قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 12 فبراير 2016

د. خضير المرشدي : ديمقراطية الميليشيات، العنوان الاسوء والأبرز لمشروع مابعد إحتلال العراق

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ديمقراطية الميليشيات، العنوان الاسوء والأبرز لمشروع مابعد إحتلال العراق
شبكة البصرة
د. خضير المرشدي*
واحدة من المبررات الذي أعلنتها الادارة الامريكية السابقة (إدارة بوش)، بعد إفتضاح زيف وتلفيق الحجج والمبررات الاولى لشن الحرب على العراق واحتلاله وتدميره، هي إزالة (الدكتاتورية)، وتطبيق الديمقراطية وإحترام حقوق الانسان، هذا التبرير الذي لم يصمد طويلاً أمام الانتهاكات المرعبة لهذه الحقوق، والتطبيق المخزي لمفهوم الديمقراطية كنظام لممارسة أهم قيمة في حياة الانسان وهي (الحرية)، فلقد تابعنا بإهتمام ما يجري على الساحة السياسية الأمريكية فيما يخص العراق، وحول هذا الموضوع بالذات ولاحظنا النقد المتزايد من قبل السياسيين والمفكرين الأمريكان للسياسات الامريكية وبالذات رفضهم الشديد لسياسة (تصدير الديمقراطية للعراق بقوة السلاح(!!!
وفي العراق توقفنا طويلاً عند هذه الديمقراطية التي فُـرضتْ علينا بالقوة، نتأمل نتائجها ومخلفاتها الكارثية وتطبيقاتها المرعبة، ولعل الأرقام المهولة حول أعداد القتلى من العراقيين في ظل الديمقراطية قد إختلفت من مصدر لآخر بسبب كثرتها وتنوع مرتكبيها ومارافقها من انتهاكات بشعة لحقوق الانسان حتى إنها تجاوزت مليوني قتيل، عدا أعداد الجرحى والمعوقين والمصابين بعاهات نفسية غير قابلة للشفاء وأعداد الارامل والأيتام، وأعداد ممن سقطوا جراء الحصار الجائر من الأطفال والشيوخ والتي بلغت الملايين مما يضع العالم أمام فاجعة وكارثة كبيرة تعرض لها هذا الشعب الكريم وهذا البلد العريق.

- فقد تم تهجير وتشريد أكثر من ثلث الشعب العراقي تحت عنوان الديمقراطية وبإسمها، وإمتلأت دول العالم بأعداد النازحين واللاجئين هرباً من الموت والملاحقة والجوع والفقر والحرمان.

- وفتحت الديمقراطية المزيّفة الباب واسعاً أمام إثارة الفتن الدينية والطائفية والعرقية والاقليمية وأجَجّتْ الاحقاد والنيران حتى أحرقت الاخضر واليابس في العراق وبعض الدول العربية والإقليمية وبعض دول العالم.

- وجاءت هذه الديمقراطية بمجموعة من الفاشلين وأصحاب السوابق من السراق والجناة والفاسدين والارهابيين والمزوّرين، على حكم العراق ليمارسوا فن الفساد والافساد الشامل والعميق، نهبوا وسرقوا اكثر من ترليون دولار من عائدات النفط، إضافة الى مايدخل خزينة الدولة من الموارد الاخرى، فككوا آلاف المصانع وباعوها في الاسواق الخارجية، دمروا كل منجزات الشعب العراقي التي حققها على مدى اكثر من سبعين عاماً في مجال الصناعة والزراعة والخدمات، سرقوا المصانع ذات الصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وأعلنوا عن نيتهم بيع العراق بالجملة والمفرد، وأهملوا الزراعة بصورة تامة، وانهارت الخدمات، وكمثال واحد في مايتعلق بقطاع الزراعة، فبعد أن كان العراق يصدر مليون طن من الحبوب فائضة عن حاجته سنوياً، أصبح يستورد الآن ثلاثة ملايين طن من الحبوب بسبب تدمير هذا القطاع الحيوي والمهم في إقتصاد العراق.
- في ظل العملية السياسية الديمقراطية مارست اجهزة السلطة والعصابات المرتبطة بأحزابها الدينية الطائفية فن القتل بطرق مبتكرة، الذبح على الهوية وحرق الناس أو سلخهم أو دفنهم وهم أحياء، التمثيل بجثثهم بعد الموت، وقطع أعضاء من أجسادهم وهم احياء، تدمير المساكن وحرقها بعد نهبها وتخريب تام في البنى التحتية للمدن الذين يسيطرون عليها بعد الانسحاب المنظم لداعش منها!!

- العراق في ظل ديمقراطية الميليشيات تحوّل من دولة مستقرة ذات مؤسسات يأمن المواطن فيها على نفسه وماله وعمله ويتمتع بحقوق الانسان الاساسية في التعليم والصحة والعيش الكريم، الى دولة فاشلة وساحة شاملة للفوضى والإرهاب والتطرف والتخلف والحرب الأهلية والقتل المجاني، وحكم العصابات التي شكلت حكومة لها في كل شارع وزقاق يديرها معمم فاسد.

- يتم فيه قمع الحريات العامة والخاصة، واعتقال المتظاهرين وقتل المعتصمين وتعذيبهم وتغييبهم في سجون سرية وعلنية إمتلأت بأصحاب الرأي من الناشطين والمعارضين السياسيين.

- ينتشر فيه فساد مالي واداري وسياسي خطير، وأصبح هو القانون الساري في جميع مفاصل السلطة، يترافق ذلك مع إرتفاع معدلات البطالة والفقر والجوع الى مستويات لم يبلغها العراق من قبل حيث وصل المعدل الى ان 54% من الشعب تحت خط الفقر، وإرتفع معدل البطالة ليصل الى اكثر من 48% من الايدي العاملة.

- إن هذه السياسة (الديمقراطية) سمحتْ لإيران أن تمد اذرعها داخل العراق وتحتله لتحوّله الى كيان تابع لها، تنهب موارده لتستخدمها أداة في سياساتها الاقليمية التوسعية وفي تدريبها لمجاميع إرهابية لزعزعة إستقرار مختلف الدول الأجنبية والعربية وخاصة دول الخليج العربي كما يحصل في البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت ولبنان واليمن وغيرها

- كما وحوّلت هذه السياسة العراق الى دولة ثيوقراطية فاشلة مفكّكة تتحكم فيها فتاوى دينية مشبوهة مضلّلة، يقودها تحالف طائفي فاسد متخلف مرتبط بإيران وينفذ سياستها تحت إسم (التحالف الوطني)، تتصارع فيها كتل وأحزاب وعصابات وميليشيات وأشخاص على السلطة والمال والمناصب التي تباع وتشترى في أشبه مايكون (بمزاد علني) تحت مرأى ومسمع الجميع بحيث أصبح لكل منصب سعر يقابله يتم دفعه للكتلة التي لها الحصة في هذا المنصب أو ذاك.

إن العملية (الديمقراطية) في العراق التي يتم الدفاع عنها من قبل (المجتمع الدولي) ودول نافذة وفاعلة فيه تمثل العنوان الاسوء لمشروع مابعد احتلال العراق، وإذا ماأستمرت هذه العملية دون إزاحة وإزالة كاملة ولكافة هياكلها، فإن فوضى عارمة ستعم دول المنطقة لايستطيع أحد التحكم بنتائجها، عندها ستكون (داعش) مجرد نزهة أمام تداعياتها ومخاطرها.
أميريكا والغرب يعلم إن الديمقراطية الحقيقية هي ليست تلك الديمقراطية التي تُفرضُ بالقوة والقهر أو بالتزوير والتضليل أو بالترغيب والترهيب كما هو حاصل في العراق اليوم، بل هي تلك الديمقراطية التي تولد من رحم الشعوب حسب خصوصياتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها ومستوى التطور فيها، وهي الديمقراطية التي تحافظ على قيم السماء وترعاها، وتقيم الحق والعدل والانصاف وتحترم حقوق الناس، وتدحض الباطل والظلم والتعسف والعدوان والطغيان، وتمنع الدجل والكذب والتضليل والتزوير وتقضي على الفساد والافساد والتخلف. الديمقراطية الحقيقية هي تلك الديمقراطية التي تصون كرامة الانسان وتحقق حريته وتفجر طاقاته، والتي لا تقصي أو تجتث أحداً، إنها الديمقراطية التي تقوم على التنافس الحزبي والسياسي الوطني النزيه، وليست الديمقراطية التي تتنافس فيها الطوائف والمذاهب والعصبيات والمناطق والإثنيات أو تباع وتشترى فيها المناصب وحقائب الوزارات!!!
هَذِه الحقيقة تفْرضُ على المجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص وبقية القوى الفاعلة في الساحة الدولية أن تأخذها بعين إلإعتبار، وتصحيح خطأ تاريخي جسيم أُرتكب بإحتلال العراق وتدميره وتسليط مجموعة من الميليشيات والعصابات والقتلة على حكمه، وهي تعلم جيداً إن السياسة النقدية التصحيحية المتوازنة التي تضع الأمور في نصابها الصحيح، هي السياسة الناجحة التي تحوز رضا الشعوب وتستند الى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة واحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الانسان.
*الممثل الرسمي لحزب البعث في العراق
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق