي وحده العاجز عن فعل ذلك، وانما ايضا جميع عتاولة المنطقة الخضراء، السابقون منهم واللاحقون، كونهم جميعا ادوات في يد الاجنبي، وعلى وجه التحديد امريكا وملالي طهران. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان حكومة العبادي، والحكومات السابقة قد حصرت مهامها في تدمير العراق واهله،وليس في بنائه وتقدمه. وقد اثبتت سنوات الاحتلال العجاف هذه الحقيقة الدامغة.
ومع ذلك، فان هذه الاصلاحات، بالاضافة الى كونها شكلية، فهي ليست سوى محاولة بائسة لاقناع الناس المنتفضة بالعودة الى بيوتهم، وليس كما صورها البعض بانها البوابة التي تؤدي الى الجنة التي "تفيض لبنا وعسلا". فاقالة نواب لرئيس الجمهورية، او رئيس الوزراء، او عمل "ريجيم" للحكومة، او تقليل حمايات، او تخفيض رواتب، لن توفر، حسب احصائية الحكومة، سوى مئات الملايين من الدولارات، وهذه لا تعادل نفقات قادة الاحزاب الحاكمة لمدة شهر واحد. ومعلوم ان الحكومات السابقة قد تجاوزت وارداتها خلال السنين الماضية اكثر من ترليون دولار، ومع ذلك لم تكلف نفسها ببناء محطة كهرباء فاعلة، او توفر ماء صالح للشرب، او حتى بناء مدرسة او شارع.
لو توقفت مهزلة اصلاحات العبادي عند هذا الحد لهان الامر، ومنينا النفس بانتظار اصلاحات اخرى،لكن المصيبة تكمن بان العبادي لم يلجأ الى هذه الاصلاحات كمقدمة لانهاء معاناة الشعب العراقي، وانما لجأ اليها بسبب عجزه عن استخدام القوة العسكرية لانهاء الانتفاضة. ومرد هذا العجز يعود الى فقدان العبادي اي مبرر، او حتى ذريعة واهية لاستخدام القوة، كالتي امتلكها المالكي ضد الانتفاضات التي قامت بعهده، بصرف النظر عن عدم مشروعيتها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان العبادي لا يستطيع اتهام الانتفاضة بانها تمثل اجندات خارجية، لان الانتفاضة قامت على اكتاف الناس في المدن الجنوبية، وهم اهله ومن مذهبه بلغة الاحتلال الدارجة، وهو لا يستطيع وصف الانتفاضة بالوهابية او التكفيرية او الداعشية، كونها نالت تاييد المرجعية الدينية، بصرف النظر اذا كانت مجبرة او مختارة، وشعارات الانتفاضة جسدت الوحدة الوطنية تحت راية العلم العراقي. وبالتالي لا يمكنه وصفها باحفاد معاوية او ابنه يزيد. والانتفاضة ليس لديها مخيمات في الصحراء حتى تتهم بانها مقرات لتنظيم القاعدة ومخابيء للسلاح.
اما اذا تجرأ العبادي وتجاوز كل هذه المبررات واعتبرها غير ضرورية لقمع الانتفاضة، فانه سيصطدم بجدار الانتفاضة المحصن. فهي، رغم فترتها الزمنية القصيرة، قد شكلت ظاهرة نضالية متميزة لدى الجماهير، وفجرت كل الامكانات الثورية والابداعية لديهم، واظهرت وحدة الشعب العراقي باجمل صورها، بعد ان دنسها المرتزقة واصحاب النفوس الضعيفة، كما اثبتت ولاء الفرد العراقي للوطن وليس للطائفة او العرق او الدين او الحزب. ليس هذا فحسب، وانما اصبح لدى الناس الاستعداد للدفاع عن حقوقهم المشروعة مهما كانت التضحيات. باختصار شديد جدا جدا جدا، لو كان بامكان العبادي استخدام القوة العسكرية ضد الانتفاضة في جمعتها الاولى لفعلها دون تردد ليفوز برضى مراجعه المحلية والاجنبية.
هل يعني ذلك استبعاد حكومة العبادي لخيار القوة العسكرية نهائيا، والسير باتجاه تلبية مطالب الانتفاضة؟ ام انه لن يستسلم وسيعمل على خلق المبررات والظروف الملائمة، التي تمكنه من استخدام القوة العسكرية في الوقت المناسب؟. بعبارة اخرى، هل من مصلحة حكومة العبادي تحقيق مطالب الانتفاضة؟ ام استخدام القوة ضدها؟.
لكي لا نزعج مرتزقة واحباب "القائد المنتظر" حيدر العبادي، والذين كانوا بالامس القريب مرتزقة واحباب "مختار العصر" نوري المالكي، سنعتبر حكومة العبادي مستقلة ومنتخبة ولا سلطان لاحد عليها، وهذا يفرض عليها الدفاع عن شرعية وجودها، شانها شان كل الحكومات في عالمنا العربي التي تعتبر نفسها كذلك. والدفاع عن النفس يقتضي بالضرورة صد كل خطر محدق بها. ومطالب الانتفاضة المعلنة لحد الان، في حال القبول بها، ستشكل خطرا جسيما عليها، اليس كذلك؟، والا ماذا يعني مطلب محاسبة كل مفسد، واعضاء الحكومة والبرلمان كلهم مفسدين؟ كيف تقبل الحكومة بتطهير القضاء، وهو غطائهم والمتستر عليهم؟ وكيف توافق الحكومة بدولة مدنية علمانية تحقق العدالة الاجتماعية واعضاءها تقاسموا المناصب على اسس طائفية وعرقية؟ وكيف ترتضي بفصل الدين عن الدولة، والاحزاب الحاكمة كلها تتبرقع بعباءة الدين؟ اليست هذه المطالب كافية لان تؤدي بالضرورة الى اسقاط الحكومة وبرلمانها وعمليتها السياسية برمتها؟.
اذا كان هذا الاستنتاج صحيحا، فان خيار استخدام القوة هو الذي سيجري عليه العمل من قبل الحكومة لانقاذ نفسها من السقوط. بل ان العمل قد بدا فعلا وبقوة، هنا بيت القصيد ومربط الفرس من هذا الاستطراد كله. فمكائن والات انتاج المبررات المطلوبة، تدور على مدار الساعة. فمن جهة وظفت الحكومة اعلامها باتجاه تضخيم الاصلاحات والنفخ فيها وتلوينها وتزويقها وتجميل قناعها، ليجري الوصول الى النتيجة التالية، اذهبوا الى بيوتكم ودعوا الرجل، او الدكتور، او الحمل الوديع، حيدر العبادي يعمل بهدوء، حيث الاصلاحات المطلوبة تحتاج الى وقت طويل لتلبيتها، وبعكسه تكون الانتفاضة قد خرجت عن مسارها وباتت تستحق العقاب.
من جهة ثانية، بدأ الحديث عن المندسين والمغرضين واعداء العملية السياسية، وتجسيد مخاطرهم على الانتفاضة البريئة، وسرد الروايات عن نجاحهم في اختراق صفوف المنتفضين وحرف توجهاتهم السلمية ودفعهم الى تصعيد مطالبهم وتشجيعهم على خلق الفوضى، الامر الذي يعطي الحق للحكومة في الدفاع عن نفسها باستخدام القوة العسكرية ضد المندسين والمخربين!!.
من جهة ثالثة، بدا العزف على ذات الاسطوانة المشروخة المتمثلة بالعدو الخارجي، او مقولة الذئب خلف الباب، الامر الذي يتطلب وقف الانتفاضة والاكتفاء بما تحقق تحسبا من صدامات تفسح المجال امام داعش للدخول الى بغداد وكربلاء والنجف. بالضبط نفس الذريعة التي استخدمها الحكام العرب لاسكات شعوبهم. ولكن بمصطلحات اخرى، من قبيل لا صوت يعلوا على صوت المعركة.
بالمقابل وعلى الجهة الاخرى، اخذ اتباع الحكومة ومنظروها، واقلامها الماجورة، والذين يعيشون على فتات موائدها، بممارسة واجباتهم المعهودة، ولكن باتجاه اخر يكمل ترهات الحكومة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، طالب هؤلاء المنتفضين باستخدام العقل والحكمة والتحلي بالصبر والقبول بسياسة الخطوة خطوة التي ينتهجها العبادي.
البعض الاخر راح يدخل الناس في متاهات لاشاعة الياس في صفوف المنتفضين، فمنهم من يقول المشكلة ليست بالاحتلال او الحكومة، وانما المشكلة في الشعب، يا للعجب. واخر يدعي المشكلة في الدستور،اكتشاف مذهل، واذا لم يتغير كذا وكذا فلا فائدة ترتجى، والثالث ينسبها للقضاء، والرابع الى مجلس النواب وهكذا. في حين ان كل هذه المفردات هي اركان اي نظام، وما لم يتغير النظام لن يتغير شيء. يا سادة يا لئام.
مهلا يا جماعة " ما هو البديل"، قلنا ونقول وقد اتثبتت التجارب صحة قولنا، والذي لخصناه مرات عديدة، البديل هو الانتفاضة ثم الانتفاضة ثم الانتفاضة، ولا شيء اخر غير الانتفاضة. فلقد جرب العراقيون العملية السياسية، وجربوا الانتخابات، وجربوا الانتظار، وجربوا التوسل والاستجداء وتحملوا وجاعوا ولم يأت الفرج، فعلى العكس من ذلك، فكلما ذهب رئيس او نائب او قاضي اتى الاسواء منه، وكلما ترجوا خيرا بالانتخابات القادمة جاءت نتائجها اسوء بكثير من سابقاتها. وكلما ذهب حرامي مختص بسرقة الالوف من الدولارات، جاء الخلف ليختص بسرقة الملايين، وخلف الخلف اختص بالمليارات، والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة.
الانتفاضة حق مشروع للشعوب ضد الظلم والفساد، سواء كانت سلمية او مسلحة، وهي ليست ابتكارا عراقيا، انها عمل انساني حظي باحترام الدول المتحضرة واقرتها القوانين الوضعية والسماوية، والانتفاضة لا تعني اطلاقا دعوة للاقتتال بين ابناء الشعب، او بين طوائفه وتياراته المختلفة، وانما هي دعوة لنيل المطالب المشروعة للناس، واي اعتراض على هذا الحق هي اعتراضات باطلة، او في احسن الاحوال كلمة حق يراد بها باطل، فدماء العراقيين ستظل تسيل بوسائل متعددة في حال استمرار العبادي بالحكم او من يخلفه. والشعب العراقي ليس الوحيد بين شعوب العالم الذي ينال حقوقه بالقوة، خاصة اذا كانت القوة وتكاليفها تعادل عودة الوطن الى اهله وادارته من قبل ابنائه المخلصين وتوظيف ثرواته لصالح اجياله المتتابعة، الم يخبرنا الامام علي ابن ابي طالب رضي الله عنه حين قال " اني لاعجب من انسان يجوع ولا يسل سيفه".
على هذا الاساس فانه لا خيار امامنا سوى دعم الانتفاضة واسنادها ومطالبة كل العراقيين وفي جميع المحافظات العراقية ان تهب للمشاركة فيها، وخاصة المحافظات الغريبة التي ان الاوان ليزحف اهاليها الى بغداد وتلتقي كل الجموع هناك، ولكي لا تضيع هذه الفرصة التاريخية لانقاذ العراق واهله، على المنتفضين رفض المساومات الرخيصة، او المماطلة والتسويف، او الوقوع في فخ الانتظار، لان ذلك يمنح الحكومة التي بيدها عناصر القوة وقتا كافيا لترتيب اوراقها والوقوف على رجلها وشن هجومها على الانتفاضة واستخدامها للسلاح بكل انواعه. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان الانتفاضة اذا لم تحسم هذه المماطلة والتسويف، فانها ستواجه نفس المصير المؤسف الذي واجهته الانتفاضات السابقة لا سمح الله. او تنتهي في احسن الاحوال الى القبول باصلاحات تافهة لا تقدم ولا تؤخر. ولكي نكون اكثر تحديدا فان الانتفاضة مطالبة بالذهاب الى عقر دار الحكومة والبرلمان واجبارهما على اختيار احد امرين، فاما القبول بجميع مطالب الانتفاضة ومحاسبة كل المفسدين والحرامية دون استثناء، او الاستقالة ووضع انفسهم تحت امرة حكومة وطنية تقوم بتشكيلها قيادة الانتفاضة التي بامكانها وضع برنامج فعلي لاقامة الدولة المدنية المنشودة.
التاريخ ليس كريما في منح الشعوب فرصها التاريخية
26/8/2015
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق